المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني 272/ 2/ 52 - عن حكيم بن حزام رضي - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٧

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني 272/ 2/ 52 - عن حكيم بن حزام رضي

‌الحديث الثاني

272/ 2/ 52 - عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا -أو قال: حتى يتفرقا- فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا، محقت بركة بيعهما"(1).

الكلام عليه من وجوه:

الوجه الأول: هذا الحديث باللفظ المذكور هو للبخاري (2) في، "باب: إذا بيَّن البيعان ولم يكتما ونصحاً".

رواه مسلم (3) في صحيحه بدون قوله: "أو قال حتى يتفرقا" وقال: "وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما"، ثم قال مسلم: وُلد حكيم بن حزام في جوف الكعبة وعاش مائة وعشرون سنة. وفي

(1) البخاري أطرافه (2079)، ومسلم (1532)، وأبو داود في البيوع (3459) باب: خيار المتبايعين، والنسائي (7/ 244، 245)، والدارمي (2/ 250) ، والطيالسي (1316)، والترمذي (1246)، والبيهقي (5/ 269) ، والبغوي (2051)، وأحمد (3/ 402، 403، 434).

(2)

البخاري (4/ 309) ح (2079).

(3)

مسلم (1532).

ص: 19

رواية للبخاري (1): "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"، قال: همام -أحد رواته- وجدت في كتابي: "يختار ثلاث مراراً -فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما فعسى أن يربحا ربحاً ويمحقا بركة بيعهما". وقال أبو داود: في "سننه"(2): أما همام فقال: "حتى يتفرقا أو يختارا ثلاث مرار".

الوجه الثاني: في التعريف براويه هو حكيم -بفتح الحاء المهملة وكسر الكاف- بن حِزام -بكسر الحاء المهملة ثم زاي مفتوحة- بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، أبو خالد الأسدي المكي، ابن أخي خديجة رضي الله عنهما أسلم عام الفتح هو وبنوه: عبد الله، وخالد، ويحيى، وهشام، وشهد بدراً مشركاً، وكان إذا اجتهد في يمينه يقول: والذي نجاني أن أكون قتيلاً يوم بدر. وروي عنه أنه قال: ولدت قبل قدوم أصحاب الفيل بثلاث عشرة سنة، وأعقل حين أراد عبد المطلب أن يذبح ابنه عبد الله حين وقع فدى قبل أن يولد النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنين، وولد حكيم في جوف الكعبة كما سلف، ولا نعرف من ولد بها غيره وأما ما روي أن علياً ولد في جوفها فلا يصح. وعاش مائة وعشرين سنة؛ ستين في الجاهلية وستين في الإِسلام، قاله إبراهيم بن المنذر، واستشكله فإنه من مسلمة الفتح، وأوَّل على أن المراد بالإِسلام من حين ظهوره لا من حين إسلامه، فإنه مات بالمدينة سنة أربع وخمسين في قول جماعة، وقال البخاري: سنة ستين، وقيل: سنة

(1) البخاري (2114).

(2)

أبو داود (3459).

ص: 20

خمسين حكاه ابن حبان في "ثقاته"، قال ابن الصلاح في "علوم الحديث": وعاش أيضاً حسان بن ثابت كحزام، قال: ولا يعرف لهما ثالث.

قلت: هذا عجيب، فلهم ثالث ورابع وخامس وسادس وسابع وثامن وتاسع وقد ذكرتهم في "المقنع في علوم الحديث" فاستفدهم منه (1).

أعتق حكيم في الجاهلية مائة رقبة، وأعتق في الإِسلام مثلها، وساق في الجاهلية مائة بدنة، وساق في الإِسلام مثلها، وقال عليه الصلاة والسلام له:"أسلمت على ما سلف لك من خير" وحج ومعه مائة بدنة، قد جللها بالحبرة وكفها عن أعجازها وأهداها، ووقف بمائة وصيف بعرفة في أعناقهم أطواق الفضة منقوش بها عتقاء لله عن حكيم بن حزام، وأهدى ألف شاة.

وكان سيداً فاضلاً غنياً، وكان ممن حسن إسلامه من المؤلفة. روى له عن النبي صلى الله عليه وسلم أربعون حديثاً اتفق البخاري ومسلم على أربعة منها، وروى عنه ابنه حزام (2) وسعيد بن المسيب وجماعة، وترجمته

(1) المقنع (ص 648): حويطب بن عبد العزي، حمنن بن عوف بن عبد عوف أخو عبد الرحمن بن عوف، سعيد بن يربوع، النابغة الجعدي، لبيد بن ربيعة، أوس بن مَغْراء السعدي، نوفل بن معاوية، واللجلاج. وانظر: ريح النسرين فيما عاش من الصحابة مائة وعشرين للسيوطي، فإن هذا على الإِطلاق.

(2)

قال مصعب الزبيري: لم يكن لحكيم بن حزام ابن يقال له: حزام. اهـ. من المؤتلف والمختلف للدارقطني (576)، وكذا نقل البخاري في =

ص: 21

موضحة فيما أفردته في الكلام على رجال هذا الكتاب فراجعها منه (1).

فائدة: حكيم -بفتح الحاء- يشتبه بحُكيم -بضمها- وهم جماعة، وبحليم -وباللام بدل الكاف- منهم الحليمي الإِمام فإنه نسبة إلى جده حليم.

وحزام: -بالحاء والزاي- يشتبه بأربعة أشياء أخر محل الخوض فيها كتب المؤتلف والمختلف (2)، وقد ذكرتهم في مختصري في ذلك.

= التاريخ الكبير (2/ 1/ 116)، ولم يذهب المصعب في نسب قريش (231)، ولا الزبيري في جمهرة نسب قريش (1/ 353) فما بعدها أن له ولداً باسم (حزام)، اهـ. من حاشية المؤتلف.

وقد ورد في حديث أخرجه أبو داود في الإِجارة (3503) باب: الرجل يبيع ما ليس عنده الترمذي (1232)، والنسائي (7/ 289)، ولفظه عن حزام بن حكيم عن أبيه:"قلت يا رسول الله: إن الرجل ليأتيني، فيريد مني البيع، وليس عندي ما يطلب، أفأبيع منه .. قال: لا تبع ما ليس عندك".

(1)

للاستزادة انظر: الإِصابة (1/ 348)، وأسد الغابة (1/ 522)، والجرح والتعديل (3/ 202)، والبداية والنهاية (8/ 68)، وسير أعلام النبلاء (3/ 44)، والمستدرك (3/ 285، 482)، وصحيح البخاري، ومسلم الطبقات الكبرى (1/ 497، 2/ 16، 135 - 152)(3/ 40، 78، 79).

(2)

المؤتلف والمختلف هو ما اتفق في الخط صورتُهُ، وافترق في اللفظ صيغته، وهو من أجل فنون علوم الحديث، حيث يكثروهم الرواة، ولا يتقنه إلَاّ عالم كبير حافظ، إذ لا يتميز فيه وجه الصواب بالقياس، ولا النظر، وإنما هو الضبط والتوثيق في النقل.

وقال ابن الصلاح: "هو فن جليل، ومن لم يعرفه من المحدثين كثر عثاره، ولم يعدم مخجلاً". اهـ. والمؤلفات في هذا الفن كثيرة.

ص: 22

الوجه الثالث: تقدم في الحديث قبله الكلام على توقيت خيار المجلس وما يتعلق به.

وقوله: "ما لم يتفرقا، أو قال -حتى يفترقا-" هو شك من الراوي.

وقوله عليه الصلاة والسلام: "فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما". أي بين كل واحد منهما لصاحبه ما يحتاج إلى بيانه من عيب ونحوه في السلعة والثمن وصدق في ذلك وفي الإِخبار بالثمن وما يتعلق بالعوضين، فالصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة (1).

ومعنى البركة في بيعهما: حصول النماء والزيادة.

وقوله: "وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما" أي ذهبت بركته

(1) ورد من رواية ابن مسعود رضي الله عنه ولفظه: "إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذاباً". أخرجه البخاري (6094)، ومسلم (2607)، وأحمد (1/ 393، 439)، والطيالسي (2/ 41، 42)، والترمذي (1972)، وأبو داود في الأدب (4989)، باب: في التشديد في الكذب، والسنة للبغوي (13/ 152).

وورد أيضاً مثله في الترغيب في الصدق عن أبي بكر رضي الله عنهما ولفظه: "ألا وعليكم بالصدق فإنه مع البر وهما في الجنة، وإياكم والكذب، فإنه مع الفجور وهما في النار" الحديث. أخرجه أحمد (1/ 3، 5، 7)، ابن ماجه (3849)، والحميدي (7).

ص: 23

وهي الزيادة والنماء، وقد روى الترمذي من حديث أبي سعيد مرفوعاً (التاجر الصدوق مع النبيين والصديقيين والشهداء) قال الترمذي (1): حديث حسن.

وحقيقة الصدق: النهي عن مطالعة النفس بحيث لا يحصل لها إعجاب بالعمل وأقله استواء السر والعلانية، كما قاله القشيري، وقال سهل: لا يشم رائحة الصدق عبد واهن نفسه أو غيره، ودرجات الصدق غير منحصرة وبعد ذلك كله فالسائل مسؤول عن صدقه، قال تعالى:{لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} (2).

الوجه الرابع: يؤخذ من الحديث ستة أحكام.

أولها: ثبوت خيار المجلس كما علمته.

ثانيها: وجوب الصدق في البيع بذكر مقدار أصل الثمن في الإِخبار، وما في الثمن أو السلعة من عيب وغيره.

ثالثها: تحريم الكذب في ذلك.

(1) الترمذي (1209)، والدارمي (2/ 247)، والسنة للبغوي (8/ 4)، والدارقطني (3/ 7)، والدر المنثور (2/ 144) ، والحاكم (2/ 6)، والحديث فيه رجل لا يعرف أبو حمزة عبد الله بن جابر وأيضاً عدم سماع الحسن من أبي سعيد وقد ورد له شاهد من رواية ابن عمر عند ابن ماجه (2139) والحاكم (2/ 6) وفيه رجل ضعيف واسمه كلثوم بن جوشن القشيري. قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 387): هذا الحديث لا أصل له وكلثوم ضعيف الحديث. اهـ.

(2)

سورة الأحزاب: آية 8.

ص: 24

رابعها: الحث على تعاطي الصدق، وعلى منع تعاطي الكذب.

خامسها: أن الصدق سبب البركة، والكذب سبب محقها.

سادسها: ذكر الصدق وإن ضر ظاهراً، وترك الكذب وإن زاد ظاهراً، فإنه يضر باطناً وظاهراً.

فائدة: سئل ثعلب (1): هل بين "يفترقان" أو "يتفرقان" فرق؟

فقال: نعم، أخبرنا ابن الأعرابي (2) عن المفضل (3)، قال: يفترقان بالكلام، ويتفرقان بالأبدان.

(1) أحمد بن يحيى ثعلب ولد سنة مائتين ووفاته سنة إحدى وتسعين ومائتين. انظر: تاريخ العلماء النحويين (181)، ومراتب النحويين (151)، وتاريخ بغداد (5/ 204).

(2)

محمد بن زياد الأعرابي ولد سنة خمسين ومئة، وتوفي سنة إحدى وثلاثين ومئتين. انظر: تاريخ العلماء النحويين (205)، وإشارة التعيين (311)، وتاريخ بغداد (5/ 282، 285).

(3)

المفضل بن محمد بن يعلى الضبي. توفي سنة ثماني وسبعين ومئة. انظر: تاريخ العلماء النحويين (214)، وتاريخ بغداد (13/ 121، 122)، وإشارة التعيين (352).

ص: 25