المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مكانة يوم الجمعة في الإسلام:

- ‌مكانة خطبة الجمعة وأهميتها:

- ‌صفة خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌اشتمال الخطبة على الآيات القرآنية

- ‌اشتمال الخطبة على الأحاديث النبوية

- ‌ أثر الأحاديث الضعيفة في الابتداع في الدين:

- ‌ لا يجوز استحباب شيء لمجرد حديث ضعيف في الفضائل:

- ‌ معنى العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال:

- ‌ لا يجوز التقدير والتحديد بأحاديث الفضائل الضعيفة:

- ‌ شروط العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال عند القائلين به:

- ‌ هل هناك إجماع من العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال

- ‌اشتمال الخطبة على ضرب الأمثال

- ‌الاستشهاد بالشعر في الخطبة

- ‌الاستشهاد بالقصة في الخطبة

- ‌الاستشهاد بواقع الآخرين

- ‌فقه الخطيب

- ‌ ماذا تقرأ في صلاة الجمعة

- ‌ قطع الخطبة للتنبيه والإرشاد:

- ‌ ما الحكم فيمن دخل المسجد لصلاة الجمعة والمؤذن يؤذن الأذان الثاني

- ‌ رفع اليدين للدعاء في الخطبة:

- ‌ هل يصلي بالناس الجمعة غير الخطيب

- ‌ إذا قرأ الخطيب آية تشتمل على سجدة وهو يخطب فهل يسجد سجود التلاوة

- ‌كيف تختار موضوع الخطبة

- ‌ضوابط وقواعدلموضوعات خطبة الجمعة

- ‌وصايا للخطيب

- ‌الخطيب وجمهوره

- ‌وصايا أثناء الخطبة

- ‌همسات في أذن خطيب الجمعة

- ‌عيوب الخطبة

- ‌ عيوب في أصل الخطبة

- ‌تنبيه:

- ‌ عيوب في الخطيب

- ‌ عيوب نسبية

- ‌أدعية

- ‌موضوعات عامة

- ‌1 - الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌2 - التحذير من ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌3 - كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعناها

- ‌4 - اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم دليل محبة الله عز وجل

- ‌5 - التواضع وذم الكبر

- ‌6 - فضائل الصحابة رضي الله عنهم

- ‌7 - فضائل الصحابة رضي الله عنهم في السنة المطهرة

- ‌8 - اتق الله حيثما كنت

- ‌9 - أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمحُهَا

- ‌10 - خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ

- ‌11 - احفَظِ الله يَحْفَظْكَ

- ‌12 - إذا سَأَلْتَ فاسْألِ اللهوإذا اسْتََعَنْتَ فاستَعِنْ باللهِ

- ‌13 - شروط الدعاء وموانع الإجابة

- ‌14 - رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفُ

- ‌15 - القناعة

- ‌16 - فوائد القناعة والسبيل إليها

- ‌17 - الإصلاح بين الناس

- ‌18 - الإصلاح بتن الناس وآداب المصلح

- ‌19 - الأمانة

- ‌20 - السعادة الوهمية

- ‌21 - أسباب السعادة وصفات السعداء

- ‌22 - نحن والمزاح

- ‌23 - إنَّ الله كَتَبَ الإحسّانَ على كُلِّ شيءٍ

- ‌24 - المستقبل لهذا الدين رغم مرارة الواقع

- ‌25 - المستقبل لهذا الدين ولكن ما السبيل إليه

- ‌26 - لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ

- ‌27 - وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌28 - موتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌29 - إذا لَم تَستَحْيِ، فاصْنَعْ ما شِئْتَ

- ‌30 - عَظيمٌٍ ولَكِنّه يَسيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ الله عليه

- ‌31 - قُلْ: آمَنْتُ باللهِ، ثمَّ استقِمْ

- ‌32 - كُلُّ النَّاسِ يَغْدُوفَبائعٌ نَفْسَهُ، فمُعْتِقُها أو مُوبِقها

- ‌33 - كثرة النعم وكثرة طرق الشكر

- ‌34 - أكل الميراث بالباطل

- ‌35 - إنَّ الله طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَاّ طيِّبًا

- ‌36 - لا تَحَاسَدُوا

- ‌37 - كُونُوا عِبادَ اللهِ إِخْوانًا

- ‌38 - لا تَظالموا

- ‌39 - إنَّما هي أعمالُكُم أُحصيها لكم

- ‌40 - لا تَغْضَبْ

- ‌خطب مناسبات

- ‌41 - الزكاة

- ‌42 - الامتحانات، كل منا ممتحن

- ‌43 - عاشوراء وشهر الله المحرّم

- ‌45 - استقبال رمضانيا باغي الشر…أقصر

- ‌46 - رمضان شهر الجهاد

- ‌47 - خطبة عيد الفطر

- ‌48 - الحج: عبر وعظات

- ‌49 - قصة الذبح…دروس وعبر

- ‌50 - خطبة عيد الأضحى

الفصل: ‌36 - لا تحاسدوا

‌36 - لا تَحَاسَدُوا

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا» ـ وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ـ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» (رواه مسلم).

• لا تحاسدوا:

قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَحَاسَدُوا» يعني: لا يحسُدْ بعضُكم بعضًا، والحسدُ مركوزٌ في طباع البشر، وهو أنَّ الإنسان يكرهُ أن يفوقَهُ أحدٌ منْ جنسهِ في شيءٍ من الفضائل.

ثم ينقسم الناس بعدَ هذا إلى أقسام:

فمنهم من يسعى في زوال نعمةِ المحسودِ بالبغي عليه بالقول والفعل.

ثمَّ منهم من يسعى في نقلِ ذلك إلى نفسه.

ومنهم من يَسعى في إزالته عن المحسودِ فقط من غيرِ نقل إلى نفسه، وهو شرُّهما وأخبثهما.

والحسدُ المذمومُ المنهيُّ عنه كان ذنبَ إبليس حيث حسدَ آدم عليه السلام لمَّا رآه قد فاق على الملائكة بأنْ خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكتَه، وعلَّمه أسماء كلِّ شيءٍ، وأسكنه في جواره، فما زال يسعى في إخراجه من الجنَّة حتَّى أخرج منها.

وقد وصف الله اليهودَ بالحسد في مواضع من كتابه القرآن، كقوله تعالى:

{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقّ} (البقرة:109)، وقوله:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} (النساء:54).

كلّ العداوةِ قد تُرجَى إماتَتُها إلا عداوةَ مَن عاداك مِن حسدِ

فإنّ في القلبِ منها عُقدةٌ عُقِدَتْ وليسَ يفتحُها راقٍ الى الأبدِ

إلا الإلهُ فإنْ يرحمْ تحلّ به وإن أباه فلا ترجُوه مِن أحدِ

وعن الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الْحَسَدُ، وَالْبَغْضَاءُ، هِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» . (حسن رواه الترمذي)؟.

(دَبَّ إِلَيْكُمْ) أَيْ سَرَى وَمَشَى بِخُفْيَةٍ (الْحَسَدُ) أَيْ فِي الْبَاطِنِ.

(وَالْبَغْضَاءُ) أَيْ الْعَدَاوَةُ فِي الظَّاهِرِ. (وَهِيَ) أَيْ الْبَغْضَاءُ، أَوْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا.

(لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ) أَيْ تَقْطَعُ ظَاهِرَ الْبَدَنِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ سَهْلٌ.

(وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ) وَضَرَرُهُ عَظِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. أَيْ الْبَغْضَاءُ تَذْهَبُ بِالدِّينِ كَالْمُوسَى تَذْهَبُ بِالشَّعْرِ.

(وَلَا تُؤْمِنُوا) أَيْ إِيمَانًا كَامِلًا (حَتَّى تَحَابُّوا) أَيْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا.

(أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ) مِنْ التَّثْبِيتِ (ذَلِكَ) أَيْ التَّحَابُبَ.

(أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ) أَيْ أَعْلِنُوهُ وَعُمُّوا بِهِ مَنْ عَرَفْتُمُوهُ وَغَيْرَهُ، فَإِنَّهُ يُزِيلُ الضَّغَائِنَ وَيُورِثُ التَّحَابُبَ.

أيا حاسدًا لي علَى نِعمَتِي أتَدْري علَى مَنْ أسَأتَ الأدَبْ

أسَأتَ علَى اللهِ في حُكمِهِ لأنّكَ لمْ تَرْضَ لي مَا وَهَبْ

وقسم آخر من الناسِ إذا حسدَ غيره، لم يعمل بمقتضى حسده، ولم يبغِ على المحسود بقولٍ ولا فعلٍ، وهذا على نوعين:

أحدهما: أنْ لا يمكنه إزالةُ الحسدِ من نفسِه، فيكون مغلوبًا على ذَلِكَ، فلا يأثمُ به.

ص: 451

والثاني: من يُحدِّثُ نفسَه بذلك اختيارًا، ويُعيده ويُبديه في نفسه مُستروِحًا إلى تمنِّي زوالِ نعمة أخيه، فهذا شبيهٌ بالعزم المصمِّم على المعصية، وفي العقاب على ذلك اختلافٌ بين العلماء، لكن هذا يَبعُدُ أن يَسلَمَ من البغي على المحسود، ولو بالقول، فيأثم بذلك.

وقسم آخر: إذا حسد لم يتمنَّ زوال نعمة المحسود، بل يسعى في اكتساب مثل فضائله، ويتمنَّى أنْ يكونَ مثله، فإن كانتِ الفضائلُ دنيويَّةً، فلا خيرَ في ذلك، كما قال الَّذينَ يُريدُونَ الحياةَ الدُّنيا:{يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ} (القصص:79)، وإنْ كانت فضائلَ دينيَّةً، فهو حسن، وقد تمنَّى النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم الشَّهادة في سبيل الله عز وجل.

وعن عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ، رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا» (رواه البخاري ومسلم).وهذا هو الغبطة، وسماه حسدًا من باب الاستعارة.

وقسم آخر: إذا وجدَ من نفسه الحسدَ سعى في إزالته، وفي الإحسان إلى المحسود بإسداءِ الإحسان إليه، والدُّعاء له، ونشر فضائله، وفي إزالة ما وَجَدَ له في نفسه مِنَ الحسدِ حتّى يبدلَه بمحبَّة أنْ يكونَ أخوه المسلمُ خيرًا منه وأفضلَ، وهذا مِنْ أعلى درجات الإيمان، وصاحبه هو المؤمنُ الكاملُ الذي يُحبُّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (رواه البخاري ومسلم).

اصبِرْ علَى حَسَدِ الحسُودِ

فإنّ صبرَك قاتِلُه

كالنارِ تأكلُ بعضَها إنْ لمْ تَجِدْ ما تأكُلُه

• لا تناجَشوا:

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَلَا تَنَاجَشُوا» :فسَّره كثيرٌ من العلماء بالنَّجْشِ في البيع، وهو: أن يزيدَ في السِّلعة من لا يُريدُ شِراءها، إمَّا لنفع البائع بزيادةِ الثَّمن له، أو بإضرارِ المشتري بتكثير الثمن عليه، وفي «الصحيحين» عن ابنِ عمرَ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه نَهَى عَن النَّجَشِ.

ص: 453

وقال ابن أبي أوفى رضي الله عنه: «النَّاجش: آكِلُ رِبًا خَائِنٌ» (ذكره البخاري في صحيحه معلقًا).

قال ابنُ عبد البرِّ: أجمعوا أنَّ فاعلَه عاصٍ لله عز وجل إذا كان بالنَّهي عالمًا.

ويحتمل أن يُفسَّرَ التَّناجُشُ المنهيُ عنه في هذا الحديث بما هو أعمُّ من ذلك، فإنَّ أصلَ النَّجش في اللُّغة: إثارةُ الشَّيءِ بالمكرِ والحيلةِ والمخادعةِ، ومنه سُمِّي النَّاجِشُ في البيع ناجشًا، ويسمّى الصَّائدُ في اللغة ناجشًا؛ لأنَّه يُثير الصَّيد بحيلته عليه، وخِداعِه له، وحينئذٍ.

فيكونُ المعنى: لا تتخادَعوا، ولا يُعامِلْ بعضُكُم بعضًا بالمكرِ والاحتيال.

وإنَّما يُرادُ بالمكر والمخادعة إيصالُ الأذى إلى المسلم: إمَّا بطريقِ الأصالة، وإما اجتلاب نفعه بذلك، ويلزم منه وصولُ الضَّرر إليه، ودخولُه عليه.

وقد قال الله عز وجل: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَاّ بِأَهْلِهِ} (فاطر:43).وفي حديث ابن مسعودٍ عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا، وَالْمَكرُ والخِدَاعُ فِي النَّارِ» (حسن رواه ابن حبان).

فيدخل على هذا التقدير في التناجش المنهي عنه جميعُ أنواع المعاملات بالغشِّ

ونحوه، كتدليس العيوب، وكِتمانها، وغشِّ المبيع الجيد بالرديء، وغَبْنِ المسترسل الذي لا يَعرِفُ المماكسة، وقد وصف الله تعالى في كتابه الكفَّار والمنافقين بالمكر بالأنبياء وأتباعهم، وما أحسنَ قول من قال:

لَيس دُنيا إلَاّ بدينٍ ولَيْـ

ـسَ الدِّين إلَاّ مَكارمُ الأخْلاقِ

إنَّما المَكْرُ والخَديعَةُ في النَّارِ

هُمَا مِنْ خِصالِ أهْلِ النِّفاقِ

وإنَّما يجوزُ المكرُ بمن يجوزُ إدخالُ الأذى عليه، وهم الكفَّارُ المحاربون، كما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم:«الحَرْبُ خُدْعَةٌ» (رواه البخاري ومسلم).

ص: 454

• لا تَباغضوا:

قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَلَا تَبَاغَضُوا» :نهى المسلمين عَنِ التَّباغض بينهم في غير الله، بل على أهواءِ النُّفوسِ، فإنَّ المسلمينَ جعلهمُ الله إخوةً، والإخوةُ يتحابُّونَ بينهم، ولا يتباغضون، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم:«لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ: أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» (رواه مسلم).

وقد حرَّم الله على المؤمنين ما يُوقع بينهم العداوة والبغضاء، كما قال:{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (المائدة:91).وامتنَّ على عباده بالتَّأليف بين قلوبهم، كما قال تعالى:{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} (آل عمران:103)، وقال:{هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} (الأنفال:62 - 63).

كم مِن أخٍ لكَ لم يَلِدْهُ أبُوكَا وأخٌ أبُوه أبُوكَ قد يجْفُوكَا

صافِ الكرامَ إذا أردتَ إخاءَهُم وأعلَمْ بأنَّ أخَا الحفاظِ أخوكَا

كم إخوةٌ لك لم يلدْك أبوهُم وكأنما آباءَهم ولدُوكَا

ولهذا المعنى حرم المشي بالنَّميمة، لما فيها من إيقاع العداوة والبغضاء، ورُخِّصَ في الكذب في الإصلاح بين النَّاس، ورغَّب الله في الإصلاح بينهم، كما قال تعالى:

{لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء:114)، وقال:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} (الحجرات:9)، وقال:{فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} (الأنفال:1).

ص: 455

وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟» ، قَالُوا: بَلَى، قَالَ:«صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ» (صحيح رواه الترمذي).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِيَّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ» . (حسن رواه الترمذي).

• البغض في الله من أوثق عرى الإيمان:

وأمَّا البغض في الله، فهو من أوثق عرى الإيمان، وليس داخلًا في النَّهي؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم:«أوْثَقُ عًرَى الإيمَانِ: المُوَالَاةُ فِي اللهِ والمُعَادَاةُ فِي اللهِ وَالحُبُّ فِي اللهِ والبُغْضُ فِي اللهِ عز وجل» (صحيح رواه الطبراني).

ولو ظهر لرجل من أخيه شرٌّ، فأبغضه عليه، وكان الرَّجُل معذورًا فيه في نفس الأمر، أثيب المبغضُ له، وإن عُذِرَ أخوه، كما قال عمر رضي الله عنه:«إنَّا كُنَّا نعرفكُم إذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أظهُرنا، وإذ ينْزل الوحيُ، وإذ يُنبِّئُنا الله مِنْ أخبارِكُم ألا وإنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدِ انطُلِقَ به، وانقطعَ الوحيُ، فإنَّما نَعْرفكم بما نَخْبُركم، ألا مَنْ أظهرَ منكم لنا خيرًا ظننَّا به خيرًا، وأحببناه عليه، ومَنْ أظهر منكم شرًّا، ظننا به شرًا، وأبغضناه عليه، سرائرُكم بينكم وبينَ ربِّكم عز وجل» .

وقال الربيع بن خُثَيْم: «لو رأيتَ رجلًا يُظهر خيرًا، ويُسرُّ شرًّا، أحببتَه عليه، آجرَك الله على حبِّك الخيرَ، ولو رأيتَ رجلًا يُظهر شرًّا، ويسرُّ خيرًا أبغضته عليه، آجرَك الله على بُغضك الشرَّ» .

• لا تدابروا:

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَلَا تَدَابَرُوا» التَّدابر: المصارمة والهجران، مأخوذ من أن يُولِّي الرَّجلُ صاحبَهُ دُبُرَه، ويُعرِض عنه بوجهه، وهو التَّقاطع.

وروى مسلم من حديث أنسٍ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قال:«لا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَقَاطَعُوا، وكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخْوَانًا كَمَا أمَرًَكُمُ اللهُ» .

وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ؛ يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» (رواه البخاري).

ص: 456

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ» . (صحيح رواه أبوداود) وقال النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ هَجَرَ أخَاهُ سَنَةً، فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ» . (صحيح رواه أبو داود).

«مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ» :أَيْ أَخَاهُ فِي الإسلام (سَنَةً) أي بغير عذر شرعي «فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ» :أَيْ كَإِرَاقَةِ دَمه فِي اِسْتِحْقَاق مَزِيد الْإِثْم لَا فِي قَدْره، أي مهاجرته سنة توجب العقوبة كما أن سفك دمه يوجبها، والمراد اشتراك الهاجر والقاتل في الإثم لا في قدره ولا يلزم التساوي بين المشبه والمشبه به.

• التَّقاطع لأجلِ الدِّين:

في التَّقاطع لأجلِ الدِّين تجوزُ الزِّيادةُ على الثلاثِ، نصَّ عليه الإمام أحمدُ، واستدلَّ بقصَّةِ الثَّلاثةِ الَّذينَ خُلِّفوا، وأمر النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بهجرانهم لمَّا خاف منهمُ النِّفاق، وأباح هِجران أهلِ البدع المغلَّظة والدعاة إلى الأهواء، وذكر الخطابي أنَّ هِجران الوالدِ لولده، والزَّوج لزوجته، وما كان في معنى ذلك تأديبًا تجوزُ الزِّيادة فيه على الثَّلاث؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم هجر نساءه شهرًا.

• هل ينقطع الهِجران بالسَّلام؟

واختلف العلماء: هل ينقطع الهِجران بالسَّلام؟ فقالت طائفةٌ: يَنقطِعُ بذلك، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ:«لَا يَكُونُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ مُسْلِمًا فَوْقَ ثَلَاثَةٍ، فَإِذَا لَقِيَهُ سَلَّمَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ، فَقَدْ بَاءَ بِإِثْمِهِ» (حسن رواه أبوداود).

ولكن هذا فيما إذا امتنع الآخرُ من الرَّدِّ عليهِ، فأمَّا معَ الرَّدِّ إذا كانَ بينهما قبل الهجرةِ مودَّةٌ، ولم يعودا إليها، ففيه نظر، وقد قال َالإمام أحمد في رواية الأثرم، وسئل عن السَّلام: يقطعُ الهِجران؟ فقال: قد يُسلم عليه وقد صَدَّ عنه، ثم قال: النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا» ، فإذا كان قد عوَّده أنْ يُكلِّمه أو يُصافحه ـ وكذلك رُوي عن مالكٍ ـ أنَّه لا تنقطعُ الهجرة بدونِ العود إلى المودَّة.

وفرَّق بعضُهم بين الأقارب والأجانب، فقال في الأجانب: تزول الهجرةُ بينهم بمجرَّد السَّلام، بخلافِ الأقارب، وإنَّما قال هذا لوجوب صلة الرَّحِمِ.

ص: 457