الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصايا للخطيب
1 -
الإخلاص والمتابعة سر النجاح:
أخي الخطيب قبل أي شيء أوصيك أن تجدد نيتك وتتفقد إخلاصك حتى تكون لكلماتك وخطبك أثرًا في قلوب الناس، ثم تأمل كم لك من الأجور والحسنات وأنت تقوم في مسجدك خطيبًا كل جمعة، وكم هو النفع الذي ينتشر بين الناس بسبب كلماتك ونصائحك عبر الخطبة.
إن الخطيب من أولى الناس مطالبة بالإخلاص لله تعالى، لأنه ربما رأى مقامه وهو يخطب المئات، ويعلمهم ويذكرهم فيرى أن له فضلًا عليهم، وتقدمًا دونهم، فتحمله نفسه على العُجْب، والتعالي، والغَضّ من قدْر غيره ونسبتهم إلى الجهل، فالإخلاص لله تعالى يعَرِّفه قدر نفسه، ويقيه شرها.
فالذي ينبغي للخطيب في ذلك أن يكون منشأ الخطبة والسعي إليها وطلبها، من باب الإخلاص لله عز وجل، وتبليغًا للدين، ودعوةً إلى التمسك بالعقيدة الصحيحة والشريعة السمحة، ولكن هذا العمل لا يتم قبوله ـ بعد الإخلاص لله عز وجل ـ إلا بمتابعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعدم الابتداع، فهذان هما شرطا قبول العبادة.
يجب على الخطيب أن يراقب قلبه، ويحاسب نفسه في أثناء العمل، حتى يضمن أنه على الطريق المستقيم، فإن لمس في نفسه تطلعًا إلى غير ثواب الله تعالى، والتفاتًا إلى غير مولاه، تذكرَ فاستغفرَ وأبصرَ {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} (الأعراف: 201).
وإذا شعر أنه إنما يرفع من صوته، أو يغير من نبرته، أو يكرر العبارة، أو غير ذلك من أجل إرضاء الحضور أو بعضهم بادر إلى تصحيح نيته، وتقويم قصده.
وينبغي للخطيب محاسبة نفسه وتقويمها بعد الخطبة، فإن وجد خيرًا حمد الله تعالى على توفيقه، وإن وجد غير ذلك عزم على تدارك أمره، وإصلاح خطئه.
ويحسُن بالخطيب قبل أن يصعد المنبر أن يتذكر الأمور التالية:
1 -
فضل الله تعالى عليه ونعمته، وعظيم إحسانه إليه، وأنه لولا الله تعالى ما وقف هذا الموقف.
2 -
الأجر الجزيل، والثواب الجميل على الإخلاص، وصدق النية لله تعالى.
3 -
الوعيد الشديد للمرائين، ومن سمَّع سمَّع الله به، ومن راءى راءى الله به.
4 -
أن أعمال المرائين محبطة، لا يقبلها الله تعالى، وليتذكر خبر الثلاثة الذين تسعر بهم النار يوم القيامة، نعوذ بالله من الخذلان.
5 -
أن الناس كلهم لا يملكون له من الله تعالى شيئًا، وأن رضاهم أو سخطهم لا يقدم ولا يؤخر، ومن أرضى الناس بسخط الله تعالى، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أسخطهم في رضا الله تعالى، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس.
قال ابن الجوزي رحمه الله: من لم يقطع الطمع من الناس من شيئين لم يقدر على الإنكار: أحدهما: من لطف ينالونه به، والثاني: من رضاهم عنه وثنائهم عليه، وقال: من راءى الخلق عبدهم وهو لا يعلم.
2 -
الشعور بالمسؤلية:
يجب أن يشعر الخطيب بأنه صاحب رسالة يؤديها، ويقصد من خلالها وجه الله، حتى ولو كانت تلك وظيفته التي يقتات منها، وذلك لأن صاحب الرسالة يستفرغ كل طاقته في محاولة إيصالها إلى الناس، لا يكَلّ ولا يمَلّ.
وإذا ما توفر هذا الشعور في نفس الخطيب فإن النجاح سيكون حليفه، وسيكون من أحسن الناس قولًا؛ قال الله تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المسْلمينَ} (فصلت:33).
فلا أحد أحسن قولًا ممن حمل مشعل الدعوة إلى الله وإلى اتباع منهجه والالتزام بأحكامه وتعاليمه.
3 -
كم رصيدك من العلم الشرعي والثقافة العامة؟
وهذا أساس لا بد منه حتى يجد الناس عند الخطيب إجابة التساؤلات، وحلول المشكلات، وهو كذلك العدَّة التي بها يعلم الخطيب الداعية الناس أحكام الشرع، ويبصرهم بحقائق الواقع، وبه أيضًا يكون الخطيب قادرًا على الإقناع وتفنيد الشبهات، ومتقنًا في العرض، ومبدعًا في التوعية والتوجيه.
وإذا كانت الدعوة إلى الله أشرف مقامات العبد وأجلّها وأفضلها فهي لا تحصل إلا بالعلم الذي يدعو به وإليه، ولا بد من كمال الدعوة من البلوغ في العلم على حد يصل إليه السعي.
4 -
صلة الخطيب بالله عز وجل:
تذكر أنك إنما تخطب وتتكلم بحول الله تعالى وقوته فإن شاء الله تعالى أطلق لسانك وإن شاء عقده، ولو وكلك الله إلى نفسك لعييت وعجزت.
إن حنجرتك التي هي وعاء خروج الأصوات ولسانك وشفتيك وأسنانك التي تصيغ الحروف والنغمات إنما هي خلق من خلق الله تعالى.
واعلم أن الله معك .. شاهد ومطلع عليك .. نظره أسبق من نظر المخاطبين إليك.
فاعتصم بالله، وليكن لك في نبي الله موسى عليه السلام أسوة حسنة حيث:{قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي} (طه:25 - 28).
5 -
رُوحانية الخطيب:
الخطيب الناجح في سيره لإعلاء كلمة الله، وبيان شرعه ونشر سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وأمره الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر، يمضي ذلك الداعية وقد وطنَّ نفسه على الجادّة، وجاهدها على هوى المادَّة، وعلمها أخلاقها ونقّاها من أدرانها، وأدبها فأحسن تأديبها على منهاج النبيين عليهم السلام وسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم وطريقة السلف ومن بعدهم من الخلف الصالحين المصلحين.
يدعو ربه خيفةً وتضرعا أن يُيَسِّر له إلقاء تلك الكلمة، أو نشر تلك الورقة، أو تعليق تلك الصحيفة.
حتى في أصغر الأمور لا يهمل ولا يتكاسل عن طلب العون والمدد من مالك الملك عز وجل، وقد قرأ أن السلف رضي الله عنهم كانوا يسألون الله عز وجل كل شيء حتى الملح لطعامهم!
فيسأل ربه عز وجل أن يُيَسِّر له وسيلة النقل لتلك القرية، أو آلة النسخ لتلك المطوية، أو ذلك المال البسيط لشراء ما يعينه على دعوته من أشرطة أو كتب أو نحوها.
6 -
اللهََ اللهََ في القدوة:
فالناس ينظرون إلى سلوك الخطيب، ويدققون النظر فيه، ولذا ينبغي أن تتطابق أفعاله مع أقواله، فالتزام الخطيب بأحكام الإسلام بوجه عام، وتطبيق ما يدعو إليه في خطبته، يجعل كلامه مقبولًا عند المستمعين، أما مخالفة العمل للقول، فإنه يجعل المستمعين لا يثقون به ولا بكلامه.
وسيرة الخطيب وما يتحلى به من مكارم الأخلاق لها دور كبير في قبول كلامه، واحترام توجيهاته، سواء أكانت هذه السيرة مع أصحابه، وجيرانه، ومن يعاملهم في موقع عمله، أم كانت في بيته، ومع أهله وأسرته، فإن ذلك هو مقياس صدق الخطيب، ومدى احترامه لآرائه ونصائحه.
وليس في مخالفة الخطيب لما يأمر به وينهى عنه مسوغ للآخرين بارتكاب ما حرم الله تعالى، أو تعدي حدوده، لكن ضعاف الإيمان يتخذون ذلك أسوة لهم، ويجعلونه حجة يحتجون بها على من ينصح لهم، فيكون بذلك إثمه مضاعفًا، حيث إنه خالف إلى ما نهى عنه، وترك ما كان يأمر به، ثم إنه سهَّل فعل الحرام وارتكاب المنهيات على ذوي النفوس المريضة، فافتُتِنُوا به حين جعلوه قدوة لهم.
يقول الله تعالى: {أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (البقرة:44).
ويقول أيضًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لم تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (الصف:2 - 3).
ومن المقت الذي يصيب من يقول ما لا يفعل، ويأتي ما ينهى عنه، ما وصفه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من جزائه في الآخرة.
فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ، أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ» (رواه البخاري ومسلم).
وسيرة الخطيب سرعان ما تنتشر بين الناس، والشائعات قد لا تقف عند حد، والناس ينظرون إلى العلماء والخطباء والآمرين بالمعروف بعيون بصيرة، والناقد بصير، وأعمال هؤلاء موضوعة تحت المجهر المكبر، فصغيرتهم تضخم إلى كبيرة، وكسرهم ليس له جبيرة، ومن الأمثال السائرة: زلة الجاهل يغطيها الجهل، وزلة العالم يضرب بها الطبل.
فالناس شديدو الرقابة للعلماء والخطباء، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ورقابتهم لا تنحصر في العالم والخطيب نفسه، بل يرقبون نساءه، وأولاده، وأحفاده، ويتعلقون بأفعالهم، ويستدلون بسيرتهم وسلوكهم، والناس ـ إلا من رحم الله عز وجل ـ يغلب عليهم الميل إلى التسويغ والترخص بأدنى الشبهات.
ولا يكفي أن يكون الخطيب واقفًا عند حد الكف عن المنكر الذي ينهى عنه، أو فعل الواجب الذي يأمر به، أو الالتزام به، أو الالتزام بالخلق الحميد الذي يحض عليه، بل ينبغي أن يكون متميزًا عن غيره ممن يقتدي به: بفعل النوافل، والمسارعة إلى الخيرات، والمسابقة إلى الطاعات، والتشمير والمبادرة إلى كل خصلة كريمة،
مع زيادة الورع، وقوة الشخصية، وصلابة الإيمان، فهو قبل أن يأمر الناس بخير ينبغي أن يكون أسبقهم إلى فعله.
وليعلم الخطيب أنه مهما بلغت فصاحته، وتجلى بيانه، ومهما بلغ من قوة الإلقاء، ونصاعة الأسلوب فإنه لن يستطيع أن يقنع أحدًا بفكره، أو أن يستميل القلوب لدعوته ما لم يكن مخلصًا في دعوته، نقيًا في سيرته.
بل إنه مع ذلك لا يستطيع أن يسلم من غمز الناس به في سلوكه، فليوطن نفسه على ذلك، وكم رأينا وسمعنا من خطيب مفوَّه، لكن الناس يجلسون في خطبته جلوس المحكومين ظلمًا وكأنهم يستمعون إلى قاض ظالم يتلو عليهم قرار الحكم، وكم رأينا كذلك من خطباء يتمنى الحضور لو أن خطبة أحدهم تمتد ساعات، وهذا شيء مشاهد معلوم، فليس الأسلوب وحده أو البلاغة والفصاحة وحدها هي التي تجذب قلوب الناس وتحببهم في الخطيب أو الداعية.
ولن يستطيع الخطيب أن يقف صادعًا بالحق، واثقًا مما يقول، وهو يعلم أن العيون تغمزه، والقلوب تمقته، وأنه ملوث السيرة، غير نقي الذيل.
فكأن الناس وهم ينغضون إليه رؤوسهم، ويرمون إليه بأبصارهم يقولون بلسان حالهم:
يا أيها الرجلُ المعلمُ غيرَه
…
هلّا لنفسِك كان ذا التعليمُ
تصفُ الدواءَ لذي السقام وذي
…
الضنى كيما يصحّ به وأنت سقيمُ
ونراك تُصْلِحُ بالرشادِ عقولَنا
…
أبدًا وأنتَ مِن الرشادِ عقيمُ
لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتَأتِيَ مِثلَه
…
عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ
واعلم أن الكلام إذا لم يخرج من القلب لم يصل إلى القلب، فكل خطيب وواعظ لا يكون عليه سيما الصلاح قَلّ أن ينفع الله به.
يا واعظَ الناسِ قد أصبحتَ متّهمًا
…
إذ عِبْتَ منهم أمورًا أنتَ تأتيها
كمُلبِسِ الثوبِ من عُري وعورتُه
…
للناس باديةٌ ما إنْ يُواريها
7 -
الشجاعة:
أن يكون الخطيب شجاعًا في قول الحق، مع التحلي بالحكمة وحسن التقدير للموقف، بعيدًا عن التهور والاندفاع غير المحسوب، فالشجاعة في قول الحق صفة أساسية لابد وأن يتحلَّى بها الخطيب؛ لأنه سيتعرض لأمور كثيرة فإن لم تكن عنده الشجاعة الكافية فلن يستطيع الوصول إلى الهدف والغاية المرجوة.
فالداعية والخطيب الناجح هو الذي يعتني بالدليل ويصبر على الأذى ويبذل وسعه في الدعوة إلى الله مهما تنوعت الإغراءات ومهما تلوع من التعب، ولا يضعف من أذى أصابه أو من أجل كلمات يسمعها، بل يجب أن يصبر ويبذل وسعه في الدعوة من جميع الوسائل.
8 -
فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
لما كانت الخطابة من المهام القيادية في الأمة، وجب أن تكون مضبوطة بضوابط الشرع حتى لا يكون إفسادها أكثر من إصلاحها. ولما كان الخطيب آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر فإنه ينبغي أن تتوفر فيه شروط الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، ومن أهم هذه الشروط أن يكون:
• متواضعًا.
• رفيقًا فيما يدعو إليه شفيقًا رحيمًا، غير فظ ولا غليظ القلب ولا متعنت
• عدلًا صائنًا نفسه عن أسباب الفسق، وما يجرح عدالته.
• فقيهًا عالما بالمأمورات والمنهيات شرعًا.
• ديِّنًا نزيهًا عفيفًا، ذا رأي، وصرامة، وشدة في الدين.
• قاصدًا بذلك وجه الله عز وجل وإقامة دينه، ونصرة شرعه، وامتثال أمره، وإحياء سننه، بلا رياء، ولا منافقة، ولا مداهنة.
• غير متنافس في الدنيا ولا متفاخر.
• ممن لا يخالف قوله فعله.
• حَسَن الخلق.