المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌47 - خطبة عيد الفطر - دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ - جـ ١

[شحاتة صقر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مكانة يوم الجمعة في الإسلام:

- ‌مكانة خطبة الجمعة وأهميتها:

- ‌صفة خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌اشتمال الخطبة على الآيات القرآنية

- ‌اشتمال الخطبة على الأحاديث النبوية

- ‌ أثر الأحاديث الضعيفة في الابتداع في الدين:

- ‌ لا يجوز استحباب شيء لمجرد حديث ضعيف في الفضائل:

- ‌ معنى العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال:

- ‌ لا يجوز التقدير والتحديد بأحاديث الفضائل الضعيفة:

- ‌ شروط العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال عند القائلين به:

- ‌ هل هناك إجماع من العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال

- ‌اشتمال الخطبة على ضرب الأمثال

- ‌الاستشهاد بالشعر في الخطبة

- ‌الاستشهاد بالقصة في الخطبة

- ‌الاستشهاد بواقع الآخرين

- ‌فقه الخطيب

- ‌ ماذا تقرأ في صلاة الجمعة

- ‌ قطع الخطبة للتنبيه والإرشاد:

- ‌ ما الحكم فيمن دخل المسجد لصلاة الجمعة والمؤذن يؤذن الأذان الثاني

- ‌ رفع اليدين للدعاء في الخطبة:

- ‌ هل يصلي بالناس الجمعة غير الخطيب

- ‌ إذا قرأ الخطيب آية تشتمل على سجدة وهو يخطب فهل يسجد سجود التلاوة

- ‌كيف تختار موضوع الخطبة

- ‌ضوابط وقواعدلموضوعات خطبة الجمعة

- ‌وصايا للخطيب

- ‌الخطيب وجمهوره

- ‌وصايا أثناء الخطبة

- ‌همسات في أذن خطيب الجمعة

- ‌عيوب الخطبة

- ‌ عيوب في أصل الخطبة

- ‌تنبيه:

- ‌ عيوب في الخطيب

- ‌ عيوب نسبية

- ‌أدعية

- ‌موضوعات عامة

- ‌1 - الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌2 - التحذير من ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌3 - كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعناها

- ‌4 - اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم دليل محبة الله عز وجل

- ‌5 - التواضع وذم الكبر

- ‌6 - فضائل الصحابة رضي الله عنهم

- ‌7 - فضائل الصحابة رضي الله عنهم في السنة المطهرة

- ‌8 - اتق الله حيثما كنت

- ‌9 - أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمحُهَا

- ‌10 - خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ

- ‌11 - احفَظِ الله يَحْفَظْكَ

- ‌12 - إذا سَأَلْتَ فاسْألِ اللهوإذا اسْتََعَنْتَ فاستَعِنْ باللهِ

- ‌13 - شروط الدعاء وموانع الإجابة

- ‌14 - رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفُ

- ‌15 - القناعة

- ‌16 - فوائد القناعة والسبيل إليها

- ‌17 - الإصلاح بين الناس

- ‌18 - الإصلاح بتن الناس وآداب المصلح

- ‌19 - الأمانة

- ‌20 - السعادة الوهمية

- ‌21 - أسباب السعادة وصفات السعداء

- ‌22 - نحن والمزاح

- ‌23 - إنَّ الله كَتَبَ الإحسّانَ على كُلِّ شيءٍ

- ‌24 - المستقبل لهذا الدين رغم مرارة الواقع

- ‌25 - المستقبل لهذا الدين ولكن ما السبيل إليه

- ‌26 - لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ

- ‌27 - وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌28 - موتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌29 - إذا لَم تَستَحْيِ، فاصْنَعْ ما شِئْتَ

- ‌30 - عَظيمٌٍ ولَكِنّه يَسيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ الله عليه

- ‌31 - قُلْ: آمَنْتُ باللهِ، ثمَّ استقِمْ

- ‌32 - كُلُّ النَّاسِ يَغْدُوفَبائعٌ نَفْسَهُ، فمُعْتِقُها أو مُوبِقها

- ‌33 - كثرة النعم وكثرة طرق الشكر

- ‌34 - أكل الميراث بالباطل

- ‌35 - إنَّ الله طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَاّ طيِّبًا

- ‌36 - لا تَحَاسَدُوا

- ‌37 - كُونُوا عِبادَ اللهِ إِخْوانًا

- ‌38 - لا تَظالموا

- ‌39 - إنَّما هي أعمالُكُم أُحصيها لكم

- ‌40 - لا تَغْضَبْ

- ‌خطب مناسبات

- ‌41 - الزكاة

- ‌42 - الامتحانات، كل منا ممتحن

- ‌43 - عاشوراء وشهر الله المحرّم

- ‌45 - استقبال رمضانيا باغي الشر…أقصر

- ‌46 - رمضان شهر الجهاد

- ‌47 - خطبة عيد الفطر

- ‌48 - الحج: عبر وعظات

- ‌49 - قصة الذبح…دروس وعبر

- ‌50 - خطبة عيد الأضحى

الفصل: ‌47 - خطبة عيد الفطر

‌47 - خطبة عيد الفطر

رمضانُ لا ترْتحِلْ فالنفسُ ظامئةٌ

شوقًا لبلْسَمِكَ الشافي وتعتصرُ

إنْ ترتحلْ تبْسُطِ الآثامُ أذْرُعَها

ويأسَنُ الصبرُ والأحلامُ تنتحرُ

• وداع الضيف الحبيب:

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وبفضله تحصل الدرجات وبكرمه تبدل الخطيئات الحمد لله على تمام الشهر وكمال الفضل فالفضل لك وحدك لا شريك لك؛ فتقبل منا وأعفُ عنا وتجاوز عن تقصيرنا وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها.

إنه العيدُ جاءَ ضيفًا عزيزًا

فاكتُبُوا بالمِدادِ فيضَ التهاني

كبّرُوا اللهَ عَلَّ تكبيرةَ العيدِ تضخّ الضميرَ في الشريانِ

زلزلَتْ في القديمِ إيوانَ كسرَى هلْ تهزُّ الغداةَ كِسرَى الزمانِ

ها هي صفحات الأيام تطوى وساعات الزمن تنقضي .. بالأمس القريب استقبلنا حبيبا واليوم نودعه .... وقبل أيام هلّ هلالُ رمضان واليوم تصرمت أيامه

ولئن فاخرت الأمم ـ من حولنا ـ بأيامها وأعيادها واخلعتها أقدارا زائفة، وبركات مزعومة وسعادة واهية فإنما هي تضرب في تيه وتسعى في ضلال .... ويبقى الحق والهدى طريق أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

فالحمد لله الذي هدى أمة الإسلام سبيلها وألهمها رشدها وخصها بفضل لم يكن لمن قبلها .. أطلِق بصرك لترى هذه الأمة المرحومة مع إشراقة يوم العيد تتعبد الله عز وجل بالفطر كما تعبدته من قبل بالصيام.

• الأعياد من جملة الشرائع:

إن الأعياد من جملة الشرائع والمناهج يقول الله عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (المائدة: 48)،

ص: 569

ويقول عز وجل: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} (الحج: 67) أي: عيدًا يختصون به.

عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ: «مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟» .

قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم:«إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ» (صحيح رواه أبوداود).

فالعيد شعيرة من شعائر الإسلام ومظهر من أجل مظاهره، تهاون به بعض الناس وقدموا الأعياد المحدثة عليه .. فترى من يستعد لأعياد الميلاد وأعياد الأم وشم النسيم والغطاس وغيرها ويسعد هو وأطفاله بقدومها ويصرف الأموال لإحيائها .. أما أعياد الإسلام فلا قيمة لها بل ربما تمر وهو معرض عنها غير ملتفت إليها.

قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} (الحج:32)

• يوم العيد يوم فرح وسرور ولكن:

إن يوم العيد يوم فرح وسرور لمن طابت سريرته، وخلصت لله نيته.

واعلموا أيها المسلمون، أنه ليس السعيد من تزين وتجمل للعيد، فلَبِسَ الجديد (1)، ولا من خدَمَتْهُ الدنيا وأتتْه على ما يريد، إنما العيد لمن خاف يوم الوعيد واتقى ذا العرش المجيد .. وسكب الدمع تائبًا رجاء يوم المزيد .. والسعيد من فاز بتقوى الله تعالى، وكتب له النجاة من نار حرها شديد، وقعرها بعيد، وطعام أهلها الزقوم والضريع، وشرابهم الحميم والصديد، وفاز بجنة الخلد التي لا ينقص نعيمها ولا يبيد.

فالحذَر الحذَر أن تكون الأعيادُ موسمًا يُعَبُّ فيه من اللهو عَبًّا، بلا تحرُّز من حرام أو تباعُد عن باطل، فذلك ينافي تعاليمَ الإسلام، ويضادُّ مقاصدَه من الأعياد وغيرها.

(1) بل من السنة لبس الجديد يوم العيد فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَلْبَسُ يومَ العِيدِ بُرْدَةً حَمْرَاءَ» . (رواه الطبراني وإسناده جيد)، وإنما المقصود أن العيد الحقيقي يوم القيامة لمن التزم بشرع الله عز وجل.

ص: 570

وقفات سريعة موجزة مع آداب وأحكام العيد:

أولًا: احمدِ الله عز وجل أن أتم عليك أيام هذا الشهر العظيم وجعلك ممن صامه وقامه. وأكثر من الدعاء بأن يتقبل الله منك الصيام والقيام وأن يتجاوز عن تقصيرك وزللك.

ثانيًا: التكبير:

التكبير في أيام العيدين سنة؛ قال الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة:185).

ويسن جهر الرجال به في المساجد والأسواق والبيوت إعلانًا بتعظيم الله وإظهارًا لعبادته وشكره.

وكان صلى الله عليه وآله وسلم يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتى المُصًلَّى، وحتى يقضي الصلاة، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير. (أخرجه ابن أبي شيبة وصححه الألباني).

وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى ثم يكبر حتى يأتي الإمام. (رواه الدارقطني وصححه الألباني).

وجمهور العلماء على أن التكبير في عيد الفطر من وقت الخروج إلى الصلاة إلى ابتداء الخطبة. وقال بعض العلماء: التكبير من ليلة الفطر إذا رأوا الهلال حتى يغدوا إلى المصلى وحتى يخرج الامام.

ووقت التكبير في عيد الأضحى من صبح يوم عرفة إلى عصر أيام التشريق وهي اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة.

والتكبير في أيام التشريق لا يختص استحبابه بوقت دون وقت، بل هو مستحب في كل وقت من تلك الأيام.

وأصح ما ورد في صيغة التكبير ما رواه عبد الرزاق عن سلمان سدد خطاكم بسند صحيح قال: كبروا: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا. وجاء عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

ص: 571

ثالثًا: الاغتسال والتطيب للرجال ولبس أحسن الثياب:

بدون إسراف ولا إسبال ولا حلق لحية فهذا حرام ـ أما المرأة فيشرع لها الخروج إلى مصلى العيد بدون تبرج ولا تطيب. ونربأ بالمسلمة أن تذهب لطاعة الله وهي متلبسة بمعصية التبرج والسفور والتطيب أمام الرجال.

رابعًا: أكل تمرات: وترا ثلاث أو خمس قبل الذهاب إلى المصلى لفعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

خامسًا: الصلاة مع المسلمين وحضور الخطبة: والذي رجحه المحققون من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيره: أن صلاة العيد واجبة ولا تسقط إلا بعذر، والنساء يشهدن العيد مع المسلمين حتى الحُيَّض، ويعتزل الحُيَّضُ المصلَّى.

سادسًا: مخالفة الطريق: يستحب الذهاب إلى مصلى العيد من طريق، والرجوع من طريق آخر لفعل النبي.

سابعًا: لا بأس بالتهنئة بالعيد: كقول (تقبل الله منا ومنك).

• مخالفات العيد:

وننبهك أخي الحبيب إلى بعض المخالفات ـ مع الأسف ـ التي تقع في يوم العيد وليلته لتحذيرها .. والعجب أن يختم بعض المسلمين هذه الطاعة بالمعاصي .. ويستبدل البعض الآخر الاستغفار في نهاية كل عبادة باللهو والعبث .. ومن المخالفات:

* اعتقاد مشروعية إحياء ليلة العيد والأحاديث الواردة فيها لا تصح.

* تخصيص يوم العيد لزيارة المقابر والسلام على الأموات.

* اختلاط النساء بالرجال في بعض المصليات والشوارع والمنتزهات.

* بعض الناس يجتمعون في العيد على الغناء واللهو والعبث وهذا لا يجوز.

* البعض يظهر عليه الفرح بالعيد لأن شهر رمضان انتهى وتخلص من العبادة فيه وكأنها حمل ثقيل على ظهره .. وهذا خطر عظيم.

ص: 572

*الإغراق في المباحات من لبس وأكل وشرب حتى تجاوز الأمر إلى الإسراف في ذلك. قال تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلَا تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف:31).

• العيد استمرار على العهد وتوثيق للميثاق:

فيا من وفَّى في رمضان على أحسن حال لا تُغَيِّر في شوال .. ويا من أدرك العيد عليك بشكر النعم والثناء عليه ولا تنقض غزلًا من بعد قوة وعناء {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ *وَلَا تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (النحل:91:92).

{وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} الأيمان: جمع يمين وهو الحلف بالله، وتوكيدها: تغليظها بالألفاظ الزائدة {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} أي وكيلًا، أي أثناء حلفكم به تعالى، فقد جعلتموه وكيلًا، فهذه الآية حرمت نقض الأيمان وهو نكثها وعدم الالتزام بها بالحنث فيها لمصالح مادية. وقوله تعالى {إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} فيه وعيد شديد لمن ينقض أيمانه بعد توكيدها.

{نَقَضَتْ غَزْلَهَا} : أي أفسدت غزلها بعد ما غزلته. {مِن بَعْدِ قُوَّةٍ} : أي إحكام له وبرم. {أَنكَاثًا} : جمع نكث وهو ما ينكث ويحل بعد الإبرام. فهي تعبت على الغزل ثم على النقض، ولم تستفد سوى الخيبة والعناء وسفاهة العقل ونقص الرأي، فكذلك من نقض ما عاهد عليه فهو ظالم جاهل سفيه ناقص الدين والمروءة.

فنهى الله تعالى المؤمنين أن ينقضوا أيمانهم بعد توكيدها فتكون حالهم كحال هذه الحمقاء. وقوله تعالى: {تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا} أي إفسادًا وخديعة كأن تحالفوا جماعة وتعاهدوها، ثم تنقضون عهدكم وتحلون ما أبرتم من عهد وميثاق وتعاهدون جماعة أخرى لأنها أقوى وتنتفعون بها أكثر. هذا معنى قوله تعالى {أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} أي جماعة أكثر من جماعة رجالًا وسلاحًا أو مالًا ومنافع.

ص: 573

وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ} أي يختبركم فتعرض لكم هذه الأحوال وتجدون أنفسكم تميل إليها، ثم تذكرون نهي ربكم عن نقض الأيمان والعهود فتتركوا ذلك طاعة لربكم أولًا تفعلوا إيثارًا للدنيا عن الآخرة، {وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} ثم يحكم بينكم ويجزيكم، المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.

* احذر الرجوع إلى الذنب بعد الطاعة فإن ذلك علامة مقت وخسران، فالعيد بقاء على الخير وثبات على الجادة واستمرار في الطريق قال بعض أصحاب سفيان الثوري: خرجت مع سفيان يوم العيد فقال: «إن أول ما نبدأ به يومنا هذا غض البصر» .

* حذار حذار من جلساء وأصحاب السوء واصطحاب آلات اللهو في المتنزهات والاستراحات والعكوف عليها، قال صلى الله عليه وآله وسلم:«لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ» (رواه البخاري).

(الْحِرَ):الْفَرْج، وَالْمَعْنَى يَسْتَحِلُّونَ الزِّنَا، (وَالْمَعَازِف) هِيَ آلَات الْمَلَاهِي، أي الآلات الموسيقية.

• رب رمضان هو رب كل الشهور:

لا تنس أيها الأخ الحبيب أن رب رمضان هو رب الشهور .. واستمر على الطاعة واسأل الله عز وجل الثبات على هذا الدين حتى تلقاه، وأعلم أن نهاية وقت الطاعة والعبادة ليس رؤية هلال العيد كما يتوهم البعض بل هو كما قال الله عز وجل:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (الحجر:99). واليقين هو الموت .. قال بعض السلف: ليس لعمل المسلم غاية دون الموت.

وقال الحسن: أبَى قوم المداومة، والله ما المؤمن بالذي يعمل شهر أو شهرين أو عام أو عامين، لا والله ما جعل لعمل المؤمن أجل دون الموت.

وقرأ عمر بن الخطاب وهو يخطب الناس على المنبر: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} (فصلت:30). فقال: استقاموا والله بطاعة الله ثم لم يروغوا روغان الثعلب.

ص: 574

وإن ودَّعْتَ ـ أيها المسلم ـ شهر الطاعة والعبادة وموسم الخير والعتق من النار فإن الله عز وجل جعل لنا من الطاعات والعبادات ما تهنأ به نفس المؤمن وتقر به عين المسلم من أنواع النوافل والقربات طوال العام ومن ذلك:

*صيام ست من شوال؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» . (رواه مسلم). وإن كان عليك قضاء فاقْضِه ثم صُمْها.

* صيام أيام البيض 13، 14، 15، وصيام يوم عرفه لغير الحاج، وكذلك صيام أيام الاثنين والخميس.

* قيام الليل والمحافظة على الوتر. وتأَسَّ بالأخيار {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} (الذاريات:17).

* المداومة على الرواتب التابعة للفرائض اثنتا عشرة ركعة: أربع قبل الظهر وركعتان بعده وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر.

* قراءة القرآن والحرص على ذلك يوميًّا ولو جزءًا واحدًا على الأقل.

* احرص على أعمال البر واستقم على الطاعة. قال الله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ} (هود:112). وأنواع الطاعات كثيرة وأجرها عظيم قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (النحل:97).

فاحرص أخي المسلم على الاستمرار على الأعمال الصالحة واحذر أن يفجأك الموت على معصية .. واستحضر أن من علامات قبول عملك في رمضان استمرارك على الطاعة بعده .. والحسنة تتبعها الحسنة والسيئة تجر السيئة.

* تذلل وتضرع وأدع ربك أن يحييك على الإسلام وأن يميتك عليه وأسأله الثبات على كلمة التوحيد عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ

ص: 575

تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: «نَعَمْ؛ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ» . (صحيح رواه الترمذي).

• أيام العيد أيام عبادة وشكر:

أيام العيد ليست أيام لهو وغفلة بل هي أيام عبادة وشكر، والمؤمن يتقلب في أنواع العبادة، ولا يُعرفُ حدٌّ لها .. ومن تلك العبادات التي يحبها الله ويرضاها: صلة الأرحام وزيارة الأقارب وترك التباغض والتحاسد والعطف على المساكين والأيتام وإدخال السرور على الأرملة والفقير.

وتأمل دورة الأيام واستوحش من سرعة انقضائها .. وافزع إلى التوبة وصدق الالتجاء إلى الله عز وجل ووطِّن أيها الحبيب نفسك على الطاعة وأَلْزِمْها العبادة فإن الدنيا أيام قلائل.

وأعلم أنه لا يهدأ قلب المؤمن ولا يسكن روعة حتى تطأ قدمه الجنة .. فسارع إلى جنة عرضها السموات والأرض وجنب نفسك نارًا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى. عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ، وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» (رواه البخاري).

• احذر الركون إلى الدنيا وكفران النعم:

اشتهت زوجة المعتمد بن عباد ـ أحد ولاة الأندلس ـ أن تمشي في الطين وتحمل القِرَب؟! فأمر المعتمد أن يُنْثَرَ المسكُ على الكافور والزعفران وتحمل قربًا من طيب المسك لتخوض فيه زوجته تحقيقًا لشهوتها.

وتجري السُنّة الإلهية وتتهاوى حصون الإسلام في الأندلس بسبب اللهو والغفلة والإغراق في الشهوات ليؤخذ المعتمد أسيرًا إلى (أغمات) وتبقى بناته يتجرَّعْنَ كأس الفقر بعد الغنى، والذلة بعد العزة؛ يغْزِلْنَ للناس ـ يتكسّبْنَ ـ حتى إذا علم المعتمد بذلك تمثل يقول:

فيما مضَى كنتَ بالأعيادِ مسْرورًا فساءَك العيدُ في أغمات مأْسُورًا

ترَى بناتَك في الأطمارِ جائعةً يغزِلْنَ للناسِ ما يملكْنَ قِطْمِيرَا

ص: 576

برَزْنَ نحوَكَ للتسليمِ خاشعةً أبصارُهن حسيراتٍ مكاسيرَا

يَطَأنَ في الطينِ والأقدامُ حافيةٌ كأنّها لم تطَأ مِسْكًا وكافورَا

مَن باتَ بعدَك في مُلكٍ يُسَرُّ به فإنما باتَ بالأحلامِ مسرورَا

{وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (النحل:112).

• العيد فرصة لتحسين العلاقات وتسوية النزاعات وجمع الشمل ورأب الصدع وقطع العداوات المستشرية:

ورحم الله من أعان على إعادة مياه المودة إلى مجاريها؛ فاجعل هدية العيد لهذا العام عفو وصفح وغفران، قال عز وجل:{وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (التغابن:14) ما أجمل أن يكون العيد فرصة لصلة المتهاجرين والتقاء المتقاطعين.

إن الرجل الكريم هو من يعفو عن الزلة ولا يحاسب على الهفوة حاله كما قيل:

وإنّ الذي بينِي وبينَ بَنِي أخِي وبينَ بنِي عمّي لمختلفٌ جِدَّا

إذا نَهَشُوا لحمِي وَفَرْتُ لحومَهم وليس زعيم القومِ مَن يحملُ الحِقْدَا

(وَفَرْتُ: حميتُ وصُنْتُ).

ليس زعيم القوم من يحمل الحقدا، ليس كريمًا ولا عظيمًا ولا سيدًا من يجمع الأحقاد ويحمل الضغائن ويداوم على الجفاء والقطيعة. إنه لابد لتحسين العلاقات من نفوس كبيرة تتسع لهضم البغضاء وقضم العداوات؛ {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} (الشورى: 37).

لقد دعا الإسلام إلى احتواء النزاعات بفعل المعروف ـ خاصة مع الأقارب ـ واعتبر ذلك من أفضل البر فعن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أفْضَلُ الصَّدَقَةِ: الصَدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» (صحيح رواه أحمد وغيره).

الكاشِحُ: العَدُوُّ الذي يُضْمِر عَداوَته ويَطْوي عليها كَشْحَه: أي باطِنَه.

يعني أفضل الصدقة على ذي الرحم المضمر العداوة في باطنه فالصدقة عليه أفضل منها على ذي الرحم الغير كاشح لما فيه من قهر النفس للإذعان لمعاديها.

فأصلحوا ذات بينكم، ولا يصدنكم الشيطان، فإنه قد يزين للمسلم أن هذا التنازل عن الحقوق والصفح عن الهفوات نوع ضعف وعجز ومهانة وأن يقال في المسلم ذلك خير له من أن يقع في بحور القطيعة وخطيئة فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ:«لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» (رواه البخاري ومسلم).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ» (رواه مسلم).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا» (رواه البخاري ومسلم). (وَلَا تَدَابَرُوا) التَّدَابُر الْمُعَادَاة، وَقِيلَ: الْمُقَاطَعَة؛ لِأَنَّ كُلّ وَاحِد يُوَلِّي صَاحِبه دُبُره.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا تَتَهَاجَرُوا فَيَهْجُر أَحَدكُمْ أَخَاهُ، مَأْخُوذ مِنْ تَوْلِيَة الرَّجُل الْآخَر دُبُره إِذَا أَعْرَضَ عَنْهُ حِين يَرَاهُ، وَالْحَسَد تَمَنِّي زَوَال النِّعْمَة، وَهُوَ حَرَام.

وَمَعْنَى (كُونُوا عِبَاد اللهِ إِخْوَانًا) أَيْ تَعَامَلُوا وَتَعَاشَرُوا مُعَامَلَة الْإِخْوَة، وَمُعَاشَرَتهمْ فِي الْمَوَدَّة وَالرِّفْق، وَالشَّفَقَة وَالْمُلَاطَفَة، وَالتَّعَاوُن فِي الْخَيْر، وَنَحْو ذَلِكَ، مَعَ صَفَاء الْقُلُوب، وَالنَّصِيحَة بِكُلِّ حَال.

• معاشر النساء:

أَجِبْنَ نداء الله لَكُنَّ حيث قال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ} (الأحزاب: 33) إنها آية عظيمة جامعة لو تأملَتْها المرأة وعملت بها لحازت خير الدنيا والآخرة.

إن الأصل في المرأة قرارها في البيت إذ هي نور أركانه وسكون أرجائه والخروج من البيت أمر طارئ لا يكون إلا لحاجة البيت هو وظيفة المرأة الأساس فما بالنا نرى

ص: 577

تهافت النساء على الخروج من البيت لحاجة ولغير حاجة والله يقول: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} .

إنَّ خير النساء امرأة البيت فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ:

«خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ؛ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ» (رواه البخاري ومسلم).

(أَحْنَاهُ): أَكْثَره شَفَقَة، وَالْحَانِيَة عَلَى وَلَدهَا هِيَ الَّتِي تَقُوم عَلَيْهِمْ فِي حَال يُتْمهمْ فَلَا تَتَزَوَّج، (وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْج فِي ذَات يَده) أَيْ أَحْفَظ وَأَصْوَن لِمَالِهِ بِالْأَمَانَةِ فِيهِ وَالصِّيَانَة لَهُ وَتَرْك التَّبْذِير فِي الْإِنْفَاق.

إن مكان المرأة في البيت لا يمكن أن يسده أحد، إن الخادمة في البيت قد تعد الطعام والشراب واللباس وتنظف الملابس والبيت لكنها لا تستطيع أن تمنح البيت حنان الأم.

قال أحد المشايخ الثقات: «لي قريبة تدرس في إحدى المدارس فلما أرادت أن تخرج إلى المدرسة كعادتها لحِقَ بها طفلها الصغير وهو يناديها، فالتفتت إليه وقالت: ماذا تريد فقال: أين تذهبين عني كل يوم فقالت: للمدرسة.

فقال ولماذا؟ قالت: حتى آتي لك بالمال تشتري به ألعاب وحلوى ـ وكأنها تريد أن تخفف عنه لوعة الفراق ـ فلما جاء يوم وأرادت الخروج كعادتها لحق بها ينادي وهو يمد يده قد قبض بكفه على ريال وهو يقول: «خذي يا أماه، واجلسي معي في البيت» .

* عليكِ بخدمة الزوج والقيام معه بالطاعة ورعاية أولاده وحفظ ماله ومتاعه فإن لك بذلك عظيم الأجر وجزيل العطاء وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذَا صَلّتْ المرْأةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحصَّنَتْ فَرْجَهَا، وَأطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي مِنْ أيِّ أبْوَابِ الجَنَّةِ شِئْتِ» (صحيح رواه ابن حبان).

وروى الطبراني في معجمه وصححه الألباني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ألَا أخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ فِي الجَنَّةِ؟» (يعني نساء الدنيا) قلنا: بلى يا رسول الله، قال: «الوَدُودُ الوَلُودُ

ص: 579

العَؤُودُ التِي إذَا ظُلِمَتْ قَالَتْ: هَذِهِ يَدِي فِي يَدِكَ لَا أذُوقُ غَمْضًا حَتَّى تَرْضَى» (حسن رواه الطبراني).

أما لكِ أسوة حسنة في عباسة بنت الفضل زوجة الإمام أحمد فقد قال عنها الإمام أحمد: أقمت مع (أم صالح) ثلاثين سنة!! فما اختلفت أنا وهي في كلمة!! ثم ماتت ـ رحمها الله عز وجل.

* احذري الخضوع في مخاطبة الرجال ومخالطتهم وإبداء الزينة لهم ابتعدي عن ذلك في أماكن العبادة كمكة وفي الأعياد والجمع فضلًا عن الأسواق والحدائق العامة.

عن أَبِي أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم لِلنِّسَاءِ: «اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ» ، فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ» (حسن صحيح رواه أبو داود).

(وَهُوَ خَارِج): أَيْ النَّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم. (أَنْ تَحْقُقْنَ) هُوَ أَنْ يَرْكَبْنَ حِقّهَا وَهُوَ وَسَطهَا. وَالْمَعْنَى أَنْ لَيْسَ لَهُنَّ أَنْ يَذْهَبْنَ فِي وَسَط الطَّرِيق. (بِحَافَّاتِ): جَمْع حَافَّة وَهِيَ النَّاحِيَة (ثَوْبهَا): أَيْ الْمَرْأَة (مِنْ لُصُوقهَا): أَيْ الْمَرْأَة (بِهِ): بِالْجِدَارِ.

* احذري مشابهة الكافرات والماجنات بحجة متابعة الموضة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ َتَشَّبَه بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» . (صحيح رواه الإمام أحمد وغيره).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» (رواه مسلم).

قال النووي رحمه الله: هَذَا الْحَدِيث مِنْ مُعْجِزَات النُّبُوَّة، فَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَأَمَّا أَصْحَاب السِّيَاط فَهُمْ غِلْمَان وَالِي الشُّرْطَة.

ص: 580

أَمَّا (الْكَاسِيَات) فَفِيهِ أَوْجُه أَحَدهَا: مَعْنَاهُ: كَاسِيَات مِنْ نِعْمَة اللهِ، عَارِيَات مِنْ شُكْرهَا، وَالثَّانِي: كَاسِيَات مِنْ الثِّيَاب، عَارِيَات مِنْ فِعْل الْخَيْر وَالِاهْتِمَام لِآخِرَتِهِنَّ، وَالِاعْتِنَاء بِالطَّاعَاتِ. وَالثَّالِث: تَكْشِف شَيْئًا مِنْ بَدَنهَا إِظْهَارًا لِجَمَالِهَا، فَهُنَّ كَاسِيَات عَارِيَات. وَالرَّابِع: يَلْبَسْنَ ثِيَابًا رِقَاقًا تَصِف مَا تَحْتهَا، كَاسِيَات عَارِيَات فِي الْمَعْنَى.

وَأَمَّا (مَائِلَات مُمِيلَات): فَقِيلَ: زَائِغَات عَنْ طَاعَة اللهِ تَعَالَى، وَمَا يَلْزَمهُنَّ مِنْ حِفْظ الْفُرُوج وَغَيْرهَا، وَمُمِيلَات يُعَلِّمْنَ غَيْرهنَّ مِثْل فِعْلهنَّ، وَقِيلَ: مَائِلَات مُتَبَخْتِرَات فِي مِشْيَتهنَّ، مُمِيلَات أَكْتَافهنَّ، وَقِيلَ: مَائِلَات يَتَمَشَّطْنَ الْمِشْطَة الْمَيْلَاء، وَهِيَ مِشْطَة الْبَغَايَا مَعْرُوفَة لَهُنَّ، مُمِيلَات يُمَشِّطْنَ غَيْرهنَّ تِلْك الْمِشْطَة، وَقِيلَ: مَائِلَات إِلَى الرِّجَال مُمِيلَات لَهُمْ بِمَا يُبْدِينَ مِنْ زِينَتهنَّ وَغَيْرهَا.

وَأَمَّا (رُءُوسهنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْت) فَمَعْنَاهُ: يُعَظِّمْنَ رُءُوسهنَّ بِالْخُمُرِ وَالْعَمَائِم وَغَيْرهَا مِمَّا يُلَفّ عَلَى الرَّأْس، حَتَّى تُشْبِه أَسْنِمَة الْإِبِل الْبُخْت، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي تَفْسِيره، قَالَ الْمَازِرِيّ: وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ يَطْمَحْنَ إِلَى الرِّجَال وَلَا يَغْضُضْنَ عَنْهُمْ، وَلَا يُنَكِّسْنَ رُءُوسهنَّ.

وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّ الْمَائِلَات تُمَشِّطْنَ الْمِشْطَة الْمَيْلَاء، قَالَ: وَهِيَ ضَفْر الْغَدَائِر وَشَدّهَا إِلَى فَوْق، وَجَمْعهَا فِي وَسَط الرَّأْس فَتَصِير كَأَسْنِمَةِ الْبُخْت، قَالَ: وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالتَّشْبِيهِ بِأَسْنِمَةِ الْبُخْت إِنَّمَا هُوَ لِارْتِفَاعِ الْغَدَائِر فَوْق رُءُوسهنَّ، وَجَمْع عَقَائِصهَا هُنَاكَ، وَتُكْثِرهَا بِمَا يُضَفِّرْنَهُ حَتَّى تَمِيل إِلَى نَاحِيَة مِنْ جَوَانِب الرَّأْس، كَمَا يَمِيل السَّنَام.

قَوْله صلى الله عليه وآله وسلم: (لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّة) يُتَأَوَّل تَأْوِيلَيْنِ: أَحَدهمَا: أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى مَنْ اِسْتَحَلَّتْ حَرَامًا مِنْ ذَلِكَ مَعَ عِلْمهَا بِتَحْرِيمِهِ، فَتَكُون كَافِرَة مُخَلَّدَة فِي النَّار، لَا تَدْخُل الْجَنَّة أَبَدًا.

وَالثَّانِي: يُحْمَل عَلَى أَنَّهَا لَا تَدْخُلهَا أَوَّل الْأَمْر مَعَ الْفَائِزِينَ».

* حافظي على عفافك وحجابك وحيائك {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ

ص: 581

وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (الأحزاب59).

احذري دعوات التغريب وسهام التضليل التي يقذف بها الأعداء. احذري تمييع الحجاب فالحجاب ستر وليس زينة. وليست العباءة الضيقة ولا الشفافة ولا مطرزة الأكمام حجابًا شرعيًا.

* أيتها المسلمة .. الله عز وجل لحكمته جعل القوامة بيد الرجل {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (النساء:34) فكان ذلك تكليفًا له بهذه الأمانة من أجل رعاية البيت وحمايته وحفظه.

وإن التمرد على القوامة والنشوز دون حق شرعي يعتبر من أعظم الذنوب التي يعاقب الله عليها عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» (رواه البخاري ومسلم).

الْفِرَاش كِنَايَة عَنْ الْجِمَاع، وَظَاهِر الْحَدِيث اِخْتِصَاص اللَّعْن بِمَا إِذَا وَقَعَ مِنْهَا ذَلِكَ لَيْلًا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وآله وسلم:«حَتَّى تُصْبِح» وَكَأَنَّ السِّرّ تَأَكُّد ذَلِكَ الشَّأْن فِي اللَّيْل وَقُوَّة الْبَاعِث عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوز لَهَا الِامْتِنَاع فِي النَّهَار، وَإِنَّمَا خُصَّ اللَّيْل بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ الْمَظِنَّة لِذَلِكَ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا» (رواه مسلم).

• أيها الرجال:

على الزوج أيضًا أن يتقي الله في زوجته فلا يظلمها ولا يضربها، عليه أن يحفظ لها قيمتها وقدرها خصوصًا عند أولادها.

عليك أيها الزوج أن تعلم أن رباط الزوجية رباط وثيق فهو رباط مصاحبة لا ينقطع بالموت؛ قال عز وجل: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} (عبس:33ـ38).

ص: 582

إنه عقد صحبة لا عقد رق وولاء وفي الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كُلّ نَفْسٍ مِنْ بَنِي آدَمَ سَيِّدٌ؛ فالرَّجُلُ سَيِّدُ أهْلِهِ، والمرْأةُ سَيِّدَةُ بَيْتِهَا» (صحيح رواه ابن السني).

فالواجب احترام سيادة المرأة في البيت وأن لا تسقط خاصة عند أولادها، وحين يدوس الزوج كرامة المرأة وتفعل المرأة ذلك فهو إذن سقوط البيت وتقويض خيامه وذهاب قيمته التربوية ودوره المرتقب.

لابد أن يُبْنَى البيت على المودة والرحمة {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} (الروم:21) ولابد أن يبنى البيت على العفو والصفح بين كل من الطرفين {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (التغابن:14) وحين يرى أحد الطرفين من الآخر ما يسوؤه فليتذكر محاسنه وجوانب الكمال فيه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» (رواه مسلم).

تسامَحْ ولا تَسْتَوْفِ حقّك كُلّهُ

وأبْقِ فلمْ يستَوْفِ قَطّ كريمُ

أيها الرجال، اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» (رواه البخاري ومسلم). وفي رواية لمسلم: «إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ فَإِنْ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا» . (رواه مسلم).

(أَعْلَاهَا): رَأْسهَا، وَفِيهِ لِسَانهَا وَهُوَ الَّذِي يَحْصُل مِنْهُ الْأَذَى.

(وَإِنْ تَرَكْته لَمْ يَزَلْ أَعْوَج) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُقِمْهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَج.

(فَاسْتَوْصُوا) أَيْ أُوصِيكُمْ بِهِنَّ خَيْرًا فَاقْبَلُوا وَصِيَّتِي فِيهِنَّ وَاعْمَلُوا بِهَا.

(بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) كَأنَ فِيهِ رَمْزًا إِلَى التَّقْوِيم يَرْفُق بِحَيْثُ لَا يُبَالِغ فِيهِ فَيَكْسِر وَلَا يَتْرُكهُ فَيَسْتَمِرّ عَلَى عِوَجه، فلَا يَتْرُكهَا عَلَى الِاعْوِجَاج إِذَا تَعَدَّتْ مَا طُبِعَتْ عَلَيْهِ مِنْ

ص: 583

النَّقْص إِلَى تَعَاطِي الْمَعْصِيَة بِمُبَاشَرَتِهَا أَوْ تَرْكِ الْوَاجِب، وَإِنَّمَا الْمُرَاد أَنْ يَتْرُكهَا عَلَى اِعْوِجَاجهَا فِي الْأُمُور الْمُبَاحَة.

وَفِي الْحَدِيث النَّدْب إِلَى الْمُدَارَاة لِاسْتِمَالَةِ النُّفُوس وَتَأَلُّف الْقُلُوب. وَفِيهِ سِيَاسَة النِّسَاء بِأَخْذِ الْعَفْو مِنْهُنَّ وَالصَّبْر عَلَى عِوَجهنَّ، وَأَنَّ مَنْ رَامَ تَقْوِيمهنَّ فَإِنَّهُ الِانْتِفَاع بِهِنَّ مَعَ أَنَّهُ لَا غِنَى لِلْإِنْسَانِ عَنْ اِمْرَأَة يَسْكُن إِلَيْهَا وَيَسْتَعِين بِهَا عَلَى مَعَاشه، فَكَأَنَّهُ قَالَ: الِاسْتِمْتَاع بِهَا لَا يَتِمّ إِلَّا بِالصَّبْرِ عَلَيْهَا.

فالمرأة فيها الغيرة والعاطفة والليونة، وكل ذلك أمر طبعي؛ فعلينا أن نتعلم كيف نتعامل مع هذا الاعوجاج الفطري والذي يعتبر منتهى الكمال في حقها فاستقامة المنجل في اعوجاجه.

• احذروا كيد الأعداء:

فإنهم لا يريدون بكم خيرًا وقد أخبركم ربكم بدوام عداوتهم لكم {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} (البقرة:217) وأنهم لن يرضوا عنكم إلا بانسلاخكم عن دينكم {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (البقرة:120).

لقد نطقوا بالحقد قديمًا وحديثًا {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أكبر} (آل عمران:118) يقول (جلادستون) رئيس وزراء بريطانيا سابقًا: «مادام هذا القران موجود في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق» .

لما كانت قلوبنا تردد التكبير مع الألسن نصرنا بالرعب مسيرة شهر وأحكمنا الأمر.

إن تكبيرنا في العيد إعلانٌ لانتصار الدين على الدنيا والآخرة على الأولى، فالله أكبر من الدنيا ولذائذها والله أكبر من كيد الأعداء ِ {وَلَذِكْرُ اللهِ أكبر} (العنكبوت:45)، لقد دخلنا الأندلس لما كان نشيد طارق بن زياد في العبور (الله أكبر) وبقينا فيها زمانًا

ص: 584

كانت الهمة تغلب الشهوة؛ ذكر أهل السير أنه لما قدم لعبد الرحمن الداخل الخمر قال: «إني لما يزيد في عقلي أحوج، لا لما ينقصه» .

• جسد واحد:

أخي المسلم، وأنت تعيش العيد لا تنسى أن تعيشه بروح الجسد الواحد فتذكر إخوانك في فلسطين وما يلاقونه من شرذمة اليهود الغاصبين، وإخوانك في العراق وأفغانستان والشيشان وفي كشمير والفلبين وفي الصومال وكيف تكالبت عليهم قوى الكفر والطغيان.

عليك بكثرة الدعاء لهم واجعل من موسم العيد إعادةً لقضيتهم ونشرًا لصحيح أخبارهم. وتذكَّر أنهم يعيشون العيد تحت قذائف الطائرات ودوي الدبابات، كان الله لهم في العون وربط على قلوبهم وثبت أقدامهم.

يعودُ العيدُ ياأحبابْ

سعيدًا يقرعُ الأبوابْ

يُحَيّينا .. ....... ويُحْيينا

ويدعونا إلى المحرابْ

يعودُ الحبُّ للقلبِ

وهل أحلى من الحبِّ؟!

فنَهْنَا بالجنَا العذبِ

وندعو الله َ: يا توابْ

نرى الفقراءَ قد ناموا

وفي الأكبادِ آلامُ

وقبلَ الصوم قد صاموا

وأنتَ الرازق الوهّابْ

فكبِّرْ يا أخا الإسلامْ

فهذا أسعدُ الأيامْ

وهيّا نمسح الآلامْ

ونسقي الخيرَ َبالأكوابْ

دموعُ القدسِ خلفَ النارْ

تنادِي موكبَ الأحرارْ

فكبّرْ .. دمِّر الأسوارْ

فربُّك هازمُ الأحزابْ

أيَا عيدٌ متى النصرُ؟

متى حطينُ أو بدرُ؟

تُرى هل يشرقُ الفجرُ؟

ونفرحُ فرحةَ الأصحابْ

ص: 585

*إن نصر هذه الأمة قد أقبلت أيامُه فأحسِنوا الظن بربكم واجمعوا مع الأمل حسن العمل واعلموا أن الشدائد التي تمر بها الأمة هي أمارات ميلاد جديد بإذن الله فإن مع العسر يسرًا، إن مع العسر يسرًا.

لا تقولوا: زرع الزارعُ والباغي حَصَدْ

ذهب الأقصى وضاعت قدسُنا منّا وحيفانا ويافا وصَفَدْ

لا تقولوا: حارس الثَّغْر رَقَدْ

أنا لا أُنكر أنَّ البَغْيَ في الدُّنيا ظَهَرْ

والضَّميرَ الحيَّ في دوَّامة العصر انْصَهَرْ

أنا لا أُنكر أنَّ الوهمَ في عالمنا المسكون بالوهم انتشرْ

غيرَ أنَّي لم أزلْ أحلف بالله الأحَدْ

أنَّ نَصْرَ اللهِ آتٍ، وعدوَّ اللهِ لن يلقى من الله سَنَدْ

لن ينال المعتدي ما يبتغي في القدسِ .... ما دام لنا فيها وَلَدْ

*******

أتيتُ لكيْ أبشِّرَكُم

بمصرعِ ليلِنا القاسِي

أرى مِن قومِنا طفلًا

يرتِّلُ سورةَ (الناسِ)

يعوذُ بربِّه مِن شرِّ

وَسواسٍ ٍ وخناسِ

ِيقرأُ سورةَ (الأنفالِ)

يُرهب ألف جساسِ

ِأرى جيلًا بصحوتِنا

شديدَ العزمِ والباسِ

ِبصوتِ الحقِّ يصرخُ

ثائرًا بوجوهِ أنجاسِ

كتابُ اللهِ قائدُنا

نسيرُ بخيرِ نبراسِ

هو الفرقانُ إن تاهتْ

خنازيرٌ بأرجاس ِ

هو الميزان إن مالت

يَدَا قَسٍّ ومَكَّاسِ

أنخشَى الناسَ ياعجبًا

وننسى خالقَ الناسِ

ص: 586