المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌34 - أكل الميراث بالباطل - دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ - جـ ١

[شحاتة صقر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مكانة يوم الجمعة في الإسلام:

- ‌مكانة خطبة الجمعة وأهميتها:

- ‌صفة خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌اشتمال الخطبة على الآيات القرآنية

- ‌اشتمال الخطبة على الأحاديث النبوية

- ‌ أثر الأحاديث الضعيفة في الابتداع في الدين:

- ‌ لا يجوز استحباب شيء لمجرد حديث ضعيف في الفضائل:

- ‌ معنى العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال:

- ‌ لا يجوز التقدير والتحديد بأحاديث الفضائل الضعيفة:

- ‌ شروط العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال عند القائلين به:

- ‌ هل هناك إجماع من العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال

- ‌اشتمال الخطبة على ضرب الأمثال

- ‌الاستشهاد بالشعر في الخطبة

- ‌الاستشهاد بالقصة في الخطبة

- ‌الاستشهاد بواقع الآخرين

- ‌فقه الخطيب

- ‌ ماذا تقرأ في صلاة الجمعة

- ‌ قطع الخطبة للتنبيه والإرشاد:

- ‌ ما الحكم فيمن دخل المسجد لصلاة الجمعة والمؤذن يؤذن الأذان الثاني

- ‌ رفع اليدين للدعاء في الخطبة:

- ‌ هل يصلي بالناس الجمعة غير الخطيب

- ‌ إذا قرأ الخطيب آية تشتمل على سجدة وهو يخطب فهل يسجد سجود التلاوة

- ‌كيف تختار موضوع الخطبة

- ‌ضوابط وقواعدلموضوعات خطبة الجمعة

- ‌وصايا للخطيب

- ‌الخطيب وجمهوره

- ‌وصايا أثناء الخطبة

- ‌همسات في أذن خطيب الجمعة

- ‌عيوب الخطبة

- ‌ عيوب في أصل الخطبة

- ‌تنبيه:

- ‌ عيوب في الخطيب

- ‌ عيوب نسبية

- ‌أدعية

- ‌موضوعات عامة

- ‌1 - الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌2 - التحذير من ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌3 - كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعناها

- ‌4 - اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم دليل محبة الله عز وجل

- ‌5 - التواضع وذم الكبر

- ‌6 - فضائل الصحابة رضي الله عنهم

- ‌7 - فضائل الصحابة رضي الله عنهم في السنة المطهرة

- ‌8 - اتق الله حيثما كنت

- ‌9 - أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمحُهَا

- ‌10 - خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ

- ‌11 - احفَظِ الله يَحْفَظْكَ

- ‌12 - إذا سَأَلْتَ فاسْألِ اللهوإذا اسْتََعَنْتَ فاستَعِنْ باللهِ

- ‌13 - شروط الدعاء وموانع الإجابة

- ‌14 - رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفُ

- ‌15 - القناعة

- ‌16 - فوائد القناعة والسبيل إليها

- ‌17 - الإصلاح بين الناس

- ‌18 - الإصلاح بتن الناس وآداب المصلح

- ‌19 - الأمانة

- ‌20 - السعادة الوهمية

- ‌21 - أسباب السعادة وصفات السعداء

- ‌22 - نحن والمزاح

- ‌23 - إنَّ الله كَتَبَ الإحسّانَ على كُلِّ شيءٍ

- ‌24 - المستقبل لهذا الدين رغم مرارة الواقع

- ‌25 - المستقبل لهذا الدين ولكن ما السبيل إليه

- ‌26 - لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ

- ‌27 - وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌28 - موتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌29 - إذا لَم تَستَحْيِ، فاصْنَعْ ما شِئْتَ

- ‌30 - عَظيمٌٍ ولَكِنّه يَسيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ الله عليه

- ‌31 - قُلْ: آمَنْتُ باللهِ، ثمَّ استقِمْ

- ‌32 - كُلُّ النَّاسِ يَغْدُوفَبائعٌ نَفْسَهُ، فمُعْتِقُها أو مُوبِقها

- ‌33 - كثرة النعم وكثرة طرق الشكر

- ‌34 - أكل الميراث بالباطل

- ‌35 - إنَّ الله طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَاّ طيِّبًا

- ‌36 - لا تَحَاسَدُوا

- ‌37 - كُونُوا عِبادَ اللهِ إِخْوانًا

- ‌38 - لا تَظالموا

- ‌39 - إنَّما هي أعمالُكُم أُحصيها لكم

- ‌40 - لا تَغْضَبْ

- ‌خطب مناسبات

- ‌41 - الزكاة

- ‌42 - الامتحانات، كل منا ممتحن

- ‌43 - عاشوراء وشهر الله المحرّم

- ‌45 - استقبال رمضانيا باغي الشر…أقصر

- ‌46 - رمضان شهر الجهاد

- ‌47 - خطبة عيد الفطر

- ‌48 - الحج: عبر وعظات

- ‌49 - قصة الذبح…دروس وعبر

- ‌50 - خطبة عيد الأضحى

الفصل: ‌34 - أكل الميراث بالباطل

‌34 - أكل الميراث بالباطل

النفسُ تجزعُ أنْ تكونَ فقيرةً

والفقرُ خيرٌ مِن غِنًى يُطغِيهَا

وغِنَى النفوسِ هو الكفافُ فإنْ أبَتْ

فجميعُ ما في الأرضِ لا يَكفِيها

أموالُنا لذوِي الميراثِ نجمعُها

ودُورُنا لخرابِ الدهرِ نبنِيها

كم مِن مدائنَ في الإقامةِ قد بُنِيَتْ

أمسَتْ خرابًا وأفْنَى الموتُ أهلِيها

• وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا:

يقول الله عز وجل: {فَأَمَّا الإنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلا بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} (الفجر:15 - 20).

يقول تعالى منكرًا على الإنسان في اعتقاده إذا وسع الله عليه في الرزق ليختبره في ذلك، فيعتقد أن ذلك من الله إكرام له وليس كذلك، بل هو ابتلاء وامتحان.

كما قال تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ} (المؤمنون:55، 56). وكذلك في الجانب الآخر إذا ابتلاه وامتحنه وضَيَّق عليه في الرزق، يعتقد أن ذلك من الله إهانة له.

قال الله عز وجل: {كَلّا} أي: ليس الأمر كما زعم، لا في هذا ولا في هذا، فإن الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب، ويضيق على من يحب ومن لا يحب، وإنما المدار في ذلك على طاعة الله في كل من الحالين، إذا كان غنيا بأن يشكر الله على ذلك، وإذا كان فقيرًا بأن يصبر.

وقوله: {بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} فيه أمر بالإكرام له؛ فعن مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِىِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْغَيْثِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سدد خطاكم قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم:

ص: 431

«كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ» ، وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى» (رواه مسلم).

{وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} يعني: لا تأمرون بالإحسان إلى الفقراء والمساكين، ويحث بعضكم على بعض في ذلك، {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ} يعني: الميراث {أَكْلًا لَمًّا} أي: من أي جهة حصل لهم، من حلال أو حرام، {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} أي: كثيرًا.

{كَلا إِذَا دُكَّتِ الأرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * َقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ * يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} (الفجر:21 - 30).

يخبر تعالى عما يقع يوم القيامة من الأهوال العظيمة، فقال:{كَلَّا} أي: حقًا {إِذَا دُكَّتِ الأرْضُ دَكًّا دَكًّا} أي: وطئت ومهدت وسويت الأرض والجبال، وقام الخلائق من قبورهم لربهم، {وَجَاءَ رَبُّكَ} يعني: لفصل القضاء بين خلقه، فيجيء الرب تعالى لفصل القضاء كما يشاء، والملائكة يجيئون بين يديه صفوفا صفوفا.

وقوله: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا» (رواه مسلم).

وقوله: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ} أي: عمله وما كان أسلفه في قديم دهره وحديثه، {وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} أي: وكيف تنفعه الذكرى؟ {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} يعني: يندم على ما كان سلف منه من المعاصي ـ إن كان عاصيًا ـ ويود لو كان ازداد من الطاعات ـ إن كان طائعًا فقد قَالَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا يُجَرُّ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إِلَى يَوْمِ يَمُوتُ هَرَمًا فِي مَرْضَاةِ اللهِ عز وجل لَحَقَّرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (حسن رواه الإمام أحمد).

قال الله عز وجل: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ} أي: ليس أحد أشد عذابًا من تعذيب الله من عصاه، {وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} أي: وليس أحد أشد قبضًا ووثقًا من الزبانية لمن كفر بربهم عز وجل، هذا في حق المجرمين من الخلائق والظالمين.

فأما النفس الزكية المطمئنة وهي الساكنة الثابتة الدائرة مع الحق فيقال لها: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ} أي: إلى جواره وثوابه وما أعد لعباده في جنته، {رَاضِيَةً} أي: في نفسها {مَرْضِيَّةً} أي: قد رضيت عن الله ورضي عنها وأرضاها، {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} أي: في جملتهم، {وَادْخُلِي جَنَّتِي} وهذا يقال لها عند الاحتضار، وفي يوم القيامة أيضًا، كما أن الملائكة يبشرون المؤمن عند احتضاره وعند قيامه من قبره، وكذلك هاهنا.

• منع المرأة من حقها في الميراث صورة من صور ظلم المرأة في بعض المجتمعات الإسلامية:

بَيَّن تعالى في كتابه أن جميع الأوامر وجميع النواهي هي للرجال وللنساء على السواء، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم أرسِلَ إلى الرجال والنساء، والقرآن أنزل للرجال والنساء، فالله ذكر كل ذلك في القرآن.

وعند الكلام عن جزاء أهل الإيمان فإنه سبحانه ذكر الجميع: {وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الانْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مّنَ اللهِ أَكْبَرُ ذالِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 72).

وفي الحديث عن المساواة في الحقوق المادية الخاصة قال تعالى: {لِلرّجَالِ نَصِيبٌ مّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنّسَاء نَصِيبٌ مّمَّا اكْتَسَبْنَ} (النساء: 32). وعند الميراث قال عز وجل: {لِلرّجَالِ نَصيِبٌ مّمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالاْقْرَبُونَ وَلِلنّسَاء نَصِيبٌ مّمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالاْقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} (النساء: 7). وقال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} (النساء:11).

قال سعيد بن جبير وقتادة: «كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار، ولا يورِّثون النساء ولا الأطفال شيئًا، فأنزل الله: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ

ص: 432

وَالأقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا}.

أي: الجميع فيه سواء في حكم الله تعالى، يستوون في أصل الوراثة وإن تفاوتوا بحسب ما فرض الله عز وجل لكل منهم، بما يدلي به إلى الميت من قرابة، أو زوجية، أو ولاء؛ فإنه لُحْمَة كَلُحمة النسب.

هذا هو المبدأ العام الذي أعطى الإسلام به «النساء» منذ أربعة عشر قرنًا حق الإرث كالرجال ـ من ناحية المبدأ ـ كما حفظ به حقوق الصغار الذين كانت الجاهلية تظلمهم وتأكل حقوقهم؛ لأن الجاهلية كانت تنظر إلى الأفراد حسب قيمتهم العملية في الحرب والإنتاج.

وفي هذه الأيام اعتدى الرجال على حق من حقوق المرأة وهو حقها في الميراث، حقها من مال أبيها وأخيها وزوجها وابنها، زاعمين أن ذلك فضيحة وعار، والعار مَن عارض شريعة الجبار عز وجل، العار من كره ما أنزل الله حتى أدخله الله النار، العار من حرم الأنثى الضعيفة، واستغل حياءها، وأكل أموالها ليقيم عليها تجارته ومشاريعه، ذاكم هو العار، أما مطالبة المرأة بحقها وإرثها فهو حق مشروع شرعه الله من فوق عرشه {لِلرّجَالِ نَصيِبٌ مّمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالاْقْرَبُونَ وَلِلنّسَاء نَصِيبٌ مّمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالاْقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} (النساء:7).

إن الله عز وجل الذي يأمر بالعدل أعطى كل ذي حق حقه، سواء كان رجلًا أم امرأة، وإن الواجب علينا أن نعطي الحقوق لأهلها، وأن ندرك أن الله محاسبنا يوم القيامة، رجالًا ونساءً، وأنه لا يرضى أن يعتدي أحد على أحد، بل لا يرضى أن يعتدي إنسان على حيوان، بل لا يرضى أن يعتدي حيوان على حيوان، فقد جاء في الحديث الصحيح أن الله يقتص يوم القيامة للشاة الجلحاء من الشاة القرناء.

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ:» لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ» (رواه مسلم) وَالْجَلْحَاء هِيَ الْجَمَّاء الَّتِي لَا قَرْن لَهَا.

وهَذَا تَصْرِيح بِحَشْرِ الْبَهَائِم يَوْم الْقِيَامَة، وَإِعَادَتهَا يَوْم الْقِيَامَة كَمَا يُعَاد أَهْل التَّكْلِيف مِنْ الْآدَمِيِّينَ، وَكَمَا يُعَاد الْأَطْفَال وَالْمَجَانِين وَمَنْ لَمْ تَبْلُغهُ دَعْوَة، وَعَلَى هَذَا تَظَاهَرَتْ دَلَائِل الْقُرْآن وَالسُّنَّة.

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَإِذَا الْوُحُوش حُشِرَتْ} (التكوير:5).

قَالَ الْعُلَمَاء: وَلَيْسَ مِنْ شَرْط الْحَشْر وَالْإِعَادَة فِي الْقِيَامَة الْمُجَازَاة وَالْعِقَاب وَالثَّوَاب، وَأَمَّا الْقِصَاص مِنْ الْقَرْنَاء لِلْجَلْحَاءِ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ قِصَاص التَّكْلِيف؛ إِذْ لَا تَكْلِيف عَلَيْهَا، بَلْ هُوَ قِصَاص مُقَابَلَة.

وبعد هذا نقول لكل رجل يظلم أخته باحتقارها وازدرائها وحرمانها من حقها: إنه إنسان بعيد عن الحق، يأخذه الشيطان إلى طريق الجاهلية ومفاهيم الجاهلية، وعليه أن يعلم أنه بظلمه لأخته أو ابنته، عليه أن يعلم أنه ربما قد يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج فيجعلها الله هباء منثورًا، بسبب ظلمه وطغيانه، والله عز وجل يقول:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ فَقَدِ احْتَمَلُواْ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} (الأحزاب:58).

إن الإساءة إلى المرأة إساءة عظيمة، لماذا؟ لأنها ضعيفة، ولأنها لا تستطيع أن تردّ كيد الرجل أو تتظلم أو تجهر بالشكوى، ولا أن تخرج فتسيح في الأرض، لأنها عِرض، إنها امرأة، لذلك كان ظلمها أشد الظلم، وكان إلحاق الضرر بها مصيبة أكبر من كل المصائب، فلتتقوا الله أيها الرجال، فإن كانت تلك المرأة أختًا فدخول الجنة موقوف على

ص: 434

الإحسان إليها، وإن كانت بنتًا فهذا حقها، وإن كانت أمًّا فالجنة تحت قدميها (1)،فليؤدِّ إليها حقها، وإلا فقد ظلمها وأساء إليها، والويل له من ربه.

ونقول لهؤلاء الذين يحرمون النساء من حقهن في الميراث: تفكروا فيمن كان قبلكم، كم عمَّروا على هذه الدنيا، وأين هم الآن؟! اعتبروا بمن كان قبلكم، بماذا سينفعك الولد إذا تواريت التراب؟! ماذا ستفعل بتلك الأمتار التي تركتها ولأختك حق فيها، وستطوق بها يوم القيامة إن شاء الله تعالى؟!

قال رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» (رواه البخاري) ولفظ مسلم: «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ طُوِّقَهُ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

وَالتَّطْوِيق الْمَذْكُور فِي الْحَدِيث يَحْتَمِل أَنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَحْمِل مِثْله مِنْ سَبْع أَرْضِينَ، وَيُكَلَّف إِطَاقَة ذَلِكَ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون يُجْعَل لَهُ كَالطَّوْقِ فِي عُنُقه كَمَا قَالَ سبحانه وتعالى:{سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة} وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يُطَوَّق إِثْم ذَلِكَ وَيَلْزَمهُ كَلُزُومِ الطَّوْق بِعُنُقِهِ.

ماذا ستقول لرب العالمين إذا سألك: لماذا حرمْتَ أختَك من حقها؟! تذكّر حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتْ الرَّحِمُ فَقَالَتْ: هَذَا

(1)((عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ: جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ أَرَدْتُ الْغَزْوَ وَجِئْتُكَ أَسْتَشِيرُكَ»، فَقَالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟»، قَالَ: «نَعَمْ»، فَقَالَ: «الْزَمْهَا؛ فَإِنَّ الْجَنَّةَ عِنْدَ رِجْلَيْهَا»، ثُمَّ الثَّانِيَةَ ثُمَّ الثَّالِثَةَ، فِي مَقَاعِدَ شَتَّى كَمِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ» (حسن رواه الإمام أحمد والنسائي). (المقصود بالغزو هنا جهاد طلب الكفار في عقر دارهم، وليس جهاد دفع الكفار عن بلاد المسلمين، (فَإِنَّ الْجَنَّةَ عِنْدَ رِجْلَيْهَا) أَيْ نَصِيبُك مِنْهَا لَا يَصِل إِلَيْك إِلَّا بِرِضَاهَا، بِحَيْثُ كَأَنَّهُ لَهَا وَهِيَ قَاعِدَة عَلَيْهِ، فَلَا يَصِل إِلَيْك إِلَّا مِنْ جِهَتهَا، فَإِنَّ الشَّيْء إِذَا صَارَ تَحْت رِجْل أَحَد، فَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْهُ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يَصِل إِلَى آخَر إِلَّا مِنْ جِهَته.

أما حديث: «الجنة تحت أقدام الأمهات» فحديث ضعيف ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في ضعيف الجامع رقم 2666.

ص: 436

مَقَامُ الْعَائِذِ مِنْ الْقَطِيعَةِ، قَالَ:«نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ» ، قَالَتْ: بَلَى، قَالَ:«فَذَاكِ لَكِ» ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم:«اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}» (رواه البخاري ومسلم).

من مِنّا سيخلد في الدنيا؟! من مِنّا يأمن عذاب الله؟! لماذا ينسى هؤلاء الظلمة ذلك اليوم العظيم، ذلك اليوم الذي يَفِرُّ فيه الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهُ وَبَنِيهِ، لِكُلّ امْرِئ مّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ؟!

{يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَاخْشَوْاْ يَوْمًا لَاّ يَجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحياةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الْغَرُورُ} (لقمان:33)، وقال تعالى:{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (المؤمنون:99، 100)، وقال تعالى:{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} (فاطر:37).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ:«إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا؛ فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» (رواه مسلم).

وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فِيمَا رَوَى عَنْ اللهِ تبارك وتعالى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا» (رواه مسلم).

ص: 437

• المماطلة بالحقوق:

ومِن أنواع الظلم المماطلةُ بالحقوق، كتأخير قِسمةِ الميراث أحيانًا؛ لأن بعضَهم قد يريد بها ظلمَ الآخرين والتحايلَ عليهم ومحاولةَ تنازلهم عن بعض حقوقِهم، لأجل المصالح الشخصيّة، فالمسلم يتباعَدُ عن هذا، وإن ائتُمِنَ أدَّى أمانته بصدقٍ وإخلاص.

قال رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ» (رواه مسلم).

وقال النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ عز وجل يُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» ، ثم قرأ:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} . (هود:102).

رقَدَتْ عيونُ الظالمينَ ولَمْ

ترقُدْ لمظلومٍ مظالمُهُ

ومَن اعتدى فالله خاذلُه

ومَن اتقَى فالله عاصِمُهُ

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ» . (رواه البخاري).

أمَا واللهِ إنَّ الظلمَ شُؤْمٌ وما زالَ الظلومُ هو الملومُ

إلى ديَّانِ يومِ الدينِ نمضي

وعند اللهِ تجتمعُ الخصومُ

ستعلمُ في الميعادِ إذِ التقَيْنَا

غدًا عند المليكِ مَن الظلومُ

• الميراث الحقيقي ميراث النبوة:

ولقد أخبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ له تركة وميراثًا، لا يمكن أن يُختص بها إلا من أراد الله له الخير وأخبر أن هذا الميراث ليس من فئة الدينار والدرهم، وإنما هو العلم الذي من تحصل عليه فإنما وفق لخير عظيم قال:«إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَه أَخَذَ بِحَظٍّ وافر» (صحيح رواه أبو داود). (وَرَّثُوا الْعِلْم): لِإِظْهَارِ الْإِسْلَام وَنَشْر الْأَحْكَام (فَمَنْ أَخَذَهُ): أَيْ أَخَذَ الْعِلْم مِنْ مِيرَاث النُّبُوَّة (أَخَذَ بِحَظٍّ): أَيْ بِنَصِيبٍ (وَافِر): كَثِير كَامِل.

ص: 438