الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم دليل محبة الله عز وجل
-
من يَدَّعِ حُبَّ النبى ولم يَفِدْ
…
مِن هَدْيِه فَسَفَاهَةُُ وهُراءُ
فالحبُّ أولُ شَرطِه وفروضِه
…
ـ إنْ كان صادقًا ـ طاعةُُ ووفاءُ
• محبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تكون باتباع سنته والامتثال لأوامره:
قال الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} (آل عمران: 31 - 32).
دلت هذه الآية الكريمة على أن كل من ادعى محبة الله عز وجل، وليس متبعًا لهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه كاذب في دعواه، حتى يتبع سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جميع أقواله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:«مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (رواه البخاري ومسلم)؛ ولهذا قال عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ} أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض الحكماء العلماء: ليس الشأن أن تُحِبّ، إنما الشأن أن تُحَبّ.
وقال الحسن البصري وغيره من السلف: «زعم قوم أنهم يحبون اللهَ فابتلاهم اللهُ بهذه الآية، فقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ}» .
ثم قال عز وجل: {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي: باتباعكم للرسول صلى الله عليه وآله وسلم يحصل لكم هذا كله.
ثم قال آمرًا لكل أحد من خاص وعام: {قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا} أي: خالفوا عن أمره {فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر،
والله لا يحب من اتصف بذلك، وإن ادعى وزعم في نفسه أنه يحب الله ويتقرب إليه، حتى يتابع الرسول النبي الأمي خاتم الرسل، ورسول الله إلى جميع الثقلين الجن والإنس، الذي لو كان الأنبياء ـ بل المرسلون، بل أولو العزم منهم ـ في زمانه لما وَسِعَهم إلا اتباعه، والدخول في طاعته، واتباع شريعته صلى الله عليه وآله وسلم.
أتُحِبُّ أعداءَ الحبيبِ وتدَّعِي
…
حُبًا له، ما ذاك فى الإمكانِ
وكذا تُعادِي جاهدًا أحبابَه
…
أينَ المحبةُ يا أخَا الشيطانِ؟!
إنَّ المحبةَ أنْ توافقَ مَنْ
…
تُحِبُّ علَى محبَّتِه بلا نُقْصانِ
فإن ادَّعيْتَ له المحبةَ مع خلافِ
…
ما يحبُّ فأنتَ ذو بهتانِ
• الوصايا العشر:
إن الله تبارك وتعالى أنزل في كتابه الكريم آياتٍ في آخر سورة الأنعام، هذه الآيات هي الوصايا العشر، التي قال عنها عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وآله وسلم التي عليها خاتمه ـ أي التي كأنه صلى الله عليه وآله وسلم كتبها وختمها، وبعث بها إلى كل واحد منا كأنها رسالة خاصة مختومة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ فليقرأ هذه الآيات:
هذه الوصايا العشر بدأها الله تبارك وتعالى بالوصية الأولى، وهي الوصية العظمى، وهي توحيد الله وعدم الشرك به سبحانه وتعالى، فهذه أول ما يجب علينا أن
نعلمه من ديننا، وأول ما يجب أن نتمسك به، وأول ما يجب أن ندعوا إليه، كما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم معاذًا بن جبل إلى اليمن فقال له:
ثم بعد ذلك آخر الوصية التي كأنها وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي عليها خاتمه، وهي قوله تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (الأنعام:153) أي: التمسك بهذا الهدي، والسير عليه، وعدم الالتفات يمينًا أو يسارًا، فهذه الوصية الخاتمة الأخيرة من الوصايا العشر، وهي التي تضبط كل الوصايا، فكل عملٍ لله عز وجل لا بد أن يكون وفق ما شرع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} (الأنعام:153)، فذكر تعالى أن له سبيلًا واحدًا سماه صراطًا مستقيمًا لأنه أقرب طريق إلى الحق والخير والسلام، وأن هناك سبلًا متعددة يتفرق متبعوها عن ذلك الصراط، وهي طرق الشيطان، وحث سبحانه على اتباع سبيله الذي هو الكتاب والسنة حثًا مقرونًا بالنهي عن اتباع السبل مبينًا أن ذلك سبب للتفرق، ولذا ترى المسلمين العاملين قد لزموا سبيلًا واحدًا أمِروا بسلوكه، وأما أهل البدع والأهواء فقد افترقوا في سبلهم على حسب معتقداتهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة.
• الدين اتباع وليس ابتداعًا:
ولكون هذا الدين اتباعًا وليس ابتداعًا ولا يخضع للهوى ـ لأهميته ولعظم شأنه ـ جعله الله تبارك وتعالى في كل ركعةٍ من ركعات الصلاة، فكل مسلم يقرأ في كل ركعة
من صلاته سورة الفاتحة، التي هي أم القرآن، والتي هي أفضل سورة في كتاب الله تعالى فهذه فاتحة الكتاب تضمنت هذا المعنى وهو أن الدين اتباع وليس ابتداعًا.
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (الفاتحة:6) فهذا هو طلبنا الذي نطلبه من الله سبحانه وتعالى في كل ركعة أن يهدينا الصراط المستقيم، فما هو الصراط المستقيم؟
الصراط المستقيم هو مضمون قولنا: «إن الدين اتباع» ، فالصراط المستقيم هو الإسلام، وهو هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو طاعة الله تبارك وتعالى دون أن يحيد الإنسان عنها لا ذات اليمين ولا ذات الشمال، حتى قال مَن قال من السلف:«إن الصراط المستقيم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما» ؛ أي الطريق الذي كان عليه أبو بكر وعمر، والسلف الصالح، فإذا قلنا القرآن، أو الإسلام، أو الدين، أو السنة، أو الخلفاء الراشدين، كل ذلك يدخل في أنه هو الصراط المستقيم الذي ندعو الله سبحانه وتعالى أن يهدينا إليه.
عَنْ جَابِرٍ بن عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فَخَطَّ خَطًّا هَكَذَا أَمَامَهُ فَقَالَ: «هَذَا سَبِيلُ اللهِ عز وجل» وخَطّ خطًّا عن يَمِينِه وخَطَّ خَطًّا عن شِمَالِه وقَالَ: «هَذِهِ سُبُلُ الشَّيْطَانِ» ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ فِي الْخَطِّ الْأََوْسَط ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} . (صحيح رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة).
فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مثَّل هذه الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} (الأنعام:153) مثلها عمَليًا مِثل وسائل الإيضاح التي تعرض على الطلبة في المدارس لتتضح لهم بعض المعالم الجغرافية أو الرياضية.
فهذا الصراط هو الإسلام وهو السنة، وهذه الخطوط: هي الأهواء والبدع والضلالات التي كثرت، والتي تكثر في كل زمان ومكان تصديقًا لما قاله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَافْتَرَقَتْ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً
، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ»
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ:«الْجَمَاعَةُ» . (صحيح رواه ابن ماجه).
(الْجَمَاعَة) أَيْ الْمُوَافِقُونَ لِجَمَاعَةِ الصَّحَابَة الْآخِذُونَ بِعَقَائِدِهِمْ الْمُتَمَسِّكُونَ بِرَأْيِهِمْ. ويوضح ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رواية الترمذي «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» (حديث حسن).
فهذه السبل التي على جنبات الصراط هي هذه الفرق والأهواء، وهي الضلالات التي ندعو الله سبحانه وتعالى أن يجنِّبَنا إياها، وندعوه أن يثبتنا على الصراط المستقيم، وهو اتباع دين محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم وسنته.
• ولابد في العمل الصالح من شرطين:
الأول: أن يكون العمل خالصًا لوجه الله سبحانه وتعالى، فإذا لم يكن العمل خالصًا لوجه الله سبحانه وتعالى فإنه لا يقبله، كإنسان يريد بعمله الدنيا.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «قَالَ اللهُ تبارك وتعالى: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ؛ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» (رواه مسلم).
مَعْنَى الحديث: أَنَا غَنِيّ عَنْ الْمُشَارَكَة وَغَيْرهَا، فَمَنْ عَمِلَ شَيْئًا لِي وَلِغَيْرِي لَمْ أَقْبَلهُ، بَلْ أَتْرُكهُ لِذَلِكَ الْغَيْر. وَالْمُرَاد أَنَّ عَمَل الْمُرَائِي بَاطِل لَا ثَوَاب فِيهِ، وَيَأْثَم بِهِ.
لماذا يشرك بالله سبحانه وتعالى وهو غني عن جميع الأعمال التي يعملها؟!
حاله مثل من يهدي إلى تاجر غني هدية ـ والله هو الغني وله المثل الأعلى ـ، ويقول: هذا لك، وأعط فلانًا منها قليلًا، فيقول له: أعطها كلها لفلان فأنا لست محتاجًا لها، فكيف والله سبحانه وتعالى الغني العظيم سبحانه وتعالى الذي يقول ـ فيما يرويه عنه حبيبنا صلى الله عليه وآله وسلم:
«يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا.
يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا.
يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ». (رواه مسلم)(الْمِخْيَط ـ بِكَسْرِ الْمِيم وَفَتْح الْيَاء ـ هُوَ الْإِبْرَة).
يقول الله عز وجل {وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} (محمد:38)، فيجب أن يكون العمل خالصًا لوجه الله عز وجل.
والشرط الثاني: أن يكون صوابًا وفق سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كيف يكون العمل صوابًا، وبماذا؟ بالعلم {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (الأنبياء:7) بعض الناس يصلي عمره خمسين سنة، لكن لو أتينا ونظرنا إلى هذه الصلاة هل هي كما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهل هي كما قال:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ؟ (رواه البخاري).
* قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إنِّي قَدْ تَرَكْتُُ فِيكُم شَيْئَينِ لَنْ تَضِلّوا بَعدَهُما: كَتَابَ اللهِ وسُنَّتِي، ولَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا علَيّ الحَوْضَ» (صحيح رواه الحاكم).
فهما الأصلان اللذان لا عدول عنهما ولا هدى إلا منهما، والعصمة والنجاة لمن تمسك بهما واعتصم بحبلهما، وهما الفرقان الواضح والبرهان اللائح بين المحق إذا اقتفاهما والمبطل إذا خلاهما، فوجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة متعين معلوم من الدين بالضرورة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» . (صحيح رواه أبو داود وروى مسلم لفظة: «كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»).
عضوا عليها بالنواجذ: كناية عن شدة التمسك بها، والنواجذ: الأضراس.
* قال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} (النساء:59) قال العلماء: معناه: إلى الكتاب والسنة، فأمر سبحانه برد الأمر في حالة النزاع إلى كتابه العزيز وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ففي حالة الوفاق أولى.
فإذًا الواجب علينا معاشر المسلمين اتباعه صلى الله عليه وآله وسلم في جميع أقواله وأفعاله والتأسي به في سائر أحواله، قال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (الحشر:7)، وما أخبث رجلًا ترك سبيل السُنة الشارحة للكتاب، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور:63).
* قال الحافظ ابن كثير: «{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} أي: عن أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وشريعته فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قُبِل وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله، كائنًا من كان كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (رواه البخاري ومسلم).
أي: فليحذر ولْيَخْش من خالف شريعة الرسول باطنًا أو ظاهرًا {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} أي: في قلوبهم، من كفر أو نفاق أو بدعة {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي: في الدنيا، بقتل أو حد أو حبس، أو نحو ذلك».
* قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» (رواه البخاري ومسلم).
قال الإمام النوويُّ: «قَالَ أَهْل الْعَرَبِيَّة: (الرَّدّ) هُنَا بِمَعْنَى الْمَرْدُود، وَمَعْنَاهُ: فَهُوَ بَاطِل غَيْر مُعْتَدّ بِهِ. وَهَذَا الْحَدِيث قَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام، وَهُوَ مِنْ جَوَامِع كَلِمه صلى الله عليه وآله وسلم فَإِنَّهُ صَرِيح فِي رَدّ كُلّ الْبِدَع وَالْمُخْتَرَعَات
…
وَهَذَا الْحَدِيث مِمَّا يَنْبَغِي حِفْظه وَاسْتِعْمَاله فِي إِبْطَال الْمُنْكَرَات، وَإِشَاعَة الِاسْتِدْلَال بِهِ».
قال الحافظ ابن رجب: «فمن تقرب إلى الله بعمل لم يجعله الله ورسوله قربة إلى الله
فعمله باطل مردود».
وقال الحافظ ابن حجر: «وَهَذَا الْحَدِيث مَعْدُود مِنْ أُصُول الْإِسْلَام وَقَاعِدَة مِنْ قَوَاعِده» .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي فَعَمِلَ بِهَا النَّاسُ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ ابْتَدَعَ بِدْعَةً فَعُمِلَ بِهَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْزَارُ مَنْ عَمِلَ بِهَا لَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِ مَنْ عَمِلَ بِهَا شَيْئًا» (صحيح رواه ابن ماجه).
* وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم» .
* وقال الإمام مالك رحمه الله: «من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم خان الرسالة؛ لأن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (المائدة:3)، فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا» .
* قال الإمام الزهري رحمه الله: «الاعتصام بالسنة نجاة؛ لأن السنة ـ كما قال مالك ـ مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك» .
إذًا لا بد من وجود شرطين في أي عمل حتى يتقبله الله، وهما:
• أن يكون خالصًا لوجه الله عز وجل.
• وأن يكون صوابًا وفق ما أنزل الله تعالى.
قال الله عز وجل: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (الكهف:110).
قال الحافظ ابن كثير: «{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ} أي: ثوابه وجزاءه الصالح، {فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا}، ما كان موافقًا لشرع الله {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له، وهذان ركنا العمل المتَقَبَّل» .اهـ.
•
إن الشرك والضلال والانحراف الذي وقع في الجاهلية الأولى، ومن بعدهم إنما وقع نتيجة الابتداع في دين الله تعالى.
كانت العرب على دين التوحيد منذ أن بنَََى إبراهيم الخليل وإسماعيل سدد خطاكم البيت الحرام، حتى ظهر رجل يقال له: عمرو بن لُحَيّ الخُزاعي، هذا الرجل ذهب في رحلة إلى الشام، فوجد أُمّةً متحضرة ليست مثل العرب تسكن الخيام وترعى الغنم والإبل، وجد هناك حضارة، وأنظمةً، وملكًا، وأبهةً، فغَرَّتْه تلك المظاهر، ثم تأمل في دينهم فوجدهم يعبدون الأصنام، إذ أنهم يصورون الصور، ويضعونها في الكنائس كصورة عيسى عليه السلام، وصورة مريم العذراء، وغيرها من الأنصاب والتماثيل، ثم يعبدونها من دون الله، فاستحسن هذا الأمر، لأنه صادر عن أمة متحضرة وليست كالعرب.
فأخذ هذه الصور وجاء بها إلى مكة ووضعها العرب بالكعبة فكان هذا الرجل أول من غير ملة إبراهيم عليه السلام من التوحيد إلى الشرك.
بل جاءت رسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم تصحيحًا للشرك الذي وقع فيه العرب بعد أن كانوا على ملة التوحيد، فمن جاء ليصرفنا عن ملة التوحيد، التي وحّدنا الله تبارك وتعالى بها بعد الفرقة، وجمعنا بها بعد الشتات، وأنار بها قلوبنا بعد الظلمة، فلا طاعة له، لأن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم ليس إمامه وقدوته، وإنما إمامه وقدوته عمرو بن لحي.
• التوحيد التوحيد! والسنة السنة! من تمسك بهما نجا:
سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي سفينة نوح، من تمسك بها نجا، ومن حاد عنها غرق وهلك، وإن زعم أنه سيأوي إلى جبل يعصمه من الماء، لا عاصم أبدًا من عذاب الله، إلا باتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا طريق إلى الله إلا باتباع سنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كما قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (آل عمران: 31).
هذا هو الطريق الوحيد، فمن كان يَدَّعِيْ محبة الله، ومحبة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فليتبع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وليقدم حبه على نفسه، وأهله، وماله، وولده، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (رواه البخاري ومسلم)؛ فلا بد أن تكون محبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الدرجة.
والمحبة تتمثل في حب سنته وهديه، فمن والى الكفار، فهذا لا يحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هل يمكن أن يزعم أحدٌ أنه يحب أحدًا ما وهو يخالف طريقته، ويرد أمره، وينقض قوله؟ هذا لا يحبه، وهذه دعوى كاذبة، ولهذا قال تعالى في الآية التي تسمى آية المحنة، أو الفتنة، أو الابتلاء:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ} (آل عمران:31).
فاتباع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الصراط المستقيم الذي ندعوا الله سبحانه وتعالى في كل ركعة من فريضة أو نافلة أن يثبتنا عليه، قال تعالى:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} (الفاتحة:6 - 7).
• الابتداع في الدين سبب للطرد عن حوض النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
عن عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنْ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنْ الْمِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلَا يَظْمَأُ أَبَدًا» (رواه البخاري).
عن أَنَس بْنِ مَالِكٍ سدد خطاكم عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «مَا بَيْنَ نَاحِيَتَيْ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَالْمَدِينَةِ» (رواه مسلم).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِى كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، أُنَادِيهِمْ: «أَلَا هَلُمَّ» . فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا». (رواه مسلم).
(أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ) مَعْنَاهُ: تَعَالَوْا. فَأَقُول سُحْقًا سُحْقًا) مَعْنَاهُ (بُعْدًا بُعْدًا).