الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيف تختار موضوع الخطبة
؟
يشتكي كثير من الخطباء من كيفية اختيار الموضوع، وبعضهم يُرجع سبب ذلك إلى ندرة الموضوعات التي يمكن أن يتناولها الخطيب وتناسب الكثير من الناس لاسيما أن الخطبة تتم كل أسبوع.
وقد يكون السبب الرئيس لهذه النظرة عند الخطيب هي: قلة علمه، ومحدودية اطلاعه، وضعف نظرته إلى واقع الناس. وإلا فإن الخطبة لو كانت تتكرر يوميًا لما استطاع الخطيب أن يعالج جميع الموضوعات التي يحتاجها الناس في هذا العصر المتغير، الذي كثرت فيه الفتن، فالناس يحتاجون إلى تقوية إيمانهم، وترسيخ عقيدتهم، والقضاء على ما تخللها من انحرافات من أقوال أو أفعال قد تناقضها بالكلية، أو تنقص كمالها.
والناس يحتاجون إلى تصحيح عباداتهم، ويحتاجون إلى بيان الحكم الشرعي في كثير من المعاملات والعادات التي تتجدد باستمرار، غير ما يفِدُ إليهم من خارج مجتمعهم، ويحتاجون إلى الحث على مكارم الأخلاق والتنفير من مساوئها، وإلى ترقيق القلوب، والتذكير بالآخرة .... ، والموضوعات كثيرة جدًا.
ويمكن تقسيم الجُمعات إلى قسمين:
• القسم الأول: جمعات توافق مناسبات مهمة: وهذه المناسبات على نوعين:
أـ مناسبات طارئة: كحدث يحصل في الحي أو البلد واشتهر وعرفه الناس؛ فهم ينتظرون من الخطيب رأيه فيما حدث، ومنها أيضًا قضايا المسلمين التي تشتعل بين حين وآخر: كقضايا فلسطين، والعراق، والصومال، والشيشان، ونحوها.
وينبغي للخطيب أن يعالج مثل هذه الموضوعات معالجة شرعية، تبين حجم القضية الحقيقي بلا مبالغة ولا تهوين، ومن ثَمَّ يبين موقف المسلم في هذه القضية، وما يجب عليه تجاهها، فلا يكفي مجرد عرضها.
ب ـ مناسبات متكررة بتكرر الأعوام: كرمضان والحج وعاشوراء، والتحذير من البدع المحدثة ونحوها.
وهذه المناسبات مريحة عند كثير من الخطباء؛ إذ لا يحتاجون إلى إعداد خطب جديدة في موضوعاتها، ولربما حفظ الناس خطبهم فيها من كثرة ترديدها، وأصابهم الملل منها.
بيد أن هذه المناسبات تُقلق مَن يهتمون بخطبهم، ويحبون التجديد في موضوعاتها، ويوَدّون إفادة الناس بكل وسيلة ممكنة.
ولتلافي التكرار في كل عام يمكن تفتيت الموضوع الواحد إلى موضوعات عدة في كل عام يطرق الخطيب منها موضوعًا.
وبالمثال تتضح الصورة: درج الخطباء في ثالث جمعة من رمضان على الحديث عن غزوة بدر الكبرى، ويقدمون لها بمقدمة عن نصر الله تعالى لعباده، وكون رمضان شهرًا للانتصارات والأمجاد، ويسردون عددًا من المعارك التي وقعت في رمضان، غزوة بدر، وفتح مكة، وعين جالوت، وفتح الأندلس ونحوها، ثم يخصصون الخطبة بكاملها عن غزوة بدر، وهكذا في كل عام.
ومن الممكن لتلافي التكرار جمع الغزوات والأحداث الكبرى التي وقعت في رمضان، واختيار واحدة منها في كل عام للحديث المفصل عنها. ويمكن أيضًا تفتيت الغزوة الواحدة إلى عدة موضوعات، في كل عام يطرق جانبًا جديدًا منها.
فغزوة بدر مثلًا يمكن إنشاء خطب عدة منها، كل واحدة تتناول جانبًا مختلفًا، فتكون مجموعة من الخطب موضوعاتها كالتالي:
1ـ سرد أحداث الغزوة كما في كتب السير، وهذا يعمله أكثر الخطباء كل عام.
2ـ وصف حال المسلمين قبل الغزوة (الهجرة ـ المطاردة ـ المحاصرة ـ الضعف ـ القلة ـ الخوف).
وحالهم بعدها (ارتفاع معنوياتهم بالنصر ـ عز الإسلام ـ قوة المسلمين، رهبة اليهود والمنافقين).
3ـ وصف حال الفريقين المتقابلين: حال المؤمنين: (الدعاء، الحماس للقتال، التضحية والفداء، التعلق بالله تعالى).
حال المشركين (الكبرياء، محادة الله ورسوله، الاعتداد بالنفس، الاغترار بالكثرة، ممارسة العصيان، شرب الخمر وغناء القينات، كما هو قول أبي جهل).
4ـ تأييد الله عز وجل لعبادة المؤمنين: (النعاس، المطر، قتال الملائكة معهم، وفيه عدة أحاديث صحيحة، الربط على قلوبهم، تقليل العدو في أعينهم) وخذلان الكافرين.
5ـ الحديث عن مصير المستكبرين حيال دعوة الأنبياء عليهم السلام، ويكون صرعى بدر من المشركين نموذجًا على ذلك بذكر مجمل سيرتهم الكفرية وعنادهم ثم ما جرى لهم، وفيه قصص مبكية من السيرة.
فهذه خمسة مواضيع، كل واحد منها يصلح أن يكون خطبة مستقلة، وهذه الموضوعات الخمسة في غزوة واحدة، ومن تدبر فيها أكثر استخرج موضوعات أخرى.
والكلام عن المولد النبوي مثلًا يمكن تقسيمه أيضًا إلى عدة موضوعات منها:
1ـ بيان حقيقة محبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأنها تكون باتباعه لا بالابتداع، مع تقرير وجوب محبته من خلال نصوص الكتاب والسنة، وأقوال السلف الصالح، وبيان العلاقة بين محبته وتطبيق سنته، وهذا موضوع ثري جدًا يمكن صنع عدة خطب فيه.
2ـ تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي، وبيان أنه بدأ بعد القرون المفضلة في المائة الرابعة للهجرة على أيدي بني عبيد الباطنيين (الذين يدعون بالفاطميين)، وظل قرنين من الزمن لا يعرفه أهل السنة، حتى انتقل إليهم في المائة السادسة على يد شيخ
صوفي استحسن هذه البدعة وتبناها، وبيان أن دوافع إحداث هذا الموضوع عند بني عبيد كانت سياسية، ولم تكن بدافع محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
3ـ ذكر المخالفات الشرعية في احتفالات المولد، من الغلو في الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي قد يصل إلى حد الشرك، إلى الأناشيد والأهاجيز الصوفية، إلى سائر المنكرات الأخرى: كالاختلاط في بعضها، وكونها تنشد على أنغام الموسيقى أو الدفوف.
4ـ التنبيه على أن الاشتغال بالبدعة يشغل عن السنة، وجعل المولد مثلًا لذلك، فما يصرف فيه من جهد ووقت ومال قد يصرف عن كثير من السنن؛ بل ربما صرف عن الفرائض، وكثير ممن يحتفلون بتلك الموالد تظهر عليهم مخالفات شرعية، ويعلم من سيرة بعضهم تضييعه للفرائض فضلًا عن المندوبات.
5ـ أخذ جانب من سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مولده أو بعثته أو غير ذلك، ثم التنبيه على بدعة الاحتفال بمثل هذه المناسبات، فهذه خمسة موضوعات كل واحد منها يصلح لأن يكون خطبة مستقلة.
والكلام عن عاشوراء أيضًا يمكن استخراج موضوعات عدة منه، ولاسيما أنه متعلق بقصة نجاة موسى عليه السلام وغرق فرعون، وهي أكثر القصص ورودًا في القرآن، وفيها جوانب كثيرة يمكن أن تكون موضوعات، وفي نهاية كل خطبة منها يتم التنبيه على سُنِّية صيام يوم عاشوراء.
كذلك الحديث عن مراحل صوم عاشوراء، وأنه كان واجبًا، ثم نُسخ الوجوب إلى السُّنِّية بعد فرض رمضان، ثم في آخر سنة قصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مخالفة اليهود، وأمر بصيام التاسع مع العاشر، وذكر فضل صيام هذا اليوم، وفضل شهر الله المحرم.
وهكذا يقال في بقية الموضوعات، تطرح من جوانب متعددة، كل جانب فيها يكون خطبة؛ مما يكون سببًا في إثراء المشروع الخطابي للأمة، وإفادة السامعين، والتجديد في الموضوعات التي يلقيها الخطيب.
• القسم الثاني: جمعات لا توافق مناسبات معينة:
وهذه هي الأكثر، ويستطيع الخطيب أن يضع لها مخططًا يسير عليه، ويشتمل هذا المخطط على موضوعات عدة، وفي فنون مختلفة، ومن فوائد ذلك:
1ـ عدم حيرته في اختيار موضوع الخطبة، لاسيما إذا ضاق الوقت عليه.
2ـ نضج الموضوعات التي يطرحها، إذ قد يمر عليه شهور وهي تدور في مخيلته، وكلما حصل ما يفيده فيها من مطالعاته وقراءاته قيّده، أو استذكره.
3ـ سهولة بحثه عدة موضوعات، إذا كانت في فن واحد، وتوفير كثير من الوقت؛ فمثلًا إذا كان في خطته خمسة موضوعات في العقيدة، فإن جلسته لبحث واحد منها كجلسته لبحثها كلها؛ إذ إن مصادرها واحدة، ومظانها متقاربة.
4ـ التنويع على المصلين وعدم إملالهم.
ويمكن تقسيم الموضوعات إلى أقسام كثيرة، يختار في كل جمعة منها قسمًا للحديث عن موضوع من موضوعاته.
• ومن مجالات المواضيع:
المجال الأول: القرآن الكريم:
يمكن أن يكون موضوع الخطبة آية قرآنية يجعل الموضوع يدور حولها وحول تفسيرها، وحول معانيها وما قال العلماء عنها، ويربطها بواقع الأمة وواقع الناس واحتياجاتهم اليومية، وكثيرًا ما نجد لهذه الموضوعات أثرها الطيب وصداها الكبير؛ لأن القرآن العظيم ـ كما نعلم ـ هو القرآن المعجِز الذي حوى الهداية كلها والإحكام في الأحكام على أتم وجه، وهو الذي حوى البلاغة من جميع أطرافها، فربما كان شطر آية ليس موضوعًا لخطبة واحدة فقط بل لعدة خطب.
وأضرب لذلك مثالًا في الآيات المفردة وأمثلة أخرى يمكن أن تقاس عليها، فلك أن تتصور موضوعًا لخطبة الجمعة، يكون مداره في شطر آية وهي قول الله عز وجل:{إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد:211).وانظر إلى مدلول هذه الآية كم فيه من سعة ورحابة، وكم فيه من تدليل واستشهاد، وكم فيه من تحليل
للواقع وربط بسنن الله عز وجل في هذا الكون وفي حياة الناس، إلى غير ذلك من الآفاق الواسعة الكثيرة.
وقس على ذلك آيات كثيرة يمكن أن تكون موضوعًا مثل قول الله سبحانه وتعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلمونَ} (البقرة:281). ومثل قوله سبحانه وتعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور:31)، إلى غير ذلك من الآيات.
من أمثلة المواضيع القرآنية:
1 ـ الآيات التي تتكلم عن صفات عباد الرحمن؛ فإنها يمكن أن تكون موضوعًا لسبعة أسابيع أو عشرة أسابيع ولأكثر من ذلك.
2 ـ آيات الوصايا مثل الوصايا العشر في سورة الأنعام، والوصايا في سورة الإسراء.
3 ـ القصص القرآني، فيمكن أن تأخذ قصة نوح عليه السلام وتأتي بأحداثها ودروسها وعبرها في أربعة خطب إلى غير ذلك.
المجال الثاني: الحديث النبوي:
ويكون محور الموضوع فيه حول حديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي أحاديث جامعة لأنه صلى الله عليه وآله وسلم أوتي جوامع الكلم.
فهناك أحاديث كثيرة يمكن أن تكون بذاتها موضوعات لخطبة أو خطب عديدة، فحديث مشهور كحديث ابن عباس:«احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ» وحديث وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ: «اتَّقِ الله حَيثُمَا كُنْتَ، وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمحُهَا، وخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» هو أيضًا كذلك.
وكذلك الأحاديث التي فيها تعداد فيمكن أن تكون مجالًا لخطب مسلسلة طويلة، كحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في السبعة الذي يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، يمكن أن يكون كل واحد من هذه الأصناف موضوعًا لخطبة مستقلة، وهكذا أحاديث كثيرة
للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كحديث: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ» ، يمكن أن يكون كل واحد منها مضمونًا لموضوع معيّن.
أضف إلى ذلك مجال القصص التي قصها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديثه كقصة الثلاثة الذين آواهم الغار، وقصة الأعمى والأبرص إلى غير ذلك من القصص الكثيرة التي وردت في قصة السنة النبوية المشرفة، وهذا أيضًا مجال رحب واسع طويل.
المجال الثالث: العقيدة وما يتعلق بها:
وفيها موضوعات كثيرة، كأهمية التوحيد، وأن من عقيدة المسلمين تطبيق شرع الله عز وجل، وبيان خطورة الشرك، وأنواعه، والسحر، والاستهزاء بالدين، والحكم بغير ما أنزل الله عز وجل.
المجال الرابع: السيرة النبوية ومعارك الإسلام:
يختار حدثًا أو معركة يتحدث عنها أو عن جانب منها، ويستخرج من ذلك الدروس والعبر.
وهو أيضًا مجال مهم ونافع ويحتاج الناس إليه كثيرًا، إذ فيه ارتباط بسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفيه تذكيرٌ بالمعاني الإيمانية والدروس المستفادة من هذه الأحداث والغزوات وربطها بالواقع إلى غير ذلك أيضًا من أمور كثيرة في هذا المجال، فهناك الحديث عن غزوة بدر في السابع عشر من رمضان، وعن الفتح في الثامن منه، وأحُد في شوال، وعن تبوك في رجب، وغيرها من أحداث النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وليس ذلك فحسب بل أحداث التاريخ كثيرة، فيما بعد حياته صلى الله عليه وآله وسلم في مواقع شتى كانت فاصلة في تاريخ الإسلام، تبين كيف كان هذا الدين ـ عندما يلتزم به أتباعه ـ معينًا وناصرًا لهم ورافعًا لرايتهم ومعزًا لمكانتهم، وإذا تخلّوا عنه فإنهم يحل بهم ما وقع بهم في آخر الزمان الذي نَحيَى بعض أمثلته، وهذا مجال من المجالات الواسعة.
المجال الخامس: الشخصيات الإسلامية:
ويبدأ ذلك بصحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتابعين من بعدهم وسلف الأمة من علمائه وقوادِها وأهل الرأي فيها الذين كانت لهم سيَر ناصعة ومواقف مشرِّفة وعلم غزير
وحِكَم نافعة؛ فإن هذا مجال كبير جدًا، فمن حديثك عن صدق أبي بكر، إلى عدالة عمر، إلى حياء عثمان إلى شجاعة علي، إلى علم ابن عباس، إلى فقه معاذ، إلى غير ذلك في صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم و رضي الله عنهم.
ولك بعد ذلك مجال واسع في حِكَم الحسن البصري، وفي زهد الفضيل بن عياض، وفي جهاد ابن المبارك وغيرهم من التابعين، وهكذا تنتقل بعد ذلك إلى الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل، إلى غير ذلك من الشخصيات من قواد وعلماء الأمة كابن تيمية وغيرهم من العلماء.
المجال السادس: أحداث العالم الإسلامي:
وهذا يربط المنبر بواقع الناس، ونعلم جميعًا أن هناك أحداثًا مستجدة، ليس المنبر مكانًا لنشرة الأخبار أو لاستعراض الأحداث بذاتها، ولكن كيف يستل منها الدرس والعبرة، وكيف يبين بعض الحقائق المهمة من ضرورة الولاء لله ولأوليائه والبراءة من أعداء الله، وبيان تكالب الأعداء على أمَّة الإسلام، وبيان ما يواجه ذلك من فرقة المسلمين، وغير ذلك من بعض المواطن التي يمكن الاستفادة منها بشكل جيد.
المجال السابع: مجال الأنظمة الإسلامية:
وهذا مجال مهم جدًا، فهناك النظام الاجتماعي فيمكن أن يكون مجالًا لعدد من الخطب والموضوعات، بِدءًا من الآداب أو الشروط أو المواصفات التي جاءت في الإسلام في اختيار الزوجة، ثم بناء الأسرة ثم تربية الأبناء، هذا كله ثم العلاقة بالجيران، ثم العلاقة بحقوق المسلم، هذا كله في نطاق النظام الاجتماعي.
ثم بعد ذلك آفاق أخرى في النظام الاقتصادي والنظام السياسي والنظام القضائي كل هذه الأنظمة التي عندما يستعرضها الخطيب بشكل واضح وبسيط، ومقرِّب للناس يمكن أن يفيدهم كثيرًا ويفيد نفسه أيضًا بشكل واسع.
المجال الثامن: مجال الأخلاق الإسلامية:
وهو مجال واضح سواء من ناحية تأصيلها والكلام عنها وعن ربطها بالإيمان وربطها بالعبادة وأنها جزء لا يتجزأ من هذا الدين، أو بضرب أمثلة منها بأن يكوِّن موضوعًا عن الصبر وموضوعًا عن الحلم وموضوعًا عن الأخلاق الأخرى كالوفاء بالوعد وغيرها من الأخلاق، فهناك عدد كبير من هذه الموضوعات.
المجال التاسع: الموضوعات الإيمانية:
التي فيها ترقيق القلوب والتذكير بالآخرة وذكر أوصاف الجنة، وأهوال النار، وصف أهلهما، أعمال أهلهما، الطريق الموصلة إليهما.
والفتن والملاحم وأشراط الساعة: وكل فتنة أو ملحمة أو علامة من علامات الساعة الكبرى صالحة لأن تكون خطبة مستقلة، بل ربما أكثر من خطبة، لغزارة ما فيها من نصوص ومعلومات شرعية.
وكذلك القيامة وأحوالها: وفيها من الموضوعات شيء كثير:
الصراط، الميزان، البعث، الحساب، الصراط، الحشر، وغير ذلك مما يتعلق بهذه الموضوعات، التي جميع الناس في أمَسّ الحاجة إليها، والموضوعات المتعلقة بتهذيب النفوس وترقيق القلوب وتصفيتها وتهذيبها من الأدواء والأمراض التي تحل بها هو أيضًا مجال واسع في هذا الباب.
المجال العاشر: في الموضوعات الفقهية في العبادات والمعاملات:
فيمكن أن تكون هناك الموضوعات المتعلقة ببعض الأحكام في الصلاة وببعض الأحكام في الطهارة والوضوء، وببعض أحكام الحج عند الحج، وبعض أحكام الصيام في وقت الصيام، وبعض هذه المسائل التي يقع الناس فيها في بعض القضايا، من أمور حياتهم العامة كموضوعات الربا وموضوعات بعض المعاملات غير الشرعية، لا بد أيضًا أن يتناولها الخطيب في خطبه بين فيْنة وأخرى.
المجال الحادي عشر: الموضوعات الفكرية المنهجية:
التي يتحدث فيها عن منهج الإسلام وعن رسالة الإسلام وخصائصها، وعن المزايا والمحاسن الذي جاء بها هذا الدين، فله أن يتحدث على سبيل المثال عن الإنصاف في منهج الإسلام، وعن الوسطية في منهج الإسلام، الوسطية التي تعني الالتزام بالإسلام ككل وليس المقصود بالوسطية التمييع والتنازل عن ثوابت هذا الدين العظيم.
ويمكن أن يتحدث عن الغزو الفكري الذي جاء من الأعداء وكيف نواجهه، وعن الأفكار والمصطلحات والأحداث وموقف الشرع منها: كالديمقراطية، والعلمانية والحداثة، والحضارة الغربية وموقف المسلم منها.
المجال الثاني عشر: الموضوعات التربوية والدعوية:
ومعنى ذلك معالجة الأخطاء في السلوكيات على وجه الخصوص؛ لأن التربية هي التقويم للأخطاء وهذا جزء أساسي منها، فيمكن باستمرار أن يكون هناك عرض من خلال بعض الموضوعات لبعض الأخطاء التي يقع فيها الناس عادة، سواء كانت بعض الأخطاء في الحياة الاجتماعية أو في الحياة المتعلقة بالناحية العلمية، وارتباطها بهذا الدين، وكذلك بعض الأمور المتعلقة بالدعوة إلى الله عز وجل.
* هذه بعض الموضوعات الكلية، ويمكن تقسيم كل موضوع منها إلى موضوعات جزئية في كل موضوع منها خطب كثيرة.
فبإمكان الخطيب أن يضع تحت كل مجال من هذه المجالات عشرة عناوين، فسيصبح عنده عشرين ومائة من الموضوعات والعناوين؛ لأن المجالات المذكورة اثنا عشر مجالًا، وعشرة مواضيع تحت كل مجال يصبح لدينا مائة وعشرين موضوعًا، تكفيه أكثر من سنتين، ويحتاج أن ينوع بينها فلذلك ضع عشرة شخصيات وعشرة أحداث، وعشرة مناسبات وهكذا ستجد عندك قائمة واسعة لن تحتار بإذن الله في اختيار الموضوع بعدها.
فالخطيب إذا عمل هذا التقسيم، ورتبه في خطة محكمة؛ بحيث يتعرض في كل جمعة لموضوع من هذه الموضوعات فإنه يُعَلم الناس مجمل الشريعة، ويُطْلِعْهُم على ما يحتاجون إليه في معادهم ومعاشهم، ويريح نفسه بحصر ذهنه عن الاختيار في موضوع واحد بدل التشتت في موضوعات كثيرة.
وعلى كل حال فإن حرص الخطيب، وجدّه في اختيار موضوعات خطبه، واستفادته من خطبه، واستفادته من الخطباء الآخرين سيعينه في هذا المجال كثيرًا، كما أن اطلاع الخطيب، وغزارة علمه، واجتهاده في تحصيل العلم وطلبه، ومعرفته بأحوال الناس، وتلمس حاجاتهم، وقربه منهم، يجعله قريبًا من قلوبهم، عارفًا بهمومهم، قادرًا على معالجة مشكلاتهم، في كل أسبوع يصعد درجات المنبر، ويخطب فيهم وهم له منصتون.
وإذا كان الخطيب كذلك فإن المصلين سيشتاقون إلى الجمعة، وينتظرون خطيبهم برغبة كبيرة، ويفرحون بإطلالته عليهم، مما يجعل الخطيب قريبًا من مستمعيه، وهذا حقيق بأن يجعل الخطبة تؤتي ثمارها، وتظهر فائدتها التي شرعت من أجلها.