المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌6 - فضائل الصحابة رضي الله عنهم - دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ - جـ ١

[شحاتة صقر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مكانة يوم الجمعة في الإسلام:

- ‌مكانة خطبة الجمعة وأهميتها:

- ‌صفة خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌اشتمال الخطبة على الآيات القرآنية

- ‌اشتمال الخطبة على الأحاديث النبوية

- ‌ أثر الأحاديث الضعيفة في الابتداع في الدين:

- ‌ لا يجوز استحباب شيء لمجرد حديث ضعيف في الفضائل:

- ‌ معنى العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال:

- ‌ لا يجوز التقدير والتحديد بأحاديث الفضائل الضعيفة:

- ‌ شروط العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال عند القائلين به:

- ‌ هل هناك إجماع من العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال

- ‌اشتمال الخطبة على ضرب الأمثال

- ‌الاستشهاد بالشعر في الخطبة

- ‌الاستشهاد بالقصة في الخطبة

- ‌الاستشهاد بواقع الآخرين

- ‌فقه الخطيب

- ‌ ماذا تقرأ في صلاة الجمعة

- ‌ قطع الخطبة للتنبيه والإرشاد:

- ‌ ما الحكم فيمن دخل المسجد لصلاة الجمعة والمؤذن يؤذن الأذان الثاني

- ‌ رفع اليدين للدعاء في الخطبة:

- ‌ هل يصلي بالناس الجمعة غير الخطيب

- ‌ إذا قرأ الخطيب آية تشتمل على سجدة وهو يخطب فهل يسجد سجود التلاوة

- ‌كيف تختار موضوع الخطبة

- ‌ضوابط وقواعدلموضوعات خطبة الجمعة

- ‌وصايا للخطيب

- ‌الخطيب وجمهوره

- ‌وصايا أثناء الخطبة

- ‌همسات في أذن خطيب الجمعة

- ‌عيوب الخطبة

- ‌ عيوب في أصل الخطبة

- ‌تنبيه:

- ‌ عيوب في الخطيب

- ‌ عيوب نسبية

- ‌أدعية

- ‌موضوعات عامة

- ‌1 - الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌2 - التحذير من ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌3 - كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعناها

- ‌4 - اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم دليل محبة الله عز وجل

- ‌5 - التواضع وذم الكبر

- ‌6 - فضائل الصحابة رضي الله عنهم

- ‌7 - فضائل الصحابة رضي الله عنهم في السنة المطهرة

- ‌8 - اتق الله حيثما كنت

- ‌9 - أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمحُهَا

- ‌10 - خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ

- ‌11 - احفَظِ الله يَحْفَظْكَ

- ‌12 - إذا سَأَلْتَ فاسْألِ اللهوإذا اسْتََعَنْتَ فاستَعِنْ باللهِ

- ‌13 - شروط الدعاء وموانع الإجابة

- ‌14 - رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفُ

- ‌15 - القناعة

- ‌16 - فوائد القناعة والسبيل إليها

- ‌17 - الإصلاح بين الناس

- ‌18 - الإصلاح بتن الناس وآداب المصلح

- ‌19 - الأمانة

- ‌20 - السعادة الوهمية

- ‌21 - أسباب السعادة وصفات السعداء

- ‌22 - نحن والمزاح

- ‌23 - إنَّ الله كَتَبَ الإحسّانَ على كُلِّ شيءٍ

- ‌24 - المستقبل لهذا الدين رغم مرارة الواقع

- ‌25 - المستقبل لهذا الدين ولكن ما السبيل إليه

- ‌26 - لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ

- ‌27 - وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌28 - موتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌29 - إذا لَم تَستَحْيِ، فاصْنَعْ ما شِئْتَ

- ‌30 - عَظيمٌٍ ولَكِنّه يَسيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ الله عليه

- ‌31 - قُلْ: آمَنْتُ باللهِ، ثمَّ استقِمْ

- ‌32 - كُلُّ النَّاسِ يَغْدُوفَبائعٌ نَفْسَهُ، فمُعْتِقُها أو مُوبِقها

- ‌33 - كثرة النعم وكثرة طرق الشكر

- ‌34 - أكل الميراث بالباطل

- ‌35 - إنَّ الله طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَاّ طيِّبًا

- ‌36 - لا تَحَاسَدُوا

- ‌37 - كُونُوا عِبادَ اللهِ إِخْوانًا

- ‌38 - لا تَظالموا

- ‌39 - إنَّما هي أعمالُكُم أُحصيها لكم

- ‌40 - لا تَغْضَبْ

- ‌خطب مناسبات

- ‌41 - الزكاة

- ‌42 - الامتحانات، كل منا ممتحن

- ‌43 - عاشوراء وشهر الله المحرّم

- ‌45 - استقبال رمضانيا باغي الشر…أقصر

- ‌46 - رمضان شهر الجهاد

- ‌47 - خطبة عيد الفطر

- ‌48 - الحج: عبر وعظات

- ‌49 - قصة الذبح…دروس وعبر

- ‌50 - خطبة عيد الأضحى

الفصل: ‌6 - فضائل الصحابة رضي الله عنهم

‌6 - فضائل الصحابة رضي الله عنهم

-

قال الله عز وجل: {إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} (الحج:38).يخبر سبحانه وتعالى أنه يدفع عن عباده الذين توكلوا عليه وأنابوا إليه شر الأشرار وكيد الفجار، ويحفظهم ويكلؤهم وينصرهم، ومن هؤلاء الأشرار الفجار الشيعة الاثنى عشرية الموجودون في إيران والعراق ولبنان وغيرهم، أولئك الذين يزعمون أن الصحابة رضي الله عنهم ارتدوا عن الإسلام إلا ثلاثة أو أربعة أو سبعة، على اختلاف أساطيرهم.

وكيف يقال مثل هذا القول في أشرف جيل عرفته الإنسانية، وأفضل قرن عرفته البشرية، في قوم نقلوا لنا الدين، وشهدت بفضلهم آيات القرآن العظيمة، ونصوص السّنة المطهّرة، ووقائع التاريخ الصادقة.

• يباهي الله عز وجل بهم ملائكته:

وتأمل كيف يباهي الله عز وجل بهم ملائكته، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ.

قَالَ: آللهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟

قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ.

قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ:«مَا أَجْلَسَكُمْ؟» .

قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا.

قَالَ: «آللهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟»

قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ.

قَالَ: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللهَ عز وجل يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلَائِكَةَ» (رواه مسلم).

فطوبى لمن أحبهم، وسلك سبيلهم، وترضى عنهم، ويا ويل من أبغضهم أو أبغض بعضهم، وذلك من علامات الخذلان، وأمارات الخيبة والخسران. ومبغضهم ومنتقدهم نابح الكواكب النيِّرات وناطح الجبال الثابتات.

فالسعيد من تولى جملتهم، واهتدى بهديهم، وتمسك بحبلهم، والشقى من تعرض للخوض فيما شجر بينهم، واقتحم خطر التفريق بينهم، وأتبع نفسه هواها فى سب أحد منهم.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ» (رواه البخاري).

قال الحافظ ابن حجر: قَوْله (مِنْ عَادَى لِي وَلِيًّا) الْمُرَاد بِوَلِيِّ اللهِ الْعَالِم بِاللهِ الْمُوَاظِب عَلَى طَاعَته الْمُخْلِص فِي عِبَادَته. وَقَدْ اُسْتُشْكِلَ وُجُود أَحَدٍ يُعَادِيهِ لِأَنَّ الْمُعَادَاةَ إِنَّمَا تَقَعُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَمَنْ شَأْن الْوَلِيِّ الْحِلْم وَالصَّفْح عَمَّنْ يَجْهَل عَلَيْهِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُعَادَاةَ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي الْخُصُومَةِ وَالْمُعَامَلَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ مَثَلًا بَلْ قَدْ تَقَع عَنْ بُغْضٍ يَنْشَأُ عَنْ التَّعَصُّبِ كَالرَّافِضِيِّ (1) فِي بُغْضِهِ لِأَبِي بَكْرٍ، وَالْمُبْتَدِع فِي بُغْضِهِ لِلسُّنِّيِّ، فَتَقَعُ الْمُعَادَاةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، أَمَّا مِنْ جَانِب الْوَلِيِّ فَللهِ تَعَالَى وَفِي اللهِ، وَأَمَّا مِنْ جَانِب الْآخَر فَلِمَا تَقَدَّمَ. اهـ من (فتح الباري).

وهؤلاء الشيعة الاثنا عشرية يعادون أولياء الله عز وجل من الصحابة رضي الله عنهم ـ فمن دونهم ـ فكيف يواليهم مسلم؟ وكيف تنطلي عليه خدعتهم وكيف يركن إليهم؟ والله تعالى يقول {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} (هود:113).

(1) الرافضي: الشيعي.

ص: 150

وهؤلاء الشيعة ظالمون ومن بعض ظلمهم أنهم يظلمون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فكيف يواليهم مسلم والله تعالى يقول:{وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الأنعام:129)، إنه لا يواليهم إلا ظالم، ومن يرضى أن يكون ظالمًا لأبي بكر وعمر وعثمان وأبي عبيدة وطلحة والزبير؟ ومَن يرضَى أن يكون في الصف المقابل للصحابة وأئمة الاجتهاد من هذه الأمة؟ ومن يرضى أن يكون أداة بيد الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم؟

تقوم عقيدة الشيعة الإثنى عشرية على سب وشتم وتكفير الصحابة رضي الله عنهم.ذكر الكليني في (فروع الكافي)(كذبًا) عن جعفر: «كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا ثلاثة، فقلت: من الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي» .

وذكر المجلسي في (حق اليقين) أنه قال لعلي بن الحسين مولى له: «لي عليك حق الخدمة فأخبرني عن أبي بكر وعمر؟ فقال: إنهما كانا كافرين، الذي يحبهما فهو كافر أيضًا» .

وفي تفسير القمي عند قوله تعالى: {وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ} (النحل:90) قالوا: الفحشاء أبو بكر، والمنكر عمر، والبغي عثمان.

ويقولون في كتابهم (مفتاح الجنان): «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد والعن صنمَيْ قريش وجِبتَيْهِما وطاغوتَيْهما وابنتيهما .. إلخ» ويعنون بذلك أبا بكر وعمر وعائشة وحفصة رضي الله عنهم.

وفي يوم عاشوراء يأتون بكلب ويسمونه عمر، ثم ينهالون عليه ضربا بالعصي ورجمًا بالحجارة حتى يموت، ثم يأتون بسخلة (1) ويسمونها عائشة، ثم يبدؤون بنتف شعرها وينهالون عليها ضربًا بالأحذية حتى تموت.

وللشيعة عيد يقيمونه في اليوم التاسع من ربيع الأول، يحتفلون فيه باليوم الذي قتل فيه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويسمون قاتله أبا لؤلؤة المجوسي: بابا شجاع الدين.

اللهم ارض عن الصحابة أجمعين وعن أمهات المؤمنين.

قال الإمام مالك رحمه الله عن الشيعة: «إنما هؤلاء قوم أرادوا القدح في النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يمكنهم ذلك، فقدحوا في أصحابه حتى يقال: رجل سوء، ولو كان صالحًا كان أصحابه صالحين» .

وقال الحافظ الكبير أبو زرعة الرازي رحمه الله: «إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن القرآن حق، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم حق، وما جاء به حق، وما أدى إلينا ذلك كله إلا الصحابة. فمَن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة، فيكون الجرح به أليق، والحكم عليه بالزندقة والضلال أقْوَم وأحَق» .

قال الإمام الطحاوي الحنفي في عقيدته المشهورة: «ونحب أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا نفرق في حب أحد منهم، ونبغض من أبغضهم وبغير الخير يذكرهم، محبتُهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان» .

فهؤلاء الشيعة يريدون أن يهدموا الصحابة ليبطلوا القرآن والسنة {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (الصف:8).

لا تركنَنَّ إلى الروافِضِ إنَّهمْ

شتَموا الصحابةَ دونَ مَا برهانِ

لعِنوا كما بَغَضُوا صحابةَ أحمدٍ

ووِدَادُهُم فرضٌ على الإنسانِ

حُبُّ الصحابةِ والقرابةِ سُنَّةٌ

ألقَى بها ربِّي إذا أحَياني

• من هو الصحابى؟

الصحابى مَن لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤمنًا به، ومات على الإسلام، فيدخل في (من لقيه) مَن طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لَم يرو، ومن لَمْ يره لعارض كالعمى.

(1) السخلة: الذكر والأنثى من ولد الضأن والمعْز ساعة يولد.

ص: 152

عدة الصحابة رضي الله عنهم:

توفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد دخل فى الناس فى دين الله أفواجًا كما بشره الله عز وجل بقوله: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا} (النصر:1، 2).

ونقل الإمام الشافعى رحمه الله أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قبض والمسلمون ستون ألفًا: ثلاثون ألفًا بالمدينة، وثلاثون ألفا فى قبائل العرب غيرها.

وقد ذكر القرآن صحابيًا هو زيد بن حارثة رضي الله عنه، بقوله تعالى:{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} (الأحزاب:37)، وأضمر صحابيًا آخر هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه بقوله تعالى:{إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} (التوبة:40).

وإذا ثبت لرجل أو لامرأة الصحبة فلا يمكن أن يخرج من حظيرتهم ولا يقبل لمزة بالنفاق إلا بإسناد صحيح كذلك، ولهذا لا يصح قول من قال: إن ثعلبة بن حاطب الأنصارى ـ وهو ممن شهد غزوة بدر ـ هو المقصود بقوله تعالى: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} (التوبة:75).

وهذه القصة ـ التي يذكرها كثير من الخطباء أثناء حديثهم عن الزكاة ـ لا تصح سندًا ولا متنًا، أما سندًا فهى من طريق معان بن رفاعة عن على بن يزيد، وكلاهما لا يصح حديثهما.

وأما متنًا فالنبى صلى الله عليه وآله وسلم قرر أن مانع الزكاة تؤخذ منه قسرًا، وحارب أبو بكر الصديق رضي الله عنه مانعى الزكاة، فكيف يرفض أخذها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر؟

• عدالة الصحابة رضي الله عنهم ووجوب محبتهم ونصرتهم:

اتفق أهل السنة على أن جميع الصحابة عدول، وعدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله عز وجل لهم، وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم، فمن ذلك قوله تعالى:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (آل عمران:110).وقوله عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (البقرة:143).وقوله عز وجل: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ

ص: 154

الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} (الفتح:18).وقوله عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} (التوبة:100).

ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما وصفهم الله عز وجل فى قوله: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (الحشر:10).

وطاعةً للنبى صلى الله عليه وآله وسلم فى قوله: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» (رواه البخاري ومسلم).

ومَعْنَى الْحَدِيث: لَا يَنَال أَحَدكُمْ بِإِنْفَاقِ مِثْل أُحُد ذَهَبًا مِنْ الْفَضْل وَالْأَجْر مَا يَنَال أَحَدهمْ بِإِنْفَاقِ مُدّ طَعَام أَوْ نَصِيفه.

وأهل السنة والجماعة يقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم، ويفضلون من أنفق من قبل الفتح ـ وهو صلح الحدييية ـ وقاتل، على من أنفق من بعدُ وقاتل، ويقدمون المهاجرين على الأنصار، ويؤمنون بأن الله عز وجل قال لأهل بدر وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر:«لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» (رواه البخاري ومسلم).

ويؤمنون بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» (صحيح رواه أبو داود)، بل لقد رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة؛ قال الله عز وجل:{لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (الفتح:18، 19).

ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كالعشرة وثابت بن قيس بن شماس وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين على بن

ص: 155

أبى طالب رضي الله عنه وغيره، من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ويثلثون بعثمان ويربعون بعلى رضي الله عنهم.

وعَنْ عَمْرو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟

قَالَ: عَائِشَةُ.

قُلْتُ: مِنْ الرِّجَالِ؟

قَالَ: أَبُوهَا.

قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟

قَالَ: عُمَرُ، فَعَدَّ رِجَالًا». (رواه البخاري ومسلم).

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي (أي على بن أبى طالب رضي الله عنه):أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم؟

قَالَ: «أَبُو بَكْرٍ» .

قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟

قَالَ: «ثُمَّ عُمَرُ» ، وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ.

قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟

قَالَ: «مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» (رواه البخاري).

قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): «وَهَذَا قَالَهُ عَلِيّ رضي الله عنه تَوَاضُعًا مَعَ مَعْرِفَته حِين الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة أَنَّهُ خَيْر النَّاس يَوْمئِذٍ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْد قَتْل عُثْمَان، وَأَمَّا خَشْيَة مُحَمَّد اِبْن الْحَنَفِيَّة أَنْ يَقُول عُثْمَان فَلِأَنَّ مُحَمَّدًا كَانَ يَعْتَقِد أَنَّ أَبَاهُ أَفْضَل، فَخَشِيَ أَنَّ عَلِيًّا يَقُول عُثْمَان عَلَى سَبِيل التَّوَاضُع مِنْهُ وَالْهَضْم لِنَفْسِهِ فَيَضْطَرِب حَال اِعْتِقَاده وَلَا سِيَّمَا وَهُوَ فِي سِنّ الْحَدَاثَة

وَقَدْ سَبَقَ بَيَان الِاخْتِلَاف فِي أَيّ الرَّجُلَيْنِ أَفْضَل بَعْد أَبِي بَكْر وَعُمَر: عُثْمَان أَوْ عَلِيّ؟ وَأَنَّ الْإِجْمَاع اِنْعَقَدَ بِآخِرِهِ بَيْن أَهْل السُّنَّة أَنَّ تَرْتِيبهمْ فِي الْفَضْل كَتَرْتِيبِهِمْ فِي الْخِلَافَة، رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ».

ثم نقل عن الْقُرْطُبِيّ فِي (الْمُفْهِم شرح صحيح مسلم) أن الْمَقْطُوع بِهِ بَيْن أَهْل السُّنَّة بِأَفْضَلِيَّةِ أَبِي بَكْر ثُمَّ عُمَر، ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِيمَنْ بَعْدهمَا: فَالْجُمْهُور عَلَى تَقْدِيم عُثْمَان، وَعَنْ مَالِك التَّوَقُّف، وَالْمَسْأَلَة اِجْتِهَادِيَّة، وَمُسْتَنَدهَا أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة اِخْتَارَهُمْ اللهُ تَعَالَى لِخِلَافَةِ نَبِيّه وَإِقَامَة دِينه فَمَنْزِلَتهمْ عِنْده بِحَسَبِ تَرْتِيبهمْ فِي الْخِلَافَة».اهـ بتصرف من (الفتح).

بلّغ الأشواقَ والحُبَّ الصَّحَابَةْ سَادَةَ القومِ وأَرْبَابَ النَّجَابَةْ

هُمْ حُمَاةُ الدِّينِ أَبْطَالُ الرَّدَى بَلْ غُيُوثُ البَذْلِ بَلْ آسَادُ غابَةْ

حُبُّهُمْ دِينٌ ومَنْ يُبْغِضْهُمُوا ربُّنا في نارِهِ الأخْرَى أذَابهَْ

(غُيُوثُ جمع: غيث: وهو المطر، والمعنى أنهم كثيرو البذل).

• فضائل الصحابة من كتاب الله عز وجل:

1 -

قال الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة:143).

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} أي: عدلًا خيارًا، فجعل الله عز وجل هذه الأمة، وسطًا في كل أمور الدين، وسطا في الأنبياء، بين من غلا فيهم، كالنصارى، وبين من جفاهم، كاليهود، بأن آمنوا بهم كلهم على الوجه اللائق بذلك.

ووسطًا في الشريعة، لا تشديدات اليهود وآصارهم، ولا تهاون النصارى.

وفي باب الطهارة والمطاعم طهارتهم أكمل طهارة وأتمها، وأباح الله عز وجل لهم الطيبات من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح، وحرم عليهم الخبائث من ذلك، لا كاليهود الذين لا تصح لهم صلاة إلا في بيعهم وكنائسهم، ولا يطهرهم الماء من النجاسات، وقد حرمت عليهم الطيبات، عقوبة لهم، ولا كالنصارى الذين لا ينجسون شيئًا، ولا يحرمون شيئًا.

فلهذه الأمة من الدين أكمله، ومن الأخلاق أجلها، ومن الأعمال أفضلها.

ص: 156

ووهبهم الله من العلم والحلم، والعدل والإحسان، ما لم يهبه لأمة سواهم، فلذلك كانوا {أُمَّةً وَسَطًا} ليكونوا {شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} بسبب عدالتهم وحكمهم بالقسط، يحكمون على الناس من سائر أهل الأديان، ولا يحكم عليهم غيرهم، فما شهدت له هذه الأمة بالقبول، فهو مقبول، وما شهدت له بالرد، فهو مردود.

فإن شك شاكٌّ في فضلها، وطلب مزكيًا لها، فهو أكمل الخلق، نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم، فلهذا قال تعالى:{وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} .

ومن شهادة هذه الأمة على غيرهم، أنه إذا كان يوم القيامة، وسأل الله المرسلين عن تبليغهم، والأمم المكذبة عن ذلك، وأنكروا أن الأنبياء بلّغَتْهم، استشهدَ الأنبياء بهذه الأمة، وزكاها نبيها صلى الله عليه وآله وسلم.

وفي الآية دليل على أن إجماع هذه الأمة، حجة قاطعة، وأنهم معصومون عن الخطأ، لإطلاق قوله:{وَسَطًا} فلو قدر اتفاقهم على الخطأ، لم يكونوا وسطًا، إلا في بعض الأمور.

وقوله: {لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} يقتضي أنهم إذا شهدوا على حكم أن الله أحله أو حرمه أو أوجبه، فإنها معصومة في ذلك.

والآية وإن كانت فى حق سائر الأمة فإن الصحابة رضي الله عنهم هم المشافَهون بهذا الخطاب.

2 -

قال الله عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة:100).

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: «يخبر عز وجل عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، ورضاهم عنه بما أعدَّ لهم من جنات النعيم، والنعيم المقيم.

ص: 158

فقد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان: فيا ويل من أبغضهم أو سَبَّهم أو أبغض أو سبَّ بعضهم، ولا سيما سيدُ الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم، الصديق الأكبر والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه.

ولكن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويُبغضونهم ويَسُبُّونهم، عياذًا بالله من ذلك. وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة، وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن، إذ يسبُّون من رضي الله عنهم؟ وأما أهل السنة فإنهم يترضّون عمن رضي الله عنه، ويسبون من سبه الله ورسوله، ويوالون من يوالي الله، ويعادون من يعادي الله، وهم متبعون لا مبتدعون، ويقتدون ولا يبتدون ولهذا هم حزب الله المفلحون وعباده المؤمنون.» اهـ بتصرف من (تفسير القرآن العظيم).

وقد قيل: المراد بـ {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ} جميع المهاجرين والأنصار.

قال محمد بن زياد: قلت يوما لمحمد بن كعب القرظى رضي الله عنه:ألا تخبرنى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما بينهم؟ ـ وأردت الفتن ـ، فقال: إن الله قد غفر لجميعهم محسنهم ومسيئهم، وأوجب لهم الجنة فى كتابه.

فقلت له: فى أى موضع أوجب لهم؟ فقال: سبحان الله ألا تقرأ {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ} إلى آخر الآية، فأوجب الله الجنة لجميع أصحاب النبى صلى الله عليه وآله وسلم.

وقال الشنقيطى رحمه الله في (أضواء البيان): «ولا يخفى أنه تعالى صرح فى هذه الآية الكريمة أنه قد رضى عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وهو دليل قرآنى صريح في أن من يسبهم ويبغضهم أنه ضال مخالف لله ـ جل وعلا ـ، حيث أبغض من رضي الله عنه، ولا شك أن بُغض من رضي الله عنه مضادة له جل وعلا وتمرد وطغيان» .

ص: 159

3 -

وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (الفتح:18 - 19).

ومن رضي الله عنه لا يمكن موته على الكفر؛ لأن العبرة بالوفاء على الإسلام، فلا يقع الرضا منه تعالى إلا على من علم موته على الإسلام.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «يخبر تعالى عن رضاه عن المؤمنين الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحت الشجرة، وقد كانوا ألفا وأربعمائة، والشجرة كانت سمرة بأرض الحديبية.

قوله: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} أي: من الصدق والوفاء، والسمع والطاعة،

{فَأَنزلَ السَّكِينَةَ} :وهي الطمأنينة، {عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}:وهو ما أجرى الله على أيديهم من الصلح بينهم وبين أعدائهم، وما حصل بذلك من الخير العام المستمر المتصل بفتح خيبر وفتح مكة، ثم فتح سائر البلاد والأقاليم عليهم، وما حصل لهم من العز والنصر والرفعة في الدنيا والآخرة؛ ولهذا قال:{وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا * وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} » اهـ بتصرف من (تفسير القرآن العظيم).

4 -

وقال الله عز وجل: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (الفتح:29).

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «يخبر تعالى عن محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه رسول الله حقًا بلا شك ولا ريب فقال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ} وهذا مشتمل على كل وصف جميل، ثم ثنَّى بالثناء على أصحابه رضي الله عنهم فقال:{وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} (الفتح:29) كما

ص: 160

قال عز وجل: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} (المائدة:54).

هذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديدًا عنيفًا على الكفار، رحيمًا برًا بالأخيار، عبوسًا فى وجه الكافر، ضحوكًا بشوشًا فى وجه أخيه المؤمن، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} (التوبة:123).

ثم قال تعالى مادحًا لهم: {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا} (الفتح:20).وصفهم بكثرة العمل وكثرة الصلاة وهى خير الأعمال، ووصفهم بالإخلاص فيها لله عز وجل والاحتساب عند الله تعالى جزيل الثواب، ورضاه تعالى عنهم، وهو أكبر من الأول كما قال تعالى:{وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ} (التوبة:72).

ثم قال عز وجل: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ} قال على بن أبى طلحة: يعنى السمت الحسن.

وعن زائدة عن منصور عن مجاهد: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ} قال: الخشوع. قلت: ما كنت أراه إلا هذا الأثر فى الوجه فقال: ربما كان بين عينَىْ من هو أقسى قلبًا من فرعون.

الصحابة رضي الله عنهم خلصت نياتهم وحسنت أعمالهم، فكل من نظر إليهم أعجبوه فى سمتهم وهديهم. قال مالك رضي الله عنه:بلغنى أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة رضي الله عنهم الذين فتحوا الشام يقولون: «والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا» .وصدقوا فى ذلك فإن هذه الأمة معظمة فى الكتب المتقدمة وأعظمها وأفضلها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد نوه الله تبارك وتعالى بذكرهم فى الكتب المنزلة والأخبار المتداولة، ولهذا قال سبحانه وتعالى ههنا:{ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} (الفتح:29).

ص: 161

ثم قال: {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} أى: فراخه (1){فَآزَرَهُ} أى: شده {فَاسْتَغْلَظَ} أى: شب وطال.

{فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ} أى: فكذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آزروه وأيدوه ونصروه، فهم معه كالشطء مع الزرع {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} .

ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمه الله فى رواية عنه بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم، قال: لأنهم يغيظونهم؛ ومن غاظه الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر لهذه الآية، ووافقه طائفة من العلماء رضي الله عنهم على ذلك.

ثم قال عز وجل: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} .

و (مِنْ) هنا لبيان الجنس لا للتبغيض، والمعنى: وعد الله جميع الصحابة الجنة، ووعد الله حق وصدق، لا يخلف ولا يبدل، وكل من اقتفى أثر الصحابة رضي الله عنهم فهو فى حكمهم، ولهم الفضل والسبق والكمال لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمة رضي الله عنهم وأرضاهم، وجعل جنات الفردوس مأواهم، وقد فعل».اهـ بتصرف من (تفسير القرآن العظيم).

5 -

وقال تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى} (الحديد:10).

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:قوله: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} أي: لا يستوي هذا ومن لم يفعل كفعله، وذلك أن قبل فتح مكة كان الحال شديدًا، فلم

(1) جاء في (لسان العرب): «الشَّطْءُ فَرْخُ الزَّرْع والنخل، وقيل: هو ورق الزَّرْع، وفي التنزيل {كزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} أَي طَرَفَه وجمعه شُطُوءٌ، وقال الفرّاءُ: شَطْؤُه السُّنْبُل، تُّنْبِت الحَبَّةُ عَشْرًا وثمانيًا وسَبْعًا فيَقْوَى بعضُه ببعض فذلك قوله تعالى {فآزَرَه} أَي فأَعانَه. وقال الزجاج: أَخْرَج شَطْأَه: أَخرج نباتَه. وقال ابن الأَعرابي: شَطْأَه: فِراخَه.

وشَطْءُ الشجرِ ما خَرج حول أَصله والجمع أَشْطاءٌ، وأَشْطَأَتِ الشجرةُ بغُصونها إِذا أَخرجت غُصونَها وأَشْطَأَ الزرعُ إِذا فَرَّخ. (اهـ بتصرف)

ص: 162

يكن يؤمن حينئذ إلا الصديقون، وأما بعد الفتح فإنه ظهر الإسلام ظهورًا عظيمًا، ودخل الناس في دين الله أفواجا؛ ولهذا قال:{أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى} .

والجمهور على أن المراد بالفتح هاهنا فتح مكة. وعن الشعبي وغيره أن المراد بالفتح هاهنا: صلح الحديبية.

قوله عز وجل: {وَكُلا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى} يعني المنفقين قبل الفتح وبعده، كلهم لهم ثواب على ما عملوا، وإن كان بينهم تفاوت في تفاضل الجزاء، وإنما نَبَّه بهذا لئلا يُهدرَ جانب الآخر بمدح الأول دون الآخر، فيتوهم متوهم ذمه؛ فلهذا عطف بمدح الآخر والثناء عليه، مع تفضيل الأول عليه؛ ولهذا قال:{وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} أي: فلخبرته فاوت بين ثواب من أنفق من قبل الفتح وقاتل، ومن فعل ذلك بعد ذلك، وما ذلك إلا لعلمه بقصد الأول وإخلاصه التام، وإنفاقه في حال الجهد والقلة والضيق.

ولا شك عند أهل الإيمان أن الصديق أبا بكر رضي الله عنه له الحظ الأوفر من هذه الآية، فإنه سيّد من عمل بها من سائر أمم الأنبياء، فإنه أنفق ماله كله ابتغاء وجه الله عز وجل ولم يكن لأحد عنده نعمة يجزيه بها».اهـ بتصرف من (تفسير القرآن العظيم).

وهذه الآية نص صريح فى تفاوت الصحابة رضي الله عنهم فى الدرجات والمراتب، ونص صريح أيضًا فى كون جميعهم فى الجنة.

وفى الآية دليل على أن الفضل للسابق، وعلى أن أفضلية العمل على قدر رجوع منفعته إلى الإسلام والمسلمين، لأن الأجر على قدر النصب.

6 -

قال تعالى: {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ

ص: 163

الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (الحشر:8 - 10).

{أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} :أي في إيمانهم حيث تركوا ديارهم وأموالهم وهاجروا ينصرون الله ورسوله.

{وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} :أي والأنصار الذين نزلوا المدينة ألِفُوا الإيمان بعدما اختاروه على الكفر.

{مِن قَبْلِهِمْ} :أي من قبل المهاجرين.

{وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً} :أي حسدًا ولا غيظًا.

{مِّمَّا أوتُوا} :أي مما أوتِىَ أخوانُهم المهاجرون من فَيْءِ بنى النضير.

{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ} :أي في كل شيء حتى إن الرجل منهم تكون تحته المرأتان فيعرض أن يطلق أحداهما ليزوجها مهاجرًا.

{وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} :أي حاجة شديدة وخلَّة كبيرة لا يجدون ما يسدونها به.

{وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} :أي ومن يَقِه الله تعالى حرص نفسه على المال والبخل به.

{وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ} أي من بعد المهاجرين والأنصار من التابعين الى يومنا هذا فما بعد. فيدخل تحت هذه الآية جميع الأمة الإسلامية الذين جاءوا بعد الصحابة من التابعين إلى قيام الساعة قطعًا بشرط استغفارهم للمهاجرين والأنصار رضي الله عنهم.

{يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}

قال الإمام القرطبى: «هذه الآية دليل على وجوب محبة الصحابة لأنه جعل لمن بعدهم حظًا فى الفيء ما أقاموا على محبتهم وموالاتهم والاستغفار لهم، وأن مَن سبَّهم أو واحدًا منهم أو اعتقد فيه شرًا إنه لا حق له في الفيء، رُوى ذلك عن مالك وغيره،

ص: 164

قال مالك: من كان يبغض أحدًا من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أو كان في قلبه عليهم غل فليس له حق في فيء المسلمين، ثم قرأ:{وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ} الآية.

وعن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جده علي بن الحسين رضي الله عنهم، أنه جاءه رجل فقال له: يا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ما تقول في عثمان؟ فقال له: يا أخى أنت من قوم قال الله فيهم: {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ} الآية؟.قال: لا!

قال: فوالله لئن لم تكن من أهل الآية، فأنت من قوم قال الله فيهم:{وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} الآية؟.قال: لا!

قال: فوالله لئن لم تكن من أهل الآية الثالثة لتخرجن من الإسلام، وهي قوله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} الآية.

وقد قيل: إن محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم روى عن أبيه: أن نفرًا من أهل العراق جاءوا إليه، فسبوا أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ثم عثمان رضي الله عنه فأكثروا، فقال لهم: أمِنَ المهاجرين الأولين أنتم؟ قالوا لا.

فقال: أفمن الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم؟ فقالوا لا.

فقال: قد تبرأتم من هذين الفريقين!! أنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} قوموا، فعل الله بكم وفعل»!! ذكره النحاس. اهـ بتصرف من (الجامع لأحكام القرآن).

7 -

قال تعالى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (التحريم:8).

قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} معطوف على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ففيه تعريض بمن أخزاهم الله من أهل الكفر، واستحماد للمؤمنين على أنه عصمهم من مثل حالهم، فآمَنَهم الله من خزيه، ولا يأمن من خزيه في ذلك اليوم إلا الذين ماتوا والله عز وجل ورسوله

ص: 165

- صلى الله عليه وآله وسلم عنهم راضٍ، فأمانهم من الخزى صريح في موتهم على كمال الإيمان وحقائق الإحسان، وفي أن الله لم يزل راضيًا عنهم وكذلك رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

8 -

الصحابة رضي الله عنهم هم أوْلَى الناس بالدخول في الآيات العامة التي يَعِدُ الله فيها عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالفوز بالرضى والجنات، لأنهم سادات المؤمنين وأكثر الناس حظًا من الأعمال الصالحة، وذلك مثل قوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} (المؤمنون:1 - 10).

وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} (المطففين:18 - 28).

والآيات من هذا القبيل كثيرة جدًا يصعب استقصاؤها، وأولى الناس بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنهم أجمعين ورزقنا سلوك سبيلهم والسير على منهاجهم وطريقهم وحشرنا معهم فى زمرتهم.

حُبُّ النَبِيِّ وحُبُّ الصحبِ مفتَرَضٌ

أضْحَوْا لتابعِهم نورًا وبرهانَا

مَن كان يَعلمُ أّنّ اللهَ خالقُه

فلا يقولَنّ في الصّدِّيقِ بُهتَانَا

ولا يسبُّ أبا حَفْصٍ وشيعتَه

ولا الخليفةَ عثمانَ بنَ عفّانَا

ثُمَّ الوَلِيُّ فلا ينسَى المقالَ له

هُمُ الذينَ بنَوْا للدينِ أركانَا

همْ عمادُ الورَى في الناسِ كُلّهِمُ

جازاهمُ اللهُ بالإحسانِ إحسانَا

ص: 166