الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
54 -
باب (1) العرايا وغير ذلك
أي من بيع النخل المزبن، والعبد بما معه، والقبض في البيع، وحكم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام، وذكر في الباب ستة أحاديث:
الحديث الأول
283/ 1/ 54 - عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها"(2).
ولمسلم: "بخرصها تمراً، يأكلونها رطباً".
(1) في ن هـ زيادة (بيع)، وأيضاً في إحكام الأحكام (4/ 71)، وهي غير موجودة في متن العمدة.
(2)
البخاري أطرافه (2173)، ومسلم (1539)، والنسائي (7/ 267، ومالك (1/ 619)، وابن ماجه (2269)، ومعاني الآثار (4/ 28، 29)، والحميدي (399)، والترمذي (1302) ، والبيهقي في الكبرى (5/ 309، 311)، ومعرفة السنن والآثار له (8/ 98، 99)، وعبد الرزاق (14486)، وأحمد (5/ 182، 188، 190)، والشافعي في المسند (2/ 150)، والرسالة له (908).
الكلام عليه من وجوه:
الأول: في التعريف براويه وقد سلف في كتاب الصيام في الحديث الرابع منه.
الثاني "العريّة" مشددة الياء مشتقة من التعري وهو التجرد [وهي النخلة](1) يعريها صاحبها غيره ليجعل له ثمرتها عامة فيعروها أي يأتيها ويتردد إليها فهي عريّة بمعنى مفعولة كما قاله الهروي والجوهري (2) وغيرهما.
أو بمعنى فاعلة كما قاله الأزهري (3) والجمهور لأنها عريت من حكم ما في البستان فخلى مالكها عنها من بين نخله.
قال الجوهري (4): إنما دخلت فيها الهاء لأنها أفردت وصارت في عداد الأسماء مثل النطيحة، والأكيلة ولو جئت بها مع النخلة لقلت نخلة عري.
وقيل: سميت عريّة لأنها عريت من جملة التحريم وعلة المزابنة.
[الثالث:](5)[اختلف](6) العلماء في تفسير العرايا على أقوال:
(1) في ن هـ ساقطة.
(2)
في غريب الحديث (1/ 231، 293)(3/ 221)(4/ 154، 413) مع اختلاف في سياق الكلام. مختار الصحاح (183).
(3)
تهذيب اللغة (3/ 156).
(4)
مختار الصحاح (183).
(5)
في ن هـ بياض بمقدار كلمة.
(6)
في ن هـ (اختلفوا).
أحدها: أنها بيع الرطب على رؤوس النخل بقدر كيله من التمر خرصاً فيما دون خمسة أوسق قاله الشافعي وأحمد وآخرون فيخرص الخارص ما على النخلة أو النخلات من الرطب إذا يبس فيقول هذا الرطب الذي عليها إذا يبس يجيء منه أربعة أوسق من التمر مثلاً فيبيعه صاحبه بمثلها تمراً ويتقابضان في المجلس.
الثاني: هي أن يعرى الرجل أي يهب ثمرة نخلة أو نخلات ثم يتضرر بمداخلة الموهوب له فيشتريها منه بخرصها تمراً ولا يجوز ذلك لغير رب البستان قاله مالك.
قال القرطبي (1): وحاصل مذهبه أنها عطية ثمرة نخلة، أو نخلات من حائط، فيجوز لمن أعطيها أن يبيعها إذا بدأ صلاحها من كل أحدٍ بالعين والعروض ومن يعطيها خاصة بخرصها تمراً وذلك بشروط.
أحدها: أن يكون أقل من خمسة أوسق وفي الخمسة خلاف.
ثانيها: أن يكون بخرصها من نوعها وما فيها نخلاً وعنباً وفي غيرهما مما يوسق ويدخر للقوت [خلاف](2).
ثالثها: أن يقوم بالخرص عند الجذاذ.
رابعها: أن يكون المشتري جملتها لا بعضها.
خامسها: أن يكون بيعها عند طيبها، فلو باعها من المعرى قبل ذلك على شرط القطع لم يُجز، لتعدى محل الرخصة، ووافقه
(1) المفهم (5/ 2715).
(2)
في ن هـ ساقطة.
أحمد في تفسير العريّة كما نقله القاضي عنه قال: إلَاّ أنه خالفه في جواز بيعها من ربها وغيره وهو قول الأوزاعي لظاهر إطلاق الحديث وعموم بيعها.
ثالثها: هي أن يهب رجل ثمر نخلة أو نخلات ولم يقبضها الموهوب له فيريد الواهب أن يعطي الموهوب له تمراً ويتمسك بالثمرة قاله أبو حنيفة وأبو يوسف وإنما جاز له ذلك لأنه ليس من باب البيع بل من باب الرجوع في الهبة التي لم تجب بناء على أن الهبة لا تجب إلَاّ بالقبض وظواهر الأحاديث ترد هذا التفسير.
قال القرطبي (1): وهذا المذهب فيه إبطال لحديث العريّة [من أصله فيجب إطراحه. وذلك: أن حديث العريّة](2) تضمن بأنه بيع مرخص فيه في مقدار مخصوص. وأبو حنيفة: يلغي هذه القيود الشرعية. وادعى هو قبل ذلك أن الحاصل من نقل أهل اللغة أنها عطية لا بيع وقوى بذلك مذهبه وقواه الشيخ تقي الدين لشهرة تفسيرها بذلك من أهل المدينة وتداوله عندهم وبأن قوله في الحديث "رخص لصاحب [العريّة] (3) " يشعر باختصاصه بصفة يتميز بها عن غيره وهي الهبة الواقعة وانشدوا في تفسير العرايا قول الشاعر وهو سويد بن [الصامت](4) كما ذكره القرطبي:
(1) المفهم (4/ 394).
(2)
زيادة من ن هـ.
(3)
زيادة من ن هـ.
(4)
في الأصل ون هـ (الصلت)، وما أثبت من غريب الحديث أبي عبيد (1/ 231).
ليست بسنهاء ولا رجبية
…
ولكن عرايا في السنين الجوائح
ونقل النووي في "شرحه"(1): عن أحمد أن مذهبه في العرايا كمذهب الشافعي وهو مخالف لما أسلفناه عن حكاية القاضي عنه، قال: وظواهر الأحاديث ترد تأويل مالك وأبي حنيفة.
ونقل القرطبي (2): عن أحمد مثل ما نقله القاضي عياض عنه ولم يذكر عنه مخالفته في جواز بيعها من ربها وغيره ونقل عن إسحاق أيضاً بموافقتها كالأوزاعي ثم قال: وأما الشافعي: فلم يعرج في تفسيرها على اللغة المعروفة فيها.
قلت: قوله حجة في اللغة، قال: وكأنه اعتمد في مذهبه على تفسير يحيى بن سعيد -راوي الحديث- فإنه فسرها بما ذكره.
قال: وهذا لا ينبغي أن يعول عليه، لأن يحيى بن سعيد ليس صحابياً، فيقال: فهمه عن الشارع، ولا رفعه إليه، ولا ثبت به عرف غالباً شرعي حتى يرجحه على اللغة. وغايته أن يكون رأياً ليحيى، لا رواية له.
قلت: [يبعد](3) رجوع هذا إلى الرأي وقد وافق الشافعي (4)
(1) شرح مسلم للنووي (10/ 189).
(2)
المفهم (4/ 394).
(3)
في الأصل (ينظر)، وما أثبت من ن هـ.
(4)
انظر: تفسير النافعي-رحمنا الله وإياه- للعرايا في الأم (3/ 55)، وفي المعرفة والآثار للبيهقي (8/ 103)، وفي تهذيب اللغة للأزهري (3/ 155) فإنه قد قسمها إلى ثلاثة أصناف.
الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيدة وحكاه البغوي في شرح السنَّة" (1) عن أكثر الفقهاء.
قال القرطبي: ثم يعارضه تفسير ابن إسحاق (2)، فإنه فسرها بأن يهب الرجل الرجل النخلات، فيشق عليه أن يقوم عليها، فيبيعها بمثل خرصها، قال: ثم هو عين المزابنة المنهى عنها [ووضع رخصة في موضع](3) لا ترهق إليها حاجة أكيدة، ولا تندفع بها مفسدة، فإن المشترى لها بالتمر متمكن من بيع ثمره بعين [أو عروض، ويشتري بذلك رطباً](4).
قلت: قد يفسر ذلك وهذه رخصة من المزابنة فينبغي الأخذ بها: "فإن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه"(5).
(1)(8/ 87).
(2)
المفهم (4/ 394)، البخاري مع الفتح (4/ 390)، والترمذي (1300)، وأبو داود البيوع (3366) باب: تفسير العرايا، والبيهقي (5/ 310).
(3)
في الفتح (4/ 393) في قصة.
(4)
في الفتح (4/ 393)، وشرائه بالعين ما يريد من الرطب.
(5)
البزار (990)، والطبراني في الكبير (11880)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 276)، وعبد الرزاق (20569)، وذكره في مجمع الزوائد (3/ 162)، وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب، وقد جاء من رواية ابن عمر ولفظه:"إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته". أحمد (2/ 108) البزار (988، 989)، ومسند الشهاب (1078)، وابن الإِعرابي في معجمه (223/ 1)، وصححه الألباني في الإِرواء (3/ 9).
وعن عائشة رضي الله عنها في الثقات لابن حبان (7/ 185)، =
الرابع: قوله: "بخرصها" أي بحرزها، قال الجوهري (1):"الخرص" حرز ما على النخل من الرطب والاسم الخرص بالكسر، تقول كم خرص أرضك؟ وقال النووي (2): روى بخرصها بكسر الخاء وفتحها والفتح أشهر ومعناه: بقدر ما فيها إذا صار تمراً فمن فتح قال هو مصدر أي اسم [للفعل](3) ومن كسر قال [هو](4) اسم [للشيء](5) المخروص (6)، وقال القرطبي (7): الرواية هنا بالكسر.
وقوله: "تمراً" هو منصوب على التمييز.
وقوله: "رطباً" هو منصوب على الحال.
= والكامل لابن عدي (5/ 1718)، ولفظه:"إن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن يؤخذ بعزائمه". قلت: وما عزائمه؟ قال: فرائضه. وضعفه الهيثمي في المجمع (3/ 163).
وعن أبي هريرة عند أبي نعيم في أخبار أصفهان (1/ 286): وضعفه الألباني في الإِرواء (3/ 12). وعن ابن مسعود بلفظ: "إن الله عز وجل يحب أن تقبل رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه"، عند أبي نعيم في الحلية (2/ 101)، والطبراني في الكبير (10030)، وقد جاء من رواية أنس وأبي الدرداء وأبي أمامة ووائلة وابن الأسقع. انظر الإِرواء (3/ 10).
(1)
مختار الصحاح (79).
(2)
شرح مسلم (10/ 184).
(3)
في الأصل ون هـ (الفعل)، وما أثبت من شرح مسلم.
(4)
في الأصل ون هـ (إنه)، وما أثبت من شرح مسلم.
(5)
في الأصل ون هـ (الشيء)، وما أثبت من شرح مسلم.
(6)
انتهى كلام النووي -رحمنا الله وإياه-.
(7)
المفهم (5/ 2719).
الخامس: قد أسلفنا في الباب (1) قبله تحريم بيع المزابنة وتفسيرها وأن العرايا مستثناة منها ومن غيرها رخصة للحاجة إليها ولما كان التمر والزبيب مضبوطتين بالكيل والرطب والعنب بالخرص قريبتين إلى الضبط وعدم الخطأ في مقداره غالباً رخص فيه لضرورة الناس إليه وألحق الماوردي (2) البسر بالرطب وقياسه إلحاق الحصرم بالعنب.
السادس: يؤخذ من الحديث الرخصة في الرطب وإلحاق العنب به قياساً، وقال المحاملي (3) وابن الصباغ (4): نصا وقد أسلفنا آنفاً عن الماوردي البسر أيضاً، [وهل يتعدى إلى غيرهما من الثمار فيه قولان للشافعي: أصحهما: المنع، والثانى: نعم للحاجة كما جوز في العنب القياس] (5).
السابع: يؤخذ منه أيضاً أن الرخصة عامة بجميع الناس الأغنياء والفقراء حيث أطلق الرخصة من غير تقييد بأحد وهو أصح قولي
(1) ص 97.
(2)
الحاوي الكبير (5/ 218).
(3)
أحمد بن محمد بن أحمد أبو الحسن المحاملي البغدادي، ولد سنة ثمان وستين وثلاثمائة وتوفي في ربيع الآخر سنة خمس عشرة وأربعمائة. طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 174)، وفيات الأعيان (1/ 57).
(4)
عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن الصباغ، ولد سنة أربعمائة وتوفي في جمادى الأولى، وقيل: في شعبان سنة سبع وسبعين وأربعمائة. وفيات الأعيان (2/ 385)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 251).
(5)
في ن هـ ساقطة.
الشافعي. والثاني: أنها تختص بالفقراء لأنهم سبب الرخصة كما ذكره الشافعي في "الأم"(1) لكن بغير إسناد وحكاه الشيخ تقي الدين وجها (2) وتبع الفوراني (3) في ذلك ومثار الخلاف أن اللفظ العام إذا ورد على سبب خاص هل يخصصه أو هو على عمومه وفيه خلاف أصولي (4).
(1) نقل الماوردي -رحمنا الله وإياه- في الحاوي (5/ 218) عن الشافعي جوازها للمضطر المعسر وللغني الموسر بخلاف ما ذكره في اختلاف الحديث (267) فإنه يفهم منه أنها خاصة بالفقراء. وقد ناقش ابن حجر -رحمنا الله وإياه- هذا الاستدلال، وقال: على تقدير صحته فليس فيه حجة للتقيد بالفقير لأنه لم يقع في كلام الشارع وإنما ذكره في القصة
…
إلخ (4/ 392، 393).
(2)
أحكام الإِحكام (4/ 74).
(3)
هو عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن فوران، توفي في شهر رمضان سنة إحدى وستين وأربعمائة عن ثلاث وسبعين سنة. لسان الميزان (3/ 433)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 248).
(4)
قال في تقريب الوصول (144): ولا يخصص العموم وروده على سبب خاص خلافاً للشافعي قال محققه:
محل الخلاف في هذه المسألة إذا لم توجد قرينة على التخصيص ولا على التعميم غير اللفظ نفسه والقولان: العموم والقصر على السبب منقولان عن مالك والشافعي وكثير من أصحابهما والقول بالعموم للجمهور ومن أمثلة اللفظ العام الوارد على سبب خاص: قصة الأنصاري الذي قبّل الأجنبية، ونزل به قوله تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} . قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ألي هذه يا رسول الله، ومعنى ذلك هل حكم هذه الآية يختص بي لأني سبب نزولها، فأفتاه النبي صلى الله عليه وسلم بأن العبرة بعموم لفظ: =
الثامن: يؤخذ من إطلاق الرواية الأولى: جواز بيع الرطب على رؤوس النخل برطب على رؤوس النخل خرصاً فيهما أو برطب على وجه الأرض كيلا، لكن الرواية الثانية: مقيدة بجواز بيع خرصها تمراً يأكلونها رطباً فيؤخذ منها عدم بيع العريّة بالرطب على الشجر وبالرطب على الأرض.
وقد اختلف أصحابنا فيما إذا باع رطباً بمثله على أوجه:
أصحها: المنع لأنه ليس في معنى الرخصة.
وثانيها: يجوز لأنه قد يشتهي ما عند غيره وفي "الصحيح"(1) من حديث زيد بن ثابت أنه عليه الصلاة والسلام (رخص في بيع العريّة بالرطب أو بالتمر) ولم يرخص في غير ذلك وهو دال لهذا الوجه ويتأوله. الأول: بأن "أو" هنا للشك لا للتخيير والإِباحة بل معناها رخص في بيعها بأحد النوعين وشك فيه الراوي فيحمل على أن المراد التمر كما صرح به في سائر الروايات.
وثالثها: إن اختلف النوع جاز وإلَاّ فلا.
ورابعها: إن كان أحدهما على الأرض لم يجز وإن كانا على النخل، فإن اختلف النوع جاز وإلَاّ فلا، ولو باع الرطب على الأرض، بالرطب على الأرض، لم يجز وجهاً واحداً. لأن أحد
= "إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ" لا بخصوص السباب حيث قال: "بل لأمتي كلها"، وهو نص نبوي في محل النزاع. اهـ.
(1)
البخاري (2184)، ومسلم (1539)، وقد ورد بلفظ "بالرطب وبالتمر ولم يرخص في غير ذلك". أخرجه النسائي (7/ 267)، والطبراني في الكبير (5/ 111)، والبيهقي (5/ 311).
المعاني في الرخصة أكل الرطب على التدريج طرياً وذلك لا يحصل بما على وجه الأرض كذا قطع به الشيخ تقي الدين (1) وتبعه ابن العطار عليه وليس كما قطعا به فقد قال القفال: إنه على الخلاف لأنه إذا جاز البيع وهما على النخل واحتملت جهالة الخرص فالجواز مع تحقق المساواة بالكيل أولى.
قلت: وليس ببعيد.
فرع: لو باع رطباً مقطوعاً مخروصاً تمراً بتمر فوجهان بناء على أن الخرص أجل أم لا حكاه إمام الحرمين، وقال المحاملي: لا خلاف في بطلانه.
التاسع: يؤخذ من الحديث أيضاً نظر الإِمام لرعيته وفكره في مصالحهم وما يحتاجون إليه من أمور دنياهم على وجه الشرع.
…
(1) أحكام الإِحكام (4/ 74).