المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثالث 292/ 2/ 56 - عن أبي هريرة رضي الله - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٧

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌الحديث الثالث 292/ 2/ 56 - عن أبي هريرة رضي الله

‌الحديث الثالث

292/ 2/ 56 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد، ولا تناجشوا، ولا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أُختها [لتكفأ ما في إنائها] (1)) (2).

الكلام عليه من وجوه:

الأول: هذا الحديث لم يظهر لي وجه مناسبة ايراده في هذا الباب فإنه معقود للشروط في البيع ولم يذكره المصنف في "عمدته الكبرى" في هذا الباب وإنما ذكره في باب النجش وغير ذلك ثم

(1) في إحكام الأحكام (4/ 106) لتُكفىء ما في صفحتها.

(2)

البخاري أطرافه (2140)، ومسلم (1413، 1515)، ومالك (2/ 523) في النكاح، وأبو داود (2080) في النكاح، باب: في كراهية أن يخطب الرجل على خِطبة. النسائي (6/ 71، 72، 73)، (7/ 258)، والترمذي (1134)، وابن ماجه (2172)، وابن الجارود (677)، وأحمد (2/ 274، 487، 462، 411، 457)، والحميدي (1027)، وابن حبان (4046)، والبيهقي (5/ 345)، والطحاوي (3/ 4).

ص: 293

رأيت بعد ذلك البخاري (1) ترجم على القطعة الأخيرة بباب: الشروط التي لا تحل في النكاح. وذكرها بلفظ: "لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها، لتستفرغ صفحتها، فإنما لها ما قدر لها" ونقل عن ابن مسعود أول الباب (2) أنه قال: لا تشترط المرأة طلاق أختها.

ثم اعلم أن اللفظ الذي أورده المصنف هو لفظ رواية البخاري (3)، وترجم عليه باب: لا يبع على بيع أخيه، ولا يسوم على سوم أخيه، حتى يأذن له أو يترك. ولم يذكر في هذا الباب غير هذا الحديث، وحديث ابن عمر (4):"لا يبع بعضكم على بيع بعض" وأما مسلم فرواه بألفاظ نحو رواية البخاري.

الثاني: سلف الكلام في الحديث الثاني (5) فيما نهى عنه من البيوع على بيع الحاضر للبادي والنجش والبيع على بيع أخيه فأغنى عن إعادته.

وقوله: "ولا تناجشوا" كأنه على تقدير القول أي وقال: ولا تناجشوا.

(1) البخاري "الفتح"(9/ 219)، ح (5152).

(2)

انظر: المرجع السابق.

(3)

البخاري "الفتح"(4/ 352).

(4)

البخاري أطرافه (2139)، ومسلم (1412)، والنسائي (7/ 258)، وابن ماجه (2171)، والموطأ (2/ 683)، وأحمد (2/ 63)، والترمذي (1292)، والبغوي (2093)، وابن حبان (4965)، والبيهقي (5/ 344)، والطحاوي (3/ 3).

(5)

ص 31 من هذا الجزء المبارك.

ص: 294

الثالث: الخِطبة هنا بكسر الخاء بخلاف خُطبة العقد والعيد ونحوهما فإنها بالضم.

والخطبة على الخطبة حرام إذا صرح بإجابته بالإِجماع لما فيه من إيغار الصدور، فإن لم يجب ولم يرد ولم يحرم على الأظهر من قولي الشافعي إذا ليس فيه إبطال شيء مقرر بينهما فلو أذن الخاطب ارتفع التحريم لقوله عليه الصلاة والسلام "إلَاّ بأذنه"(1).

متفق عليه من حديث ابن عمر والترك كالإِذن كما جاء في رواية البخاري، ويشترط في التحريم أن يكون عالماً بالنهي، كما نبه عليه القاضي حسين في "تعليقه"، فلو خالف وخطب وتزوجها عصى، وصح العقد عند الشافعي وجمهور العلماء (2)، لأن المحرم الخطبة لا العقد، لأنه إنما حرم لأجل إيغار الصدور، وذلك لا يعود على أركان العقد بالاختلال ومثل هذا لا يقتضي فساد العقد.

وعن مالك (3) حكاية قولين في فسخ العقد إذا وقعت الخطبة على الخطبة بهذا التراكن. وفي قول ثالث: يفسخ قبل البناء لا بعده.

واختلف عندهم هل هو تسمية الصداق أو الرضا بالزوج.

وقال داود الظاهري (4): بالفسخ أيضاً.

(1) انظر: ت (4) ص 294، وسنن أبي داود (2081)، وعبد الرزاق (14868)، وابن أبي الجعد (3160).

(2)

انظر: الاستذكار (16/ 12).

(3)

انظر: الاستذكار (16/ 12).

(4)

الاستذكار (16/ 13).

ص: 295

وحديث فاطمة بنت قيس الآتي في كتاب الطلاق (1) في خطبة أبي جهم ومعاوية لها: لعل الثاني لم يعلم بخطبة الأول.

فلذلك لم ينكر عليه الصلاة والسلام خطبة بعضهم على بعض. وقوله -عليه الصلاة السلام- بعد ذلك: "أنكحي أسامة" هو أشارة منه لا خطبة لها ولئن كان خطبة فهي لم تنعم للأولين.

وذكر الطبرى عن بعضهم أنه جعل حديث فاطمة هذا ناسخاً للنهي وهو عجيب (2).

(1) سيأتي تخريجه -إن شاء الله-. والحديث أخرجه مسلم وأبو داود (2284) ، والنسائي (6/ 208).

واقعة مناسبة للموضوع ما ذكره ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (16/ 11)، بعد سياقه للإِسناد.

أن جريراً بن عبد الله البجلي أمره عمر بن الخطاب أن يخطب عليه امرأة من دوس، ثم أمره مروان بن الحكم من بعده أن يخطبها عليه، ثم أمره عبد الله بن عمر بعد ذلك فدخل عليها، فأخبرها بهم الأول فالأول، ثم خطبها معهم لنفسه، فقالت: والله ما أدري أتلعب أم أنت جاد؟ قال: بل جاد، فنكحته، فولدت له ولدين. اهـ.

(2)

قال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (16/ 9)، ولا أعلم أحداً ادعى نسخاً في أحاديث هذا الباب، فدل ذلك على أن المعنى ما قاله الفقهاء من الركون، والرضا، والله أعلم.

قال ابن القيم -رحمنا الله وإياه- في "تهذيب السنة"(3/ 25)، وذكر الطبري أن بعضهم قال: نهيه أن يخطب الرجل على خطبة أخيه منسوخ بخطبته صلى الله عليه وسلم لأسامة فاطمة بنت قيس.

قال ابن القيم الجوزية: يعني بعد أن خطبها معاوية وأبو جهم. قال: وهذا =

ص: 296

رابعها: تمسك الخطابي (1): بظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: "ولا يخطب على خطبة أخيه" وقال: لا يحرم إذا كان كافراً. وهو قول الأوزاعي (2) أيضاً.

ووجه عنه الشافعية (3).

وقال الجمهور: لا فرق. والتقييد بأخيه خرج على الغالب فلا مفهوم له، كما في قوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} و {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} ونظائره (4).

= غلط، فإن فاطمة لم تركن إلى واحد منهما، وإنما جاءت مستشيرة للنبي صلى الله عليه وسلم، فأشار عليها بما هو الأصلح لها، والأرضى لله ولرسوله، ولم يخطبها لنفسه، ومورد النهي إنما هو خطبة الرجل لنفسه على خطبة أخيه، فأما إشارته على المرأة إذا استشارته بالكفىء الصالح فأين ذلك من الخطبة على خطبة أخيه؟ فقد تبين غلط القائل، والحمد لله.

وأيضاً فإن هذا من الأحكام الممتنع نسخها، فإن صاحب الشرع علله بالأخوة، وهي علة مطلوبة البقاء والدوام، لا يلحقها نسخ ولا إبطال. اهـ.

أما ابن حجر في الفتح فلم ينسب هذا القول للطبري وإنما ذكره الطبري ورده على قائله (9/ 200).

(1)

معالم السنن (3/ 24).

(2)

الفتح (9/ 200).

(3)

انظر: الفتح (9/ 200) مستدلين بحديث عقبة بن عامر: "المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبته حتى يذر".

(4)

قال أيضاً: وبناه بعضهم مع أن هذا المنهى عنه هل هو من حقوق العقد =

ص: 297

خامسها: يقتضي هذا الحديث وغيره أنه لا فرق بين الخاطب الفاسق وغيره. وخالف ابن القاسم المالكي فقال (1): تجوز الخطبة على الخطبة، ونقله الشيخ تقي الدين (2) عن المالكية وقال: إنه من تصرفهم قال: وكون الخطبة لا تحرم إلَاّ بعد التراكن من تصرف الفقهاء أيضاً نظراً إلى المعنى وهو وقوع العداوة وإيحاش النفوس وتعدى نظرهم بعد ذلك فيما به يحصل تحريم الخِطبة. وذكروا أموراً لا تستنبط من الحديث.

سادسها: معنى "لتكفأ ما في إنائها" تقلبه.

قال أهل اللغة يقال: كفأت الإِناء إذا قلبته وفرغته، فلم يبقى فيه شيء.

قال الهروي (3): "تكفي ما في أنائها" من كفأت القدر إذا كببتها لتفرغ ما فيها. وهذا مثال لإِمالة الضرة حق صاحبتها من زوجها إلى نفسها. وقال الكسائي: كفأت الأناء كببته، وأكفأته أملته. وقد أسلفت ذلك عنه في كتاب الطهارة وغيرها، وأن غيره قال إنه يستعمل ثلاثياً ورباعياً بمعنى واحد.

= واحترامه أو من حقوق المتعاقدين؟.

فعلى الأول: فالراجح ما قال الخطابي.

وعلى الثاني: فالراجح ما قال غيره.

(1)

انظر: الفتح (9/ 200)، أي: تجوز الخطبة على الخطبة الفاسق.

(2)

انظر: إحكام الأحكام (4/ 106).

(3)

غريب الحديث (3/ 36).

ص: 298

وقيل: هو هنا كناية عن الجماع والرغبة في كثرة الولد والأول أظهر.

وقال النووي (1): في "شرحه" معنى الحديث نهى المرأة الأجنبية أن تسأل طلاق زوجته وأن ينكحها ويصير لها من نفقته معروفه ومعاشرته ونحوها ما كان للمطلقة، فعبر عن ذلك بإِكفأ ما في الإِناء مجازاً ثم ذكر مقالة الكسائي السالفة، واقتصر عليها.

قال: والمراد بأختها غيرها، سواء كانت في النسب أو في الإِسلام أو كافرة.

قلت: ويؤيده رواية مسلم (2): "ولا تسأل المرأة طلاق الأخرى لتكتفىء ما في إنائها" والمحب الطبري قال في "أحكامه": المراد "أختها" في الدين فإنها في النسب لا تجتمع معها، وذكر في موضع آخر رواية عن ابن حبان (3)"لا تسأل المرأة طلاق أختها، فإن المسلمة أخت المسلمة".

وقال الشيخ تقي الدين (4): استعمل في هذا المجاز، حيث جعل طلاق المرأة بعد عقد النكاح بمثابة تفريغ الصحفة بعد امتلائها. وفيه معنى آخر، وهو الإِشارة إلى الرزق لما يوجبه النكاح من النفقة، وغيرها فإن الصحفة وملأها من باب الأرزاق، وأكفاؤها قلبها.

(1) شرح مسلم للنووي (9/ 193).

(2)

انظر: مسلم مع النووي (9/ 199).

(3)

ابن حبان (4070).

(4)

إحكام الأحكام (4/ 107).

ص: 299

قلت: وذكره "الصحفة" ليس في رواية المصنف، وهو ساقها أولاً بلفظ "الأناء"، لا بلفظ "الصحفة"، وكأنه تبع في ذلك النووي في "شرحه"(1) فإنه ذكره بلفظ "الصحفة"، وكثيراً ما يتبعه ويشير إليه كما بينته في مواضع من هذا الشرح، إنما ذكر ذلك لأنه في رواية لمسلم (2):"لتكتفيء ما في إنائها أو ما في صحفتها" على الشك.

وقال أبو عبيد (3): لم يرد الصحفة خاصة إنما جعلها مثلاً لحظها منه، كأنها إذا طلقها أمالت نصيبها منه إلى نفسها.

قال الفاكهي: قريب منه يسمى عند علماء البيان: التمثيل والتتخييل عند التعبير بالذوات عن المعاني ومنه قولهم: ما زال يفتل في الذروة والعازب حتى بلغ منه مراده. والمعنى: أنه لم يزل يرفق بصاحبه رفقاً يشبه حاله فيه حال الرجل يجيء إلى البعير الصعب فيحكه ويفتل الشعر في ذروته وعازبه حتى يستأنس. فالصحفة: هنا كالذروة والعازب.

سابعها: يجوز في "تسأل" الرفع والكسر كما نبه عليه النووي في "شرح مسلم" فالأول: على الخبر الذي يراد به النهي وهو المناسب لقوله قبله "ولا يخطب ولا يبع".

والثاني: على النهي الحقيقي.

وقوله: "لتكفأ" كذا هو في "صحيح البخاري". وفي "صحيح مسلم "لتكتفىء" كماسبق.

(1) شرح مسلم (9/ 192).

(2)

المرجع السابق (9/ 198).

(3)

انظر غريب الحديث (3/ 36).

ص: 300

قال القاضي في "مشارقه"(1): وروى أيضاً: "لتستكفىء إنائها" تفتعل وتستفعل من ذلك أي تكبه وتقلبه من جبر زوجها بطلاقه إياها قال: وقد تسهل الهمزة في هذا كله.

ثامنها: في الحديث أحكام غير ما سلف.

منها: تحريم السعي في التفريق بين المرأة وزوجها بالطلاق وغيره مما في معناه أو أشد منه، إذا كان المقصود دنيوي، سواء كان الساعي رجلاً أو امرأة، ويخرج بالدنيوي الديني فإنه مشروع.

ومنها: الإِشارة إلى تحريم الحسد للناس، والنظر إلى ما في أيديهم للإِستئثار به عنهم، وزواله مطلقاً.

ومنها: الإشارة إلى الرضا بالمقسوم وإليه الإِشارة برواية البخاري السالفة "فإن لها ما قدر لها" وإذا ابتلى بالطلب لما يجوز طلبه وعدم الرضا فيسأل الله دون غيره. فإن المفاتيح بيده وإن كان لا بد سائلاً فليسأل الصالحين.

ومنها: الإِشارة إلى النظر إلى من هو دونك في الدنيا. وقد أمر به عليه الصلاة والسلام في الحديث المشهور (2).

واستنبط بعضهم منه عدم وجوب نفقة البائن في عدتها من

(1) مشارق الأنوار (1/ 344).

(2)

ولفظه: "إذا رأى أحدكم من فضل عليه في الخلق أو الرزق، فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضل عليه" من رواية أبي هريرة رضي الله عنه.

أخرجه مسلم (2963)، وأحمد (2/ 314)، والبغوي (4099)، والترمذي (2513)، وابن ماجه (4142) بألفاظ مختلفة.

ص: 301

حيث إنه جعل الطلاق سبباً لتفريغ إنائها وانقطاع حظها منه به، وفيه بعد، واحترز بالبائن عن الرجعي وألزم هذا المستنبط الأوزاعي ومن وافقه بأن يقولوا: لا يحرم على المسلمة أن تسأل طلاق الذمية، لأنها ليست أختها، ولهم أن ينفصلوا عن هذا بالرواية السالفة عن مسلم "لا تسأل المرأة طلاق الأخرى لتكتفىء ما في إنائها" والله الموفق.

***

ص: 302