الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستشهاد بالقصة في الخطبة
• القصة القرآنية:
تعددت القصص في القرآنية الكريم، وتعددت أغراضها وفوائدها، إذ فيها تثبيت لفؤاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وموعظة وذكرى للمؤمنين، وعبرة لأولي الألباب، أو نجد القرآن يوجه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن يتخذ القصة مسلكًا من مسالك نشر دعوته، ووسيلة يستخدمها في توجيه الناس، فيأمره بمخاطبة الناس عبر قص قصص الأولين عليهم، حتى يكون لهم في آثار السابقين عبرة وهدى وموعظة حسنة، فقال تعالى:{ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الأعراف- 176).
ومما يؤسف له حقا أن المنابر تكاد تخلو من التذكير بما قصه القرآن الكريم من القصص، مع عظم العبرة، وقوة الموعظة فيها، فإن الخطيب البارع يستطيع أن ينزلها على واقع المخاطبين مع الإيجاز والتوجيه لتغدو أحداثها كأنما هي واقعة بينهم، ماثلة أمام أعينهم.
ومهما كانت القصة طويلة، فإنه يستطيع أن يخلص إلى زُبدتها وخلاصتها بأسلوب بليغ وجيز، وبأداء فصيح لا يتجاوز في زمنه دقائق معدودة، بل ربما رأى أن الأفضل توزيعها على أكثر من خطبة، مع ربط بواقع الناس والتحذير من نقمة الله تعالى وأليم عقابه، وشدة بطشه، وبيان سنته في المكذبين والمعرضين الغافلين، {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلًا} (فاطر:43).
إن الخطيب البليغ، والداعية الموفق لا ينبغي له أن يغفل عن هذه الذخيرة الجليلة من بيان ما يذكر به، فإن التذكير بالقصة تذكير بالقرآن، وقوة بيانه، وبلاغة عرضه للأحداث، وعواقب الأعمال دون أدنى شائبة من ضعف الحوار أو طروء الخيال، أو عدم مطابقة الواقع.
قال تعالى: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلم وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} (الأعراف- 7).وقال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} (الأنعام- 57).
إن من خصائص القصة القرآنية أنها صالحة للاعتبار والاستشهاد في كل زمان، ولا عجب فهي جزء من هذا القرآن الذي هو موعظة دائمة، ورسالة خالدة لا تنفد خزائنه، ولا تنقضي عجائبه.
• نموذج:
خذ مثلا من القصة القرآنية قصة (أصحاب الجنة) الذين غرهم المال، وغيَّرهم الجشع والطمع، فمنعوا حق المساكين الذين كان والدهم يوصله إليهم، فلقد كان للمساكين نصيب من العطاء عندما كان صاحب تلك الجنة حيًا، ثم لما مات تآمر أبناؤه فيما بينهم واستكثروا ما ينقطع لهؤلاء المساكين من مالهم، فاتفقوا على أن يقطعوا الثمر في وقت مبكر من النهار حيث يأمَنون تعرض المساكين لهم في هذا الوقت الباكر.
وأقسموا اليمين على ذلك دون استثناء، فباتوا على كيد وغدوا على حرد، وإذا بطائف من الله تعالى يطوف عليها شجرة شجرة، وثمرة ثمرة، فلا يبقي منها باقية، فكأنه سبقهم إليها من صرمها وأتى على ثمارها كلها.
فانظر كيف قوبل مكرهم وشدة تعميتهم وتبييتهم لسوء النية بهذا الانتقام الإلهي السريع {قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْرًا} (يونس:21)، ثم تخلص القصة إلى العبرة العظيمة:{كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلمونَ} (القلم - 33).
ألا ترى أن القصة في أحداثها وعبرتها تصلح أن تكون تذكارًا صارخًا في كل جيل لأولئك الذين بطروا نعمة الله، وبدلوها جحودًا، وما نقموا إلا أن أغناهم الله ووسع عليهم من فضله، وبسط لهم الرزق، فأمسكتْ أيديهم، وشحَّتْ قلوبهم، ومنعوا حقَّ الله عبادَ الله، وأخفوا الشر ومنعوا الخير.
إنه نموذج من الكنود البشري المتكرر، تصلح له هذه التذكرة القرآنية في كل عصر، وهكذا كل القصص القرآني، فإنه يصلح أن يكون عظة بليغة وتذكرة حالة إذا أحسن ربطه بالواقع، بأسلوب موجز، وعرض محكم.