المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثالث 295/ 3/ 57 - وعنه قال جاء بلال إلى - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٧

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌الحديث الثالث 295/ 3/ 57 - وعنه قال جاء بلال إلى

‌الحديث الثالث

295/ 3/ 57 - وعنه قال جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر بَرْنيٍّ. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "من أين هذا"؟ قال بلال: كان عندنا تمر رديءٌ، فبعت منه صاعين بصاع ليطعم النبي صلى الله عليه وسلم.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عند ذلك: "أوه (1)، عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتر به"(2).

الكلام عليه من وجوه:

وبلال: تقدمت الإِشارة إلى ترجمته في أول الأذان.

الأول: هذا الحديث أخرجه مسلم كذلك إلَاّ أنه قال: "ولكن إذا أردت أن تشتري التمر فبعه ببيع آخر، ثم اشتر به"، وقال:"لمطعم" بدل "لتطعم".

(1) في إحكام الأحكام مكررة وسيأتي الكلام عليه.

(2)

البخاري (2201)، ومسلم (1593)، والنسائي (7/ 271، 272)، وفي الكبرى له (4/ 25)، والبيهقي (5/ 291)، والبغوي (2064)، والدارقطني (3/ 17)، وأحمد (3/ 62)، والدارمي (2/ 257، 258)، وابن الجارود (ح 653).

ص: 331

وأخرجه البخاري (1) في باب: إذا باع الوكيل شيئاً فاسداً فبيعه مردود: بلفظ المصنف سواء إلَاّ أنه قال: "أوَّه، أوَّه، عين الربا لا تفعل" مرتين.

ووقع في شرح الشيخ تقي الدين وغيره: تكرار "عين الربا" دون "أوَّهْ"(2) وكذا هو في "العمدة الكبرى" للمصنف.

الثاني: في ألفاظه:

الأول: "البرني" بالفتح ضرب من التمر أصفر مدور، واحدته برنية، وهو أجود التمر، كما قاله صاحب "المحكم"(3).

وقال أبو حنيفة الدينوري (4): أصله فارسي معرب ودعوى صاحب "التنبيه" أن المعقلي أجود منه ليس كما قاله وقد تبدل من يائه جيم قال الراجز:

المطعان اللحم بالعشج

وبالغداةِ [قلق](5) البرنِجَّ

(1) الفتح (4/ 490)، ح (2312).

(2)

إحكام الأحكام (4/ 112)، وبالنسخ التي بين يدي مكررة مرتين.

(3)

لسان العرب (1/ 392).

(4)

هو أحمد بن داود بن ونند الدينوري المتوفي سنة (282)، له كتاب ما تلحن فيه العامة، كتاب: النبات، كتاب: الأنواء، وما نقله عنه في لسان العرب (1/ 392).

(5)

في قصد السبيل (1/ 275) كسر. وأيضاً في لسان العرب (1/ 392)، وقبله:

خالي عُوَيْفٌ وأبو عَلِجَّ =

ص: 332

يريد بالعشى وقلق البرني.

قال الجويني في "فروقه"(1): في الزكاة كنت بالمدينة فدخلا أصدقائي، فقال: كنا عند الأمير فتذاكروا أنواع تمر المدينة، فبلغت أنواع الأسود ستين نوعاً، ثم قالوا: وأنواع الأحمر؟ فبلغت هذا المبلغ.

فائدة: رأيت أن أذكرها هنا: وقع في شرح "ألفاظ المختصر" للأزهري (2) أن العجوة جنس من التمر معروف، وأنها ألوان، وأن الصيحاني الذي يحمل من المدينة منها. وكلام "الموطأ" صريح في تغايرها.

= وبعدهما:

يُقلَعُ بالوَدِّ و [بالصَّيصِجِّ]

في قصد السبيل: وبالصيصي.

ومعنى "بَرْنّي" أصله "بارني" فالبار: الحمل. وني تعظيم ومبالغة.

ويذكر عن الخفاجي: أن "بر" بمعنى حمل "وني" بمعنى جيد. اهـ. من قصد السبيل.

(1)

هو عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن حيويه أبو محمد الجويني يلقب بركن الإِسلام توفي بنيسابور في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة. وفيات الأعيان (2/ 250)؛ وطبقات الشافعية (3/ 308)؛ وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 209)، له كتاب الفروق مجلد ضخم.

(2)

في الزاهر: (157، 200) هو محمد بن أحمد ابن الأزهر أبو منصور الأزهري الهروي. "تهذيب اللغة"، و"شرح مشكل ألفاظ مختصر المزني"، واسمه "الزاهر في غرائب ألفاظ الإِمام الشافعي الذي نقله عنه المزني" توفي سنة سبعين وثلاثمائة.

سير أعلام النبلاء (16/ 315)، وطبقات الشافعية للنووي (1/ 83).

ص: 333

لا جرم قال المحب الطبري في "أحكامه": في أول الجنائز لم أر ذلك لغيره، والمشهور عند أهل المدينة المغايرة بين العجوة والصيحاني.

الثاني: "الرديء" مهموز.

الثالث: "يطعم" بفتح العين أي يأكل، والماضي مكسور العين.

الرابع: "أوه" كلمة توجع وتحزن، كما قاله أهل اللغة وهي مشددة الواو، ويقال: بالمد والقصر.

وقال القاضي (1): وقد قيل أيضاً أووه بضم الواو ومدها.

وقد قيل في قوله تعالى: {أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75)} ، أي: كثير التأوه خوفاً وشفقة، وهو من هذا.

(1) قال القاضي عياض -رحمنا الله وإياه- في مشارقه (1/ 52)، قوله:"أوه عين الربا" رويناه بالقصر وتشديد الواو وسكون الهاء. وقيل: بمد الهمزة قالوا: ولا موضع لمدها إلَاّ لبعد الصوت. وقيل: بسكون الواو وكسر الهاء ومن العرب من يمد الهمزة ويجعل بعدها واوين اثنين فيقول: أووه وكله بمعنى التذكير والتحزن ومنه: "إن إبراهيم لا واه" في قول أكثرهم أي كثير التأوه شفقاً وحزناً وقيل أوه دعاء وهو يرجع إلى قريب منه. وأنشد البخاري تأوه أهة الرجل الحزين. كذا للأصيلي مشدداً وللقابسي وأبي ذر آهة بالمد وكلاهما صواب أي توجع الرجل الحزين وفي رواية ابن السماك عن المروزي أوهة وهو خطأ. اهـ.

انظر: فتح البخاري (4/ 490).

ص: 334

وقال النووي في "شرحه"(1): بعد أن نقل أهل اللغة أن "أوه" كلمة تحزن وتوجع في هذه الكلمات لغات، الصحيحية المشهورة في الروايات "أَوَّه" بهمزة مفتوحة، ثم واو مفتوحة مشددة، وهاء ساكنة.

ويقال: بنصب الهاء منونة.

ويقال: "أوه" بإسكان الواو وبكسر الهاء منونة وغير منونة بلا هاء.

ويقال: "أوّ" بتشديد الواو منونة بلا هاء.

ويقال: "اآه" بمد الهمزة وتنوين الهاء مكسورة من غير واو.

الخامس: معنى "عين الربا" حقيقة الربا وآكده وفي رواية البخاري بالتكرار.

السادس: "بيع التمر ببيع آخر" الألف واللام في التمر للعهد في الرديء لا للجيد.

وقوله: "ثم اشتر به" يعني به الصاع الجيد، ويكون المعنى بعه على صفقة أخرى، أو على معنى زيادة "الباء" كأنه قال: بعه بيعاً آخر.

قال الشيخ تقي الدين (2): يحتمل هذا، ويحتمل أيضاً أن يريد

(1) شرح مسلم (11/ 12)، انظر: لسان العرب فقد ساق لغات كثيرة ومعانيها (1/ 274).

(2)

إحكام الأحكام (4/ 114).

ص: 335

به بمبيع -أي أقام المفعول- كما قالوا: أنت رجائي بمعنى مرجوي، ويراد به الثمن ويقويه قوله:"ثم اشتر به" وبأن زيادة الباء في مثل هذا ليس بقياس وجزم غيره من الشراح بالأول، وقال عود المعنيين إلى محلين أولى من عودهما إلى محل خصوصاً إذا استقام المعنى به.

الوجه الثالث: في أحكامه:

فيه أن للإِنسان أن يبحث عما يستريب فيه حتى يكشف له حاله، كذا استنبطه منه القرطبي (1) وعبارة غيره: فيه أن للإِنسان أن يستخبر عن الطعام الذي لا يعلم أصله، وإن كان ظاهر الآتي به حسناً ليس في ذي ظالم ونحوه، أو الآتي به معروفاً عند الذي آتى به إليه، وهو خلاف ما ذكره الغزالي في بعض كتبه.

الرابع: النص على تحريم ربا الفضل في التمر، وهو إجماع إلَاّ من خصص الربا بالنسيئة، وقد رجع عنه، كما أسلفت في الحديث الأول.

الخامس: اهتمام التابع بمتبوعه في أكله وجميع أموره، وإطعامه الجيد الطيب دون الرديء، وإعلامه بذلك.

السادس: السؤال عن تصرف المتبوع له عن كيفيته وهو راجع إلى الأول.

السابع: تعليم العلم وتقبيح المحرم بتجنبه، وتعلم غيره. قال القاضي: وإنما يؤدبه على ما فعل، لأنه كان في أوائل تحريم الربا.

(1) المفهم (5/ 2849).

ص: 336

الثامن: ما احتج به الشافعي ومن وافقهم على استعمال الحيل في البياعات في مسألة العينة (1)، كما يفعله بعض الناس، توصلاً إلى مقصود الربا، بأن يريد أن يعطيه مائة بمائتين، فيبيعه ثوباً بمائتين، ثم يشتريه منه بمائة، وموضع الدلالة من الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال له "بعه واشتره ببيع آخر" ولم يقصد بذلك سوى الخلاص من القدر الممنوع منه شرعاً، وهو عدم التماثل في الربويات [لا كثرة ولا غيرها](2)، ولم يفصل بين أن يشتري من المشترى أو من غيره، فدل على أنه لا فرق وبهذا قال أبو حنيفة أيضاً: كما نقله عنه القاضي.

وخالف مالك وأحمد وغيرهما فقالوا: إنه حرام.

ويجيبوا: بأن الحديث مطلق لا عام، فيحمل على بيعه من غير البائع، أو على غير صورة المنع. فإن المطلق يكتفي في العمل به بصورة واحدة. وفي هذا الجواب نظر، كما أبداه الشيخ

(1) قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (4/ 400)، واستدل به على جواز بيع العينة وهو أن يبيع السلعة من رجل بنقد ثم يشتريها منه بأقل من الثمن لأنه لم يخص بقوله:"ثم اشتر بالدراهم جنيباً" غير الذي باع له الجمع، وتعقب بأنه مطلق، والمطلق لا يشمل ولكن يشيع فإذا عمل به في صورة سقط الاحتجاج به فيما عداها، ولا يصح الاستدلال به على جواز الشراء، ممن باعه تلك السلعة بعينها، وقيل: إن وجه الاستدلال له لذلك من جهة ترك الاستفصال ولا يخفي ما فيه.

(2)

في إحكام الأحكام (4/ 114) ولا بين أن يقصد التوصل إلى شراء الأكثر أولاً. وانظر: شرح مسلم (11/ 21)، والفتح (4/ 400، 401).

ص: 337

تقي الدين (1): لأنا تفرق بين العمل بالمطلق فعلاً، كما إذا قال لامرأته: إن دخلتِ الدار فأنت طالق، فإنه يصدق بالدخول مرة واحدة، وبين العمل بالمطلق حملاً على المقيد، فإنه يخرج اللفظ من الإِطلاق إلى التقييد.

التاسع: عدم سد الذرائع، كما قررناه في الوجه الذي قبله (2).

العاشر: أن التفاضل في الصفات لا اعتبار به في تجويز الزيادة.

الحادي عشر: لم يأمر عليه الصلاة والسلام بلالاً برده (3)، وإنما نهاه عن فعله وأمره أن يبيع التمر ببيع آخر، ثم يشتريه

(1) إحكام الأحكام (4/ 114).

(2)

قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (4/ 401)، قال القرطبي: استدل بهذا الحديث من لم يقل بسد الذرائع؛ لأن بعض صور هذا البيع يؤدي إلى بيع التمر بالتمر متفاضلاً، ويكون الثمن لغواً، قال: ولا حجة في هذا الحديث لأنه لم ينص على جواز شراء التمر الثاني ممن باعه، التمر الأول، ولا يتناوله ظاهر السياق بعمومه، بل بإطلاقه والمطلق يحتمل التقييد إجمالاً، فوجب الاستفسار، إذا كان كذلك فتقييده بأدنى دليل كاف، وقد دل الدليل على سد الذرائع. اهـ.

(3)

قال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- "إن القصة وقعت مرتين: مرة لم يقع فيه الأمر بالرد، وكان ذلك قبل العلم بتحريم الربا، ومرة وقع فيها الأمر بالرد، رذلك بعد تحريم الربا والعلم به، ويدل على التعدد أن الذي تولى ذلك في إحدى القصتين سواء بين غزية عامل خيبر، وفي الأخرى بلال. وعد الطبري من طريق سعيد بن المسيب عن بلال قال: "كان عندي تمر دون فابتعت منه تمراً أجود" وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا الربا =

ص: 338

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= بعينه، انطلق فرده على صاحبه وخذ تمرك وبعه بحنطة أو شعير ثم اشتر به من هذا التمر ثم جئنى به".

وأما سكوت من سكت من المحدثين في الحديث عن ذكر فلسخ البيع الذي باعه العامل على خيبر، فلأنه معروف في الأصول أن ما ورد التحريم به لم يجز العقد عليه، ولا بد من فسخه؛ وقد جاء الفسخ منه منصوصاً في هذا الحديث: ذكر مسلم بن الحجاج، قال حدثنا مسلمة بن الحجاج، قال حدثنا سلمة بن شيب، قال حدثنا الحسن بن أعين، قال حدثنا معقل، عن أبي قزعة الباهلي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر فقال: ما هذا التمر منتمرنا، فقال الرجل: يا رسول الله بعنا تمرنا صاعين بصاع من هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا الربا، فردوه ثم بيعوا تمرنا، واشتروا لنا من هذا، ولو لم يأت هذا منصوصاً، احتمل ما ذكرنا، واحتمل أن يكون عامل خيبر فعل هذا على أصل الإِباحة التي كانوا عليها، ثم نزل عليه صلى الله عليه وسلم تحريم الربا بعد عقد صفقته على أصل ما كان عليه -كما قال سعيد بن جبير: كان الناس على أمر جاهليتهم حتى يؤمروا أو ينهوا. يريد: فما لم يؤمروا ولم ينهوا، فعلهم- وبالله التوفيق.

- وقال أيضاً في التمهيد (20/ 58) انظره.

- وقال أيضاً في الاستذكار (19/ 145).

وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بردّ هذا البيع من حديث بلال بن رباح ومن حديث أبي سعيد الخدري أيضاً.

وروى منصور، وقيس بن الربيع عن أبي حمزة، عن سعيد بن المسيب، عن بلال قال: كان عندي تمر دون، فابتعت أجود منه في السوق بنصف كلية صاعين بصاع، وأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"من أين لك هذا؟ " فحدثته بما صنعت هذا الربا بعينه، انطلق، فرده على صاحبه، وخذ تمرك، وبعه =

ص: 339

والمأخوذ بالعقد الفاسد يجب رده على بائعه وإذا رده استرد الثمن. وقد ثبت في "صحيح مسلم"(1) من حديث أبي سعيد أيضاً أنه عليه الصلاة والسلام قال: "لمن اشترى صاعًا بصاعين هذا الربا، رده، ثم بيعوا تمرنا فاشتروا لنا من هذا".

وجمع بينهما بوجهين: على تقدير اتحاد القصة وهو الظاهر:

الأول: أن بعض الرواة حفظ ذلك، وبعضهم لم يحفظه، فقدمت رواية من حفظ، لأنها زيادة من ثقة، وهي مقبولة.

= بحنطة، أو شعير، ثم هذا التمر، ثم ائتيني به" إلخ. اهـ. محل المقصود ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 112) وقال: رواه البزار في الكبير بنحوه وزاد "فإذا اختلفت النوعان فلا بأس واحد بعشرة ورجال البزار رجال الصحيح إلَاّ أنه من رواية سعيد بن المسيب عن بلال ولم يسمع سعيد من بلال، وله في الطبراني أسانيد بعضها من حديث ابن عمر عن بلال باختصار عن هذا ورجالها ثقات وبعضها من رواية عمر بن الخطاب عن بلال بنحو الأول وإسنادها ضعيف.

ورواية أبي سعيد الخدري أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر برني، فقال:"ما هذا؟ " قال: اشتريته صاعاً بصاعين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أوه، عين الربا لا تفعل".

أخرجه الإِمام أحمد (3/ 62)، والبخاري في الوكالة (2312) باب "إذا باع الوكيل شيئاً فاسدال فبيعه مردود"، ومسلم في المساقاة (1594) باب "بيع الطعام مثلاً بمثل" من طرف عن معاوية بن سلام، عن يحيى بن أبي كثير، وأخرجه النسائي في البيوع (7/ 272 و 273) باب "بيع التمر بالتمر متفاضلاً".

(1)

(1594).

ص: 340

الثاني: أن في قوله عليه الصلاة والسلام: "أوه عين الربا" ما يفهم الرد، ويؤيده قوله بعده:"لا تفعل" ثم أرشده إلى ما يفعل.

وفيه وجه ثالث: وهو أنا أسلمنا بتعدد الواقعة، فتحمل رواية الكتاب على أنه جهل بائعه، ولا يمكن معرفته، فصار مالاً ضائعاً لمن عليه دين بقيمته، وهو التمر الذي قبله عوضاً عنه (1).

العاشر: في قوله: "لا تفعل" وفي رواية مسلم "رده" دلالة كما قال القرطبي على وجوب فسخ صفقة الربا، وأنها لا تصحح بوجه، قال: وهو حجة للجمهور على أبي حنيفة حيث يقول: إن بيع الربا جائز بأصله، من حيث إنه بيع ممنوع بوصفه، من حيث هو ربا فيسقط الربا، ويصح البيع، ولو كان على ما ذكر ما فسخ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الصفقة، ولأمره برد الزيادة على الصاع، ولصحح الصفقة في مقابلة الصاع (2).

(1) انظر: شرح مسلم (11/ 22).

(2)

المفهم (5/ 2850)، انظر: الفتح (4/ 401)، قال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (19/ 145) والبيع إذا وقع محرماً، فهو مفسوخ مردود، وإن جهله فاعله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من عمل عملاً ليس عليه إصرنا، فهو رد".

وقال أيضاً (19/ 146).

وفي اتفاق الفقهاء على أن البيع إذا وقع بالربا، فهو مفسوخ أبداً دليل واضح على أن بيع عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصاعين بالصاع كان قبل نزول آية الربا، وقبل أن يتقدم إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي عن التفاضل في ذلك، =

ص: 341

الحادي عشر: فيه جواز الوكالة أيضاً كما سلف عن البخاري (1).

= ولهذا سأله عن فعله ليعلمه بما أحدث الله فيه من حكمه، ولذلك لم يأمر بفسخ ما لم يتقدم فيه إليهم، والله أعلم.

وقد احتج بظاهر هذا الحديث من أجاز أن يبيع الرجل الطعام من رجل بالنقد، ويبتاع منه بذلك النقد طعاماً قبل الافتراق، وبعده؛ لأنه لم يخص فيه بائع الطعام ولا مبتاعه من غيره.

(1)

كما بوب عليه البخاري في صحيحه في كتاب الوكالة: باب إذا باع الوكيل شيئاً فاسداً فبيعه مردود. انظر: الفتح (4/ 490) ح (2312).

ص: 342