الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَهُ، وينصتوا إِذا قرئَ، وَمِنْه أَن يبادروا لأوامره كسجدة التِّلَاوَة
وكالتسبيح عِنْد الْأَمر بذلك، وَمِنْه أَلا يمسوا الْمُصحف إِلَّا على وضوء
وَأما الْكَعْبَة فَكَانَ النَّاس فِي زمن إِبْرَاهِيم عليه السلام توغلوا فِي بِنَاء المعابد وَالْكَنَائِس باسم روحانية الشَّمْس وَغَيرهَا من الْكَوَاكِب، وَصَارَ عِنْدهم التَّوَجُّه إِلَى الْمُجَرّد غير المحسوس بِدُونِ هيكل يبْنى باسمه يكون الْحُلُول فِيهِ والتلبس بِهِ تقربا مِنْهُ أمرا محالا تَدْفَعهُ عُقُولهمْ بادى الرَّأْي، فاستوجب أهل ذَلِك الزَّمَان أَن تظهر رَحْمَة الله بهم فِي صُورَة بَيت يطوفون بِهِ، ويتقربون بِهِ إِلَى الله، فدعوا إِلَى الْبَيْت وتعظيمه، ثمَّ نَشأ قرن بعده قرن على علم أَن تَعْظِيمه مساوق لتعظيم الله والتفريط فِي حَقه مساوق للتفريط فِي حق الله، فَعِنْدَ ذَلِك وَجب حجه، وَأمرُوا بتعظيمه، فَمِنْهُ أَلا يطوفوا إِلَّا متطهرين، وَمِنْه أَن يستقبلوها فِي صلَاتهم، وكراهية استقبالها واستدبارها عِنْد الْغَائِط
وَأما النَّبِي فَلم يسم مُرْسلا إِلَّا تَشْبِيها برسل الْمُلُوك إِلَى رعاياهم مخبر ين بأمرهم ونهيهم، وَلم يُوجب عَلَيْهِم طاعتهم إِلَّا بعد مساوقة تعظيمهم لتعظيم الْمُرْسل عِنْدهم، فَمن تَعْظِيم النَّبِي وجوب طَاعَته، وَالصَّلَاة عَلَيْهِ، وَترك الْجَهْر عَلَيْهِ بالْقَوْل.
وَأما الصَّلَاة فيقصد فِيهَا التَّشْبِيه بِحَال عبيد الْملك عِنْد مثولهم بَين يَدَيْهِ ومناجاتهم إِيَّاه وخضوعهم لَهُ، وَلذَلِك وَجب تَقْدِيم الثَّنَاء على الدُّعَاء ومؤاخذة الْإِنْسَان نَفسه بالهيآت الَّتِي يجب مراعاتها عِنْد مُنَاجَاة الْمُلُوك من ضم الْأَطْرَاف وَترك الِالْتِفَات وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم:" إِذا أحدكُم صلى فَإِن الله قبل وَجهه " وَالله أعلم.
(بَاب أسرار الْوضُوء وَالْغسْل)
اعْلَم أَن الْإِنْسَان قد يختطف من ظلمات الطبيعة إِلَى أنوار حَظِيرَة الْقُدس فيغلب عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَنْوَار وَيصير سَاعَة مَا بَرِيئًا من أَحْكَام الطبيعة بِوَجْه من الْوُجُوه، فينسلك فِي سلكهم، وَيصير فِيمَا يرجع إِلَى تَجْرِيد النَّفس كَأَنَّهُ مِنْهُم، ثمَّ يرد إِلَى حَيْثُ كَانَ، فيشتاق إِلَى مَا يُنَاسب الْحَالة الأولى، ليغتنمه عِنْد فقدها، ويجعله شركا لاقتناص الْفَائِت مِنْهَا، فيجد بِهَذِهِ الصّفة حَالَة من أَحْوَاله وَهِي السرُور والانشراح الْحَاصِل من هجر الرجز وَاسْتِعْمَال المطهرات، فيعض عَلَيْهَا بنواجذه، ويتلوه إِنْسَان سمع الْمخبر الصَّادِق يخبر بِأَن هَذِه الْحَالة
كَمَال الْإِنْسَان، وَأَنه ارتضاها مِنْهُ بارئه وَأَن فِيهَا فَوَائِد لَا تحصى، فَصدقهُ بِشَهَادَة قلبه، فَفعل مَا أَمر بِهِ، فَوجدَ مَا أخبر بِهِ حَقًا، وَفتحت عَلَيْهِ أَبْوَاب الرَّحْمَة وانصبغ بصبغ الْمَلَائِكَة، ويتلوه رجل لَا يعلم شَيْئا من ذَلِك لَكِن قَادَهُ الْأَنْبِيَاء وألجأوه إِلَى هيآت تعدله فِي معاده للإنسلاك فِي سلك الْمَلَائِكَة، وَأُولَئِكَ قوم جروا بالسلاسل إِلَى الْجنَّة.
وَالْحَدَث الَّذِي يحس أَثَره فِي النَّفس بَادِي الرَّأْي، وَالَّذِي يَلِيق أَن يُخَاطب بِهِ جُمْهُور النَّاس لانضباط مظانه، وَالَّذِي يكثر وُقُوع مثله، وَفِي إهمال تَعْلِيمه ضَرَر عَظِيم بِالنَّاسِ - منحصر استقراء فِي جِنْسَيْنِ:
أَحدهمَا اشْتِغَال النَّفس بِمَا يجد الْإِنْسَان فِي معدته من الفضول الثَّلَاثَة الرّيح وَالْبَوْل وَالْغَائِط، فَلَيْسَ من الْبشر أحد إِلَّا وَيعلم من نَفسه أَنه إِذا وجد فِي بَطْنه الرِّيَاح، أَو كَانَ حاقبل حاقنا خبثت نَفسه، فَأخذت إِلَى الأَرْض، وَصَارَت كالحائرة المنقبضة، وَكَانَ بَينهَا وَبَين انشراحها حجاب، فَإِذا اندفعت عَنهُ الرِّيَاح، وتخفف عَنهُ الاخبثان، وَاسْتعْمل مَا يُنَبه نَفسه
للطَّهَارَة كالغسل وَالْوُضُوء، وجد انشراحا وسروراً، وَصَارَ كَأَنَّهُ وجد مَا فقد.
وَالثَّانِي اشْتِغَال النَّفس بِشَهْوَة الْجِمَاع وغوصها فِيهَا، فَإِن ذَلِك يصرف وَجه النَّفس إِلَى الطبيعة الْبَهِيمَة بِالْكُلِّيَّةِ، حَتَّى إِن الْبَهَائِم إِذا ارتضيت، ومرنت على الْآدَاب الْمَطْلُوبَة، والجوارح إِذا ذللت بِالْجُوعِ والسهر، وَعلمت إمْسَاك الصَّيْد على صَاحبهَا، والطيور إِذا كلفت بمحاكاة كَلَام النَّاس، وَبِالْجُمْلَةِ كل حَيَوَان أفرغ الْجهد فِي إِزَالَة مَاله من طَبِيعَته واكتساب مَالا تَقْتَضِيه طَبِيعَته، ثمَّ قضى هَذَا الْحَيَوَان شَهْوَة فرجه وعافس الإناس، وغاص فِي تِلْكَ اللَّذَّة أَيَّامًا لَا بُد أَن تنسى مَا اكْتَسبهُ، وَرجع إِلَى عَمه وَجَهل وضلال، وَمن تَأمل فِي ذَلِك علم لَا محَالة أَن قَضَاء هَذِه الشَّهْوَة يُؤثر فِي تلويث النَّفس مَالا يؤثره شَيْء من كَثْرَة الْأكل والمغامرة وَسَائِر مَا يمِيل النَّفس إِلَى الطبيعة البهيمية، وليجرب الْإِنْسَان ذَلِك من نَفسه، وليرجع إِلَى مَا ذكره الاطباء فِي تَدْبِير الرهبان المنقطعين إِذا أُرِيد إرجاعهم إِلَى البهيمية.
وَالطَّهَارَة الَّتِي يحس أَثَرهَا بَادِي الرَّأْي، وَالَّتِي يَلِيق أَن يُخَاطب بهَا جُمْهُور النَّاس لِكَثْرَة وجوج آلتها فِي الإقاليم المعمورة أعنى المَاء وانضباط أمرهَا، وَالَّتِي هِيَ أوقع الطهارات فِي نفوس الْبشر وكالمسلمات الْمَشْهُورَة بَينهم مَعَ كَونهَا كالمذهب الطبيعي - تَنْحَصِر بالاستقراء فِي جِنْسَيْنِ: صغرى وكبرى.
أما الْكُبْرَى فتععيم الْبدن بِالْغسْلِ والدك، إِذْ المَاء طهُور مزيل للنجاسات قد سلمت الطقد سلمت الطبائغ مِنْهُ ذَلِك، فَهِيَ آلَة صَالِحَة لتنبيه النَّفس على خلة الطَّهَارَة، وَرب إِنْسَان شرب الْخمر، وثمل، وَغلب السكر على طبيعة، ثمَّ فرط مِنْهُ شَيْء من قتل بِغَيْر حق، أَو إِضَاعَة مَال فِي غَايَة النفاسة،
فتنبهت نَفسه دفْعَة، وعقلت، وكشفت عَنْهَا الثمالة، وَرب إِنْسَان ضَعِيف لَا يَسْتَطِيع أَن ينْهض، وَلَا أَن يُبَاشر شَيْئا فاتفقت وَاقعَة تنبه النَّفس تَنْبِيها قَوِيا من عرُوض غضب أَو حمية أَو مُنَافَسَة، فعالج معالجة شَدِيدَة، وَسَفك سفكا بليغا.
وَبِالْجُمْلَةِ فللنفس انْتِقَال دفعي، وتنبه من خصْلَة إِلَى خصْلَة هُوَ الْعُمْدَة فِي المعالجات النفسانية، وَإِنَّمَا يحصل هَذَا التنبه بماركز فِي صميم طبائعهم وجذر نُفُوسهم أَنه طَهَارَة بليغة، وَمَا ذَلِك إِلَّا المَاء.
وَالصُّغْرَى الِاقْتِصَار على غسل الْأَطْرَاف، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا مَوَاضِع جرت الْعَادة فِي الأقاليم الصَّالِحَة بانكشافها، وخروجها من اللبَاس لمَذْهَب طبيعى إِلَيْهِ وَقعت الْإِشَارَة حَيْثُ نهى النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن اشْتِمَال الصماء، فَلَا يتَحَقَّق حرج فِي غسلهَا، وَلَيْسَ ذَلِك فِي سَائِر الْأَعْضَاء، وَأَيْضًا جرت الْعَادة فِي أهل الْحَضَر بتنظيفها كل يَوْم، وَعند الدُّخُول على الْمُلُوك وأشباههم، وَعند قصد الْأَعْمَال النظيفة، وَفقه ذَلِك أَنَّهَا ظَاهِرَة تسرع إِلَيْهَا الأوساخ، وَهِي الَّتِي ترى، وتبصر عِنْد ملاقاة النَّاس بَعضهم لبَعض، وَأَيْضًا التجربة شاهدة بِأَن غسل الْأَطْرَاف، ورش المَاء على الْوَجْه وَالرَّأْس، يُنَبه النَّفس من نَحْو النّوم والغشى المثقل تَنْبِيها قَوِيا، وليرجع الْإِنْسَان فِي ذَلِك إِلَى مَا عِنْده من التجربة وَالْعلم، وَإِلَى مَا أَمر بِهِ الْأَطِبَّاء فِي تَدْبِير من غشى عَلَيْهِ أَو أفرط بِهِ الإسهال والفصد.
وَالطَّهَارَة بَاب من أَبْوَاب الارتفاق الثَّانِي الَّذِي يتَوَقَّف كَمَال الْإِنْسَان عَلَيْهِ، وَصَارَ من جبلتهم، وفيهَا قرب من الْمَلَائِكَة، وَبعد من الشَّيَاطِين، وتدفع عَذَاب الْقَبْر، وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم: " أستنزهوا من الْبَوْل
فَإِن عَامَّة عَذَاب الْقَبْر مِنْهُ " وَلها مدْخل عَظِيم فِي قبُول النَّفس لون الْإِحْسَان وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:
{وَيُحب المتطهرين}
وَإِذا اسْتَقَرَّتْ فِي النَّفس وتمكنت مِنْهَا تقررت فِيهَا شُعْبَة من نور الْمَلَائِكَة، وانقهرت شُعْبَة من ظلمَة البهيمية وَهُوَ معنى كِتَابَة الْحَسَنَات وتكفير الْخَطَايَا، وَإِذا جعلت