الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
58 - باب الرهن وغيره
أي: من الحوالة، والتفليس، والشفعة، والوقف، والهبة، والعمرى، والمساقاة، والمؤاجرة، والأخبار على وضع الجذوع، والغصب، وذكر فيه ثلاثة عشر حديثاً:
الأول
298/ 1/ 58 - عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيِّ طَعاماً، وَرَهَنَهُ دِرْعاً مِنْ حَديدٍ)(1).
الكلام عليه من وجوه:
الأول: في المبهمات: هذا اليهودي يعرف بأبي الشحم كما رواه الشافعي والبيهقي (2) في الحديث وقالا هو رجل من بني ظفر، وضبطه بعض العصريين بهمزة ممدودة قال: واختلف في تسميته بذلك.
فقيل: لأنه كان يأكل الشحم.
(1) البخاري (2068)؛ ومسلم (1603)؛ والنسائي في الكبرى (6202، 6246)؛ وأحمد (6/ 42، 160، 230)؛ والبيهقي في الكبرى (6/ 36)؛ وابن ماجه (2436)؛ وابن الجارود (664)؛ والبغوي (2129).
(2)
مسند الشافعي (149)؛ وسنن البيهقي (6/ 36)، وقال فيه: هذا منقطع.
وقيل: لأنه لا يأكل ما ذبح على الأصنام وليت شعري من أين له ذلك وكأنه التبس عليه بأآبي اللحم (1).
ووقع في "نهاية"(2) إمام الحرمين: تسميته بأبي شحمة.
الثاني: هذا الطعام كان ثلاثين صاعاً من شعير، كما ذكره البخاري في بعض طرقه، كما ستعلمه في الوجه السابع.
وفي الترمذي (3): من حديث ابن عباس "بعشرين صاعاً" ثم قال: حسن صحيح، ورواها النسائي أيضاً.
قال الشيخ تقي الدين: في آخر "الاقتراح"(4): وهو على شرط البخاري.
قال ابن الطلاع: وفي "مصنف ابن السكن": "بوسق شعير
(1) اختلف في اسمه -أي أبي اللحم- فقيل عبد الله بن عبد الملك، وقيل: الحويرث بن عبد الله بن خلف بن مالك بن غفار وهذا أظهر، وقيل خلف بن عبد الملك، قتل مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين، انظر: توضيح مشتبه النسبة (1/ 145).
(2)
هو عبد الله بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيوية إمام الحرمين أبو المعالي ابن الشيخ أبي محمد الجويني النيسابوري (419 - 478)، له تصانيف منها "النهاية" ابن قاضي شهبة (1/ 275)، وابن هداية الله (174 - 176).
(3)
الترمذي كتاب البيوع، باب: ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل (1214) إلَاّ أنه قال: "بعشرين صاعًا من طعام"، والنسائي في كتاب البيوع، باب: مبايعة أهل الكتاب (7/ 303)، وابن ماجه (2439).
(4)
الاقتراح (466، 467).
أخذ لأهله" (1).
وفي "المدونة": إنه قضى بذلك ديناً كان عليه.
قال: وفي غير البخاري أنه كان لضيف طرقه ثم فداها أبو بكر (2).
الثالث: هذه الدرع هي: ذات الفضول (3)، قاله أبو عبد الله محمد بن أبي بكر التلمساني في كتابه "الجوهرة".
الرابع: هذا الحديث ترجم عليه البخاري (4) باب: الكفيل في السلم ثم رواه بلفظ: "اشترى طعاماً من يهودي بنسيئة، ورهّنه درعاً له من حديد".
ثم ترجم عليه عقب هذا باب: الرهن في السلم (5). ثم رواه بلفظ "اشترى من يهودي طعاماً إلى أجل معلوم، وارتهن منه درعاً من حديد".
(1) أقضية النبي صلى الله عليه وسلم لابن الطلاع القرطبي (117) وفي سنن البيهقي (6/ 36).
(2)
هذا والذي قبله ذكره في المرجع السابق.
(3)
سميت بذلك لطولها وأصلها من سعد بن عبادة أرسل بها إليه صلى الله عليه وسلم لما سار إلى بدر ذكر ذلك حماد بن إسحاق في تركة النبي صلى الله عليه وسلم (101)، إنسان العيون (3/ 428)، انظر: زاد المعاد (1/ 130)، 1390هـ، المواهب اللدنية للقسطلاني (1/ 232)، وتاريخ الخميس (2/ 189).
(4)
الفتح (4/ 433)، ح (2251).
(5)
الفتح (4/ 433)، ح (2252).
وترجم عليه في باب. من رهن درعه (1) ثم رواه بلفظ "اشترى من يهودي طعاماً إلى أجل ورهنه درعه".
ثم ترجم عليه الرهن عند اليهود وغيرهم (2)، ثم رواه بلفظ:"اشترى من يهودي، ورهنه درعه".
ورواه في الرهن من حديث أنس بلفظ: "رهن درعه بشعير" وترجم عليه الرهن في الحضر (3).
ورواه في البيوع من حديث عائشة بلفظ: "اشترى طعاماً من يهودي إلى أجل، ورهنه درعه"(4) وترجم عليه شراء الطعام إلى أجل.
(1) ح (2509).
(2)
الفتح (5/ 145)، ح (2513).
(3)
الفتح (5/ 145)، ح (2508).
(4)
الفتح (4/ 302)، ح (2068)، والذي في البخاري، باب: شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة. (قد ذكرنا هذا الباب ضمن ما فات على الشارح).
فات المؤلف -رحمنا الله وإياه- ذكر ما بوب عليه البخاري في هذا الحديث وقد ذكر بعضها مضمن في الشرح وللفائدة رأيت ذكرها مفردة:
1 -
في كتاب البيوع:
(أ) باب شراء الإِمام الحوائج بنفسه ح (2096).
(ب) باب شراء الطعام إلى أجل ح (2200).
2 -
في كتاب الاستقراض:
(أ) باب من اشترى بالدين وليس عنده ثمنه أو ليس بحضرته ح (2386).
3 -
كتاب الجهاد والسير:
(أ) باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم والقميص في الحرب ح (2916).
4 -
في كتاب المغازي:
(أ) باب ما قيل في درعه ح (4467).
رواه مسلم بألفاظ.
أحدها. اشترى طعاماً من يهودي بنسيئة، فأعطاه درعاً له رهناً"
ثانيها: "اشترى من يهودي طعاماً، ورهّنه درعاً من حديد" وهذا ما أورده المصنف.
ثالثها: "أشترى من يهودي طعاماً إلى أجل، ورهنه درعاً له من حديد"، وفي رواية إسقاط قوله "من حديد".
الخامس: الرهن في اللغة: الثبوت والدوام، ومنه الحالة الراهنة.
وقال الماوردي (1): هو الاحتباس ومنه "كل نفس بما كسبت رهينة".
ورهنته أفصح من أرهنته.
وفي الشرع: جعل عين مال وثيقةً بدين، يستوفي منها عند تعذر استيفائه ممن هو عليه، ويطلق أيضاً على نفس العين.
السادس: والدرع بكسر الدال مؤنثة.
وحكى الجوهري (2) وغيره: تأنيثها.
وجمعها: أَدْرُعٌ وأَدْرَاعٌ.
وجمع الكثرة: دروع وتصغيرها دريع بلا هاء.
(1) النكت والعيون تفسير الماوردي (6/ 148).
(2)
انظر: مختار الصحاح (91)؛ والمصباح المنير (192).
وأما درع المرأة: فمذكر بالاتفاق وجمعه أدراع: "ودرعت المرأة" لبته ودرعتها إياه.
السابع: اختلف هل فك صلى الله عليه وسلم هذا الدرع قبل موته أم لا؟
قيل: نعم لحديث "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضي عنه" رواه ابن حبان في صحيحه (1)، وهو منزه عن ذلك.
وقيل: لا، لأن في "صحيح البخاري" في أواخر كتاب المغازي (2) من حديث عائشة قالت: "توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه
(1) ابن حبان (3061)، والترمذي (1079)، وابن ماجه (2413)، والدارمي (2/ 262)، والطيالسي (2390)، والبيهقي (6/ 76)، والبغوي (2127)، وأحمد (2/ 440، 475، 508)، والحاكم (2/ 26، 27)، وصححه ووافقه الذهبي.
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (5/ 143)، وفيه دليل على أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة:"نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضي عنه"، قيل: هذا محله في غير أنفس الأنبياء فإنها لا تكون معلقة بدين فهي خصوصية وهو حديث صححه ابن حبان وغيره "من لم يترك عند صاحب الدين ما يحصل له به الوفاء" وإليه جنح الماوردي.
فائدة: ذكر ابن الطلاع في: "الأقضية النبوية" أن أبا بكر أفتك الدرع بعد النبي صلى الله عليه وسلم لكن روى ابن سعد عن جابر أن أبا بكر قضى عدات النبي صلى الله عليه وسلم وأن علياً قضى ديونه. وروى إسحاق بن راهوية في مسنده عن الشعبي مرسلاً "أن أبا بكر أفتك الدرع وسلمها لعلي بن أبي طالب. وأما من أجاب بأنه صلى الله عليه وسلم أفتكها قبل موته، فمعارض بحديث عائشة رضي الله عنها.اهـ.
(2)
الفتح (8/ 151)، ح (4467)، وانظر: التعليق السابق.
مرهونة عند يهودي بثلاثين يعني صاعًا من شعير".
ورواه في أثناء الجهاد (1) في باب ما قيل: في درعه صلى الله عليه وسلم باللفظ المذكور، وقال:"عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير" وفي "مسند أحمد"(2) من حديث أنس "ما وجد ما يفتكها حتى مات".
قال الماوردي: وهو الأصح، والحديث محمول على من لم يخلف وفاء.
الثامن: اختلف في عدوله عليه الصلاة والسلام عن معاملة مياسير الصحابة كعثمان، وابن عوف، إلى اليهودي على أقوال.
أحدها: أنه لبيان الجواز.
ثانيها: لأنه لم يكن عند أحدهم طعام فاضل عن حاجته لغيرهم. ثالثها: كراهة أن يرده منه بغير رضاه، وأيضاً فإنهم لا يأخذون رهنه (3).
التاسع: في أحكامه:
الأول: جواز الرهن في الحضر، وقد وقع التصريح به في بعض روايات الحديث واتفق العلماء على جوازه في السفر عند عدم الكاتب. وخصه مجاهد وداود بهذه الصورة لظاهر الآية.
(1) الفتح (6/ 99)، ح (2916).
(2)
المسند (3/ 238)، والبيهقي (6/ 36، 37)، ومسند أبي يعلى (3061).
(3)
انظر: الفتح (5/ 141).
وقالا: لا يجوز الرهن إلَاّ فيها.
وجوزه الباقون حضراً وسفراً، وقالوا: الآية خرج الكلام فيها الأغلب، لا على سبيل الشرط (1).
(1) قال ابن حجر في الفتح (5/ 140).
وقوله: "في الحضر إشارة إلى أن التقييد بالسفر في الآية خرج للغالب فلا مفهوم له لدلالة الحديث على مشروعيته في الحضر كما ذكره وهو قول الجمهور، واحتجوا له من حيث المعنى بأن الرهن شرع توثقة على الدين لقوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}، فإنه يشير إلى أن المراد بالرهن الاستيثاق، وإنما قيده بالسفر لأنه مظنة فقد الكاتب، فأخرجه مخرج الغالب، وخالف في ذلك مجاهد والضحاك فيما نقله الطبري عنهما، فقالا: لا يشرع إلَاّ في السفر، حيث لا يوجد الكاتب، وبه قال داود وأهل الظاهر، وقال ابن حزم: إن شرط المرتهن الرهن في الحضر لم يكن له ذلك، وإن تبرع به الراهن جاز، وحمل حديث الباب على ذلك. وقد أشار البخاري إلى ما ورد في بعض طرقه كعادته، وقد تقدم الحديث في "باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة" في أوائل البيوع من هذا الوجه بلفظ: "ولقد رهن درعاً له بالمدينة عند اليهودي" وعرف بذلك الرد على من اعترض بأنه ليس في الآية والحديث تعرض للرهن في الحضر.
وقال الشنقيطي -رحمنا الله وإياه- في أضواء البيان (1/ 228).
تنبيه: أخذ بعض العلماء من قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ} الآية. أن الرهن لا يكون مشروعاً إلَاّ في السفر كما قاله مجاهد والضحاك وداود والتحقيق جوازه في الحضر. وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي =
الثاني: جواز معاملات الكفار، وعدم اعتبار الفساد في معاملتهم، والإِجماع قائم على جواز معاملتهم، إذا لم يتحقق تحريم ما معهم إلَاّ ما استثتى من بيع المسلم منهم السلاح والمصحف والعبد المسلم ونحو ذلك.
ومنع ابن حبيب المالكي: بيع الحرير والكتان والبسط من أهل الحرب، لأنهم يتجملون به في حروبهم وأعيادهم وبيع الطعام أيضاً، لعلهم أن يضعفوا ورهن النبي صلى الله عليه وسلم الدرع عند اليهودي، لأنه لم يكن من أهل حرب والأمر ههنا ممن يخشى منه التقوى بها كبيعها.
الثالث: جواز رهن السلاح عند الذمي، كما قررنا ومثله
المعاهد.
الرابع: ثبوت أملاك أهل الذمة على ما في أيديهم.
الخامس: جواز الشراء بالثمن المؤجل المؤخر قبضه، لأن الرهن إنما يحتاج إليه حيث يكون الثمن مؤجلاً أو حيث لا يتأتي
= بثلاثين صاعًا من شعير. وفي الصحيحين أنها درع من حديد. وروى البخاري وأحمد والنسائي وابن ماجه عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم رهن درعاً عند يهودي بالمدينة، وأخذ منه شعيراً لأهله. ولأحمد والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس مثل حديث عائشة فدل الحديث الصحيح على أن قوله:{وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ} لا مفهوم مخالفة له؛ لأنه جرى على الأمر الغالب، إذ الغالب أن الكاتب لا يتعذر في الحضر، وإنما يتعذر غالباً في السفر، والجري على الغالب من موانع اعتبار مفهوم المخالفة، كما ذكرناه في هذا الكتاب مراراً، والعلم عند الله تعالى. اهـ.
إقباضه في الحال غالباً، وعليه ترجم البخاري (1) فقال باب: من اشترى بالدين وليس عنده ثمنه، أو ليس بحضرته. ثم ذكره بلفظ:"اشترى طعاماً من يهودي إلى أجل ورهنه درعاً من حديد".
السادس: اتخاذ الدرع والعدد للأعداء والتحصن منهم، وأنه غير قادح في التوكل، وإليه الإِشارة بقوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (2).
السابع: فيه أيضاً ما كان صلى الله عليه وسلم من الفقر والحاجة والتقلل من الدنيا والزهد فيها مع تمكنه منها وعرضها عليه وإعراضه عنها (3).
(1) الفتح (5/ 53)، ح (2386).
(2)
سورة الأنفال: آية 60.
(3)
ومنه حديث عمر أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على سرير مرمول بشريط، وإذا أهب مطروحة في ناحية البيت، فبكى عمر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"ما يبكيك يا عمر؟ " قال: يا رسول الله ذكرت كسرى وقيصر، وما هما فيه من أمر الدنيا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" يا عمر! لو شئت أن تسير الجبال الراسيات ذهباً وفضة لسارت".
أخرجه ابن سعد (1/ 466)، ووكيع في الزهد (1/ 338).
وقد ورد بسنداً آخر عن الحسن عن أنس في المسند (3/ 139)، والبيهقي في الدلائل (1/ 291) وغيرهم.
وجاء من رواية ابن عباس بلفظ "نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد فقال: "ما يسرني أنه ذهب لآل محمد أُنفقه في سبيل الله أموت يوم أموت وعندي منه ديناران". أخرجه أحمد (1/ 300)، وأبو يعلى (5/ 84)، ح (2684)، ومن رواية أبي هريرة رضي الله عنه "ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهباً" رواه البخاري (6445)، ومسلم (991).
الثامن: فيه أيضاً جواز الاستيثاق بالرهن والكفالة في الدين والسلم، وذلك لعموم قوله تعالى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ
…
} الآية ولهذا ترجم البخاري على هذا الحديث بباب الكفيل (1). والرهن (2) في السلم وقد منع الرهن في السلم كما أسلفناه عنه، وما ذكرناه من المنع عن زفر والأوزاعي هو ما نقله القرطبي (3) عنهما.
وأما القاضي (4) عياض. فإنه حكى الكراهة عنهما فقط، وحكاها عن أحمد أيضاً قال: ومذهب مالك وكافة السلف الجواز فيهما.
…
(1) انظر: ت (4)، ص 356.
(2)
انظر: ت (5)، ص 356.
(3)
المفهم (4/ 518).
(4)
ذكره في إكمال إكمال المعلم (4/ 296).