المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الخامس 297/ 5/ 57 - عن أبي بكرة رضي الله - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٧

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌الحديث الخامس 297/ 5/ 57 - عن أبي بكرة رضي الله

‌الحديث الخامس

297/ 5/ 57 - عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الفضة بالفضة، والذهب بالذهب، إلَاّ سواء بسواء، وأمرنا أن نشتري الفضة بالذهب كيف شئنا، ونشتري الذهب بالفضة كيف شئنا، قال: فسأله رجل، فقال: يداً بيد؟ فقال: هكذا سمعت)(1).

الكلام عليه من وجوه:

الأول: هذا اللفظ هو لمسلم، ولم يذكر البخاري قوله:"فسأله رجل" إلى آخره، ولفظه بعد قوله:"سواء بسواء، وأمرنا أن نبتاع الذهب بالفضة، كيف شئنا، أو الفضة بالذهب كيف شئنا" وترجم عليه قبل هذا باب: بيع الذهب بالذهب (2) وذكره بلفظ:

(1) البخاري (2175)، ومسلم (1590)، والنسائي (7/ 280، 281)، وفي الكبرى له (4/ 32)، والبيهقي (5/ 282)، وابن حبان (5014) ، معرفة السنن والآثار (11044)، وأحمد (5/ 38، 39)، وابن أبي شيبة (7/ 106، 107).

(2)

الفتح (4/ 379).

ص: 346

"لا تبيعوا الذهب بالذهب إلَاّ سواء بسواء، والفضة بالفضة إلَاّ سواء بسواء، وبيعوا الذهب بالفضة، والفضة بالذهب، كيف شئتم".

الثاني: في التعريف براويه واسمه نقيع بن الحارث بن كلدة وقيل: ابن مسروح الثقفي نزل البصرة، ثم تحول إلى الكوفة، وكان صالحاً ورعاً، وقيل له: أبو بكرة لأنه تدلى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببكرة من حصن الطائف، فأسلم وهو ابن ثمان عشرة وأعتقه صلى الله عليه وسلم ولم يمت حتى رأى من صلبه مائة ولد ذكر، وأعقب منهم سبعة روى له مائة حديث واثنان وثلاثون حديثاً اتفقا على ثمانية، وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بواحد، روى عنه أولاده: عبيد الله، ومسلم، وروّاد، وعبد العزيز والحسن، وجماعة، واعتزل يوم الجمل، ولم يقاتل مع أحد، ولم ينزل البصرة أحد أفضل منه ومن عمران بن حصين، كما قاله الحسن البصري. مات بالبصرة سنة خمسين أو إحدى أو اثنين أو ثلاث وخمسين أقوال (1).

الثالث: في فن المبهمات: هذا الرجل السائل هو ثابت ابن حميد، وكما جاء مصرحاً به في "مسند الإِمام أحمد"(2)، وفي رواية: ثابت بن عبد الله، فاستفد ذلك فلم أر أحداً من الشراح نبه عليه.

الثالث: في فقهه، وفيه أحكام:

(1) انظر: الثقات لابن حبان (3/ 411)؛ وأسد الغابة (5/ 151)؛ والاستيعاب (2/ 628)؛ وتاريخ خليفة (218).

(2)

(5/ 37) والموجود ثابت بن عبيد. فليصحح.

ص: 347

الأول: المراد هنا بالأمر الإِذن والإِباحة.

الثاني: جواز التساوي في الربويات إذا كانت من جنس واحد، ولا بد من الحلول والتقابض في المجلس.

الثالث: جواز التفاضل إذا اختلف الجنس بشرط القبض في المجلس.

وقوله: "كيف شئنا"، أي. بالنسبة إلى التفاضل والتساوي، لا بالنسبة إلى الحلول والتأجيل.

وقد ثبت في "صحيح مسلم"(1) من حديث عبادة: "إذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد".

الرابع: أن الفتيا في التوقيفيات كالربويات ونحوها موقوفة على السماع.

خاتمة: يؤخذ من اشتراط المساواة في بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، مع المسألة المشهورة بقاعدة: مدعجوة، وهو مذهب عمر بن الخطاب وابنه جماعة من السلف، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق، ابن عبد الحكم ودليلهم حديث القلادة، التي فيها خرز وذهب، وابتيعت بالذهب، فإنه عليه الصلاة والسلام قال:"لا تباع حتى تفصل" كما أخرجه مسلم في "صحيحه"(2).

(1) مسلم (1587)، وأبو داود (3349)، وابن ماجه (4454)، والنسائي (7/ 274).

(2)

مسلم (1591)، والنسائي (7/ 279)، وأبو داود (3351)، الشافعي وأصحابه لا يجوز عندهم أن يباع شيء فيه حلية فضة قليلاً كان أو كتيراً =

ص: 348

وذهب أبو حنيفة والثوري والحسن بن صالح (1): إلى جواز

= بشيء من الفضة بحال من الأحوال، لأن المماثلة المأمور بها، والمفاضلة المنهي عنها في الفضة بالفضة لا يوفق منها في السيف وما كان مثله على حقيقته. وعلى هذا يتبين لنا من مذهب الشافعية المنع مطلقاً وهو رواية عن أحمد.

والعلة عندهم بأن الصفقة إذا اشتملت على عوضين مختلفين انقسم الثمن عليهما بالقيمة، وهذه علة ضعيفة فإن الانقسام إذا باع شقصاً مشفوعاً.

وما ليس بمشفوع -كالعبد، والسيف، والثوب- إذا كان لا يحل: عاد الشريك إلى الأخذ بالشفعة، فأما انقسام الثمن بالقيمة لغير حاجة فلا دليل عليه.

والحديث أخرجه مسلم في باب الربا (11/ 17) النووي، أبو داود، كتاب: البيوع، باب: في حلية السيف تباع بالدراهم (3212).

ونعربف مسألة مد عجوة: إن يبيع مالاً ربوياً بجنسه ومعها أو مع أحدهما من غير جنسها.

(1)

قال الخطابي -رحمنا الله وإياه- في معالم السنن (5/ 23)، وقال أبو حنيفة: إن كان الثمن أكثر مما فيه من الذهب جاز، وإن كان مثله، أو أقل منه لم يجز، وهذا هو الجواز مطلقاً وهو رواية عن أحمد حتى إنه ليجوز -عند الأحناف- بيع ألف درهم بخمسمائة درهم في منديل أو قفيزي حنطة بقفيز في زنبيل. اهـ.

قال ابن تيمية: والصواب في هذه الصورة أنه لا يجوز.

قال: فأما ما ذهب أليه أبو حنيفة: فإنه يخرج على القياس، لأنه يجعل الذهب بالذهب سواء، ويجعل ما فضل عن الثمن بإزاء السلعة، غير أن السنة قد منعت هذا القياس أن يجري، ألا تراه يقول:"إنما أردت الحجارة أو التجارة، فقال: لا حتى تميز بينهما" فنفى صحة هذا البيع، مع قصده إلى أن يكون الذهب الذي هو الثمن الخرز بعضه بإزاء الذهب =

ص: 349

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الذي هو مع الخرز مصارفة، وبعضه بإزاء الحجارة التي هي الخرز بيعاً وتجارة، حتى يميز بينهما، فتكون حصة المصارفة متميزة عن حصة المتاجرة، فدل على أن هذا البيع على الوجهين فاسد.

فمثلاً: يقولون لا بأس ببيع السيف المحلى بالفضة بعضه أكثر مما فيه من الفضة، ولا يجوز بيعه بفضة مثلها، أو أقل منها، ويحتاج إلى أن يقبض حصة الفضة في المجلس، ويقبض السيف. اهـ. قال الخطابي في معالم السنن (5/ 24)، وبيان فساد هذا البيع من جهة المعنى على وجوه.

أحدها: أنه عقد تضمن بيعاً وصرفاً. ومتى جهل التماثل في الذهب بالذهب وقت العقد بطل الصرف، ولا سبيل إلى معرفة التماثل إلَاّ بعد التمييز والتفضيل، فتكون التسوية حينئذٍ بينهما بالوزن.

فروى أصحاب أبي حنيفة عنه أنه قال: إذا باع صبرة من الطعام بصبرة من جنسه جزافاً لم يجز، وإن خرجا عند الكيل متساويين، وفي هذا اعتبار التماثل خال العقد. وهو نظير مسألة الصرف.

والوجه الثاني: أن الصفقة إذا تضمنت شيئين مختلفين في الجنس كان الثمن مفضوضاً عليهما بالقيمة، وإذا كان كذلك، وأردنا أن نقسط الثمن عليهما بالقيمة، وأسقطنا قيمة الخرز من جملة الثمن -لن ندر: كم مقدار ما يبقى منه؟ وهل يكون مثل الذهب المشترى مع الخرز، أو أقل منه، أو أكثرُ؟ فبطل العقد للجهالة.

والوجه الثالث: أن أحكام عقد الصرف لا تلائم أحكام سائر العقود، لأن من شرطه التقابض قبل التفرق، وانقطاع شرط الخيار وسائر العقود يصح من غير تقابض، ويدخلها شرط الخيار، فلم يجز الجمع بينهما في صفقة واحدة، لتنافي معانيهما. ولأن حكم أحدهما لا ينبني على حكم الآخر.

قال الشيخ: وهذا معنى قوله: "لا، حتى يتميز" وتأويله: تميز العقدين، لا تميز المبيع، وعلى هذا القول: لا يجوز بيع فضة وسلعة معها بدينار. =

ص: 350

البيع بأكثر مما فيه من الذهب، ولا يجوز بمثله ولا دونه. قالوا: والقلادة كان فيها اثني عشر ديناراً واشترى باثني عشر وحجة الأولين إطلاق قوله: "حتى يفصل"، روواية أبي داود إنما:"أردت الحجارة، فقال: لا حتى تميز بينهما".

وذهب مالك وأصحابه وآخرون (1): إلى جواز بيع السيف

= وقد ذهب إليه بعض الفقهاء. اهـ.

(1)

قال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (19/ 227)، قال مالك: من اشترى مصحفاً أو سيفاً أو خاتماً. وفي شيء من ذلك ذهب أو فضة بدنانير أو دراهم، فإن ما اشترى من ذلك بدنانير فإنه ينظر إلى فيمتهد فإن كانت قيمة ذلك الثلثين، وقيمة ما فيه من الذهب الثلث، فذلك جائز لا بأس به. إذا كان ذلك يداً بيد. ولا يكون فيه تأخير. وما اشترى من ذلك بالورق، مما فيه الورق نظر إلى قيمته، فإن كان قيمة ذلك الثلثين، وقيمة ما في من الورق الثلث، فذلك جائز لا بأس به، إذا كان ذلك يداً بيد، ولم يزل ذلك من أمر الناس عندنا. اهـ.

قال الخطابي -رحمنا الله وإياه- في معالم السنن (5/ 25)، وهذا قول لا وجه له، ولا فرق بين القليل والكثير فيما يدخله الربا، لأن أحداً لم يجوز الحبة من الذهب بالحبتين لأنها يسير، كما لم يجوز الدينار بالدينار وبين الدرهم بالدرهمين. اهـ.

قال ابن تيمية -رحمنا الله وإياه- في الفتاوى (4/ 465)(29/ 463، 464):

والثالث: الفرق بين أن يكون المقصود بيع الربوي بجنسه متفاضلاً أو لا يكون، وهذا مذهب مالك، وأحمد في المشهور عنه.

فإن كان المقصود هو البيع الجائز، وما فيه من مقابلة ربوي بربوي على وجه التبع كبيع الغنم، وفي كل منهما لبن وصوف، أو بيع غنم ذات لبن بلبن، وبيع دار مموة بذهب، وبيع الحلية الفضية بذهب، وعليها ذهب =

ص: 351

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= يسير موهت به، ونحو ذلك.

قال ابن تيمية: فهذا الصواب فيه أنه جائز، كما جاز دخول الثمرة قبل بدو صلاحها في البيع تبعاً، وقد جاء مع ذلك الحديث الذي رواه مسلم مرفوعاً، كما رواه سالم عن أبيه، ورواه نافع عن ابن عمر مرفوعاً:"من ابتاع عبداً وله مال، فماله للبائع إلَاّ أن يشترط المبتاع".

وأما إن كان المقصود الصنفين كليهما مثل: أن يكون على السلاح ذهب، أو فضة كثير. قال ابن تيمية: فهذا إذا كان معلوم المقدار، وبيع بأكثر من ذلك، ففيه نزاع مشهور، والأظهر أنه جائز.

ومن جنس هذا بيع الذهب المخيش بالفضة إذا علم مقدار ما فيه من الفضة، والذهب.

قال ابن تيمية: وهذا على ثلاثة أنواع:

أحدها: أن يكون المقصود بيع فضة بفضة متفاضلاً، أو بيع ذهب بذهب متفاضلاً، ويضم إلى الأنقص من غير جنسه جلة، فلا يجوز ذلك أصلاً.

والثاني: أن يكون المقصود بيع أحدهما، أو بيع عرض بأحدهما، وفي العرض ما ليس مقصوداً، مثل بيع السلاح بأحدهما وفيه حلية يسيرة، أو بيع عقار بأحدهما وفي سقفه وحيطانه أحدهما، فيجوز هذا عند أكثر العلماء، وهو الصواب. وبيع المخيشة بذهب عند السبك بفضة مثله هو من هذا الباب، فإذا بيعت الفضة المصنوعة المخيشة بذهب مقبوض جاز ذلك.

أما إذا بيعت الفضة المصنوعة بفضة أكثرُ منها لأجل الصناعة: لم يجز.

والثالث: أن يكون كلا الأمرين مقصوداً، مثل أن يكون على السلاح ذهب، أو فضة كثير، فهذا إذا كان معلوم المقدار، أو بيع بأكثر من ذلك فالأظهر جوازه. =

ص: 352

المحلى بذهب وغيره مما هو في معناه مما فيه ذهب، فيجوز بالذهب إذا كان المبيع فيه تابعاً لغيره، وقدروه بأن يكون الثلث فما دونه. وحكاه القرطبي (1) عن كافة العلماء.

وذهب حماد بن أبي سليمان (2) إلى جواز بيعه بالذهب مطلقاً، سواء باعه بمثله من الذهب أو أقل أو أكثر، وهو غلط مخالف لصريح الحديث المذكور.

= ويتخرج على مسألة "مد عجوة" جواز بيع الأكاديس الإِفرنجية بالدراهم الإِسلامية وذلك في أظهر قولي العلماء عند ابن تيمية، ومثل ذلك بيع الدراهم المغشوشة بالدراهم الخالصة. اهـ.

(1)

المفهم (4/ 479).

(2)

قال الخطابي -رحمنا الله وإياه- في معالم السنن (5/ 23)، وقول حماد: قول منكر، لمخالفته الحديث وأقاويل عامة العلماء، وفساده غير مشكل، لما فيه من صريح الربا. اهـ.

ص: 353