المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وصايا أثناء الخطبة - دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ - جـ ١

[شحاتة صقر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مكانة يوم الجمعة في الإسلام:

- ‌مكانة خطبة الجمعة وأهميتها:

- ‌صفة خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌اشتمال الخطبة على الآيات القرآنية

- ‌اشتمال الخطبة على الأحاديث النبوية

- ‌ أثر الأحاديث الضعيفة في الابتداع في الدين:

- ‌ لا يجوز استحباب شيء لمجرد حديث ضعيف في الفضائل:

- ‌ معنى العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال:

- ‌ لا يجوز التقدير والتحديد بأحاديث الفضائل الضعيفة:

- ‌ شروط العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال عند القائلين به:

- ‌ هل هناك إجماع من العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال

- ‌اشتمال الخطبة على ضرب الأمثال

- ‌الاستشهاد بالشعر في الخطبة

- ‌الاستشهاد بالقصة في الخطبة

- ‌الاستشهاد بواقع الآخرين

- ‌فقه الخطيب

- ‌ ماذا تقرأ في صلاة الجمعة

- ‌ قطع الخطبة للتنبيه والإرشاد:

- ‌ ما الحكم فيمن دخل المسجد لصلاة الجمعة والمؤذن يؤذن الأذان الثاني

- ‌ رفع اليدين للدعاء في الخطبة:

- ‌ هل يصلي بالناس الجمعة غير الخطيب

- ‌ إذا قرأ الخطيب آية تشتمل على سجدة وهو يخطب فهل يسجد سجود التلاوة

- ‌كيف تختار موضوع الخطبة

- ‌ضوابط وقواعدلموضوعات خطبة الجمعة

- ‌وصايا للخطيب

- ‌الخطيب وجمهوره

- ‌وصايا أثناء الخطبة

- ‌همسات في أذن خطيب الجمعة

- ‌عيوب الخطبة

- ‌ عيوب في أصل الخطبة

- ‌تنبيه:

- ‌ عيوب في الخطيب

- ‌ عيوب نسبية

- ‌أدعية

- ‌موضوعات عامة

- ‌1 - الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌2 - التحذير من ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌3 - كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعناها

- ‌4 - اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم دليل محبة الله عز وجل

- ‌5 - التواضع وذم الكبر

- ‌6 - فضائل الصحابة رضي الله عنهم

- ‌7 - فضائل الصحابة رضي الله عنهم في السنة المطهرة

- ‌8 - اتق الله حيثما كنت

- ‌9 - أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمحُهَا

- ‌10 - خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ

- ‌11 - احفَظِ الله يَحْفَظْكَ

- ‌12 - إذا سَأَلْتَ فاسْألِ اللهوإذا اسْتََعَنْتَ فاستَعِنْ باللهِ

- ‌13 - شروط الدعاء وموانع الإجابة

- ‌14 - رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفُ

- ‌15 - القناعة

- ‌16 - فوائد القناعة والسبيل إليها

- ‌17 - الإصلاح بين الناس

- ‌18 - الإصلاح بتن الناس وآداب المصلح

- ‌19 - الأمانة

- ‌20 - السعادة الوهمية

- ‌21 - أسباب السعادة وصفات السعداء

- ‌22 - نحن والمزاح

- ‌23 - إنَّ الله كَتَبَ الإحسّانَ على كُلِّ شيءٍ

- ‌24 - المستقبل لهذا الدين رغم مرارة الواقع

- ‌25 - المستقبل لهذا الدين ولكن ما السبيل إليه

- ‌26 - لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ

- ‌27 - وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌28 - موتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌29 - إذا لَم تَستَحْيِ، فاصْنَعْ ما شِئْتَ

- ‌30 - عَظيمٌٍ ولَكِنّه يَسيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ الله عليه

- ‌31 - قُلْ: آمَنْتُ باللهِ، ثمَّ استقِمْ

- ‌32 - كُلُّ النَّاسِ يَغْدُوفَبائعٌ نَفْسَهُ، فمُعْتِقُها أو مُوبِقها

- ‌33 - كثرة النعم وكثرة طرق الشكر

- ‌34 - أكل الميراث بالباطل

- ‌35 - إنَّ الله طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَاّ طيِّبًا

- ‌36 - لا تَحَاسَدُوا

- ‌37 - كُونُوا عِبادَ اللهِ إِخْوانًا

- ‌38 - لا تَظالموا

- ‌39 - إنَّما هي أعمالُكُم أُحصيها لكم

- ‌40 - لا تَغْضَبْ

- ‌خطب مناسبات

- ‌41 - الزكاة

- ‌42 - الامتحانات، كل منا ممتحن

- ‌43 - عاشوراء وشهر الله المحرّم

- ‌45 - استقبال رمضانيا باغي الشر…أقصر

- ‌46 - رمضان شهر الجهاد

- ‌47 - خطبة عيد الفطر

- ‌48 - الحج: عبر وعظات

- ‌49 - قصة الذبح…دروس وعبر

- ‌50 - خطبة عيد الأضحى

الفصل: ‌وصايا أثناء الخطبة

‌وصايا أثناء الخطبة

1 -

قف جيدًا:

إن الوقوف الصحيح له دوره في ارتياح الخطيب أثناء إلقاء الخطبة مما يزيد ثقته بنفسه كما أنه يساعده على التنفس الصحيح الذي يؤثر في فعالية الصوت.

وينبغي للخطيب أن يتهيأ قبل الخطبة فيبعد عما يؤثر على صوته، فلا يأكل طعامًا أو يشرب شرابًا يذهب بقوة صوته، أو يجعله يحشرج إذا تكلم.

2 -

لباس الخطيب:

فلزامًا على الدعاة وخاصة الخطباء أن يزيدوا من اهتمامهم بهذا الجانب فيكونوا ذوي مظاهر جميلة تأنس بهم العين ويقبل عليهم الناس.

3 -

كيف تستفتح الخطبة:

خطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمها أصحابه:

إِنَّ الْحَمْدَ لِله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلمونَ}

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}

أَمَّا بَعْدُ. «ثُمَّ يَذْكُرُ حَاجَتَهُ» .

(انظر مسند الإمام أحمد، وسنن أبي داود والنسائي والترمذي وابن ماجه، وانظر تخريج الخطبة بالتفصيل في رسالة (خطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمها أصحابه) للشيخ الألباني رحمه الله.

قال الشيخ الألباني رحمه الله في الرسالة المذكورة: «قد تبين لنا من مجموع الأحاديث المتقدمة أن هذه الخطبة تفتح بها جميع الخطب، سواء كانت خطبة نكاح أو خطبة جمعة أو غيرها؛ فليست خاصة بالنكاح كما قد يُظَنُّ.

وفي بعض طرق حديث ابن مسعود التصريح بذلك، وقد أيد ذلك عمل السلف الصالح فكانوا يفتتحون كتبهم بهذه الخطبة كما صنع الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله حيث قال في مقدمة كتابه (مشكل الآثار): «وأبتدئ بما أمر صلى الله عليه وآله وسلم بابتداء الحاجة مما قد روي عنه بأسانيد أذكرها بعد ذلك إن شاء الله: إن الحمد لله

»

قلت (أي الشيخ الألباني): فذكرها بتمامها.

وقد جرى على هذا النهج شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله فهو يكثر من ذلك في مؤلفاته كما لا يخفى على من له عناية بها.» (اهـ كلام الشيخ الألباني بتصرف).

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ، وَيَقُولُ:«بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ» وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى.

وَيَقُولُ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» ، ثُمَّ يَقُولُ:«أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ» (رواه مسلم).

وفي رواية لمسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه أيضًا قَالَ: كَانَتْ خُطْبَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَحْمَدُ اللهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ وَقَدْ عَلَا صَوْتُهُ

».

ولفظ النسائي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ يَحْمَدُ اللهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ يَقُولُ: «مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ

ص: 67

يُضْلِلْهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ

» (صحيح).

وقد قال بعض العلماء إن التزام الخطباء بخطبة الحاجة الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بداية كل خطبة ليس بلازم، وليست السنة كذلك، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يلتزم به في كل خطبة، فهذه خطبة الوداع أشهر خطبه صلى الله عليه وآله وسلم وأكثرها مستمعين لم يُنقل أنه بدأها بخطبة الحاجة.

إن المقدمة أول ما يطرق الأسماع من الخطبة، فإن كانت جيدة أصغى السامعون، وتأهبوا لما بعدها، وتفتحت نفوسهم للخطيب، وإلا كانت نذيرًا بفشله وتفاهة أثره ومن المهم أن تفتتح الخطبة بمقدمة مثيرة، وبشيء يأسر الانتباه في الحال.

وإذا أردت أن تستخدم مقدمة يجب أن تكون قصيرة كلائحة الإعلان. لأن ذلك يتطابق مع مزاج المستمع للحديث الذي لسان حاله يقول: أعطنا ما عندك بسرعة واجلس.

ومن الخطأ الذي يقترفه الخطيب المبتدئ الاعتذار في مقدمته بكونه ليس بخطيب، أو أنه ليس لديه ما يقوله، فهذا الأمر يضعف تفاعل الجمهور معه.

لا تفعل ذلك أبدًا، بل ابدأ بشيء مثير منذ الجملة الأولى، وليس الثانية أو الثالثة.

وقد تكون هذه المقدمة على شكل سؤال يوجهه إلى المخاطبين، ثم يكون جوابه في أثناء الخطبة، فإن السؤال يثير الرغبة لمعرفة الجواب، ويوقظ انتباه السامع.

وقد يبدأ الخطيب هذه المقدمة بخبر موجز مثير، وقد يبدؤها في كلمات موجزة، إما بقصة من التاريخ، أو من الواقع، أو يبدؤها بآية، أو حديث أو حكمة، أو ما شابه ذلك مما يكون فاتحة لموضوعه، ومنبها لأذهان السامعين إليه، وينبغي أن يحذر الرتابة في هذا المجال حيث تكون خطبه ذات مقدمة واحدة معروفة لدى

ص: 69

سامعيه، بل عليه أن يلون ويجدد ويغير في طريقة تناوله للموضوع، وفي أسلوب استهلاله للخطبة.

وليعلم أن شدة إصغاء السامعين إليه، وانجذابهم، وتفاعلهم معه ليس لحسن تقدمته وحسب، بل لا بد من توفر مجموعة أمور تتعلق بإخلاصه، وحسن سيرته، وعلمه، وأدبه، وفصاحته

وغير ذلك، فليجتهد الخطيب في تحضير المقدمة، والتمهيد للموضوع جهده.

وبعض الخطباء يستهِلّ خطبته دائما بألفاظ معينة يلتزم بها في كل خطبة، حتى أصبحت محفوظة مكررة لدى المصلين، تدعو إلى الملل والسأم من حين يبدأ في الخطبة.

4 -

الاتزان وضبط النفس:

الاتزان يعني الطمأنينة والهدوء وتجنب إحداث أي حركة في غير محلها. ولا ينبغي العبث بملابسك لأنها تلفت الانتباه.

5 -

بعدما تنهض لمخاطبة جمهورك لا تبدأ بعجلة.

6 -

عدم الإطالة في الخطبة:

فالخطيب الناجح لا يطيل في خطبته مراعاةً لأحوال وظروف المستمعين، فيكون من بينهم المرضى وأصحاب الحاجات والمهمات، وأحيانًا طبيعة الجو تلعب دورًا أساسيًا في تحديد وقت الخطبة، فيجب على الخطيب مراعاة ذلك بصورة معتدلة.

ولا بد أن يعلم الخطيب أن فن الإيجاز والإطناب يختلف من حال إلى حال، بحسب حال السامعين في إقبالهم ومللهم، ونوع الموضوع، وظروف الإلقاء.

ويحسن من الخطيب أن يعوّد سامعيه على زمن معتدل ثابت يلتزمه، فإنهم إذا عرفوه بانضباطه ودقة التزامه أحبوه ولازموا حضوره.

وقد قرر علماء النفس أن الذاكرة القريبة هي بين 15 - 20 دقيقة.

لذلك لابد للخطيب أن يتدارك هذا الاستعداد الذهني لدى المستمعين خلال هذه الدقائق الأولى فيزرع ما يريد زرعه ويستنبت ما يريد استنباته.

ص: 70

ومن الخير للخطيب وجمهوره أن ينفضوا وهم متعلقون به من غير ملل أو سآمة.

إن الخطيب الذي لا يصيغ خطابه ليتناسب مع روح العصر السائدة والمتميزة بالسرعة لن يكون موضع ترحيب، وفي بعض الأحيان، يثير كراهية الآخرين؛ لذلك كن مختصرًا.

عن أَبُي وَائِلٍ قال: خَطَبَنَا عَمَّارٌ رضي الله عنه فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ فَلما نَزَلَ قُلْنَا: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: «إِنَّ طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا» (رواه مسلم).

7 -

التكرار وحسن البيان: وهو أحد الأسس التي يقّدم الخطيب من خلالها المضمون، ووظيفة هذا الأسلوب التوضيح وزيادة التأكيد.

فيعيد الكلام إذا رأى الحاجة لذلك، كأن يكون معظم الحضور من العامة، أو بعض الأفكار تحتاج إلى إعادة لعدم وضوحها، أو لأهميتها.

عن أَنَسٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ، وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلَاثًا». (رواه البخاري).

8 -

تغيير نبرة الصوت: من أسباب ضعف التأثير وتطرق الملل والسآمة إلى السامعين أن يتحدث الخطيب بطبقة رتيبة على وتيرة واحدة.

عندما تجد نفسك كذلك ابحث عن أي جملة مناسبة لتغير من خلالها نبرة صوتك بما يتوافق مع أسلوب الجملة.

9 -

تغيير سرعة الكلام:

فالأفكار الرئيسية والجمل الهامة ينبغي أن يلاحظ في إلقائها التؤدة وعدم الاستعجال تمكينًا لاستيعاب السامع لها وتعزيزًا لأثرها في النفوس.

10 -

حسن الوقوف في موطن الوقوف والبدء في موقع البدء:

فلا يحسن بالخطيب أن يتوقف في وسط الجملة التي لم تتم.

ص: 71

والخطيب الناجح يعرف أين يتوقف أثناء خطبته، فإذا مر بفكرة عظيمة يرغب في ترسيخها في أذهان مستمعيه توجه إليهم وأحدق بعيونهم مباشرة لِلَحظة من دون أن يقول شيئًا.

هذا الصمت المفاجئ له نتيجة الضجة المفاجئة، وهو يجذب الانتباه ويجعل كل إنسان منتبهًا ومتحفزًا لما سيتلو ذلك الصمت.

وكذا يقال في التوقف بعد كل جملة يراد توكيدها فهو يضيف إلى قوتها قوة أخرى من خلال الصمت وذلك أن المعنى يغوص في هذه الأثناء في النفس ويؤدي رسالته، لكن يجب أن يكون التوقف بشكل طبيعي ومن دون تكلف.

عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: «أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟» قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلم، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ:«أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟» قُلْنَا: بَلَى.

قَالَ: «أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟» قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلم، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ:«أَلَيْسَ ذُو الْحَجَّةِ؟» قُلْنَا: بَلَى.

قَال: َ «أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟» قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلم، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِه، قَالَ:«أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ؟» قُلْنَا: بَلَى.

قَال: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُم» (رواه البخاري).

11 -

الحركات والإشارات:

للحركات والإشارات أثرها الهام في الخطابة وهي نوعان:

أ- حركات لاإرادية: فالغاضب يقطب جبينه ويعبس وجهه، وذو الحماس تنتفخ أوداجه وتحمر عيناه، ومنهم من تنقبض أصابعه وتنبسط، ومنهم من يعلو صوته حماسًا وتفاعلًا، ومنهم من يبكي رقة وخشوعًا.

ص: 72

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ» (رواه مسلم).

ب- حركات إرادية: تعكس الانفعال والمشاعر وتعين على مزيد من المتابعة والتوضيح.

وينبغي أن تكون هذه الإشارات والحركات منضبطة بقدر معقول وانفعال غير متكلف ومتناسقة مع الشعور الحقيقي.

ومن الصعوبة إعطاء قواعد محددة في هذا الباب لأنه يعتمد على مزاج الخطيب وعلى تحضيره وحماسه وشخصيته وموضوعه وعلى الجمهور والمناسبة.

وإذا استخدمت الإيماءات والإشارات بمهارة وبلا تكلف وكانت ملائمة لمعاني الكلمات المصاحبة لها فإنه من الممكن أن تكون يدا الخطيب أداة عجيبة لإيصال الأفكار وتحريك المشاعر.

فالحركة اليسيرة الموزونة لا بأس بها، بل قد تكون أحيانًا مطلوبة لزيادة الإفهام، وهي التي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستعملها فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله سدد خطاكم قَالَ:«كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ «صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ» .وَيَقُولُ «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ» .وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى (رواه مسلم). (فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يفعل ذلك أثناء الخطبة).

ومن ذلك إشارته صلى الله عليه وآله وسلم بالسبابة إلى السماء فقد جاء في حديث خطبة الوداع: «فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ «اللَّهُمَّ اشْهَدِ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ» . ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. (رواه مسلم).

12 -

الاتصال البصري:

لا بد من توزيع النظر على الجمهور، فعيناك هما الحبل الذي يربطك بهم يعرفون من خلاله مدى اهتمامك بهم، وتعرف أنت من خلاله مدى اهتمامهم بما تقول.

ص: 73

وهذا يزيد ثقتك بنفسك ويخلصك من الارتباك والتوتر كما أنه يفيدك في معرفة ردود فعل المستمعين وانطباعاتهم لتجري على موضوعك أو طريقة إلقائه التعديل المناسب.

13 -

التمهل في الإلقاء:

الإلقاء السريع المتعجل يفقد المتابعة كما أنه قد يشوه إخراج الحروف فيختلط بعضها ببعض وتتداخل المعاني وتلتبس العبارات وقد يؤدي التعجل إلى إهمال الوقوف عند المقاطع ورعاية الفواصل.

وهذا التمهل الذي ندعو إليه لا ينبغي أن يقود إلى هدوء بارد وتثاقل مميت.

14 -

تجنُب الألفاظ العامية الساقطة، والكلمات المرذولة، فإن مقام المنبر ينبغي أن ينزه عن كلام السوقة، والأسواق.

15 -

أن يختار الأسلوب السهل الواضح ما أمكن مع القوة والجزالة، وذلك لأن أكثر مستمعيه هم من العامة، أو من متوسطي الثقافة غالبًا.

16 -

وضوح الصوت، وعلوه في اعتدال:

عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ، وَيَقُولُ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ، وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى» (رواه مسلم). والضَّمِير فِي قَوْله: (يَقُول صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ) عَائِد عَلَى مُنْذِر جَيْش.

فعلى الخطيب مراعاة الاعتدال في علو صوته، ومراعاة حاجة المكان والجمع مع عدم الإسراع في إلقائه.

17 -

إثارة العواطف:

الخطيب المؤثر إذا حدَّث الناس عن الجنة فكأنما بجناحيه فيها يطير، وحول أنهارها يسير، وبين يدي حُورها يميل، وإذا حدَّثهم عن النار فكأنه في بركانها يصطلي، كلامه عنها يفتت الأكباد، ويذهل الألباب، ويقطع الآمال.

ص: 74

18 -

إثارة انتباه الجماهير: أثِر انتباه الجماهير بالآتي:

أ-قصة مثيرة: إنها بداية مثيرة جدًا، فالنفوس تحب الاستماع إلى القصص والروايات ومتابعة أحداثها أكثر من الكلام النظري المجرد.

ب- سؤال يحرك الأذهان: من الافتتاحيات المميزة أن يبدأ الخطيب بطرح سؤال لاستدراج الجمهور إلى التفكير، والتعاون معه.

إن استخدام هذا السؤال الافتتاحي هو واحد من أبسط وأضمن الطرق لفتح أذهان جمهورك والدخول إليها.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟» .

قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلم.

قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ» .

قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟

قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَه، وَإِنْ لم يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ»

(رواه مسلم).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا المفْلِسُ؟» .

قَالُوا: المفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ.

فَقَالَ: «إِنَّ المفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَن يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّار» (رواه مسلم).

جـ- ضرب الأمثال: يصعب على المستمع العادي أن يتتبع العبارات المجردة طويلًا، لكن من السهل عليه الاستماع إلى الأمثلة، لماذا إذن لا تبدأ بواحد منها؟ افتتح بمَثَل، أَثِر الاهتمام، ثم تابع تقديم ملاحظاتك العامة.

ص: 75

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ. هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟»

قَالُوا: لا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ.

قَال: َ «فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا» (رواه البخاري).

وعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السُّوْءِ كَحَامِلِ المسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ المسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَة» (رواه البخاري).

د-الاستعراض: من الطرق السهلة لجذب الانتباه استعراض شيء يتطلع إليه المخاطبون.

فعن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قال: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم حَرِيرًا بِشِمَالِهِ وَذَهَبًا بِيَمِينِهِ ثُمَّ رَفَعَ بِهِمَا يَدَيْهِ فَقَالَ: «إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لإِنَاثِهِمْ» (صحيح رواه ابن ماجه).

هـ- موجز الخطبة (الإجمال قبل التفصيل):

من المقدمات الناجحة أن يقدم الخطيب لمستمعيه عرضًا مجملًا لعناصر الخطبة، ثم يشرع في تفاصيل الخطبة. إن هذه المقدمة ستكون مفتاحًا لأذهان المستمعين، ومعينًا لهم على فهم الخطبة ومتابعة أجزائها.

19 -

كيف تختم خطبتك:

بعد أن يفرغ الخطيب من عرض موضوعه، وسَوْق أدلته، وضرب أمثلته، وبيان دروسه، وعبره، وترهيبه، يحسن أن يُنهي خطبته بخاتمة مناسبة تكون قوية في تعبيرها وتأثيرها، لأنها آخر ما يطرق سمع السامع ويبقى في ذهنه. وليس كل كلام يصلح أن يكون خاتمة للخطبة، ولا كل عبارة تصلح أن تكون نهاية للكلام، بل ينبغي

ص: 76

أن تكون الخاتمة بأقوى العبارات وأجزلها، وأعظمها أثرًا فهي آخر ما يطرق آذان المخاطبين، ويعلق بأذهانهم.

فيحسن في الخاتمة أن تجمع الصفات التالية:

• قوة العبارة وقصرها.

• الاختلاف في ألفاظها عما سبق في الخطبة، فلا تكون تكرارًا لما تقدم.

• خلوها من أي خطأ علمي، أو لُغوي، فإنها تعطي الانطباع الأخير عن الخطبة.

• وقوعها في قمة حماسة الناس وتأثرهم.

مقترحات للخاتمة:

أ- آيات كريمة أو حديث نبوي:

يمكن أن يختم الخطيب بآيات قرآنية لم يسُقها من قبل تجمع موضوعه في الترغيب والترهيب أو التدليل والإثبات، وقد تكون حديثًا نبويًا مناسبًا.

ب- دعاء: بين يدي الخطيب طائفة من الأدعية القرآنية أو النبوية المأثورة، يمكن أن يختار منها ما يناسب الموضوع، ويجعله خاتمة لخطبته. كما يمكن أن ينشئ من دعائه الخاص ما يدعم الهدف المراد من الخطبة ويقويه في نفوس المستمعين.

ولقد اختلف الفقهاء في حكم دعاء الخطيب للمسلمين في الخطبة الثانية من خطبتي الجمعة، وذلك على قولين:

القول الأول: أنه سنة.

القول الثاني: أنه ركن من أركان الخطبة الثانية.

والأرجح هو سنية الدعاء في خطبة الجمعة فعَنْ حُصَيْن بن عبد الرحمن أن عُمَارَةَ بْنَ رُؤَيْبَةَ رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى المنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ فَقَالَ: «قَبَّحَ اللهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ؛ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ المسَبِّحَةِ» . (رواه مسلم).

ص: 77

فهذا الصحابي عُمَارَةَ بْنَ رُؤَيْبَةَ سدد خطاكم لم ينكر على بشر بن مروان الدعاء، وإنما أنكر عليه رفع اليدين وذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يرفع يديه في الدعاء.

فهذا إقرار من هذا الصحابي سدد خطاكم على هذا الأمر (1).

جـ- تلخيص الأفكار:

وتغطية أفكار كثيرة في خطاب قصير تتراوح مدته بين ثلاث أو خمس دقائق. وقد قيل: أخبرهم أولًا بما تنوي إخبارهم به، ثم أخبرهم، ثم أخبرهم بما أخبرتهم.

د- مقتطفات شعرية:

وإذا استطعت الحصول على قطعة شعرية ملائمة لنهايتك، يكون الأمر طيبًا.

20 -

فصاحة اللسان:

إن فصاحة اللسان وسلامة مخارج الحروف أمر مهم للخطيب وكذلك مراعاة حسن الإلقاء، قوةً ولينًا، فلا يكون الإلقاء على وتيرة واحدة، حتى لا يمل السامع، أو يعتمد أسلوب السجع الممقوت، فإن من شأن ذلك إضاعة المعنى، والتركيز على اللفظ. مع ضرورة مراعاة قواعد اللغة العربية، لأن عدم مراعاتها يحدِث خللًا في المعنى.

21 -

المقارنة بين الواقع والمأمول:

في نقد الأخطاء، وتقويم السلوكيات قد يسأم الناس إذا اقتصر الناقد على الأفكار النظرية فقط. لكن قَلّما يفشل في جذب انتباههم والتأثير في نفوسهم إذا عرض بعض المشاهد من أحوالهم الملموسة، وقارن بين هذه المشاهد ومشاهد من الأحوال الصحيحة المأمولة.

وإن أكثر الأشياء إثارة لاهتمامنا هي أحوالنا التي نقع فيها. إذ كل واحد منا يشعر في هذه الحالة بأنه معني بهذا الكلام دون سواه.

(1) انظر: خطبة الجمعة وأحكامها الفقهية لعبد العزيز بن محمد بن عبد الله الحجيلان.

تنبيه: ما رُوِيَ عن سمرة بن جندب سدد خطاكمأن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم «كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات كل جمعة» رواه البزار والطبراني في الكبير، وأشار إلى ضعفه البزار والهيتمي وابن حجر.

ص: 78

وهذا مثال تطبيقي:

عرض مَشاهد من الأحوال الملموسة

مقارنة بمشاهد من الأحوال المأمولة (أحوال السلف)

1 -

رجل يسهر مع رفاقه، ثم ينام عن صلاة الفجر.

كان المريض في عهد الصحابة يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف.

2 -

شاب يبكي لهزيمة فريقه.

سعيد بن عبد العزيز يبكي لما فاتته صلاة الجماعة.

3 -

تساهل بعض نسائنا في الحجاب.

خروج نِسَاءِ الْأَنْصَارِ عندما نزل الأمر بالحجاب كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ مِنْ الْأَكْسِيَةِ

إن مثل هذه المقارنات سيكون أثرها في نفوس السامعين أبلغ من النقد المباشر.

وتأمل في هذا الدرس النبوي الذي يعتمد على أسلوب المقارنة التي تحث على الاقتداء.

فعَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ رضي الله عنه قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقُلْنَا: أَلا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلا تَدْعُو لَنَا؟!

فَقَال: «قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا فَيُجَاءُ بِالمنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلا اللهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُون» (رواه البخاري).

ص: 79