الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
18 - الإصلاح بتن الناس وآداب المصلح
• التدخل الحكيم من أهل الزوجين وذِكر ما يدل على التعامل بحكمة مع الخلافات الزوجية وغيرها من الخلافات بين الناس:
ومن أنواع الإصلاح الإصلاح بين الزوجين المختلفين؛ لأن الإصلاح بين الزوجين تبنى عليه البيوت، وتترابط به الأسر التي هي أسس المجتمعات البشرية، وفساد ما بين الزوجين يترتب عليه فساد البيوت وتفكك الأسر وتشتتها، قال تعالى:{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (النساء:128)، وقال تعالى:{وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} (النساء:129).
وفي أي خصومة بين الزوجين ينبغي أن لا تخرج المرأة من بيت زوجها لئلا يدخل شياطين الإنس والجن ويفسدون العلاقة بين الزوجين بإلقاء العداوة بينهما بما يزينونه من الباطل من القول لكل منهما لكي يفرقوا بينهما، والإفساد بين الزوجين أو المتخاصمين هو شأن شياطين الإنس والجن في كل زمان ومكان، وذلك بالإيحاء بزخرف القول غرورًا.
ولا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت الزوجية، ولا أن يُخرجها زوجها عندما يطلقها الطلقة الأولى أو الثانية؛ لئلا تتسع الشُّقّة والخلاف بينهما، ولئلا يجد المغرضون والمفسدون مدخلًا لإفساد العلاقة الزوجية بينهما، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا يحبانه ويرتاحان له بدخولهما وخروجهما ولقائهما ببعض خلال العدة، فيرجع إليها ويراجعها، هذا إذا كان في الطلاق فما بالنا في غيره من الأمور الأخرى التي لا يخلو منها بيت من البيوت؟!
وهذا أمر يغفل عنه كثير من المسلمين، فيقع الشقاق والخلافات والخصومات، وهذا ما يسعى إليه الشيطان وجنوده كل ليلة وهو على عرشه في البحر، حيث ينتشرون
للفتنة بين الناس، ويكون أقربهم وأحبهم إليه من سعى بالتحريش بين المرء وزوجه حتى يقع الطلاق والفراق بين الزوجين.
فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: «فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا» فَيَقُولُ: «مَا صَنَعْتَ شَيْئًا» .
قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: «مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ» .
قَالَ: «فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ» .
قَالَ الْأَعْمَشُ: «أُرَاهُ قَالَ: فَيَلْتَزِمُهُ» (رواه مسلم).
قَوْله: (فَيُدْنِيه مِنْهُ وَيَقُول: نِعْمَ أَنْتَ) هُوَ بِكَسْرِ النُّون وَإِسْكَان الْعَيْن وَهِيَ نِعْمَ الْمَوْضُوعَة لِلْمَدْحِ، فَيَمْدَحهُ لِإِعْجَابِهِ بِصُنْعِهِ، وَبُلُوغه الْغَايَة الَّتِي أَرَادَهَا.
قَوْله: (فَيَلْتَزِمهُ) أَيْ: يَضُمّهُ إِلَى نَفْسه وَيُعَانِقهُ.
• ولْنتأمل هذا الموقف:
(فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي: مِنْ الْقَيْلُولَة، وَهُوَ نَوْم نِصْف النَّهَار).
قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَيْنَ ابْنُ عَمِّك؟ ِ» فيه إطلاق ابن العم على أقارب الأب لأنه ابن عم أبيها لا ابن عمها وفيه إرشادها إلى أن تخاطبه بذلك لما فيه من الاستعطاف بذكر القرابة وكأنه صلى الله عليه وآله وسلم فهم ما وقع بينهما فأراد استعطافها عليه بذكر القرابة القريبة التي بينهما.
وفي هذا الحديث: أن أهل الفضل قد يقع بين الكبير منهم وبين زوجته ما طبع عليه البشر من الغضب وقد يدعوه ذلك إلى الخروج من بيته ولا يعاب عليه.
ويحتمل أن يكون سبب خروج عليٍّ رضي الله عنه خشية أن يبدو منه في حالة الغضب ما لا يليق بجناب فاطمة رضي الله عنها، فحسم مادة الكلام بذلك إلى أن تسكن فورة الغضب من كل منهما.
وفيه كرم خلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه توجه نحو عليٍّ سدد خطاكم ليترضاه ومسح التراب عن ظهره ليبسطه وداعبه بالكنية المذكورة المأخوذة من حالته ولم يعاتبه على مغاضبته لابنته مع رفيع منزلتها عنده صلى الله عليه وآله وسلم؛ فيؤخذ منه استحباب الرفق بالأصهار وترك معاتبتهم إبقاء لمودتهم لأن العتاب إنما يخشى ممن يخشى منه الحقد لا ممن هو منزه عن ذلك.
• التحكيم بين الزوجين من أجل الإصلاح:
والصلح بين الزوجين المتخاصمين من أعظم أنواع الصلح؛ فإن الأسر تقوم على المحبة والألفة وتدوم بدوامها، فإذا انتهت المحبة والألفة وحل الشقاق، صار الفراق، ولابد للمصلحين من القيام بواجبهم تجاه الأسر المتفككة والسعي في الإصلاح بين الأزواج.
وقد قال الله عز وجل عند حصول الشقاق: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا} (النساء:35).إذا كانت النية طيبة جاءت النتيجة طيبة: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا} (النساء:35).
فماذا يفعل الحكمان؟ يقوم كل واحدٍ منهما بالالتقاء بوكيله أو مندوبه الذي انتدبه، أو طرفه الذي ينوب عنه ـ وإذا قلنا: إنه حاكم، فإن كلام الحكمين معتمد ـ ويسمع منه سبب الشقاق والخلاف، ثم يجتمع الحكمان فيعتمدان أمورًا، ويتوصلان إلى صاحب الخطأ، من هو الطرف المخطئ لأجل وعظه ونصحه، أو وعظ الطرفين إذا كان كلاهما مخطئ، والسعي في تقريب وجهات النظر.
ولذلك فإن من الحكمة أن يذكّر الحكمان الزوج بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالنساء، وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الوصية بالزوجة:«خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» (صحيح رواه الترمذي وابن ماجه).
ويقولان له: إن عليك يا أيها الزوج أن تعامل زوجتك بالفضل لا بالعدل؛ الواحدة بواحدة، وإذا فعلت ترد عليها، وإنما تتعامل معها بالفضل وبالمسامحة وبالزيادة منك والتغاضي، لأن أهلها استودعوها عندك، وائتمنوك عليها، ووثقوا أنك لن تسبب لهم المتاعب بسببها، وأنها أم أولادك، أو أنها ستكون كذلك مستقبلًا، والولد الصالح مما ينتفع به أبوه في الحياة وبالدعاء له بعد الممات.
ويذكرونه بأن الزوجة كالأسيرة بيد زوجها، وليس من الإسلام ولا من المروءة ولا من الشجاعة التي جاء بها الإسلام أن يسيء المسلم إلى أسيرته، أو أسيره، فكيف إذا كانت الأسيرة الزوجة؟ وأن الزوج الكريم هو الذي لا يستغل قوته وبطشه ولا يتعسف باستعمال سلطته على زوجته على نحوٍ يلحق بها الضرر.
فهذه المعاني إذا قدمها الحكمان إلى الزوج بأسلوبٍ لطيف وقولٍ لين، فالغالب أنها ستؤثر في نفس الزوج، وسيقلع عما أدى إلى الشقاق.
وكذلك ينبغي للحكم من أهل الزوجة أن يكلم الزوجة بمعاني الإسلام، ويذكرها بأحكامه المتعلقة بالزوجة في علاقتها بزوجها، وأن يذكرها بعظيم حق الزوج عليها، وأن من حسن معاشرتها له بالمعروف أن تُسمعه الكلمة الطيبة اللينة، وأن تسارع إلى طاعته فيما أوجبه الشرع عليها من طاعته، وفيما يأمرها به زوجها من المباحات، وألا تثقل عليه بطلباتها الكثيرة، وأن تتحمل عبوسه وصدوده وإساءته وأن تقابل ذلك بابتسامتها وإحسانها وخدمتها.
فإن الزوج إذا رأى ذلك منها، فسرعان ما يزول عنه العبوس والصدود ويكف عن الإساءة، وعليها ألا تستقصي في طلب الحقوق، وإذا أحست بكراهتها له، فلتطرد
هذا الإحساس، ولتذكر نفسها بأنه قد يجعل الله لها فيما تكرهه الخير الكثير، فيرزقها الله منه ولدًا تقر به عينها، ويزول عن قلبها ما تحسه من كراهة لزوجها.
فتذكير الطرفين بحق كل واحدٍ منهما على الآخر وبالمعاشرة بالمعروف التي أمر الله بها، مما يجعل أمرهما لينًا سهلًا، والصلح بينهما وشيكًا.
• الإصلاح بين الجماعات والقبائل:
ومن أنواع الإصلاح بين الناس الإصلاح بين الطوائف المقتتلة من المسلمين صغرت أم كبرت في داخل الدولة الواحدة أو على مستوى الدول، واجب المسلمين السعي للإصلاح بين المتقاتلين من أجل القضاء على أسباب الفتنة بالعدل الذي يعطي كل ذي حق حقه؛ لكي يستتبّ الأمن، وتُحقن الدماء، ويؤخذ على يد المعتدي، ويكف عن الظلم والتعدي على غيره فيما بعد، ويتم إنصاف المُعْتَدَى عليه، ولئلا تضعف شوكة المسلمين أمام أعدائهم، وعندها يتربصون بهم الدوائر.
وعن أَنَس رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: «لَوْ أَتَيْتَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ؟» ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وَرَكِبَ حِمَارًا فَانْطَلَقَ الْمُسْلِمُونَ يَمْشُونَ مَعَهُ وَهِيَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ:«إِلَيْكَ عَنِّي وَاللهِ لَقَدْ آذَانِي نَتْنُ حِمَارِك» .َ
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الأنْصَارِ مِنْهُم: وَاللهِ لَحِمَارُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَطْيَبُ رِيحًا مِنْك. فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَشَتَمَه، فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ فَكَانَ بَيْنَهُمَا ضَرْبٌ بِالْجَرِيدِ وَالأيْدِي وَالنِّعَالِ فَبَلَغَنَا أَنَّهَا أُنْزِلَتْ {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} » (رواه البخاري ومسلم).
سَبِخَةٌ أَيْ ذَات سِبَاخ، وَهِيَ الْأَرْض الَّتِي لَا تُنْبِت.
وَفِي الْحَدِيث بَيَان مَا كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم عَلَيْهِ مِنْ الصَّفْح وَالْحِلْم وَالصَّبْر عَلَى الْأَذَى فِي اللهُ وَالدُّعَاء إِلَى اللهُ وَتَأْلِيف الْقُلُوب عَلَى ذَلِكَ.
وَفِيهِ مَا كَانَ الصَّحَابَة عَلَيْهِ مِنْ تَعْظِيم رَسُول اللهُ صلى الله عليه وآله وسلم وَالْأَدَب مِنْهُ وَالْمَحَبَّة الشَّدِيدَة.
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم بِذَلِكَ فَقَالَ: «اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ» . (رواه البخاري).
وعن أَبَي بَكْرَةَ رضي الله عنه قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ: إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» (رواه البخاري).
سَلَّمَ الْحَسَن رضي الله عنه لِمُعَاوِيَةَ رضي الله عنه الْأَمْر وَبَايَعَهُ عَلَى إِقَامَة كِتَاب اللهُ وَسُنَّة نَبِيّه، وَدَخَلَ مُعَاوِيَة الْكُوفَة وَبَايَعَهُ النَّاس فَسُمِّيَتْ سَنَة الْجَمَاعَة لِاجْتِمَاعِ النَّاس وَانْقِطَاع الْحَرْب.
العيدُ يومَ نعودُ قلبًا واحدًا والحب يَعْمُرُه معَ التوحيدِ
حُبٌ لغيرِ مصالحٍ تُرجَى به حبٌ لوجهِ إلهِنا المعبودِ
• جواز الكذب للإصلاح:
قال صلى الله عليه وآله وسلم: «لَيْسَ الْكَذابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا» (رواه البخاري ومسلم).
نَمَيْت الحديث إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير فإذا بلغته على وجه الإفساد والنميمة قلت نمَّيته بالتشديد.
قال العلماء: المراد هنا أنه يخبر بما علمه من الخير ويسكت عما علمه من الشر ولا يكون ذلك كذبًا؛ لأن الكذب الإخبار بالشيء على خلاف ما هو به وهذا ساكت ولا ينسب لساكت قول.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: «وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْحَرْبُ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا» . (رواه مسلم).
قال بعض العلماء: لَا يَجُوز الْكَذِب فِي شَيْء أَصْلًا. قَالُوا: وَمَا جَاءَ مِنْ الْإِبَاحَة فِي هَذَا الْمُرَاد بِهِ التَّوْرِيَة، وَاسْتِعْمَال الْمَعَارِيض، لَا صَرِيح الْكَذِب، مِثْل أَنْ يَعِد زَوْجَته أَنْ يُحْسِن إِلَيْهَا وَيَكْسُوهَا كَذَا، وَيَنْوِي إِنْ قَدَّرَ اللهُ ذَلِكَ. وَحَاصِله أَنْ يَأْتِي بِكَلِمَاتٍ مُحْتَمَلَة، يَفْهَم الْمُخَاطَب مِنْهَا مَا يُطَيِّب قَلْبه.
وَإِذَا سَعَى فِي الْإِصْلَاح نَقَلَ عَنْ هَؤُلَاءِ إِلَى هَؤُلَاءِ كَلَامًا جَمِيلًا، وَمِنْ هَؤُلَاءِ إِلَى هَؤُلَاءِ كَذَلِكَ وَوَرَّى، وَكَذَا فِي الْحَرْب بِأَنْ يَقُول لِعَدُوِّهِ: مَاتَ إِمَامكُمْ الْأَعْظَم، وَيَنْوِي إِمَامهمْ فِي الْأَزْمَان الْمَاضِيَة: أَوْ غَدًا يَأْتِينَا مَدَد أَيْ طَعَام وَنَحْوه.
هَذَا مِنْ الْمَعَارِيض الْمُبَاحَة.
وَأَمَّا كَذِبه لِزَوْجَتِهِ وَكَذِبهَا لَهُ فَالْمُرَاد بِهِ فِي إِظْهَار الْوُدّ وَالْوَعْد بِمَا لَا يَلْزَم وَنَحْو ذَلِكَ، فَأَمَّا الْمُخَادَعَة فِي مَنْع مَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا، أَوْ أَخْذ مَا لَيْسَ لَهُ أَوْ لَهَا فَهُوَ حَرَام بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.
وذهبت طائفة من العلماء إلى جواز الكذب لقصد الإصلاح وقالوا: إن الثلاث المذكورة كالمثال وقالوا: الكذب المذموم إنما هو فيما فيه مضرة أو ما ليس فيه مصلحة.
واتفق العلماء على جواز الكذب عند الاضطرار كما لو قصد ظالم قتل رجل وهو مختَفٍ عنده فله أن ينفيَ كونه عنده ويحلف على ذلك ولا يأثم.
• ثمرات الصلح بين المسلمين:
إن فوائد الصلح كثيرة، فإنه يثمر إحلال الألفة مكان الفرقة، واستئصال داء النزاع قبل أن يستفحل، وحقن الدماء التي تراق، وتوفير الأموال التي تنفق للمحامين بالحق وبالباطل، والحماية من شهادة الزور، وتجنب المشاجرات والاعتداءات على الحقوق والنفوس، بل إن الشريعة جعلت للمُصلِح حقًا من الزكاة أو من بيت المال،
لأداء ما تحمله من الديون بسبب الإصلاح، وإن كان قادرًا على أدائها من ماله، فقال الله تعالى:{وَالْغَارِمِينَ} (التوبة:60) وهم من تحملوا الديات لأجل الإصلاح بين الناس، وكف بعضهم عن قتل بعض.
• المصلح بين الناس .. وآدابه:
إذا كان المتدخل في الخصومة غير عاقل لا يحسن التصرف، فإن إفساده أكثر من إصلاحه، وهذا أمرٌ مشاهد، فإن عددًا من الناس يتدخل في القضية لأجل الإصلاح ـ بزعمه ـ، فإذا به يباعد الشُقّة، ويتسبب في مزيدٍ من الفرقة، ويحصل الكثير من الخلاف بعد أن كان شيئًا محدودًا، فإذا به يستشري وينتشر.
فنذكّر المصلحين الذين يريدون التدخل للإصلاح:
أولًا: أن يبتغوا وجه الله تعالى: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا} (النساء:35) أي: إذا كانت النية صافية ومُخْلَصَةً لله كانت النتيجة طيبة {يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا} (النساء:35).
ثانيًا: الحكمة في التعامل في الأمور، فإن في كثيرٍ من الأشياء بين المتخاصمين حساسيات.
ثالثًا: التكتم: النبي صلى الله عليه وآله وسلم، «اسْتَعِينُوا على إنْجَاحِ الحَوَائِجِ بالكِتْمَانِ» (صحيح رواه البيهقي والطبراني وغيرهما) فلكي تنجح القضية، لابد من التكتم وعدم نشر التفاصيل بين الناس.
رابعًا: أن يذكر كل واحد من المتخاصمين بالله عز وجل، وبحق الآخر عليه، إن كان أخًا في الله يذكر بحقوق الأخوة، وإن كان زوجًا يذكر بحقوق الزوجة، وإن كانت زوجة تذكر بحقوق الزوج.
وكذلك فإنه لا بأس أن تنقل إليه كلمات من الخير على لسان الطرف الآخر، وتكتم عنه أمورًا من الشر جاءت على لسان الطرف الآخر، هذا من الحكمة والسياسة في الإصلاح بين المتخاصمين.