الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإلهية أَمر بالإجابة لتَكون مصرحة بِمَا أُرِيد مِنْهُم، فيجيب الذّكر والشهادتين بهما، ويجيب الدعْوَة بِمَا فِيهِ تَوْحِيد فِي الْحول وَالْقُوَّة دفعا لما عَسى أَن يتَوَهَّم عِنْد إقدامه على الطَّاعَة من الْعجب من فعل ذَلِك خَالِصا من قلبه دخل الْجنَّة لِأَنَّهُ شبح الانقياد وَإِسْلَام الْوَجْه لله، وَأمر بِالدُّعَاءِ للنَّبِي صلى الله عليه وسلم تكميلا لِمَعْنى قبُول دينه وَاخْتِيَار حبه.
قَوْله صلى الله عليه وسلم: " لَا يرد الدُّعَاء بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة " أَقُول: ذَلِك لشمُول الرَّحْمَة الإلهية وَوُجُود الإنقياد من الدَّاعِي.
قَوْله صلى الله عليه وسلم: " وَإِن بِلَالًا يُنَادي بلَيْل، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادي ابْن أم مَكْتُوم " أَقُول: يسْتَحبّ للْإِمَام إِذا رأى الْحَاجة أَن يتَّخذ مؤذنين يعْرفُونَ أصواتهما، وَيبين للنَّاس أَن فلَانا يُنَادي بلَيْل، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادي فلَان، ليَكُون الأول مِنْهُمَا للقائم والمتسحر أَن يرجعا، وللنائم أَن يقوم إِلَى صلَاته، ويتدارك مَا فَاتَهُ من سحوره.
قَوْله صلى الله عليه وسلم: " إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون " أَقُول: هَذَا إِشَارَة إِلَى رد التعمق فِي التنسك.
(الْمَسَاجِد)
فضل بِنَاء الْمَسْجِد وملازمته وانتظار الصَّلَاة فِيهِ ترجع إِلَى أَنه من شَعَائِر الْإِسْلَام، وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم:" إِذا رَأَيْتُمْ مَسْجِدا، أَو سَمِعْتُمْ مُؤذنًا، فَلَا تقتلُوا أحدا "، وَأَنه مَحل الصَّلَاة معتكف العابدين ومطرح الرَّحْمَة وَيُشبه الْكَعْبَة من وَجه، وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم:" من خرج من بَيته متطهرا إِلَى صَلَاة مَكْتُوبَة فَأَجره كَأَجر الْحَاج الْمحرم، وَمن خرج إِلَى تَسْبِيح الضُّحَى لَا ينصبه إِلَّا إِيَّاه فَأَجره كَأَجر الْمُعْتَمِر " وَقَوله
صلى الله عليه وسلم: " إِذا مررتم برياض الْجنَّة فارتعوا قيل: وَمَا رياض الْجنَّة؟ قَالَ: الْمَسَاجِد ".
وَإِن التَّوَجُّه إِلَيْهِ فِي أَوْقَات الصَّلَاة من بَين شغله وَأَهله لَا يقْصد إِلَّا الصَّلَاة - معرف لإخلاصه فِي دينه وانقياده لرَبه من جذر قلبه، وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم؛ " إِذا تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء، ثمَّ خرج إِلَى الْمَسْجِد لَا يُخرجهُ إِلَّا الصَّلَاة لم يخط خطْوَة إِلَّا رفعت لَهُ بهَا دَرَجَة، وَحط عَنهُ بهَا خَطِيئَة، فَإِذا صلى لم تزل الْمَلَائِكَة تصلى عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ، اللَّهُمَّ صل عَلَيْهِ اللَّهُمَّ أرحمه، وَلَا يزَال أحدكُم فِي صَلَاة مَا انْتظر الصَّلَاة " وَإِن بناءه إِعَانَة لَا عَلَاء كلمة الْحق.
قَوْله صلى الله عليه وسلم: " من غَدا إِلَى الْمَسْجِد أَو رَاح أعد الله لَهُ نزلة من الْجنَّة كلما غَدا أَو رَاح " أَقُول: هَذَا إِشَارَة إِلَى غدْوَة وروحة تمكن من انقياد البهيمية للملكية.
قَوْله صلى الله عليه وسلم: " من بنى لله مَسْجِدا بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة " أَقُول سره أَن المجازاة تكون بصوره الْعَمَل، وَإِنَّمَا انْقَضى ثَوَاب الِانْتِظَار بِالْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يبْقى متهيئا للصَّلَاة وَإِنَّمَا فضل مَسْجِد النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَالْمَسْجِد الْحَرَام بمضاعفة الْأجر لمعان:
مِنْهَا أَن هُنَالك مَلَائِكَة موكلة بِتِلْكَ الْمَوَاضِع يحفونَ بِأَهْلِهَا، وَيدعونَ لمن حلهَا
وَمِنْهَا أَن عمَارَة تِلْكَ الْمَوَاضِع فِي تَعْظِيم شَعَائِر الله وإعلاء كلمة الله.
وَمِنْهَا أَن الْحُلُول بهَا مُذَكّر لحَال أثمة الْملَّة.
قَوْله صلى الله عليه وسلم: " لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد الْمَسْجِد الْحَرَام وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى، ومسجدي هَذَا " أَقُول: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يقصدون مَوَاضِع معظمة بزعمهم يزورونها، ويتبركون بهَا، وَفِيه من التحريف وَالْفساد مَا لَا يخفى، فسد النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْفساد لِئَلَّا يلْتَحق غير الشعائر بالشعائر، وَلِئَلَّا يصير ذَرِيعَة لعبادة غير الله، وَالْحق عِنْدِي أَن الْقَبْر وَمحل عبَادَة ولي من أَوْلِيَاء الله وَالطور كل ذَلِك سَوَاء فِي النَّهْي وَالله أعلم
وآداب الْمَسْجِد ترجع إِلَى معَان.
مِنْهَا تَعْظِيم الْمَسْجِد ومؤاخذة نَفسه أَن يجمع الخاطر وَلَا يسترسل عِنْد دُخُوله، وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم:" إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد فليركع رَكْعَتَيْنِ قبل أَن يجلس ".
وَمِنْهَا تنظيفه مِمَّا يتقذر ويتنفر مِنْهُ - وَهُوَ قَول الرَّاوِي - أَمر يعْنى النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِبِنَاء الْمَسْجِد، وَأَن ينظف ويطيب، وَقَوله صلى الله عليه وسلم:" عرضت عَليّ أجور أمتِي حَتَّى القذاة يُخرجهَا الرجل من الْمَسْجِد "، وَقَوله صلى الله عليه وسلم:" البزاق فِي الْمَسْجِد خَطِيئَة وكفارتها دَفنهَا ".
وَمِنْهَا الِاحْتِرَاز عَن تشويش الْعباد وهيشات الْأَسْوَاق وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم: " أمسك بنصالها ".
قَوْله صلى الله عليه وسلم: " من سمع رجلا ينشد ضَالَّة فِي الْمَسْجِد فَلْيقل لَا ردهَا الله إِلَيْك فان الْمَسَاجِد لم تبن لهَذَا " قَوْله صلى الله عليه وسلم: " إِذا رَأَيْتُمْ من
يَبِيع أَو يبْتَاع فِي الْمَسْجِد فَقولُوا لَا أربح الله تجارتك " وَنهى عَن تناشد الْأَشْعَار فِي الْمَسْجِد، وَأَن يستقاد فِي الْمَسْجِد، وَأَن تُقَام فِيهِ الْحُدُود.
أَقُول أما نَشد الضَّالة أَي رفع الصَّوْت بطلبها فَلِأَنَّهُ صخب ولغط يشوش على الْمُصَلِّين والمعتكفين، وَيسْتَحب أَن يُنكر عَلَيْهِ بِالدُّعَاءِ بِخِلَاف مَا يَطْلُبهُ إرغاما لَهُ، وَعلله النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِأَن الْمَسَاجِد لم تبن لهَذَا أَي إِنَّمَا بنيت للذّكر وَالصَّلَاة، وَأما الشِّرَاء وَالْبيع فلئلا يصير الْمَسْجِد سوقا يتعامل فِيهِ النَّاس، فتذهب حرمته وَيحصل التشويش على الْمُصَلِّين والمعتكفين، وَأما تناشد الْأَشْعَار - فَلَمَّا ذكرنَا - وَلِأَن فِيهِ إعْرَاضًا عَن الذّكر وحثا على الْأَعْرَاض عَنهُ، وَأما الْقود وَالْحُدُود فَلِأَنَّهَا مَظَنَّة للألواث والجزع والبكاء والصخب والتشويش على أهل الْمَسْجِد، ويخص من الْأَشْعَار مَا كَانَ فِيهِ الذّكر ومدح النَّبِي صلى الله عليه وسلم وغيظ الْكفَّار لِأَنَّهُ غَرَض شَرْعِي، وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم لحسان:" اللَّهُمَّ أيده بِروح الْقُدس ".
قَوْله صلى الله عليه وسلم: " إِنِّي لَا أحل الْمَسْجِد لحائض وَلَا جنب ".
أَقُول السَّبَب فِي ذَلِك تَعْظِيم الْمَسْجِد فَإِن أعظم التَّعْظِيم أَلا يقربهُ إِنْسَان إِلَّا بِطَهَارَة، وَكَانَ فِي منع دُخُول الْمُحدث حرج عَظِيم، وَلَا حرج فِي الْجنب وَالْحَائِض، ولانهما أبعد النَّاس عَن الصَّلَاة، وَالْمَسْجِد إِنَّمَا بنى لَهَا.
قَوْله صلى الله عليه وسلم: " من أكل هَذِه الشَّجَرَة المنتنة، فَلَا يقربن مَسْجِدنَا فَإِن الْمَلَائِكَة تتأذى مِمَّا يتَأَذَّى مِنْهُ الْأنس ".
أَقُول هِيَ البصل أَو الثوم، وَفِي مَعْنَاهُ كل منتن، وَمعنى تتأذى تكره وتتنفر لِأَنَّهَا تحب محَاسِن الْأَخْلَاق والطيبات، وَتكره أضدادها.
قَوْله صلى الله عليه وسلم: " إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد فَلْيقل اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أَبْوَاب رحمتك، فَإِذا خرج فَلْيقل اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك من فضلك ".
أَقُول الْحِكْمَة فِي تَخْصِيص الدَّاخِل بِالرَّحْمَةِ وَالْخَارِج بِالْفَضْلِ أَن الرَّحْمَة فِي كتاب
الله أُرِيد بهَا النعم النفسانية والاخروية كالولاية والنبوة قَالَ تَعَالَى:
{وَرَحْمَة رَبك خير مِمَّا يجمعُونَ} .
وَالْفضل على النعم الدُّنْيَوِيَّة قَالَ تَعَالَى:
{لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم}
وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذا قضيت الصَّلَاة فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض وابتغوا من فضل الله} .
وَمن دخل الْمَسْجِد إِنَّمَا يطْلب الْقرب من الله، وَالْخُرُوج وَقت ابْتِغَاء الرزق.
قَوْله صلى الله عليه وسلم: " إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد فليركع رَكْعَتَيْنِ قبل أَن يجلس ".
أَقُول إِنَّمَا شرع ذَلِك لِأَن ترك الصَّلَاة إِذا دخل بِالْمَكَانِ الْمعد لَهَا ترة وحسرة، وَفِيه ضبط الرَّغْبَة فِي الصَّلَاة بِأَمْر محسوس، وَفِيه تَعْظِيم الْمَسْجِد.
قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: " الأَرْض كلهَا مَسْجِد إِلَّا الْمقْبرَة وَالْحمام ".
وَنهى أَن يُصَلِّي فِي سَبْعَة مَوَاطِن فِي المزبلة والمقبرة، والمجزرة، وقارعة الطَّرِيق، وَفِي الْحمام وَفِي معاطن الْإِبِل، وَفَوق ظهر بَيت الله، وَنهى عَن الصَّلَاة فِي أَرض بابل فانها ملعونة.
وَأَقُول الْحِكْمَة فِي النَّهْي عَن المزبلة والمجزرة أَنَّهُمَا موضعا النَّجَاسَة، وَالْمُنَاسِب للصَّلَاة هُوَ التطهر والتنظيف، وَفِي الْمقْبرَة الِاحْتِرَاز عَن أَن تتَّخذ قُبُور الْأَحْبَار والرهبان مَسَاجِد بِأَن يسْجد لَهَا كالأوثان، وَهُوَ الشّرك الْجَلِيّ، أَو يتَقرَّب إِلَى الله بِالصَّلَاةِ فِي تِلْكَ الْمَقَابِر، وَهُوَ الشّرك وَهَذَا مَفْهُوم قَوْله صلى الله عليه وسلم:" لعن الله الْيَهُود وَالنَّصَارَى اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد " وَنَظِيره نَهْيه صلى الله عليه وسلم عَن الصَّلَاة وَقت الطُّلُوع والاستواء والغروب لِأَن الْكفَّار يَسْجُدُونَ للشمس حِينَئِذٍ، وَفِي الْحمام أَنه مَحل انكشاف العورات ومظنة الازدحام، فيشغله ذَلِك عَن الْمُنَاجَاة بِحُضُور الْقلب، وَفِي معاطن الْإِبِل أَن الْإِبِل لعظم جثتها وَشدَّة بطشها وَكَثْرَة جراءتها كَادَت تؤذي الْإِنْسَان، فيشغله ذَلِك عَن الْحُضُور بِخِلَاف الْغنم، وَفِي قَارِعَة الطَّرِيق، اشْتِغَال الْقلب بالمارين وتضييق الطَّرِيق عَلَيْهِم، وَلِأَنَّهَا ممر السبَاع كَمَا ورد صَرِيحًا فِي النَّهْي عَن النُّزُول فِيهَا، وَفَوق بَيت الله أَن الترقي على سطح الْبَيْت من غير حَاجَة ضَرُورِيَّة مَكْرُوه هاتك لِحُرْمَتِهِ، وللشك فِي الِاسْتِقْبَال حالتئذ، وَفِي الأَرْض الملعونة بِنَحْوِ خسف أَو مطر الْحِجَارَة إهانتها والبعد عَن مظان الْغَضَب هَيْبَة مِنْهُ وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم:" وَلَا تدخلوه إِلَّا بَاكِينَ ".