المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌26 - لا ضرر ولا ضرار - دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ - جـ ١

[شحاتة صقر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مكانة يوم الجمعة في الإسلام:

- ‌مكانة خطبة الجمعة وأهميتها:

- ‌صفة خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌اشتمال الخطبة على الآيات القرآنية

- ‌اشتمال الخطبة على الأحاديث النبوية

- ‌ أثر الأحاديث الضعيفة في الابتداع في الدين:

- ‌ لا يجوز استحباب شيء لمجرد حديث ضعيف في الفضائل:

- ‌ معنى العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال:

- ‌ لا يجوز التقدير والتحديد بأحاديث الفضائل الضعيفة:

- ‌ شروط العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال عند القائلين به:

- ‌ هل هناك إجماع من العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال

- ‌اشتمال الخطبة على ضرب الأمثال

- ‌الاستشهاد بالشعر في الخطبة

- ‌الاستشهاد بالقصة في الخطبة

- ‌الاستشهاد بواقع الآخرين

- ‌فقه الخطيب

- ‌ ماذا تقرأ في صلاة الجمعة

- ‌ قطع الخطبة للتنبيه والإرشاد:

- ‌ ما الحكم فيمن دخل المسجد لصلاة الجمعة والمؤذن يؤذن الأذان الثاني

- ‌ رفع اليدين للدعاء في الخطبة:

- ‌ هل يصلي بالناس الجمعة غير الخطيب

- ‌ إذا قرأ الخطيب آية تشتمل على سجدة وهو يخطب فهل يسجد سجود التلاوة

- ‌كيف تختار موضوع الخطبة

- ‌ضوابط وقواعدلموضوعات خطبة الجمعة

- ‌وصايا للخطيب

- ‌الخطيب وجمهوره

- ‌وصايا أثناء الخطبة

- ‌همسات في أذن خطيب الجمعة

- ‌عيوب الخطبة

- ‌ عيوب في أصل الخطبة

- ‌تنبيه:

- ‌ عيوب في الخطيب

- ‌ عيوب نسبية

- ‌أدعية

- ‌موضوعات عامة

- ‌1 - الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌2 - التحذير من ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌3 - كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعناها

- ‌4 - اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم دليل محبة الله عز وجل

- ‌5 - التواضع وذم الكبر

- ‌6 - فضائل الصحابة رضي الله عنهم

- ‌7 - فضائل الصحابة رضي الله عنهم في السنة المطهرة

- ‌8 - اتق الله حيثما كنت

- ‌9 - أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمحُهَا

- ‌10 - خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ

- ‌11 - احفَظِ الله يَحْفَظْكَ

- ‌12 - إذا سَأَلْتَ فاسْألِ اللهوإذا اسْتََعَنْتَ فاستَعِنْ باللهِ

- ‌13 - شروط الدعاء وموانع الإجابة

- ‌14 - رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفُ

- ‌15 - القناعة

- ‌16 - فوائد القناعة والسبيل إليها

- ‌17 - الإصلاح بين الناس

- ‌18 - الإصلاح بتن الناس وآداب المصلح

- ‌19 - الأمانة

- ‌20 - السعادة الوهمية

- ‌21 - أسباب السعادة وصفات السعداء

- ‌22 - نحن والمزاح

- ‌23 - إنَّ الله كَتَبَ الإحسّانَ على كُلِّ شيءٍ

- ‌24 - المستقبل لهذا الدين رغم مرارة الواقع

- ‌25 - المستقبل لهذا الدين ولكن ما السبيل إليه

- ‌26 - لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ

- ‌27 - وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌28 - موتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌29 - إذا لَم تَستَحْيِ، فاصْنَعْ ما شِئْتَ

- ‌30 - عَظيمٌٍ ولَكِنّه يَسيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ الله عليه

- ‌31 - قُلْ: آمَنْتُ باللهِ، ثمَّ استقِمْ

- ‌32 - كُلُّ النَّاسِ يَغْدُوفَبائعٌ نَفْسَهُ، فمُعْتِقُها أو مُوبِقها

- ‌33 - كثرة النعم وكثرة طرق الشكر

- ‌34 - أكل الميراث بالباطل

- ‌35 - إنَّ الله طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَاّ طيِّبًا

- ‌36 - لا تَحَاسَدُوا

- ‌37 - كُونُوا عِبادَ اللهِ إِخْوانًا

- ‌38 - لا تَظالموا

- ‌39 - إنَّما هي أعمالُكُم أُحصيها لكم

- ‌40 - لا تَغْضَبْ

- ‌خطب مناسبات

- ‌41 - الزكاة

- ‌42 - الامتحانات، كل منا ممتحن

- ‌43 - عاشوراء وشهر الله المحرّم

- ‌45 - استقبال رمضانيا باغي الشر…أقصر

- ‌46 - رمضان شهر الجهاد

- ‌47 - خطبة عيد الفطر

- ‌48 - الحج: عبر وعظات

- ‌49 - قصة الذبح…دروس وعبر

- ‌50 - خطبة عيد الأضحى

الفصل: ‌26 - لا ضرر ولا ضرار

‌26 - لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ

عَنْ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه:أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، قالَ:«لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ» (حَسَنٌ، رَواهُ ابنُ ماجه والدَّارقطنيُّ وغيرهما).

وفي المعنى أيضًا حديثُ النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم «مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللهُ بِهِ وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللهُ عَلَيْهِ» . (حسن رواه أبو داود والترمذي، وابن ماجه).

(مَنْ ضَارَّ) أَيْ مَنْ أَدْخَلَ عَلَى مُسْلِم جَارًا كَانَ أَوْ غَيْره مَضَرَّة فِي مَاله أَوْ نَفْسه أَوْ عِرْضه بِغَيْرِ حَقّ (أَضَرَّ اللهُ بِهِ): أَيْ جَازَاهُ مِنْ جِنْس فِعْله وَأَدْخَلَ عَلَيْهِ الْمَضَرَّة.

(وَمَنْ شَاقَّ) أَيْ مَنْ نَازَعَ مُسْلِمًا ظُلْمًا وَتَعَدِّيًا (شَاقَّ اللهُ عَلَيْهِ): أَيْ أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ الْمَشَقَّة جَزَاء وِفَاقًا. وَالْحَدِيث فِيهِ دَلِيل عَلَى تَحْرِيم الضِّرَار عَلَى أَيّ صِفَة كَانَ، مِنْ غَيْر فَرْق بَيْن الْجَار وَغَيْره.

• هل بين اللفظتين ـ الضَّرر والضرار ـ فرقٌ أم لا؟

من العلماء من قال: هما بمعنى واحد على وجه التأكيد، والمشهورُ أنَّ بينهما فرقًا، ثم قيل: إنَّ الضَّرر هو الاسم، والضِّرار: الفعل، فالمعنى أنَّ الضَّرر نفسَه منتفٍ في الشَّرع، وإدخال الضَّرر بغير حقٍّ كذلك.

وقيل: الضَّرر: أنْ يُدخِلَ على غيرِه ضررًا بما ينتفع هو به، والضِّرار: أن يُدخل على غيره ضررًا بما لا منفعةَ له به، كمن منع ما لا يضرُّه ويتضرَّرُ به الممنوع.

وقيل: الضَّرر: أنْ يضرّ بمن لا يضره، والضِّرار: أن يضرَّ بمن قد أضرَّ به على وجهٍ غيرِ جائزٍ. وبكلِّ حال فالنَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إنَّما نفى الضرر والضِّرار بغير حق.

• إدخالُ الضرر على أحدٍ بحق وبغير حق:

فأما إدخالُ الضرر على أحدٍ بحق، إمَّا لكونه تعدَّى حدودَ الله، فيعاقَبُ بقدر جريمته، أو كونه ظلمَ غيره، فيطلب المظلومُ مقابلتَه بالعدلِ، فهذا غير مرادٍ قطعًا، وإنما المرادُ: إلحاقُ الضَّررِ بغيرِ حقٍّ.

ص: 357

وهذا على نوعين:

أحدهما: أنْ لا يكونَ في ذلك غرضٌ سوى الضَّررِ بذلك الغير، فهذا لا ريبَ في قُبحه وتحريمه، وقد ورد في القرآن النَّهيُ عن المضارَّة في مواضع منها:

1 -

في الوصية:

قال الله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَار} (النساء:12)، وعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «الضرار في الوصية من الكبائر، ثم تلى:{غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ} . (رواه ابن أبي شيبة وإسناده صحيح).

والإضرار في الوصيَّةِ تارةً يكون بأنْ يَخُصَّ بعضَ الورثةِ بزيادةٍ على فرضِهِ الذي فرضَهُ الله له، فيتضرَّرُ بقيَّةُ الورثة بتخصيصه، ولهذا قال النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم:«إنَّ اللهَ قَدْ أعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» (صحيح رواه ابن ماجه).

بل إن بعض الناس يحرم الإناث من الميراث بحجج واهية وهذا ظلم واضح.

وتارة بأن يُوصي لأجنبيٍّ بزيادةٍ على الثُّلث، فتنقص حقوقُ الورثةِ، ولهذا قال النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم:«الثُّلث، والثُّلُثُ كَثِيرٌ» (رواه البخاري ومسلم).

ومتى وصَّى لوارثٍ أو لأجنبيٍّ بزيادةٍ على الثُّلث، لم ينفّذ ما وصَّى به إلَاّ بإجازة الورثةِ، وسواءٌ قصدَ المضارَّةَ أو لم يقصد، وأما إن قصدَ المضارَّة بالوصيّة لأجنبيٍّ بالثلث، فإنَّه يأثم بقصده المضارَّة، وهل تُرَدُّ وصيَّتُه إذا ثبتَ ذلك بإقراره أم لا؟ حكى ابنُ عطية روايةً عن مالكٍ أنَّها تُردُّ، وقيل: إنَّه قياسُ مذهب أحمد.

2 -

في الرجعة في النِّكاح:

قال تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} (البقرة:231)، وقال:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} (البقرة:228) فدلَّ ذلك على أنَّ من كان قصدُه بالرجعة المضارَّة، فإنَّه آثمٌ بذلك، وهذا كما كانوا في أوَّل الإسلام ـ قبل حصْرِ الطَّلاق في ثلاث ـ يطلِّقُ الرَّجلُ امرأتَه، ثم يتركُها حتّى تقارب انقضاءَ عدَّتها، ثم يُراجعها، ثم

ص: 358

يطلِّقُها، ويفعل ذلك أبدًا بغير نهاية، فيدعُ المرأةَ لا مُطلَّقةً ولا ممسكةً، فأبطل الله ذلك، وحصر الطَّلاق في ثلاث مرات.

3 -

في الرضاع:

قال تعالى: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} (البقرة:233)، قال مجاهد في قوله:{لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} قال: لا يَمنَعُ أمَّه أن تُرضِعَه ليحزُنَها وقوله: {وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} (البقرة:233)، يدخلُ فيه أنَّ المطلَّقة إذا طَلبت إرضاع ولدها بأجرة مثلها، لَزِم الأبَ إجابتها إلى ذلك، وسواءٌ وُجِدَ غيرُها أو لم يُوجَدْ. فإن طلبت زيادةً على أجرةِ مثلها زيادةً كثيرةً، ووجدَ الأب من يُرضعُه بأجرةِ المثل، لم يلزمِ الأبَ إجابتُها إلى ما طلبت، لأنَّها تقصد المضارَّة.

والنوع الثاني من نوعي إلحاقُ الضَّررِ بغيرِ حقٍّ:

أنْ يكون له غرضٌ آخرُ صحيحٌ، مثل أنْ يتصرَّف في ملكه بما فيه مصلحةٌ له، فيتعدَّى ذلك إلى ضرر غيرِه، أو يمنع غيرَه من الانتفاع بملكه توفيرًا له، فيتضرَّر الممنوعُ بذلك.

ومما يدخل في عمومِ قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا ضَرَرَ» أنّ الله لم يكلِّف عبادَه فعلَ ما يَضُرُّهم البتَّة، فإنَّ ما يأمرهم به هو عينُ صلاحِ دينهم ودنياهم، وما نهاهم عنه هو عينُ فساد دينهم ودنياهم، لكنَّه لم يأمر عبادَه بشيءٍ هو ضارٌّ لهم في أبدانهم أيضًا، ولهذا أسقط الطَّهارة بالماء عَنِ المريض، وقال:{مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} (المائدة:6)، وأسقط الصيام عن المريض والمسافر، وقال:{يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة:185)، وأسقط اجتناب محظورات الإحرام، كالحلق ونحوه عمن كان مريضًا، أو به أذى من رأسه، وأمرَ بالفدية.

وعن عائشة رضي الله عنها أن النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنِّي أرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ» (رواه الإمام أحمد وإسناده حسن).

ص: 359

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:أيُّ الأديان أحبُّ إلى الله عز وجل؟ قال: «الحنيفيَّةُ السَّمْحَةُ» . (رواه البخاري في صحيحه تعليقًا ووَصَلَهُ فِي كِتَاب (الْأَدَب الْمُفْرَد)، وَكَذَا وَصَلَهُ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَغَيْره وَإِسْنَاده حَسَن).

وَالْمُرَاد بِالْأَدْيَانِ الشَّرَائِع الْمَاضِيَة قَبْل أَنْ تُبَدَّل وَتُنْسَخ. وَالْحَنِيفِيَّة مِلَّة إِبْرَاهِيم، وَالْحَنِيف فِي اللُّغَة مَنْ كَانَ عَلَى مِلَّة إِبْرَاهِيم، وَسُمِّيَ إِبْرَاهِيم حَنِيفًا لِمَيْلِهِ عَنْ الْبَاطِل إِلَى الْحَقّ؛ لِأَنَّ أَصْل الْحَنَف الْمَيْل، وَالسَّمْحَة السَّهْلَة، أَيْ: أَنَّهَا مَبْنِيَّة عَلَى السُّهُولَة، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّين مِنْ حَرَج مِلَّة أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيم} (المائدة:6).

ومن هذا المعنى ما في (الصحيحين) عن أنسٍ: أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم:رأى رجلًا يمشي، قيل: إنّه نذرَ أن يحجَّ ماشيًا، فقال:«إنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنْ مَشْيِهِ، فَلْيَرْكَبْ» ، وفي رواية:«إنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَه» .

وفي (السنن) عن عُقبة بن عامر أنَّ أختَه نذرت أنْ تمشي إلى البيت، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم:«إنَّ اللهَ لا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أخْتِكَ شَيْئًا فَلْتَرْكَبْ» (حسن).

• من الضرر شرب الدخان:

وشرب الدخان من الضرر الواضح الذي ابتُلي به ـ للأسف ـ كثير من المسلمين.

ظهر الدخان على الوجه المعروف به اليوم عام 1492م تقريبًا حيث رأى بعض البحارة الأسبانيين شجرة الدخان عند اكتشافهم القارة الأمريكية. وأول ما ظهر الدخان في البلاد الإسلامية كان في أواخر المائة العاشرة من الهجرة النبوية وأول من جلبه للبلاد الإسلامية هم النصارى.

والدخان هو مجموعة من المواد السامة ويتكون من مئات المواد الكيماوية المختلفة، فيها مواد سامة مسببة للسرطان، ويتوهم الناس ـ أو يظن بعضهم ـ بأن مادة النيكوتين هي المادة السامة الوحيدة، ولكن الحقيقة أن هناك أكثر من خمسة عشر نوعًا من السموم وأهمها:

ص: 360

1ـ النيكوتين: وهو مركب سام جدًا وخطر على جميع المخلوقات إذ يكفي منه جرام واحد لقتل عشرة كلاب من الحجم الكبير، وحقنة واحدة تقدر بواحد سنتيمتر مكعب (1سم3) كافية لقتل حصان.

2ـ غاز أول أكسيد الفحم: وهو معروف بتأثيره السام.

3ـ القطران: وهي المادة اللزجة الصفراء التي تؤدي إلى اصفرار الأسنان ونخرها وإلى التهاب اللثة وهي أشد المواد خطرًا.

والقطران يتكون من الاحتراق غير المكتمل للتبغ يضاف إليه ما يتكون من احتراق ورق اللفافة وهو السبب لتلون أصابع المدمنين بالصفرة.

4ـ عنصر الرصاص الثقيل السام: الذي يتجمع في الجسم فلا يستطيع إفرازه.

5ـ الزرنيخ: وهذه المادة تستعمل من أجل إبادة الحشرات وينفذ من هذه المادة السامة (10%) ويدخل الرئتين.

6ـ عنصر البلوكنيوم: وهو عنصر مشع ويتركز في رئة المدخن ويفتك بها.

7ـ البنزوبيرين: والتي أجمع الأطباء على تأثيرها الفعال في ظهور السرطان. وهي مادة سامة جدًا لدرجة أن 50 مليجرامًا منها تقتل إنسانًا إذا حُقن بها دفعةً واحدة في الشريان.

وهناك كحول ومواد مطيبة تضيفها المصانع من أجل الاحتفاظ بالرطوبة في التبغ وغير ذلك من مواد سامة ضارة.

• الأضرار الصحية للدخان:

إن الدخان له مضار على سائر الجسد وأن نسبة التدخين تتسبب في عدد كبير من الأمراض الخطيرة، بلغ مجموعها تسعة وتسعين مرضًا. وهذا السلوك هو اتجاه خاطئ وعادة خطيرة، سواء على مستوى الفرد أو المجتمع، بل إنه انتحار بطيء مع سبق الإصرار والتصميم وقتل النفس، وطريق للهلاك، والدمار. يقول تعالى:{ولا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة:195).

ص: 361

والتأثير الضار للتدخين يكون باتجاهين:

1 -

تأثير ضار موضعي مباشر عن طريق استنشاق أغبرة ودخان السجاير أو الشيشة.

2 -

تأثير ضار عام بما يحتويه من مواد كيماوية ضارة ومسرطنة كالنيكوتين والقطران وتأثيراتها على الجسم وأجهزته.

وطبقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية، فإن التدخين يعتبر أخطر وباء عرفه الجنس البشري، والوفيات الناتجة عنه تعد أكثر الوفيات التي عرفها تاريخ الأوبئة.

• موقف الإسلام من الدخان:

قال العلماء بتحريم الدخان؛ لأنه مضر بالصحة ومن قواعد الشرع الأساسية والمعلومة من الدين بالضرورة أن كل ضار حرام، وأن التحريم يدور مع الضرر فالنتيجة الحتمية هي حرمة تعاطي التبغ واستدلوا بالآيات والأحاديث والإجماع والقياس وإليكم الأدلة بالتفصيل على تحريم الدخان.

من القرآن الكريم: قال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة:195). فالآية تدل على النهي عن كل ما يؤدي إلى ضرر والدخان من الضرر والهلاك.

وقال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (الأعراف:157).

وقال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (النساء:29).

من السنة النبوية: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ» (حَسَنٌ، رَواهُ ابنُ ماجه والدَّارقطنيُّ وغيرهما).

• فتوى الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله:

أصبح واضحًا وجليًا أن شرب الدخان، وإن اختلفت أنواعه وطرق استعماله يلحق بالإنسان ضررًا بالغًا إن عاجلًا أو آجلًا في نفسه وماله، ويصيبه بأمراض كثيرة متنوعة؛ وبالتالي يكون تعاطيه ممنوعا بمقتضى هذه النصوص، ومن ثم فلا يجوز تعاطيه

ص: 362

للمسلم واستعماله بأي وجه من الوجوه وأيا كان نوعه حفاظًا على الأنفس والأموال وحرصًا على اجتناب الأضرار التي أوضح الطب حدوثها وإبقاء على كيان الأسر والمجتمعات، بإنفاق الأموال فيما يعود بالفائدة على الإنسان في جسده ويعينه على الحياة سليما معافا يؤدي واجباته نحو الله ونحو أسرته فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف».

وهذه رسالة من مدخن:

قد يستلذُّ الفتى ما اعتادَ من ضررٍ

حتى يرى في تعاطيه المَسَرَّاتِ

إن الدخَان لثانٍ في البلاءِ إذا

ما عُدَّتِ الخمرُ أولَى في البَلِيَّاتِ

وربَّ بيضاءَ قيدِ الأصبعِ احترقَتْ

في الكفِّ وهي احتراقٌ في الحُشاشاتِ

إن مرَّ بين شفاهِ القوم أسوَدُها

ألقى اصفرارًا على بِيضِ الثَنِيّاتِ

عوائدُ عمَّتِ الدنيا مصائبُها

وإنما أنا في تلك المصيباتِ

إن كلَّفَتْنِي السُّكارَى شُربَ خَمْرَتِهم

شربتُ لكنْ دخانًا مِن سِجَاراتي

واخترتُ أهونَ شرٍّ بالدخانِ

وإنْ أحْرَقْتُ ثَوْبي مِنْه بالشراراتِ

وقلتُ يا قوم تكفيكم مشاركتي

إياكم في التذاذٍ بالمضراتِ

إني لأمتصُّ جَمْرًا لُفَّ في وَرَقٍ

إذ تشربون لهيبًا ملءَ كاساتِ

كلاهما حُمْقُ يفترُ عن ضررٍ

يسمّ مِن دمِنا تلك الكُرَيَّاتِ

حسْبي مِن الحمْقِ المعتادِ أهونُه

إنْ كان لابدَّ مِن هذِي الحماقاتِ

يا مَن يُدَخّن مثلي كلَّ آونةٍ

لُمْنِي بألَمِكَ ولا تَرْضَ اعتذاراتي

إنّ العوائدَ كالأغلالِ تجمعُنا

على قلوبٍ لنا منهنَّ أشتاتِ

الحُرُّ مَن خرق العادات منتهجًا

نَهْجَ الصوابِ ولو ضدِّ الجماعاتِ

(الحُشَاشَةُ: بَقِيَّةُ الرُّوحِ في المَرِيضِ والجَرِيحِ، الثَّنِيَّة: إحدى الأسنان الأربَعُ التي في مُقَدَّمِ الفَمِ: ثِنْتانِ من فَوْقُ، وثِنْتانِ من أسْفَلَ).

ص: 363