الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسما نَفَعت من غوائل الرسوم، وَإِذا حَافظ صَاحبهَا على مَا فِيهَا من هيآت يُؤَاخذ النَّاس بهَا أنفسهم عِنْد الدُّخُول على الْمُلُوك وعَلى النِّيَّة المستصحبة والاذكار نَفَعت من سوء الْمعرفَة، وَإِذا عقل الْإِنْسَان أَن هَذِه كَمَاله، فآداب جوارحه حَسْبَمَا عقل من غير دَاعِيَة حسية وَأكْثر من ذَلِك - كَانَت تمرينا على انقياد الطبيعة لِلْعَقْلِ وَالله أعلم.
(بَاب أسرار الصَّلَاة)
اعْلَم أَن الْإِنْسَان قد يختطف إِلَى الحظيرة المقدسة، فيلتصق بجناب الله تَعَالَى أتم لصوق، وَينزل عَلَيْهِ من هُنَالك التجليات المقدسة، فتغلب على النَّفس ويشاهد هُنَالك مَا لَا يقدر اللِّسَان على وَصفه، ثمَّ يرد إِلَى حَيْثُ كَانَ، فَلَا يقر بِهِ الْقَرار، فيعالج نَفسه بِحَالَة هِيَ أقرب الْحَالَات السفلية من استغراق النَّفس فِي معرفَة بارئها، ويتخذها شركا لاقتناص مَا فَاتَهُ مِنْهَا، وَتلك الْحَالة هِيَ التَّعْظِيم والخضوع والمناجاة فِي ضمن أَفعَال وأقوال بنيت لذَلِك، ويتلوه رجل سمع الْمخبر الصَّادِق يَدعُوهُ إِلَى هَذِه الْحَالة، ويرغب فِيهَا، فَصدقهُ بِشَهَادَة قلبه فَفعل، وَوجد مَا وعد بِهِ حَقًا، وارتقى إِلَى مَا يرجوه، ثمَّ يتلوه رجل أَلْجَأَهُ الْأَنْبِيَاء إِلَى الصَّلَوَات، وَهُوَ لَا يعلم بِمَنْزِلَة الْوَالِد يحبس أَوْلَاده على تَعْلِيم الصناعات النافعة، وهم كَارِهُون، وَرُبمَا يسْأَل الْإِنْسَان من
ربه دفع بلَاء أَو ظُهُور نعْمَة، فَيكون الْأَقْرَب حِينَئِذٍ الِاسْتِغْرَاق فِي أَفعَال وأقوال تعظيمية لتؤثر همته الَّتِي هِيَ روح السُّؤَال، وَذَلِكَ مَا سنّ من صَلَاة الاسْتِسْقَاء.
وأصل الصَّلَاة ثَلَاثَة أَشْيَاء.
أَن يخضع الْقلب عِنْد مُلَاحظَة جلال الله وعظمته، ويعبر اللِّسَان عَن تِلْكَ العظمة، وَذَلِكَ الخضوع أفْصح عبارَة.
وَأَن يُؤَدب الْجَوَارِح حسب ذَلِك الخضوع قَالَ الْقَائِل.
(أفادتكم النعماء مني ثَلَاثَة
…
يَدي ولساني وَالضَّمِير المحجبا)
وَمن الْأَفْعَال التعظيمية أَن يقوم بَين يَدَيْهِ مناجيا، وَيقبل عَلَيْهِ مواجها، وَأَشد من ذَلِك أَن يستشعر ذله وَعزة ربه، فينكس رَأسه إِذْ من الْأَمر المجبول فِي قاطبة الْبشر والبهائم أَن رفع الْعُنُق آيَة التيه والتكبر، وتنكيسه آيَة الخضوع والاخبات، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:
{فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين}
وَأَشد من ذَلِك أَن يعفر وَجهه الَّذِي هُوَ أشرف أَعْضَائِهِ وَمجمع حواسه بَين يَدَيْهِ، فَتلك التعظيمات الثَّلَاثَة الفعلية شائعة فِي طوائف الْبشر لَا يزالون يفعلونها فِي صلواتهم وَعند مُلُوكهمْ وأمرائهم، وَأحسن الصَّلَاة مَا كَانَ جَامعا بَين الأوضاع الثَّلَاثَة مترقيا من الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى؛ ليحصل الترقي فِي استشعار الخضوع والتذلل، وَفِي الترقي من الْفَائِدَة مَا لَيْسَ فِي أَفْرَاد التَّعْظِيم الْأَقْصَى، وَلَا فِي الانحطاط من الْأَعْلَى إِلَى الْأَدْنَى.
وَإِنَّمَا جعلت الصَّلَاة أم الْأَعْمَال المقربة دون الْفِكر فِي عَظمَة الله، وَدون الذّكر الدَّائِم؛ لِأَن الْفِكر الصَّحِيح فِيهَا لَا يَتَأَتَّى إِلَّا من قوم عالية نُفُوسهم، وَقَلِيل مَا هم، وَسوى أُولَئِكَ لَو خَاضُوا فِيهِ تبلدوا، وأبطلوا
رَأس مَالهم فضلا عَن فَائِدَة أُخْرَى، وَالذكر بِدُونِ أَن يشرحه ويعضده عمل تعظيمي يعمله بجوارحه، ويعنوا فِي آدابها. لقلقَة خَالِيَة عَن الْفَائِدَة فِي حق الاكثرين.
أما الصَّلَاة فَهِيَ المعجون الْمركب من الْفِكر المصروف تِلْقَاء عَظمَة الله بِالْقَصْدِ الثَّانِي، والالتفات التبعي المتأتي من كل وَاحِد، وَلَا حجر لصَاحب استعداد الْخَوْض فِي لجة الشُّهُود أَن يَخُوض، بل ذَلِك مُنَبّه لَهُ أتم تَنْبِيه، وَمن الْأَدْعِيَة المبينة إخلاص عمله لله وتوجيه وَجهه تِلْقَاء الله وَقصر الِاسْتِعَانَة فِي الله، وَمن أَفعَال تعظيمية كالسجود وَالرُّكُوع يصير كل وَاحِد عضد الآخر ومكمله والمنبه عَلَيْهِ، فَصَارَت نافعة لعامة النَّاس وخاصتهم، تريافا قوى الْأَثر ليَكُون لكل إِنْسَان مِنْهُ مَا استوجبه أصل استعداده، وَالصَّلَاة مِعْرَاج الْمُؤمن معدة للتجليات الأخروية، وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم:" إِنَّكُم سَتَرَوْنَ ربكُم فَإِذا اسْتَطَعْتُم أَلا تغلبُوا على صَلَاة قبل طُلُوع الشَّمْس وَقبل غُرُوبهَا فافعلوا " وَسبب عَظِيم لمحبة الله وَرَحمته وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم. " أَعنِي على نَفسك بِكَثْرَة السُّجُود " وحكايته تَعَالَى عَن أهل النَّار
وَإِذا تمكنت من العَبْد اضمحل فِي نور الله، وكفرت عَنهُ خطاياه