المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مكانة يوم الجمعة في الإسلام:

- ‌مكانة خطبة الجمعة وأهميتها:

- ‌صفة خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌اشتمال الخطبة على الآيات القرآنية

- ‌اشتمال الخطبة على الأحاديث النبوية

- ‌ أثر الأحاديث الضعيفة في الابتداع في الدين:

- ‌ لا يجوز استحباب شيء لمجرد حديث ضعيف في الفضائل:

- ‌ معنى العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال:

- ‌ لا يجوز التقدير والتحديد بأحاديث الفضائل الضعيفة:

- ‌ شروط العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال عند القائلين به:

- ‌ هل هناك إجماع من العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال

- ‌اشتمال الخطبة على ضرب الأمثال

- ‌الاستشهاد بالشعر في الخطبة

- ‌الاستشهاد بالقصة في الخطبة

- ‌الاستشهاد بواقع الآخرين

- ‌فقه الخطيب

- ‌ ماذا تقرأ في صلاة الجمعة

- ‌ قطع الخطبة للتنبيه والإرشاد:

- ‌ ما الحكم فيمن دخل المسجد لصلاة الجمعة والمؤذن يؤذن الأذان الثاني

- ‌ رفع اليدين للدعاء في الخطبة:

- ‌ هل يصلي بالناس الجمعة غير الخطيب

- ‌ إذا قرأ الخطيب آية تشتمل على سجدة وهو يخطب فهل يسجد سجود التلاوة

- ‌كيف تختار موضوع الخطبة

- ‌ضوابط وقواعدلموضوعات خطبة الجمعة

- ‌وصايا للخطيب

- ‌الخطيب وجمهوره

- ‌وصايا أثناء الخطبة

- ‌همسات في أذن خطيب الجمعة

- ‌عيوب الخطبة

- ‌ عيوب في أصل الخطبة

- ‌تنبيه:

- ‌ عيوب في الخطيب

- ‌ عيوب نسبية

- ‌أدعية

- ‌موضوعات عامة

- ‌1 - الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌2 - التحذير من ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌3 - كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعناها

- ‌4 - اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم دليل محبة الله عز وجل

- ‌5 - التواضع وذم الكبر

- ‌6 - فضائل الصحابة رضي الله عنهم

- ‌7 - فضائل الصحابة رضي الله عنهم في السنة المطهرة

- ‌8 - اتق الله حيثما كنت

- ‌9 - أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمحُهَا

- ‌10 - خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ

- ‌11 - احفَظِ الله يَحْفَظْكَ

- ‌12 - إذا سَأَلْتَ فاسْألِ اللهوإذا اسْتََعَنْتَ فاستَعِنْ باللهِ

- ‌13 - شروط الدعاء وموانع الإجابة

- ‌14 - رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفُ

- ‌15 - القناعة

- ‌16 - فوائد القناعة والسبيل إليها

- ‌17 - الإصلاح بين الناس

- ‌18 - الإصلاح بتن الناس وآداب المصلح

- ‌19 - الأمانة

- ‌20 - السعادة الوهمية

- ‌21 - أسباب السعادة وصفات السعداء

- ‌22 - نحن والمزاح

- ‌23 - إنَّ الله كَتَبَ الإحسّانَ على كُلِّ شيءٍ

- ‌24 - المستقبل لهذا الدين رغم مرارة الواقع

- ‌25 - المستقبل لهذا الدين ولكن ما السبيل إليه

- ‌26 - لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ

- ‌27 - وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌28 - موتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌29 - إذا لَم تَستَحْيِ، فاصْنَعْ ما شِئْتَ

- ‌30 - عَظيمٌٍ ولَكِنّه يَسيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ الله عليه

- ‌31 - قُلْ: آمَنْتُ باللهِ، ثمَّ استقِمْ

- ‌32 - كُلُّ النَّاسِ يَغْدُوفَبائعٌ نَفْسَهُ، فمُعْتِقُها أو مُوبِقها

- ‌33 - كثرة النعم وكثرة طرق الشكر

- ‌34 - أكل الميراث بالباطل

- ‌35 - إنَّ الله طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَاّ طيِّبًا

- ‌36 - لا تَحَاسَدُوا

- ‌37 - كُونُوا عِبادَ اللهِ إِخْوانًا

- ‌38 - لا تَظالموا

- ‌39 - إنَّما هي أعمالُكُم أُحصيها لكم

- ‌40 - لا تَغْضَبْ

- ‌خطب مناسبات

- ‌41 - الزكاة

- ‌42 - الامتحانات، كل منا ممتحن

- ‌43 - عاشوراء وشهر الله المحرّم

- ‌45 - استقبال رمضانيا باغي الشر…أقصر

- ‌46 - رمضان شهر الجهاد

- ‌47 - خطبة عيد الفطر

- ‌48 - الحج: عبر وعظات

- ‌49 - قصة الذبح…دروس وعبر

- ‌50 - خطبة عيد الأضحى

الفصل: ‌19 - الأمانة

‌19 - الأمانة

• عناية القرآن الكريم ببيان صفات المؤمنين وصفات غيرهم:

في كتاب ربِّنا عز وجل بيانٌ لأخلاق المؤمنين، بيانٌ لصفاتِهم الحميدة وأخلاقِهم الكريمة، وذاك دعوةٌ للأمّة المؤمنة أن تأخذَ بتلكم الأخلاق وتتَّصف بتلكم الصفات؛ فيذكُر الله أهلَ الإيمان، يذكر أخلاقَهم وأعمالهم، وهو حثٌّ لنا جميعًا على الأخذ بها والعمل بمقتضاها، كما يذكر أخلاقَ المنافقين وصفاتِهم وأخلاقَ الكافرين، ليكونَ المسلم على علمٍ بتلكم الصفات والأخلاق، فيبتعد كلَّ البُعد عنها.

• خلق رعاية الأمانة:

أيّها المسلم، وأنت تقرأ كتابَ الله تمرُّ بك آية، وهي قول الله جل جلاله في صفات المؤمنين:{وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ} (المؤمنون:8).

لقد وصف الله عز وجل أهلَ الإيمان بأنّهم راعون لأماناتهم، حافظون لأماناتهم، {وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ} ، فهم يرعَون الأمانَة حقَّ الرعاية، ويقومون بمقتضاها حقَّ القيام.

• الخيانة من صفات المنافقين:

إنّ من خصال المنافق خيانةَ الأمانة، ولذا يقول صلى الله عليه وآله وسلم:«آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» (رواه البخاري ومسلم)، فلمّا فقد الإيمانَ كان خائنًا لأمانته فيما بينَه وبين الله، وفيما بينه وبين عباد الله. كم خان المنافقون أماناتِهم، وكم شمَتوا بالمسلمين، وكم أرجفوا برسول الله وصحابتِه الكرام، وكم قالوا وافترَوا، ولكنّ الله لهم بالمرصاد؛ لأنّهم أظهَروا الإيمانَ وأبطنوا الكفرَ المحض، فالخيانة من أخلاقهم، أمّا المؤمنُ فبعكس ذلكَ، الأمانة خلقُه، والخيانة بعيدٌ عنها كلَّ البعد، فلنتّق الله فيما اؤتمنَّا عليه.

• خطر الأمانة وفضل حفظها:

ص: 291

قال عز وجل: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (النساء:58) والآية في كل أمانة فعلى كل مؤتمن على شىء أن يحفظه ويرعاه حتى يؤديه إلى صاحبه.

وقال عز وجل: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا * لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الأحزاب:73).

يعظم عز وجل شأن الأمانة، التي ائتمن الله عليها المكلفين، والتي هي امتثال الأوامر، واجتناب المحارم، في حال السر والخفية، كحال العلانية، وأنه عز وجل عرضها على المخلوقات العظيمة، السماوات والأرض والجبال، عرض تخيير لا تحتيم، وأنك إن قمتِ بها وأدَّيتِهَا على وجهها، فلك الثواب، وإن لم تقومي بها، ولم تؤديها فعليكِ العقاب.

{فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} أي: خوفًا أن لا يقُمْنَ بما حُمِّلْنَ، لا عصيانًا لربهن، ولا زهدًا في ثوابه، وعرضها الله على الإنسان، على ذلك الشرط المذكور، فقبلها، وحملها مع ظلمه وجهله، وحمل هذا الحمل الثقيل

فانقسم الناس ـ بحسب قيامهم بها وعدمه ـ إلى ثلاثة أقسام:

منافقون، أظهروا أنهم قاموا بها ظاهرًا لا باطنًا، ومشركون، تركوها ظاهرًا وباطنًا، ومؤمنون، قائمون بها ظاهرًا وباطنًا، فذكر الله تعالى أعمال هؤلاء الأقسام الثلاثة، وما لهم من الثواب والعقاب فقال:{لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} .

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ» . (صحيح رواه الإمام أحمد وابن حبان).

ص: 292

«لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ» أي لا إيمان كامل؛ فالأمانة لب الإيمان، وهي منه بمنزلة القلب من البدن، والأمانة الجوارح السبع العين والسمع واللسان واليد والرجل والبطن والفرج فمن ضيع جزءا منها سقم إيمانه وضعف بقدره.

ومعنى (وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ) أن من جرى بينه وبين أحد عهد ثم غدر لغير عذر شرعي فدينه ناقص.

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلَا عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنْ الدُّنْيَا: حِفْظُ أَمَانَةٍ، وَصِدْقُ حَدِيثٍ، وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ، وَعِفَّةٌ فِي طُهْرٍ» (صحيح رواه أحمد).

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها إلا الأمانة، قال: يؤتى العبد يوم القيامة وإن قتل في سبيل الله فيقال: أدِّ أمانتك، فيقول: أيْ رب، كيف وقد ذهبَت الدنيا؟ فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية، فيُنطَلق به إلى الهاوية وتُمَثَّل له أمانته كهيئتها يوم دُفعت إليه، فيراها فيعرفها فيهوي في أثرها حتى يدركها فيحملها على منكبيه حتى إذا ظن أنه خارج زَلَّتْ عن منكبيه فهو يهوي في أثرها أبد الآبدين، ثم قال: الصلاة أمانة والوضوء أمانة والوزن أمانة والكيل أمانة وأشياء عددها وأشد ذلك الودائع» .

قال زاذان: فأتيت البراء بن عازب رضي الله عنه فقلت: ألا ترى إلى ما قال ابن مسعود رضي الله عنه قال كذا؟»، قال: صدق، أما سمعت الله يقول:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (النساء:58)»

(رواه أحمد والبيهقي موقوفًا، وذكر عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب الزهد أنه سأل أباه عنه فقال إسناده جيد، وحسنه الألباني).

أيّها المسلم، الأمانةُ التي كُلِّفتَ بها والتي طُلِبَ منك رعايتُها أمانةٌ عامّة فيما بينك وبين الله، وفيما بينك وبين نفسك، وفيما بينك وبين عباد الله، أمانةٌ شاملةٌ لخيرَي الدنيا

ص: 293

والآخرة، شاملة لمصالح الدين والدنيا معًا، فالمؤمن في هذه الحياة يحمِل أعباءَ هذه الأمانة، ويرعاها حقَّ الرّعاية، ويقوم بها خيرَ قيام، طاعةً لله وتقرّبًا إلى الله.

أدِّ الأمانةَ، والخيانةَ فاجتنبْ

واعدِلْ ولا تظلمْ يطيبُ المكسبُ

واحذَرْ من المظلومِ سهمًا صائبًا

واعلمْ بأنَّ دعاءَه لا يُحْجَبُ

• أداء أمانة التوحيد:

أيّها المسلم، العباداتُ الشرعيّة أمانةٌ عندك بأن تؤدِّيها إخلاصًا لله، وموافقةً لشرع الله، لا تبتدِعُ فيها، لا تزيدُ فيها، ولا تنقصُ منها، وإنما تؤدّيها على وفقِِ ما شرع الله ورسوله، فأنت مخلِصٌ لله في عبادتك، في توحيدِك لله مخلصٌ في ذلك، معتقد حقًا أنّ الله المعبودُ بحقّ، وأنّ ما سواه معبودٌ بالباطل، معتقدٌ اتباعَ سنّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وأنّه عبد الله ورسوله الذي أرسله الله ليقيمَ حجَّته على العباد، وأنَّ الواجبَ اتباعُه والعمل بشريعته.

فأنت مؤتَمَنٌ على هذا الأصل العظيم، فأنت تؤمِن بذلك إيمانًا ظاهرًا وباطنًا، تنطِق بكلمةِ التوحيد «لا إله إلا الله» ، تنطق بها بلسانك، معتقِدًا معناها بقلبك، عاملًا بمقتضى ما دلَّت عليه، تنطِق شهادةَ أنَّ محمدًا رسول الله مخلِصًا لله في ذلك، قولًا وعملًا واعتقادًا، تعتقِد أنّه رسول الله حقًا، فتتبع سنّتَه، وتسير على نهجه ظاهرًا وباطنًا، تؤدِّي عبادةَ الله من صلاةٍ وزكاةٍ وصوم وحجٍّ وبرّ وصِلة، وكلّ الواجبات الشرعيّة تؤدّيها بإخلاصٍ لله، واتّباع لشريعة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّ الله لا يقبَل العملَ إلا إذا كان خالصًا له وكان على وفق ما شرع الله، {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا} (الكهف:110).

أيّها المسلم، ففيما بينك وبين الله في عبادتِه الإخلاصُ والاتّباع.

• أداء الأمانة في العبادات الشرعية:

إنّك تتوضّأ للصلاة، والوضوء الذي هو شرطٌ لصحّة الصلاة أنتَ مؤتمنٌ عليه في إسباغ الوضوء وإتمامِه وعدمِ الإخلال بشيء منه، رأى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم:بعضَ أصحابه

ص: 294

وقد تركُوا غسلَ بعض القدم، فنادى فيهم:«وَيْلٌٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» (رواه البخاري ومسلم).

(وَالْعَقِب: مُؤَخَّر الْقَدَم)، ومَعْنَى الحديث: وَيْل لِأَصْحَابِ الْأَعْقَاب الْمُقَصِّرِينَ فِي غَسْلهَا.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أسْبِغِ الوُضُوءَ، وخَلِّلْ بَيْنَ الأصَابِعْ، وبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ إلَّا أنْ تَكُونَ صَائِمًا» (صحيح رواه أبو داود والترمذي).

فالوضوء أمانةٌ تؤدِّيه كما أمرَ الله صادقًا مخلصًا.

والغسل من الجنابة قد ورد أنَّه أداء الأمانة؛ فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ مَعَ إِيمَانٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ: مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ، وَصَامَ رَمَضَانَ، وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَأَعْطَى الزَّكَاةَ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ» قَالُوا: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، وَمَا أَدَاءُ الْأَمَانَةِ؟» قَالَ:«الْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ» . (حسن، رواه أبو داود).

تؤدّي الصلواتِ الخمس بأمانة، بأن تؤدِّيَها في الوقت الذي عيَّنه الله لأدائها، تؤدّيها في وقتِها، فأنت مؤتمنٌ على وقتِها، فلا تؤخِّرها عن وقتها بلا عذر شرعيّ، فإنّ الله وقَّتها بأوقات، طالبنا بأن نوقعَها فيها، {إِنَّ الصَّلَو?ةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَـ?بًا مَّوْقُوتًا} (النساء:103).تؤدّيها بأمانة، فلا تخِلُّ بأركانها ولا بواجباتها ولا بشيء مطلوبٍ فيها، ولذا لمّا رأى النبيّ المسيءَ في صلاته الذي لا يُتمّ الركوعَ والسجود قال له:«صَلِّ فإِنّكَ لَمْ تُصَلِِّّ» ، فلمّا قال الرّجل ثلاثَ مرّات:«يا رسول الله، والذي بعثك بالحقّ نبيًّا ما أحسنُ غيرَ هذا فعلِّمني» ، فعلّمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صفةَ أداء الصلاة، وأمره بالطّمأنينة في كلِّ أركانها وواجباتها. (رواه البخاري ومسلم).

أيّها المسلم، وأنت مؤتمَنٌ على زكاةِ مالك، فالله سيحاسبك على ذلك، فاتّق الله في أدائها وإخراجها على وفق ما شرع الله، على وفق ما أمرك الله به، وأحصِها وأخرِج

ص: 295

زكاتها طيِّبة بذلك نفسُك، فإنّك أمين، والله يعلم خائنةَ الأعين وما تخفي الصدور،

{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الملك:14).

أيّها المسلم، والصومُ أمانةٌ والحجّ أمانة، كلّ هذه الأركان الإسلاميّة أمانةٌ عند المسلم، يؤدّيها كما شرع الله.

البرّ والصّلة والواجبات الشرعيّة كلّها يؤدّيها المسلم؛ لأنّه مؤتمنٌ على أدائها، فلا بدّ من الأداء.

أيّها المسلم، واعلم أنّ الله مطَّلع عليك وعالم بسرِّك وعلانيتك، {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْو?هُم بَلَى? وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} (الزخرف:80).

تتركُ المحرّمَات طاعةً لله في موضع لا يراك إلا الله، إنّما ذلك خشية من الله،

{إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} (الملك:13).

• أداء الأمانة فيما بينك وبين الخلق:

وإنَّ أمانتك فيما بينك وبين الخلق أن تعاملُهم بما تحبّ أن يعاملوكَ به، تعاملهم بالصِّدق والأمانة كما تحبُّ أن يعاملوك به، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:«لا يؤمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» . (رواه البخاري ومسلم)، فلا تكن غاشًا لهم، ولا خائنًا لهم، ولا ساعيًا في المكائد لهم، وإنما تعاملهم بمثل ما تحبُّ أن يعاملوك به، فتلك الأمانة في التعامل مع العِباد.

أيّها المسلم، إنّك مؤتمنٌ في أحوالك كلِّها، ففي البَيع والشّراء مؤتمنٌ على بيعك، بأن يكون بيعك بيعًا صادقًا، لا غشَّ ولا خيانة، لا تدليسَ ولا خِداع، ولكن بيعُ المؤمن الصادِق، يعرض سلعتَه فلا كذب ولا أيْمان فاجِرة يروّج بها سلعتَه، ولكن الصدق والبرّ خلقُ المؤمن. وأنت ـ أيّها المشتري ـ أمين أيضًا في إعطاء الناس حقوقَهم وعدم المماطلة وعدم الكذب والغشّ والخداع.

وأنت ـ أيّها المؤمن ـ مؤتمنٌ فيما تعامِل به النّاس، فيما اؤتمِنتَ عليه، فأنت ـ أيها المستأجِر للدّور ـ مؤتَمن على ما استأجرتَه بأن تسلِّم ما استأجرتَه من غير إخلال ولا

ص: 296

إلحاق ضرَر بما استلمتَه من ذلك العقار، استأجرتَ مسكنا تسكنه فأدِّ أمانتَه بأن تسلِّمه لمؤجِّره من غير نقصٍ لحِق به، من غير إخلال بذلك.

• أداء أمانة العمل والوظيفة:

أيّها المسلم، أنتَ مؤتمنٌ على ما وُكِل إليك من أعمال، فاحرص على أكل الحلال وأداء العمل الذي أخذتَ الأجر عليه كما يجب وهذا من أسباب البركة.

يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، مَنْ أَصَابَهُ بِحَقِّهِ بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَرُبَّ مُتَخَوِّضٍ فِيمَا شَاءَتْ بِهِ نَفْسُهُ مِنْ مَالِ اللهِ وَرَسُولِهِ لَيْسَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا النَّارُ» (رواه الترمذي وصححه الألباني).

يعنى أن الذي يأخذها بغير حقها لن يبارك له فيها، سواءً كانت وظيفة أو صنعة أو غيرها.

وقَوْلُهُ: (الْمَالُ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ) لَيْسَ هُوَ صِفَةَ الْمَالِ وَإِنَّمَا هُوَ لِلتَّشْبِيهِ كَأَنَّهُ قَالَ الْمَالُ كَالْبَقْلَةِ الْخَضْرَاءِ الْحُلْوَةِ.

• من الأمانة أن يحافظ المسلم على زوجته ويمنعها من الاختلاط بالرجال غير المحارم:

أيّها المسلم، أنت مُؤتمنٌ على زوجتِك من حيث النصيحة، من حيث التوجيهِ والقيام بالواجب وإعطائها حقَّها المشروع وعدم الإضرار والمماطلة بذلك، كما أنتَ مؤتمنٌ على أخلاقِها وأعمالِها لأنّك راعٍ والله سائلك عن رعيّتك، كما أنَّ المرأةَ المؤمنةَ مؤتمنةٌ على بيتها ومال زوجها وفراش زوجها، فتؤدِّي أمانتَها على الوجه المرضيّ.

فقد أمر الله زوجات النبي بالحجاب فقال تعالى آمرًا أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فاسألوهن مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذَالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} . (الأحزاب:53).

وهذه الآية ليست خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإن تعليله تعالى لهذا الحكم الذي هو إيجاب الحجاب بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من الريبة في قوله تعالى:{ذلكم أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ} قرينة واضحة على إرادة تعميم الحكم، إذ لم يقُلْ أحدٌ

ص: 297

من جميع المسلمين، إن غير أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة منهن.

ولا يستطيع أحد اليوم أن يزعم أن قلبه أو قلب غيره أطهر من قلوب الصحابة رضي الله عنهم، ولا أن قلب امرأته أو قلب غيرها أطهر من قلوب نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنهن.

وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ:«يَا رَسُولَ اللهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟» ، قَالَ:«الْحَمْوُ الْمَوْتُ» (رواه البخاري ومسلم)

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وَتَقْدِير الْكَلَام اِتَّقُوا أَنْفُسكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا عَلَى النِّسَاء وَالنِّسَاء أَنْ يَدْخُلْنَ عَلَيْكُمْ

وَتَضَمَّنَ مَنْعَ الدُّخُول مَنْع الْخَلْوَة بِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى».اهـ.

الْحَمو أَخُو الزَّوْج، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَقَارِب الزَّوْج: اِبْن الْعَمّ وَنَحْوه.

(الْحَمو الْمَوْت) مَعْنَاهُ أَنَّ الْخَوْف مِنْهُ أَكْثَر مِنْ غَيْره، وَالشَّرّ يُتَوَقَّع مِنْهُ، وَالْفِتْنَة أَكْثَر لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْوُصُول إِلَى الْمَرْأَة وَالْخَلْوَة مِنْ غَيْر أَنْ يُنْكِر عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيّ. وَالْمُرَاد بِالْحَمْوِ هُنَا أَقَارِب الزَّوْج غَيْر آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ. فَأَمَّا الْآبَاء وَالْأَبْنَاء فَمَحَارِم لِزَوْجَتِهِ تَجُوز لَهُمْ الْخَلْوَة بِهَا، وَلَا يُوصَفُونَ بِالْمَوْتِ، وَإِنَّمَا الْمُرَاد الْأَخ، وَابْن الْأَخ، وَالْعَمّ، وَابْنه، وَنَحْوهمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ. وَعَادَة النَّاس الْمُسَاهَلَة فِيهِ، وَيَخْلُو بِامْرَأَةِ أَخِيهِ، فَهَذَا هُوَ الْمَوْت، وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيّ.

لا تأمنَنَّ على النساءِ ولو أخًا

ما في الرجالِ علَى النساءِ أمينُ

إنّ الأمينَ وإن تحفّظَ جهدَهُ

لا بد أنْ بنَظْرةٍ سيخُونُ

• أداء أمانة الأولاد:

أيّها المسلم، أمانتُك تصحبُك أيضًا في أولادك من بنين وبنات، أنت مؤتمنٌ على الأولاد من بنين وبنات، تربيةً وتعليمًا وتوجيهًا وحملًا على الخير وتحذيرًا من أسبابِ

ص: 298

الشّرّ، {ي?أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (التحريم:6)، فإنّك مؤتمَن على أولادك، أن تربِّيَهم التربية الإسلامية، أن تكون قدوةً لهم في الخير وأسوةً لهم في الهدى ليقتدوا بك ويتأسَّوا بك في أعمالِك الطيّبة، فما مِن مولود إلا يولَد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه.

أنت مؤتمنٌ عليهم في تأليف قلوبِهم وإصلاح ذاتِ بينهم، فلا تفضِّل أحدًا على أحد، ولا تجعَل لأحدٍ فضلًا على أحَد، بل اتَّق الله واعدِل في أولادك في العطاء والهبات، حتى يكونوا لك قلبًا واحدًا، واحذَر أن توقِد بينهم نارَ العداوة والبغضاء بأن تفضِّل بعضًا على بعض، تُقرِّب ذا وتُقصي ذا، وتترك النّار تشتعل في نفوسهم، فتكون سببًا للقطيعة بينهم والعياذ بالله.

أنت مؤتمنٌ فيما توصي به من وصايا، فلا تكُن وصيتُك وصية جَور وظلم، بل تكون وصيةً عادلة، متَّقيًا الله فيها، {إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فاللهُ أَوْلَى? بِهِمَا} (النساء:135)، لا تحابِ ولا تجُر ولا تفضِّل أحدًا بأيّ طريقة سلكتَ، فإنّ الله مطّلع عليك وعالم بسرّك ونجواك.

أنت مؤتمَن على البنات فتختار لهنّ مَن فيه خير لهنّ في أمرِ الدين والدنيا، لا تردَّ كُفئًا تقدَّم إليك تعلم خيرَه وصلاحَه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» (حسن رواه ابن ماجه).

وكم من معوِّق لزواج الفتيات لمصالحَ يريدها منهم، إمّا اكتسابٌ من راتبهنَ أو طمعًا في خدمتهنَ أو نحو ذلك، ويردّ الكفءَ في الصلاح والدين لمصلحة دنيويّة حقيرة، فتلك خيانة لأمانتِك أيها المسلم.

• أمانة الشهادة والولاية:

أيّها المسلم، إنَّ الشهادةَ التي تؤدّيها أنت مؤتمن عليها، فتتَّقي الله، وتصدق في شهادتك، وتؤدِّي الشهادةَ على علم وبصيرة، لا على ظنٍّ ومجاملة، قال الله جلّ وعلا

ص: 299

في كتابه العزيز: {إِلَاّ مَن شَهِدَ بِالْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (الزخرف:86)، وحذَّرنا من كتمان الشهادة، {وَلَا تَكْتُمُواْ الشَّهَـ?دَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ ءاثِمٌ قَلْبُهُ} (البقرة:283).فلا تشهَد إلا بما تعلم، ولا تشهَد بلا علم ولا لمجاملة، فإنّ الشهادة أمانة عند الشاهد، أن ينطق بالحقّ لا يخاف في الله لومةَ لائم.

• السر أمانة:

السرُّ بينك وبين من ائتمنك على سرِّه أمانةٌ فلا تفشِ ذلك، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ» (صحيح رواه أبوداود).

«إِذَا حَدَّثَ الرَّجُل» :أَيْ عِنْد أَحَد «بِالْحَدِيثِ» :أَيْ الَّذِي يُرِيد إِخْفَاءَهُ «ثُمَّ اِلْتَفَتَ» :أَيْ يَمِينًا وَشِمَالًا اِحْتِيَاطًا «فَهِيَ» :أَيْ ذَلِكَ الْحَدِيث «أَمَانَة» :أَيْ عِنْد مَنْ حَدَّثَهُ أَيْ حُكْمه حُكْم الْأَمَانَة فَلَا يَجُوز إِضَاعَتهَا بِإِشَاعَتِهَا؛ لِأَنَّ اِلْتِفَاته إِعْلَام لِمَنْ يُحَدِّثهُ أَنَّهُ يَخَاف أَنْ يَسْمَع حَدِيثه أَحَد وَأَنَّهُ قَدْ خَصَّهُ سِرّه، فَكَانَ الِالْتِفَات قَائِمًا مَقَام (اُكْتُمْ هَذَا عَنِّي) أَيْ خُذْهُ عَنِّي وَاكْتُمْهُ وَهُوَ عِنْدك أَمَانَة.

وما بين الرّجل وبين امرأتِه فيما يجري بينهما أمانة، حرامٌ عليها أن تفضيَ للناس ما بينها وبين زوجها، أو أن يفضيَ هو للناسَ ما بينه وبين امرأته مِنْ أُمُور الِاسْتِمْتَاع، وَوَصْف تَفَاصِيل ذَلِكَ وَمَا يَجْرِي فِيهِ مِنْ قَوْل أَوْ فِعْل وَنَحْوه؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأَمَانَةِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» (رواه مسلم)

وقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» (رواه مسلم)

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «عسَى رَجُلٌ يُحَدِّثُ بِمَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أهْلِهِ، أوْ عَسَى امْرَأةٌ تُحَدِّثُ بِمَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، فَلَا تَفْعَلُوا؛ فإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ مَثَلُ شَيْطَانٍ لَقِيَ شَيْطَانَةٍ فِي ظَهْرِ الطَرِيقِ فَغَشِيَهَا وَالنَاسُ يَنْظُرُونَ» . (حسن رواه الطبراني).

• أمانة الأبوين:

ص: 300

الأبوان أمانة عند الأولاد لا سيّما في كبر سنِّهما وضعفِهما، فالأبناء مسئولون جميعًا عن آبائهم وأمّهاتهم، البرّ والإحسان والقيام بالواجب، فإنّ الأبوين أمانةٌ عند الأبناء؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم:«رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ» قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ» (رواه مسلم).

و (رَغِمَ أَنْفُهُ):ذَلَّ وَقِيلَ: كُرِهَ وَخُزِيَ، وَفِي الحديث الْحَثّ عَلَى بِرّ الْوَالِدَيْنِ، وَعِظَم ثَوَابه. وَمَعْنَاهُ أَنَّ بِرّهمَا عِنْد كِبَرهمَا وَضَعْفهمَا بِالْخِدْمَةِ، أَوْ النَّفَقَة، أَوْ غَيْر ذَلِكَ سَبَب لِدُخُولِ الْجَنَّة، فَمَنْ قَصَّرَ فِي ذَلِكَ فَاتَهُ دُخُول الْجَنَّة وَأَرْغَمَ اللهُ أَنْفه.

• أمانة التعليم:

أيّها المعلّم، إنّك أمين على ما تقول، وعلى ما تلقِي من دروس، وعلى ما توجِّه به النشء، فالمعلم والمعلّمة أمناء على التلاميذ جميعًا بالتّوجيه والقيام بالواجب والدّعوة إلى الخير والطّريق المستقيم، ليكن المعلّم ولتكن المعلّمة كلّ منهما حريصًا على الخير وساعيًا في تثقيف الأمّة وتوجيهها وإبعادها عن كلِّ ما يخالِف شرعَ الله، من غلوّ غالٍ وجفاء جافٍ وإفراط مفرّط وبعدِ من بَعُدَ عن الهدى.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا» (رواه مسلم).

• أمانة المال:

أيّها المسلم، إنّ نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم قال:«الْخَازِنُ الْمُسْلِمُ الْأَمِينُ الَّذِي يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا طَيِّبًا بِهِ نَفْسُهُ فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ» (رواه البخاري)، فجعل صلى الله عليه وآله وسلم الأمانة مع القيام بالواجب نوعٌ من الصّدقة وإن كان ذلك عملَه، وتلك وظيفته، لكن لمّا اتقى الله وأدّى الأمانة التي حُمِّلها ودفع ما أُمِر بدفعِه طيّبةً بذلك نفسه صار أحدَ المتصدّقَين، فالحمد لله على فضله.

ص: 301

فاتّق الله فيما اؤتُمنت عليه من قليل أو كثير، اتّق الله في أمورك كلّها، فإنّك حامل لتلك الأمانة، فاسعَ في حفظِها، لتلقى الله وأنت من المحافظين عليها، لتلقى الله وأنت من أهل الأمانة الصّادقة.

• أمانة أداء حقوق العمال:

أيّها المسلم، إنَّ مِن الأمانة إعطاءَ العمّال حقوقَهم، وعدمَ التلاعب والتهاون بذلك، فالعمّال الأجراء عندك هم (أمانة) تحت يدك، أنت مسؤول عن حقوقهم وواجباتِهم، فإن أخللتَ بشيء أو ماطلت بشيء أو حاولتَ التهرُّب أو النقص أو الإساءة فاعلم أن الله قادر عليك، واتق الله، ولا تبخَس الناسَ أشياءهم، وأعطِ الناسَ حقوقَهم، أعطِ العامل أجرَه، أعطه حقوقه وإيّاك والتهاونَ وعدم المبالاة بحجّة ضعفه وقدرتِك على التهرّب، اتّق الله في نفسك، وأعطِ الناس حقوقهم، فتلك أمانة اللهُ سائلك عنها، {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمَـ?نَـ?تِ إِلَى أَهْلِهَا} (النساء:58).

قال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» . (حسن رواه ابن ماجه).

(أَعْطُوا الْأَجِير) أَيْ يَنْبَغِي الْمُبَادَرَةُ فِي إِعْطَاء حَقّه بَعْد الْفَرَاغ مِنْ الْحَاجَة.

(قَبْل أَنْ يَجِفَّ عَرَقه) الْحَاصِل بِالِاشْتِغَالِ بِالْحَاجَةِ؛ لأن أجره عمالة جسده وقد عجل منفعته فإذا عجلها استحق التعجيل، ومن شأن الباعة إذا سلموا قبضوا الثمن عند التسليم فهو أحق وأولى؛ إذ كان ثمن مهجته لا ثمن سلعته فيحرم مَطْلُه والتسويف به مع القدرة، فالأمر بإعطائه قبل جفاف عرقه إنما هو كناية عن وجوب المبادرة عقب فراغ العمل إذا طلب وإن لم يعرق، أو عرق وجف.

• أمانة حفظ الدِين:

إنّ الأمة المسلمة قد كلّفها الله عز وجل وشرفها بحفظ هذا الدين، والقيام بواجب هذا الدين، وذلك بتطبيق شرع الله عز وجل، والدعوة إلى الله، والنصيحة للأمة والأخذ على أيدي السفهاء وأطرهم على الحقّ أطرًا، فإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمانةٌ في أعناق الأمّة، قال عز وجل:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} (آل عمران:110).

ص: 302

وقال عز وجل: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْر?ءيلَ عَلَى? لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذ?لِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لَا يَتَنَـ?هَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} (المائدة:78، 79).

يا أمَّةَ الإسلامِ إني ناصِحٌ

أنا لسْتُ بالهَاجِي ولا اللوامِ

لكنَّهُ عَتْبُ الغيورِ لدينِه

يا ليْتَ مِنْ واعٍ لقصدِ مَرامِي

يا مالِكي أمرَ العبادِ تذكَّرُوا:

للهِ نقضُ الحُكمِ والإبرامِ

فَسَتُسألونَ عنِ الأمانةِ فاعملُوا

خيرًا ليومِ تزاحُمِ الأقدامِ

فَوَحقِّ مَنْ لَبَّى الحجيجُ ببيْتِهِ

ما العِزُّ إلا نصرةُ الإسلامِ

• إِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ»، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ:«أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَنْ السَّاعَةِ؟» .

قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «فَإِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ» .

قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: «إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ» .

(رواه البخاري). (إِذَا وُسِّدَ) أَيْ: أُسْنِدَ.

كلّ صاحب وِلايةٍ ما من ولايات الأمّة المسلمة قَلَّت تلك الولاية أو كثُرَت صغُرت أم كبرت، فكلُّ مسؤول مؤتمَنٌ على مسؤوليّته، والله سائله يوم القيامة، {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمَـ?نَـ?تِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بالْعَدْلِ} (النساء:58).وحذَّرنا الله من خيانة الأمانة فقال: {ي?أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لَا تَخُونُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَـ?نَـ?تِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (الأنفال:27).

إذا خانَ الأميرُ وكاتباهُ وقاضِى الأرضِ داهَنَ في القَضاء

فويلٌ ثُمَّ وَيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ لقاضِى الأرضِ مِن قاضِى السماء

ص: 303