الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الطَّبَقَة الأولى وَالثَّانيَِة فعلَيْهِمَا اعْتِمَاد الْمُحدثين، وحوم حماهما مرتعهم ومسرحهم. وَأما الثَّالِثَة فَلَا يُبَاشِرهَا للْعَمَل عَلَيْهَا وَالْقَوْل بهَا إِلَّا النحارير الجهابذة الَّذين يحفظون أَسمَاء الرِّجَال وَعلل الْأَحَادِيث، نعم رُبمَا يُؤْخَذ مِنْهَا المتابعات والشواهد. {قد جعل الله لكل شَيْء قدرا} .
وَأما الرَّابِعَة فالاشتغال بجمعها أَو الاستنباط مِنْهَا نوع تعمق من الْمُتَأَخِّرين. وَإِن شِئْت الْحق فطوائف المبتدعين من الرافضة والمعتزلة وَغَيرهم يتمكنون بِأَدْنَى عناية أَن يلخصوا مِنْهَا شَوَاهِد مذاهبهم، فالانتصار بهَا غير صَحِيح فِي معارك الْعلمَاء بِالْحَدِيثِ، وَالله أعلم.
(بَاب كَيْفيَّة فهم المُرَاد من الْكَلَام)
اعْلَم أَن تَعْبِير الْمُتَكَلّم عَمَّا فِي ضَمِيره وَفهم السَّامع إِيَّاه يكون على دَرَجَات مترتبة فِي الوضوح والخفاء: أَعْلَاهَا مَا صرح فِيهِ بِثُبُوت الحكم للموضوع لَهُ عينا، وسيق الْكَلَام لأجل تِلْكَ الإفادة، وَلم يحْتَمل معنى آخر، ويتلوه مَا عدم فِيهِ أحد الْقُيُود الثَّلَاثَة، إِمَّا أثبت الحكم لعنوان عَام يتَنَاوَل
جمعا من المسميات شمولا أَو بَدَلا مثل النَّاس والمسلمون وَالْقَوْم وَالرِّجَال، وَأَسْمَاء الْإِشَارَة إِذا عَمت صلتها والموصوف بِوَصْف عَام والمنفي بِلَا الْجِنْس فَإِن الْعَام يلْحقهُ التَّخْصِيص كثيرا، وَإِمَّا لم يسْبق الْكَلَام لتِلْك الإفادة إِن لَزِمت مِمَّا هُنَالك، مثل جَاءَنِي زيد الْفَاضِل بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفضل وَيَا زيد الْفَقِير بِالنِّسْبَةِ إِلَى ثُبُوت الْفقر لَهُ، وَإِمَّا احْتمل معنى آخر أَيْضا كاللفظ الْمُشْتَرك وَالَّذِي لَهُ حَقِيقَة مستعملة ومجاز مُتَعَارَف وَالَّذِي يكون مَعْرُوفا بالمثال وَالْقِسْمَة غير مَعْرُوف بِالْحَدِّ الْجَامِع الْمَانِع كالسفر مَعْلُوم أَن من أمثلته الْخُرُوج من الْمَدِينَة قَاصِدا لمَكَّة، وَمَعْلُوم أَن من الْحَرَكَة تفرج، وَمِنْهَا تردد فِي الْحَاجة بِحَيْثُ يأوي إِلَى الْقرْيَة فِي يَوْمه، وَمِنْهَا سفر وَلَا يعرف الْحَد والدائر بَين شَخْصَيْنِ كاسم الْإِشَارَة وَالضَّمِير عِنْد تعَارض الْقَرَائِن أَو صدق الصِّلَة عَلَيْهِمَا،
ثمَّ يتلوه مَا أفهمهُ الْكَلَام من غير توَسط اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِيهِ، ومعظمه ثَلَاثَة، الفحوى وَهُوَ يفهم أَن الْكَلَام حَال الْمَسْكُوت عَنهُ بِوَاسِطَة الْمَعْنى الْحَامِل على الحكم مثل:{وَلَا تقل لَهما أُفٍّ} .
يفهم مِنْهُ حُرْمَة الضَّرْب بطرِيق الأولى، وَمثل " من أكل فِي نَهَار رَمَضَان وَجب عَلَيْهِ الْقَضَاء " يفهم مِنْهُ أَن المُرَاد نقض الصَّوْم، وَإِنَّمَا خص الْأكل لِأَنَّهُ صُورَة تتبادر إِلَى الذِّهْن، والاقتضاء وَهُوَ أَن يفهمها بِوَاسِطَة لُزُومه للمستعمل فِيهِ عَادَة أَو عقلا أَو شرعا، اعتقت، وبعت - يقتضيان سبق ملك، مَشى يَقْتَضِي سَلامَة الرجل، صلى يَقْتَضِي أَنه على الطَّهَارَة، والإيماء وَهُوَ أَن أَدَاء الْمَقْصُود يكون بعبارات بِإِزَاءِ الاعتبارات الْمُنَاسبَة، فيقصد البلغاء مُطَابقَة الْعبارَة للاعتبار الْمُنَاسب الزَّائِد على أصل الْمَقْصُود،
فيفهم الْكَلَام الِاعْتِبَار الْمُنَاسب لَهُ كالتقييد بِالْوَصْفِ أَو الشَّرْط يدلان على عدم الحكم عِنْد عدمهما حَيْثُ لم يقْصد مشاكلة السُّؤَال وَلَا بَيَان الصُّورَة المتبادرة إِلَى الأذهان وَلَا بَيَان فَائِدَة الحكم وكمفهوم الِاسْتِثْنَاء والغاية وَالْعدَد، وَشرط اعْتِبَار الْإِيمَاء أَن يجْرِي التَّنَاقُض بِهِ فِي عرف أهل اللِّسَان مثل - على عشرَة إِلَّا شَيْء إِنَّمَا على وَاحِد - يحكم عَلَيْهِ الْجُمْهُور بالتناقض، وَأما مَا لَا يُدْرِكهُ إِلَّا المتعمقون فِي علم الْمعَانِي، فَلَا عِبْرَة بِهِ، ثمَّ يتلوه مَا اسْتدلَّ عَلَيْهِ بمضمون الْكَلَام ومعظمه ثَلَاثَة، الدرج فِي الْعُمُوم مثل الذِّئْب ذُو نَاب وكل ذِي نَاب حرَام، وَبَيَانه بالاقتراني وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم: " وَمَا أنزل عَليّ فِي الْخمر شَيْء إِلَّا هَذِه الْآيَة الفاذة الجامعة: {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} .
وَمِنْه اسْتِدْلَال ابْن عَبَّاس بقوله تَعَالَى: {فبهداهم اقتده} .
وَقَوله تَعَالَى: {وَظن دَاوُد أَنما فتناه فَاسْتَغْفر ربه وخر رَاكِعا وأناب} .
حَيْثُ قَالَ نَبِيكُم أَمر بِأَن يقْتَدى بِهِ، وَالِاسْتِدْلَال بالملازمة أَو الْمُنَافَاة مثل لَو كَانَ الْوتر وَاجِبا لم يؤد على الرَّاحِلَة لكنه يُؤدى كَذَلِك، وَبَيَانه بالشرطي وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {