المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌53 - باب ما نهى عنه من البيوع ذكر فيه رحمه - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٧

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌53 - باب ما نهى عنه من البيوع ذكر فيه رحمه

‌53 - باب ما نهى عنه من البيوع

ذكر فيه رحمه الله عشرة أحاديث:

‌الحديث الأول

273/ 1/ 53 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"نهى عن المنابذة"، وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى رجل قبل أن ينظر إليه، أو يقلبه، "ونهى عن الملامسة"، والملامسة: لمس (1) الثوب لا ينظر إليه (2).

الكلام عليه من وجوه:

أحدها (3): المنابذة: -بالذال المعجمة- مفاعلة من نبذ

(1) في متن عمدة الأحكام زيادة: (الرجل) وهي موجودة في صحيح مسلم.

(2)

البخاري (2144، 2147)، ومسلم (1512)، وأبو داود (3377، 3378، 3379) في البيوع، باب: بيع الغرر، والنسائي (7/ 260، 261)، وابن ماجه (2170)، وابن الجارود (592)، والبيهقي (5/ 341، 342)، وعبد الرزاق (14987)، وابن أبي شيبة (7/ 43)، والدارمي (2/ 253).

(3)

إحكام الأحكام (4/ 30)، وانظر: الاستذكار (20/ 193) للاطلاع على تعريف العلماء للمنابذة.

ص: 26

الشيء نبذه إذا طرحه، وقد فسرها في الحديث بعدم تقليبه ورؤيته، وفيه تأويلات أخرى.

أحدها: أن يجعلا نفس النبذ بيعاً قائماً مقام الصيغة، وهذا تأويل الشافعي رضي الله عنه ووجه النهي: فقدان الصيغة، نعم يجيء فيه الخلاف في المعاطاة، فإن المنابذة مع قرينة البيع هي نفس المعاطاة.

ثانيها: أن يقول: بعتك على أني إذا نبذته إليك لزم البيع.

ثالثها: أن المراد به نبذ الحصى فيجعل ما وقعت عليه مبيعاً، أو غاية لمساحة ما وقعت عليه من الأرض المبيعة أو تعليق مدة الخيار المشروط على نبذها (1).

وفي "صحيح مسلم"(2) في هذا الحديث أن المنابذة:- "أن ينبذ الرجل إلى الرجل ثوبه وينبذ الآخر إليه ثوبه. ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراض"، يعني أنه يجب البيع بنفس النبذ، ولا يبقى لواحد منهما خيرة في حله، وبهذا تحصل المفسدة العظيمة، إذ لا يدري أحدهما ما حصل له، فيعم الخطر، ويكثر القمار والضرر.

الوجه الثاني: الملامسة (3): مفاعلة، وأصلها: لا تكون إلَاّ بين

(1) وقد ذكرها النووي في شرح مسلم.

(2)

انظر: تخريج حديث الباب.

(3)

انظر: إحكام الأحكام (4/ 27)، وفتح الباري (4/ 359)، الاستذكار (20/ 193) للاطلاع على تعريف العلماء للملامسة.

ص: 27

اثنين، وأصلها: من لمس يلمس -بضم الميم وكسرها- إذا أجرى يده على الشيء، وقد فسرها في الحديث "بلمس الثوب لا ينظر إليه" وفيه تأويلات أخرى:

أحدها: جعل نفس اللمس بيعاً بأن يقول: إذا لمست ثوبي فهو مبيع منك بكذا.

ووجه النهي: التعليق والعدول عن الصيغة الموضوعة للبيع شرعاً. وقال المتولي من الشافعية: له حكم المعاطاة.

وثانيها. أن يبيعه على أنه إذا لمس الثوب فقد وجب البيع، وانقطع الخيار.

ووجه النهي: وجود الشرط الفاسِد.

ثالثها: وهو تفسير الشافعي رضي الله عنه أن يلمس ثوباً مَطْوِيٍّ أو في ظلمة، ثم يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه (1). وفي "صحيح مسلم" (2):"والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار، ولا يقلبه إلَاّ بذلك"، وفيه من رواية أبي هريرة (3): "أما

(1) الاستذكار (20/ 196).

(2)

من رواية أبي سعيد، انظر: أول الحديث.

(3)

في صحيح مسلم (1511)(2). والحديث أخرجه البخاري أطرافه (368)، ومسلم (1511)، والترمذي (1310) ، والنسائي (7/ 259، 260، 261)، وابن ماجه (2169)، والموطأ (2/ 666)، والبيهقي (5/ 241)، وأحمد (2/ 144، 380، 476، 480)، وابن أبي شيبة (7/ 43).

ص: 28

الملامسة: فأن يلمس كل واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل".

ووجه النهي: فيه أنه بيع غائب ومن يصحح بيع الغائب يبطله أيضاً، فإن فيه إقامة اللمس مقام النظر، وهل يخرج على صحة نفي خيار الرؤية؟ (1).

الوجه الثالث: هذان البيعان فاسدان على جميع التأويلات وهما من بياعات الجاهلية، ورواية المصنف تقتضي أن يكون الفساد من جهة عدم النظر والتقليب، فإن كان هذا التفسير من جهة الشارع صلى الله عليه وسلم فيتعين المصير إليه دون غيره، وكذا إن كان من الصحابي (2)، فإنه يترجح على غيره من تفسير التابعي وغيره، وحينئذ يستدل على منع بيع الأعيان الغائبة عملاً بالعلة، ومن يشترط

(1) قال أبو عمر ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (20/ 196): هذا قول الشافعي، يدل على صحة ما روي عنه، وما روى الربيع عنه في أنه يجيز البيع على خيار الرؤية. اهـ.

(2)

قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (4/ 359) وهذا التفسير الذي في حديث أبي هريرة اقعد بلفظ الملامسة والمنابذة، لأنها مفاعلة، فتستدعي وجودَ الفعل من الجانبين، وظاهره أنه مرفوع، لكن وقع للنسائي -انظر: تخريجه- ما يشعر بأنه من كلام من دونه صلى الله عليه وسلم ولفظه: وزعم أن الملامسة أن يقول الرجل للرجل: أبيعك ثوبي بثوبك، ولا ينظر واحد منهما إلى ثوب الآخر، ولكن يلمسه لمساً، وأما المنابذة فأن يقول: انبذ ما معي وتنبذ ما معك ليشتري أحدهما عن الآخر، ولا يدري كل واحد منهما كم مع الآخر ونحو من هذا الوصف، فالأقرب أن يكون ذلك من كلام الصحابي لبعده أن يعبر الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ "زعم". اهـ.

ص: 29

الصفة فيه لا يكون الحديث دليلاً عليه لأنه لم يذكر فيه وصفاً، ثم في كلا الموضعين يحتاج إلى الفرق بين المعاطاة وبين هاتين الصورتين، فإذا عُلل بعدم الرؤية المشروطة: فالفرق ظاهر، وإذا فسر بأمر لا يعود إلى ذلك: احتيج حينئذٍ إلى الفرق بينه وبين مسألة المعاطاة (1) عند من يجيزها.

تنبيه: وقع في "شرح الفاكهي" أن تفسير المنابذة والملامسة من عند المصنف وهو من الأعاجيب، فإنه ثابت في نفس الحديث، وقد تقدم أنه يحتمل أن يكون مرفوعاً وموقوفاً على الصحابي.

خاتمة: استدل بعض المالكية بهذا الحديث على بيع المعاطاة، فإنه علل النهي بعدم الرؤية، فعند وجودها يلزم البيع.

قال: وفيه دلالة أيضاً على جواز بيع الأعمى وشرائه، لأنه علل بعدم النظر إليه، وفيها ثلاثة أقوال عند المالكية، ثالثها: الفرق بين ما يدرك باللمس أو الشم دون غيره، واستحسنه اللخمي، والأصح عند الشافعية أنه لا يصح مطلقاً إلَاّ إذا رأى شيئاً قبل العمى مما لا يتغير وصفه، وصححنا ذلك من البصير.

(1) مسألة المعاطاة: هو التعاقد بالمبادلة الفعلية الدالة على التراضي دون تلفظ بإيجاب أو قبول. مثالها: أن يأخذ المشتري المبيع، ويدفع الثمن، أو بالعكس. ويسمى بيع المعاطاة، أو التعاطي أو المراوضة.

ص: 30