الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
59 - باب اللقطة
هي بفتح القاف على المشهور، كما أسلفته في الحديث الثاني من باب حرمة مكة مع باقي اللغات الأربع فيها فراجعه من ثم. وذكر المصنف في الباب (1) حديثًا واحدًا وهو:
311/ 1/ 59 - عن زيد بن خالد الجهيني رضي الله عنه قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن [لقطة] (2) الذهب، والورق؟ فقال: اعرف وكاءها وعفاصها، ثم عرفها سنة، فإنه لم تعرف، فاستنفقها ولتكن وديعة عندك، فإن جاء صاحبها يومًا من الدهر فأداها إليه، وسأله عن ضالة الإِبل؟، فقال: مالك ولها؟ دعها. فإن معها حذاءها [وسقاءها] (3) ترد الماء، وتأكل الشجر، حتى يجدها ربها، وسأله عن الشاة؟ فقال: خذها. فإنما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب"(4).
(1) في ن هـ زيادة الأول.
(2)
مكررة في ن هـ.
(3)
زيادة من ن هـ.
(4)
البخاري (2372)، ومسلم في كتاب اللقطة (4/ 11/ 20، 25) النووي، والترمذي (1372، 1373)، وابن ماجه (2504)، والنسائي في الكبرى =
الكلام عليه من وجوه:
الأول: هذا الحديث بوب عليه البخاري أبوابًا (ضالة الإِبل)(1)، (ضالة الغنم)(2)(إذا لم يوجد صاحب اللقطة بعد سنة، فهي لمن وجدها)(3)[إذا [جاء](4) بعدها] (5)[من عرفها ولم يدفعها إلى السلطان](6).
والسياق الذي ذكره المصنف هو لمسلم.
وقال عن "اللقطة الذهب والورق"، بدل من:"لقطة الذهب والورق"، وكذا هو في بعض النسخ وبعض الشروح وروايات البخاري بمعناه، ولم يذكر "الذهب والورق".
= (3/ 419)، وأبو داود (1704)، ومالك ففي الموطأ (2/ 579)، وابن الجارود (667)، والحميدي (2/ 357)، والبيهقي في السنن (6/ 185، 186)، والدارقطني (4/ 235)، والبغوي في شرح السنة (8/ 308، 313)، وابن أبي شيبة (5/ 191).
(1)
البخاري (2427)، والفتح (5/ 80).
(2)
الفتح (5/ 83)، ح (2428).
(3)
الفتح (5/ 84)، ح (2429).
(4)
زيادة من ن هـ.
(5)
هذا باب إذا جاء صاحب اللقطة بعد سنة ردها عليه، لأنها وديعة عنده. الفتح (5/ 91)، ح (2436).
(6)
باب من عرف اللقطة ولم يدفعها إلى السلطان. الفتح (5/ 93)، ح (5438).
وذكر عن يحيى بن سعيد أحد رواة الحديث الشك في رفع قوله: "ولتكن وديعة عندك"، وفي رواية لمسلم:"فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها وعددها ووكاءه فأعطها إياه، وإلَّا فهي لك"، وفي رواية له:"عرفها سنة فإن لم تعرف فاعرف عفاصها ووكاءها، ثم فكها، فإن جاء صاحبها فأدها إليه"(1).
(1) قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (5/ 83)، على قوله:"ثم عرفها سنة، يقول يزيد: إن لم تعرف استنفق بها صاحبها"، أي: ملتقطها وكانت وديعة عنده: "قال يحيى هذا الذي لا أدري أهو في الحديث أم شيء من عنده"، أي: من عند يزيد، والقائل يقول يزيد هو يحيى بن سعيد الأنصاري. والقائل:"قال" هو سليمان، وهما موصولان بالإسناد المذكور والغرض أن يحيى بن سعيد شك هل قوله:"ولتكن وديعة عنده" مرفوع أو لا، وهذا القدر المشار إليه بهذا دون ما قبله الثبوت ما قبله في أكثرُ الروايات، وخلوها عن ذكر الوديعة. وقد جزم يحيى بن سعيد برفعه مرة أخرى، وذلك فيما أخرجه مسلم عن القعنبي والاسماعيلي من طريق يحيى بن حسان كلاهما عن سيمان بن بلال عن يحيى فقال فيه:"فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك" وكذلك جزم برفعها خالد بن مخلد، عن سليمان بن ربيعة عند مسلم، والفهمي عن سليمان، عن يحيى وربيعة جميعًا عند الطحاوي، وقد أشار البخاري إلى رجحان رفعها فترجم بعد أبواب:"إذا جاء صاحب اللقطة بعد سنة ردها عليه، لأنها وديعة"، قال عليه في الفتح (5/ 91)، أورد فيه حديث زيد بن خالد، من طريق إسماعيل بن جعفر عن ربيعة، وليس فيه ذكر الوديعة فكأنه أشار إلى رجحان رفع رواية سليمان بن بلال الماضية قبل خمسة أبواب وقد تقدم بيانها، وقال ابن بطال: استراب البخاري بالشك المذكور فترجمه بالمعنى، وقال ابن المنير: أسقطها لفظًا وضمنها معنى لأن قوله: =
الثاني: في التعريف براويه، وهو زيد بن خالد الجهيني -بضم الجيم- من جُهينة (1) وهي قبيلة من قضاعة، واسمه: زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة نزلوا الكوفة والبصرة. ينسب إليها خلق كثير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وقولي: اسمه زيد بن ليث، قاله السمعاني (2) لكن اعترض ابن الأثير عليه وقال: جهينة هو ابن زيد.
وزيد هذا أعنى بن خالد مدني صحابي مشهور وكنيته أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو طلحة، ويقال: أبو محمَّد. وروى أيضًا عن عثمان وغيره وعنه ابنه خالد ومولاه أبو عميرة وسعيد بن المسيب وغيرهم، له أحاديث عدتها أحد وثمانون حديثًا اتفقا على خمسة وانفرد مسلم بثلاثة.
مات بالمدينة، وقيل: بالكوفة وقيل: بمصر سنة ثمان وسبعين.
وقيل: سنة ثمان وسبعين عن خمس وثمانين سنة وكان معه لواء جهينة يوم الفتح (3).
= "فإن جاء صاحبها فأدها إليه" يدل على بقاء ملك صاحبها خلافًا لمن أباحها بعد الحول بلا ضمان. اهـ.
(1)
انظر: اللباب (1/ 317)، والأنساب للسمعاني (2/ 134)، ولب اللباب في تحرير الأنساب (1/ 225).
(2)
الأنساب (2/ 134)، واللباب (1/ 317).
(3)
انظر: أسد الغابة (2/ 228).
الثالث: هذا السائل قال الصعبي: في كلامه على رجال هذا الكتاب فيما رأيته بخطه أنه بلال بن رباح المؤذن ولم أر من تعرض له سواه [ثم رأيته بعد في كتاب بن بشكوال (1)
(1) غوامض الأسماء المبهمة (842)، قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (5/ 80)، على قوله:"جاء إعرابي" في رواية مالك عن ربيعة "جاء رجل"، وزعم ابن بشكوال وعزاه لأبي داود وتبعه بعض المتأخرين أن السائل المذكور هو بلال المؤذن، ولم أر عند أبي داود في شيء من النسخ شيئًا من ذلك، وفيه بعد أيضًا لأنه لا يوصف بأنه أعرابي، وقيل: السائل هو الراوي، وفيه بعد أيضًا لما ذكرناه ومستند من قال ذلك ما رواه الطبراني من وجه آخر عن ربيعة بهذا الاسناد فقال فيه:"أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم" لكن رواه أحمد من وجه آخر عن زيد بن خالد فقال فيه: "أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أو أن رجلًا سأل" على الشك وأيضًا فإن في رواية ابن وهب المذكورة عن زيد بن خالد "أتى رجل وأنا معه"، فدل هذا على أنه غيره، ولعله نسب السؤال إلى نفسه لكونه كان مع السائل. ثم ظفرت بتسمية السائل وذلك فيما أخرجه الحميدي والبغوي وابن السكن والبارودي والطبراني، كلهم من طريق محمَّد بن معن الغفاري عن ربيعة، عن عقبة بن سويد الجهني، عن أبيه قال:"سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال: "عرفها سنة ثم أوثق وعاءها"، فذكر الحديث وقد ذكر أبو داود طرفًا منه تعليقًا ولم يسق لفظه. وكذلك البخاري في تاريخه وهو أولى ما يفسر به هذا المبهم لكونه من رهط زيد بن خالد. وروى أبو بكر بن أبي شيبة والطبراني من حديث أبي ثعبة الخشنى، قال: "قلت يا رسول الله الورق يوجد عند القرية. قال: عرفها حولًا" الحديث وفيه سؤال عن الشاة والبعير وهو في أثناء حديث طويل أخرج أصله النسائي، وروى الإسماعيلي في "الصحابة"، من طريق مالك بن عمير، =
] (1).
وفي صحيح البخاري: "أن أعرابيًا سأل".
الرابع: في ألفاظه.
قوله: "سئل عن اللقطة الذهب والورق" هو بالألف واللام في "اللقطة" غير مضافة والذهب والورق بدل منها كما قدمته عن رواية مسلم.
قال الأزهري (2): وأجمع الرواة على تحريك "اللقطة" هنا وإن كان القياس التسكين.
= عن أبيه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال: إن وجدت من يعرفها فادفعها إليه" الحديث وإسناده واه جدًا، وروى الطبراني من حديث الجارود العبدي قال: "قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم اللقطة نجدها"، قال: "أنشدها ولا تكتم ولا تغيب" الحديث. اهـ.
أقول سماه ابن حجر في الفتح (1/ 186)، بأنه عمير والد مالك -واقتصر عليه-، وانظر: مقدمة فتح الباري (252، 283، 284)، وتلخيص الحبير (3/ 73).
قال الصنعاني في سبيل السلام (3/ 123)، ولم يقم برهان على تعيين الرجل. اهـ.
(1)
زيادة من ن هـ.
(2)
في الزاهر (264)، وقال: واجمع عليه أهل اللغة بدل "واجمع الرواة"، وقال ابن باطيش -رحمنا الله وإياه-: في الإنباء عن غريب المهذب والأسماء (1/ 435) اللَّقطَةُ: بضم اللام وفتح القاف: هو الشيء الذي يلتقط، وعن الخليل: أنه الذي يُلقطُ الشيءَ، واللقْطَةَ بسكون القاف: ما يلتقط، والأول أشهر. اهـ.
و"العفاص"، و"الوكاء": بكسر أولهما وبعد العين فاء، ثم صاد مهملة، وهو الوعاء من جلد وغيره (1).
والوكاء: ممدود. الخيط الذي تشد به.
قال القاضي عياض: ووهم بعضهم فقصره والصواب:
الأول: عند أهل اللغة، وإنما أمر بمعرفتها ليعرف صدق واصفها من كذبه، ولئلا تختلط بماله ويستحب تقييدها بالكتابة خوف النسيان.
وعن ابن داود من الشافعية: إن معرفتهما قبل حضور المالك مستحب. وقال المتولي: يجب معرفتهما عند الالتقاط (2).
فرع: يعرف أيضًا الجنس والقدر وكيل المكيال وطول الثوب وعرضه ودقته وصفاقته.
(1) قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (5/ 81)، وقيل له العفاص: أخذًا من العفص وهو الثنى لأن الوعاء يثنى على ما فيه وقد وقع في زوائد المسند لعبد الله بن أحمد، من طريق الأعمش في حديث؟ "أبي" وخرقتها بدل عفاصها، والعفاص: أيضًا الجلد الذي يكون على رأس القارورة، وأما الذي يدخل فم القارورة من جلد أو غيره فهو الصمام بكسر الصاد المهملة قلت: فحيث ذكر العفاص مع الوعاء فالمراد الثاني، وحيث لم يذكر العفاص مع الوعاء فالمراد به الأول. اهـ.
(2)
قال ابن حجر في الفتح (5/ 81)، واختلف في هذه المعرفة على قولين للعلماء أظهرهما الوجوب لظاهر الأمر، وقيل يستحب وقال بعضهم: يجب عند الالتقاط، ويستحب بعده. اهـ.
وقوله: "ثم عرفها سنة"، إتيان "ثم"(1) هنا يدل على المبالغة وشدة التثبت في معرفة العفاص، والوكاء إذ كان وضعها للتراخي والمهلة فكأنه عبارة عن قوله: لا تعجل وتثبت في عرفان ذلك نبه عليه الفاكهي.
وقوله: "فإن لم تعرف فاستنفقها" الأمر باستنفاقها أمر إباحة
(1) وقال أيضًا: (5/ 81).
قوله: (عرفها سنة ثم أعرف عفاصها ووكاءها) في رواية العقدي عن سليمان بن بلال الماضية في العلم "اعرف وكاءها، وقال عفاصها" ولمسلم من طريق بشير بن سعيد عن زيد بن خالد "فاعرف عفاصها ووعاءها وعددها" زاد فيه العدد كما في حديث أبي بن كعب. ووقع في رواية مالك كما سيأتي بعد باب "اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة" ووافقه الأكثر. نعم وافق الثوري ما أخرجه أبو داود من طريق عبد الله بن يزيد مولى المنبعث بلفظ: "عرفها حولا، فإن جاء صاحبها فادفعها إليه، وإلَّا اعرف وكاءها وعفاصها ثم اقبضها في مالك" الحديث. وهو يقتضي أن التعريف يقع بعد معرفة ما ذكر من العلامات. ورواية الباب تقتضي أن التعريف يسبق المعرفة، وقال النووي في شرح مسلم (12/ 23) يجمع بينهما بأن يكون مأمورًا بالمعرفة في حالتين، فيعرف العلامات أول ما يلتقط حتى يعلم صدق واصفها إذا وصفها كما تقدم، ثم بعد تعريفها سنة إذا أراد أن يتملكها فيعرفها مرة أخرى تعريفًا وافيًا محققًا، ليعلم قدرها وصفتها فيردها إلى صاحبها. قلت: ويحتمل أن تكون "ثم" في الروايتين بمعنى الواو فلا تقتضي ترتيبًا ولا تقتضي مخالفًا يحتاج إلى الجمع، ويقويه كون المخرج واحد والقصة واحدة، وإنما يحسن ما تقدم أن لو كان المخرج مختلفًا فيحمل على تعدد القصة، وليس الغرض إلَّا أن يقع التعرف والتعريف مع قطع النظر عن أيهما أسبق. اهـ.
لا وجوب (1).
وقوله: "فلتكن وديعة عندك"، قال الشيخ تقي الدين (2):
(1) وقال أيضًا: (5/ 84).
قوله: (باب إذا لم يوجد صاحب اللقطة بعد سنة فهي لمن وجدها) أي غنيًا كان أو فقيرًا كما تقدم، أورد فيه حديث زيد بن خالد المذكور من جهة مالك عن ربيعة وفيه قوله "ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلَّا شأنك بها" فيه حذف تقديره فإن جاء صاحبها فأدها إليه وإن لم يجىء فشأنك بها، فحذف من هذه الرواية جواب الشرط الأول وشرط "إن" الثانية والفاء من جوابها، قاله ابن مالك في حديث أبي الآتي في أواخر أبواب اللقطة بلفظ "فإن جاء صاحبها وإلَّا استمتع بها" وإنما وقع الحذف من بعض الرواة دون بعض، فقد تقدم حديث أبي في أول اللقطة بلفظ "فاستمتع بها" بإثبات الفاء في الجواب الثاني، ومضى من رواية الثوري عن ربيعة في حديث الباب بلفظ "وإلَّا فاستمتع بها" بإثبات الفاء في الجواب الثاني، ومضى من رواية الثوري عن ربيعة في حديث الباب بلفظ "وإلَّا فاستنفقها" ومثله ما سيأتي بعد أبواب من رواية إسماعيل بن جعفر عن ربيعة بلفظ "ثم استنفق بها، فإن جاء ربها فأدها إليه" ولمسلم من طريق ابن وهب المقدم ذكرها "فإذا لم يأت لها طالب فاستنفقها". واستدل به على أن اللاقط يملكها بعد انقضاء مدة التعريف، وهو ظاهر نص الشافعي، فإن قوله "شأنك بها" تفويض إلى اختياره، وقوله "فاستنفقها" الأمر فيه للإِباحة، والمشهور عند الشافعية اشتراط التلفظ بالتمليك، وقيل تكفي النية وهو الأرجح دليلًا، وقيل تدخل في ملكه بمجرد الالتقاط، وقد روى الحديث سعيد بن منصور عن الدراوردي عن ربيعة بلفظ "وإلَّا فتصنع بها ما تصنع بمالك". اهـ.
(2)
إحكام الأحكام (4/ 152)، مع اختلاف يسير.
يحتمل أن يراد بذلك بعد الاستنفاق. ويكون قوله: "وديعة عندك" فيه مجاز في لفظ: "الوديعة" فإنها تدل على الأعيان وإذا استنفق اللقطة لم تكن عينًا. فتجوّز بلفظ: "الوديعة"(1) عن كون الشيء بحيث يُردُّ إذا جاء ربه -أي فإنه يجب عليه رده إليه كسائر الأمانات [ويحتمل أن تكون "الواو"، في قوله: "ولتكن" [بمعنى "أو"](2) فيكون حكمها حكم الودائع والأمانات] (3) إذا لم يتملكها فإنه تكون أمانة عنده كالوديعة.
قوله: "فإن جاء صاحبها يومًا من الدهر فأدها إليه" بمعنى إذا تحقق صدق واصفها إما بوصفه لها بأمارة وإما ببينة (4) على
(1) قال الصنعاني في الحاشية (4/ 152)، على قوله:"فتجوّز بلفظ الوديعة" تسميتها في وجوب الرد بالوديعة إطلاق للملزوم على اللازم، ويستفاد من تسميتها "وديعة" أنها لو تلفت لم يكن عليه ضمانها، وهو اختيار البخاري تبعًا لجماعة من السلف، انظر: الفتح (5/ 91).
(2)
زيادة من إحكام الأحكام.
(3)
زيادة من ن هـ، وإحكام الأحكام.
(4)
فيه وجوب إقامة النية وذلك لما أخرجه مسلم وأحمد والترمذي والنسائي، كلهم عن سلمة بن كهيل في هذا الحديث:"فإن جاء أحد يخبرك بعددها ووعاءها ووكائها فأعطها إياه" وهي زيادة صحيحة ليست شاذة كما قرره الحافظ ابن حجر في الفتح (5/ 78، 79)، حيث قال: وبظاهرها أخذ أحمد ومالك، وقال أبو حنفية والشافعي: إن وقع في نفسه صدقه جاز أن يدفع إليه، ولا يجبر على ذلك إلَّا ببينة، لأنه قد يصيب الصفة، قال الخطابي: إن صحت هذه اللفظة لم يجز مخالفتها، وهي فائدة قوله:"أعرف عفاصها" إلى أن قال: قد صحت هذه الزيادة فيتعين =
اختلاف بين الفقهاء في ذلك فإنه يجب ردها إليه بعد تعريف الملتقط إياها.
وقوله: " [وسأله] (1) عن ضالة الإِبل"، فالضالة: لا تقع إلَّا على الحيوان، يقال: ضل البعير والإنسان وغيرهما من الحيوان وهي الضوال وأما الأمتعة وما سوى الحيوان فيقال: فيه لقطة ولا يقال: ضال [قال الأزهري: [وغيره](2) يقال، (3) [للضوال: الهوامي (4) والهوافي، واحدتها: هامية، وهافية، [وهي الهوامل، وقد](5) وهَمَتْ وهَفَتْ، وهملت: إذا [ذهبت](6) على وجهها بلا راع (7) [ولا. . . . . . . . . .
= المصير إليها، ومع صحة هذه الزيادة يخص صورة الملتقط من عموم البينة على المدعي. اهـ. بتصرف.
(1)
زيادة من ن هـ.
(2)
زيادة من ن هـ، وشرح مسلم.
(3)
العبارة في الأصل ون هـ، قاله الأزهري وغيره، وقوله: قالوا ويقال. وما أثبت من شرح مسلم (12/ 21)، لأنها بالنص منه.
(4)
في الزاهر (174) وأما الهوامي: فهي الضوال. التي تهمي على وجه الأرض.
(5)
زيادة من المرجع السابق.
(6)
في المرجع السابق: إذا ضلت فمرت.
(7)
قال ابن عبد البر في الاستذكار -رحمنا الله وإياه- (22/ 333)، (335)، وقد اختلف العلماء في اللقطة، والضالة.
* فكان أبو عبيد القاسم بن سلام يفرق بين اللقط والضالة، وقال: الضالة لا تكون إلَّا في الحيوان، واللقطة في غير الحيوان.
* قال أبو عبيد: إنما الضوال ما ضل بنفسه، وكان يقول: لا ينبغي لأحد أن يدع اللقطة، ولا يجوز له أخذ الضالة، ويحتج بحديث الجارود عن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= النبي صلى الله عليه وسلم: "ضالة المؤمن حرق النار". وبحديث جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يأوي الضالة إلَّا ضال".
* وقال غيره من أهل العلم: اللقطة، والضالة سواء في المعني، والحكم فيهما سواء.
* وممن ذهب إلى هذا أبو جعفر الطحاوي وأنكر قول أبي عبيد الضالة ما ضل بنفسه، وقال: هذا غلط، لأنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الأفك قوله للمسلمين:"إن أُمَّكُم ضلت قلادتها"، وشرح معاني الآثار (4/ 133)، فأطلق ذلك على القلادة.
* وقال في قوله صلى الله عليه وسلم: "ضالة المؤمن حرق النار"، أخرجه الترمذي تعليقًا (4/ 301)، وعبد الرزاق (10/ 131)، وأحمد (5/ 80)، وشرح معاني الآثار (4/ 133)، والنسائي كما في تحفة الأشراف (2/ 405)، إنما قال ذلك لأنهم أرادوها للركوب والانتفاع، لا للحفظ على صاحبها.
* وذلك بين في رواية مطرف بن الشخير، عن أبيه، فذكره وذكر حديث زيد بن خالد الجهني، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها"، وأبو داود.
* قال أبو عمر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضاله الغنم: "هي لك، أو لأخيك، أو للذئب"، وفي ضالة الإبل مالك ولها معها حذاؤها، وسقاؤها" الحديث دليل واضح على أن العلة في ذلك خوف التلف والذهاب، لا جنس الواهب، فلا فرق بين ما ضل بنفسه، وما لم يضل بنفسه، ولا بين الحيوان وغيره ، لأن المراد من ذلك كله حفظه على صاحبه، وخوف ذهابه عنه، وإنما خص الإبل، لأنها إذا تركها واجدها، ولم يعرض لها ووجدها صاحبها سالمة عند طلبه لها وبحثه عنها، لأن الذئب لا يُخافُ عليها في الأغلب من أمرها، وصبرها عن الماء فوق صبر غيرها من الحيوان، والله أعلم بما أراد صلى الله عليه وسلم. اهـ. وانظر: التمهيد (3/ 112).
سائق] (1).
وقوله: "فإن معها حذاءها"، أي خفيها.
"وسقاؤها"، أي: جوفها.
وقال الماوردي: أعناقها.
وقال الشيخ تقي الدين: لما كانت مستغنية عن الحافظ [والمتعهد](2) والنفقة عليه بما رُكِّب في طبعها من الجلادة على العطش، والحفاء، عبر عنها "بالحذاء والسقاء" مجازان. كأنها استغنت بقوتها عن الماء والحذاء، أي فلا حاجة إلى التقاطها لعدم الخوف عليها.
وقوله: "وسأله عن الشاة"، إلى آخره يريد أنه لما كانت الشاة الضالة عاجزة عن القيام بنفسها بغير حافظ ومتعهد وخيف عليها الضياع، إن لم يلتقطها أحد. وفي ذلك إتلاف لماليتها على مالكها اقتضى الأذن في التقاطها لأنه لابد منه إما لهذا الواجد أو لغيره.
الوجه الخامس: في أحكامه.
الأول: جواز أخذ اللقطة وهل هو مستحب أو واجب، فيه خلاف وتفصيل محله كتب الفروع، والأصح عدم الوجوب (3).
(1) زيادة من المرجع السابق.
(2)
في إحكام الأحكام (4/ 153)، المتفقد، وقد ساقه المصنف بالمعنى.
(3)
اختلف العلماء في ذلك فذهب فقهاء الحنفية والشافعية إلى أن الأفضل الالتقاط، لأن من واجب المسلم أن يحفظ مال أخيه المسلم: "والله في =
الثاني: وجوب التعريف سنَّة.
قال القاضي عياض: وهو إجماع قال: ولم يشترط أحد تعريف ثلاث سنين إلَّا ما روى عن عمر بن الخطاب ولعله لم يثبت عنده (1) [وحكى المحب في "أحكامه" عن أحمد أنه يعرفها شهرًا
= عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" وهذا في الواثق بأمانة نفسه إذا خاف ضياع اللقطة لئلا يأخذها فاسق فإن لم يخف ضياعها فالتقاطها مباح، لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يأوى الضالة الإضال".
أما المالكية والحنابلة: فقالوا بكراهية الالتقاط لقول ابن عمر وابن عباس، ولأنه تعريض لنفسه لأكل الحرام، ولما يخاف أيضًا من التقصير فيما يجب لها من التعريف وردها لصاحبها وترك التعدي عليها. انظر: بدائع الصنائع (6/ 200)، وفتح القدير (4/ 423)، ومغني المحتاج (2/ 406)، والمغني (5/ 630)، وبداية المجتهد (2/ 299)، والدر المختار (3/ 406)، والاستذكار (22/ 330، 331).
(1)
قال ابن المنذر: لم يقل أحد من أئمة الفتوي أن اللقطة تعرف ثلاثة أعوام، إلَّا شيء جاء عن عمر. اهـ. وقد حكاه الماوردي عن شواذ الفقهاء وحكى ابن المنذر عن عمر أربعة أقوال: يعرفها ثلاثة أحوال، عامًا واحدًا، ثلاثة أشهر، ثلاثة أيام ويحمل ذلك على عظم اللقطة وحقارتها. . . . وزاد ابن حزم عن عمر قولًا خامسًا وهو أربعة أشهر. اهـ. وقد جاء عن أُبي بن كعب في البخاري (2426)، الأمر بتعريفها ثلاثة أحوال: وقد جمع بين حديث أُبي هذا وحديث زيد بن خالد هذا الذي لم يختلف عليه في الاقتصار على سنة واحدة فقال: يحمل حديث أُبي بن كعب على مزيد من الورع عن التصرف في اللقطة والمبالغة في التعفف عنها.
وحديث زيد على ما لابد منه، أو لاحتياج الإِعرابي واستغناء أُبي. =
وعن آخرين ثلاثة أيام وحكاه عن الشافعي] (1).
قلت: والتعريف على العادة كما أوضحناه في كتب الفروع ثم هذا إذا أراد تملكها فإن أراد حفظها على صاحبها فقط فالأكثرون من أصحابنا على أنه لا يجب عليه التعريف والحالة هذه والأقوى الوجوب (2).
الثالث: ظاهر الحديث أنه لا فرق بين الكثير والقليل في وجوب التعريف، وفي مدته.
والأصح عند الشافعية: أنه لا يجب تعريف القليل سنة بل زمنًا يظن أن فاقده يعرض عنه غالبًا.
واختلفوا في ضابط الحقير على خمسة أوجه:
= وقد جزم ابن حزم وابن الجوزي بأن هذه الزيادة غلط من الراوي يدل على هذا أن شعبة قال سمعت سلمة بن كهيل بعد عشر سنين يقول عرفها عامًا واحدًا.
والثاني: أن يكون عليه السلام علم أنه لم يقع تعريفها كما ينبغي فلم يحتسب له بالتعريف الأول، والثالث: أن يكون قدر له على الورع وهو استعمال ما لا يلزم. اهـ. من التحقيق في أحاديث الخلاف (2/ 233).
(1)
ساقطة من ن هـ.
(2)
قال الشافعية: لا يجب تعريفها لمن أراد حفظها لصاحبها، لأن الشرع إنما أوجب التعريف إذا كان بقصد التملك، لكن المعتمد عندهم وجوب التعريف، وبه اتفقت المذاهب الأربعة على وجوب تعريفها مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم:"عرفها سنة" فظاهر الأمر يقتضي الوجوب.
أصحها: أنه ما يقل أسف فاقده عليه غالبًا. وباقيها ذكرتها في "شرح المنهاج" وغيره (1).
الرابع: إباحة استنفاقها بعد تملكها.
(1) قال في الفقه الإسلامي وأدلته (5/ 776)، وأما الشيء الحقير: فقال الشافعية: الأصلح أن الشيء الحقير، أي: القليل المتمول وهو بقدر الدينار أو الدرهم لا يعرّف سنة، لقول عائشة "لا بأس بما دون الدرهم أن يستنفع به" وقدر بما لا تقطع به يد السارق وهو ربع دينار عند الجمهور، وعشرة دراهم عند الحنفية، بل يعرف زمنًا يظن أن فاقده يعرض عنه غالبًا، وهذا هو الراجح عند المالكية وفي رواية عن أبي حنفية: مضمونها إن كانت قيمة الشيء أقل من عشرة دراهم، أي: دينار يعرفه أيامًا بحسب ما يرى وإن كانت عشرة دراهم فصاعدًا عرفها حولًا، إلَّا أن هذه الرواية ليست هي ظاهر الرواية عند الحنفية، فقد قال الطحاوي: وإذا التقط لقطة فإنه يعرفها سنة، سواءًا كان الشيء نفيسًا أم خسيسًا في ظاهر الرواية وظاهر الرواية عند الحنفية هو ظاهر المذهب عند الحنابلة.
وأما الشيء التافه فقد قال الفقهاء: لا خلاف في إباحة أخذ اليسير من الأشياء والانتفاع به من غير تعريف كالتمرة والكسرة والخرقة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على واجد التمرة حيث أكلها، بل قال له:"لو لم تأتها أتتك"، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم تمرة فقال:"لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها"، ويلاحظ أن الأمر بإكمال مدة التعريف إذا كانت اللقطة مما لا يتسارع إليها الفساد، فإن كانت مما يتسارع بها تصدق بها أو أنفقها على نفسه عند الحنفية.
وعند الشافعية، يتميز الملتقط بين أن يبيعها ليمتلك ثمنها بعد التعريف، أو يملكها في الحال ويأكلها ويغرم قيمتها. اهـ. انظر الاستذكار (22/ 335، 339).
الخامس: أن الملتقط أولى بذلك من غيره.
السادس: وجوب ردها إلى صاحبها بعينها أو ما يقوم مقامه بعد تعريفها واستنفاقها أو تملكها (1) إذا تحقق صدقه.
وأغرب الكرابيسي من الشافعية فقال: لا يلزمه ردها ولا رد بدلها. وهو قول داود في البدل، وقول مالك في الشاة.
واختلف الفقهاء هل يتوقف وجوب الرد على إقامة البينة أو يكتفي بوصفه لأماراتها التي عرفها الملتقط (2) أولًا؟
ومشهور مذهب مالك اعتبار وفي العدد في النقدين ومنشأ الخلاف ذكره في حديث أبي بن كعب وعدم ذكره في حديث زيد بن خالد.
واختلفوا: إذا أتى ببعض العلامات المغلبة على الظن صدقه هل يعطاها أو لابد من جميع العلامات على قولين
(1) قال في الفتح (5/ 91)، قال ويحتمل أن تكون:"الواو"، في قوله:"ولتكن"، بمعنى "أو"، أي: إما تستنفقها وتغرم بدلها وإما أن تتركها عندك على سبيل الوديعة حتى يجيء صاحبها فتعطيها له، ويستفاد من تسميتها وديعة أنها لو تلفت لم يكن عليه ضمانها وهو اختيار البخاري تبعًا لجماعة من السلف، وقال ابن المنير: يستدل به لأحد الأقوال عند العلماء إذا أتلفها الملتقط بعد التعريف وانقضاء وزمنه ثم أخرج بدلها ثم هلكت أن لا ضمان عليه في الثانية، وإذا أدعى أنه أكلها ثم غرمها ثم ضاعت قبل قوله أيضًا وهو الراجح من الأقوال. اهـ انظر المتواري (273) لابن المنير.
(2)
انظر التعليق الآتي.
عندهم (1).
قالوا: ولو عرف العفاص دون الوكاء أو بالعكس استبرىء بها ثم دفعت إليها ولو عرف العفاص، أو الوكاء، وحده وعرف آخر عدد الدنانير ووزنها كانت لمن عرف العفاص أو الوكاء.
وقيل: يقسم بينهما بعد التحالف.
السابع: امتناع التقاط ضالة الإبل إذا استغنت بقوتها عن حفظها، وخالف أبو حنيفة، فقال: يجوز مطلقًا.
وعند الشافعية: يجوز التقاطها للحفظ دون التملك، اللهم إلَّا أن توجد بقرية أو بلد فيجوز التملك على الأصح، ويلتحق بالإِبل، كل ما امتنع بقوته عن صغار السباع كالفرس والأرنب والظبي.
وعند المالكية ثلاثة أقوال في [التقاط الإِبل، ثالثها: يجوز في القرى دون الصحراء وعندهم ثلاثة أقوال أيضًا](2) في إلحاق البقر والخيل والحمير بالإِبل، ثالثها: لابن القاسم يلحق البقر دون غيره
(1) قال ابن حجر في الفتح -رحمنا الله وإياه- (5/ 81)، واختلفوا فيما إذا عرف بعض الصفات دون بعض بناء على القول بوجوب الدفع لمن عرف الصفة، قال ابن القاسم: لابد من ذكر جميعها، وكذا قال أصبغ، لكن قال لا يشترط معرفة العدد، رقول ابن القاسم أقوى لثبوت ذكر العدد في الرواية الأخرى، وزيادة الحافظ حجة. اهـ. أقول: ذكر العدد في رواية أبي بن كعب. انظر: البخاري (2426).
انظر: الاستذكار (22/ 339، 340)، التمهيد (3/ 112).
(2)
في ن هـ ساقطة.
[إذا كانت بمكان لا يخاف عليها فيه من السباع واحترزت بقولي في الإِبل إذا استغنت بقوتها عن حفظها أما إذا كانت](1) مهزولة لا تنبعث فإنها كالغنم كما شرح به الخطابي (2) وعن الفصيل (3) منها [فإنه](4) كالشاة.
الثامن: التقاط ضالة الشاة إذا خيف إتلاف ماليتها على مالكها (5).
(1) في ن هـ ساقطة. قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (5/ 80)، على قوله:"باب: ضالة الإبل"، أي: هل تلتقط أم لا؟ والضال الضائع، والضال في الحيوان كاللقطة في غيره، والجمهور على القول بظاهر الحديث في أن لا تلتقط. وقال الحنفية، الأولى أن تلتقط، وحمل بعضهم النهي على من التقطها ليتملكها لا ليحفظها فيجوز له، وهو قول الشافعية. وكذا إذا وجدت بقرية فيجوز التملك على الأصح عندهم والخلاف عند المالكية أيضًا، قال العلماء: حكمة النهي عن التقاط الإبل أن بقاءها حيث ضلت أقرب إلى وجدان مالكها لها من تطلبه لها في رحال الناس، وقالوا: في معنى الإبل كل ما امتنع بقوته عن صغار السباع. اهـ.
(2)
معالم السنن (2/ 297).
(3)
قال في المصباح المنير (474)، الفصيل: ولد الناقة لأنه يفصل عن أمه فهو فعيل بمعنى مفعول. اهـ.
(4)
في ن هـ ساقطة.
(5)
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (5/ 83) على قوله: "باب ضالة الغنم" كأنه أفردها بترجمة ليشير إلى افتراق حكمها عن الإِبل، وقد انفرد مالك بتجويز أخذ الشاة وعدم تعريفها متمسكًا بقوله:"هي لك" وأجيب بأن اللام ليست للتميك، كما أنه قال أو للذئب والذئب لا يملك باتفاق، وقد أجمعوا على أن مالكها لو جاء قبل أن يأكلها الواجد لأخذها منه. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقال أيضًا (5/ 82).
قوله: (لك أو لأخيك أو للذئب) فيه إشارة إلى جواز أخذها، كأنه قال: هي ضعيفة لعدم الاستقلال معرضة للهلاك مترددة بين أن تأخذها أنت أو أخوك، والمراد به ما هو أعم من صاحبها أو من ملتقط آخر، والمراد بالذئب جنس ما يأكل الشاة من السباع. وفيه حث له على أخذها لأنه إذا علم أنه إن لم يأخذها بقيت للذئب كان ذلك ادعى له إلى أخذها. ووقع في رواية إسماعيل بن جعفر عن ربيعة كما سيأتي بعد أبواب "فقال خذها، فإنما هي لك" الخ، وهو صريح في الأمر بالأخذ، ففيه دليل على رد إحدى الروايتين عن أحمد في قوله:"يترك التقاط الشاة"، وتمسك به مالك في أنه يملكها بالأخذ، ولا يلزمه غرامة ولو جاء صاحبها. واحتج له بالتسوية بين الذئب والملتقط، والذئب لا غرامة عليه فكذلك الملتقط. وأجيب بأن اللام ليست للتمليك، لأن الذئب لا يملك وإنما يملكها الملتقط على شرط ضمانها. وقد أجمعوا على أنه لو جاء صاحبها قبل أن يأكلها الملتقط لأخذها فدل على أنها باقية على ملك صاجها، ولا فرق بين قوله في الشاة "هي لك أو لأخيك أو للذئب" وبين قوله في اللقطة "شأنك بها أو خذها" بل هو أشبه بالتملك لأنه لم يشرك معه ذئبًا ولا غيره، ومع ذلك فقالوا في النفقة بغرمها إذا تصرف فيها ثم جاء صاحبها. وقال الجمهور: يجب تعريفها، فإذا انقضت مدة التعريف أكلها إن شاء وغرم لصاحبها، إلَّا أن الشافعي قال: لا يجب تعريفها إذا وجدت في الفلاة، وأما في القرية فيجب في الأصح. قال النووي: احتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأولى "فإن جاء صاحبها فأعطها إياه" وأجابوا عن رواية مالك بأنه لم يذكر الغرامة ولا نفاها فثبت حكمها بدليل آخر انتهى. وهو يوهم أن الرواية الأولى من روايات مسلم فيها ذكر حكم الشاة إذا أكلها الملتقط، ولم أر ذلك في شيء من روايات مسلم ولا غيره في =
التاسع: أن الضالة لا تزول ملك صاحبها عنها بضلالها وأنه متى وجدها أخذها.
العاشر: جواز قول: رب المال. ورب المتاع. ورب الماشية بمعنى صاحبها، وهذا قول جمهور أهل العلم:
ومنهم من كره إضافته إلى ماله روح: دون الدار، والمال، ونحوه وهو غلط (1).
= حديث زيد بن خالد، نعم عند أبي داود والترمذي والنسائي والطحاوي والدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده في ضالة الشاة "فاجمعها حتى يأتيها باغيها".
(1)
أخرج البخاري (2552)، ومسلم (2249)، وأحمد (2/ 423) حديث عن ذلك ولفظه:"لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وضيء ربك، اسق ربك، وليقل سيدي، ومولاي، ولا يقل أحدكم: عبدي وأمتي، وليقل: فتاي، وفتاتي وغلامي"، قال النووي -رحمنا الله وإياه- في الأذكار (312) يكره أن يقول المملوك لمالكه: ربي، بل يقول: سيدي وإن شاء قال: مولاي، ويكره للمالك أن يقول: عبدي وأمتي ولكن يقول: فتاي، وفتاتي، أو غلامي وساقه الحديث برواياته ثم قال: قلت: قال العلماء: لا يطلق الرب بالألف واللام إلَّا على الله تعالى خاصة، فأما مع الإضافة فيقال: رب المال، ورب الدار، وغير ذلك. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في ضالة الإبل:"دعها حتى يلقاها ربها"، والحديث الصحيح:"حتى يُهم رب المال من يقبل صدقته"، وقول عمر رضي الله عنه في الصحيح: رب الصريمة والغنيمة. ونظائره في الحديث كثيرة مشهورة.
وأما استعمال حملة الشرع ذلك، فأمر مشهور معروف. قال العلماء: =
الحادي عشر: في معنى الشاة كل ما يسرع إليه الفساد من الأطعمة فيأكله ويضمنه وفيه ما سلف.
= وإنما كره للمملوك أن يقول لمالكه: ربي، لأن في لفظه مشاركة لله تعالى في الربوبية. وأما حديث:"حتى يلقاها ربُّها"، "ورب الصريمة" وما في معناهما، فإنما استعمل لأنها غير مكلفة، وما في معناهما، فإنما استعمل لأنها غير مكلفة، فهي كالدار والمال، ولا شك أنه لا كراهة في قول: رب الدار، ورب المال وأما قول يوسف صلى الله عليه وسلم:"اذكرني عند ربك"، فعنه جوابان.
أحدهما: أنه خاطبه بما يعرفه، وجاز هذا الاستعمال للضرورة، كما قال موسى عليه الصلاة والسلام للسامري:"وانظر إلى إلهك"، أي: الذي اتخذته إلهًا.
والجواب الثاني: أن هذا شرع مَن قبلنا لا يكون شرعًا لنا إذا ورد شرعنا بخلافه، وهذا لا خلاف فيه. وإنما اختلف أصحاب الأصول في شرع مَنْ قبلنا إذا لم يرد شرعنا بموافقته ولا مخالفته، هل يكون شرعًا لنا، أم لا؟ قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (5/ 178)، قوله:"باب كراهية التطاول على الرقيق"، وقوله:"عبدي أو أمتي"، وقول الله تعالى:{وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ. . . .} إلخ، وقوله:"عبدي أو أمتي"، أي: وكراهية ذلك من غير تحريم استشهدوا للجواز بقوله تعالى: {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} ، وبغيرها من الآيات والأحاديث الدالة على الجواز، ثم أردفها بالحديث الوارد في النهي عن ذلك واتفق العلماء على أن النهي الوارد في ذلك للتنزيه حتى أهل الظاهر، إلَّا ما سنذكره من ابن بطال في لفظ الرب. -فقد نقل عنه في 179 - وقال ابن بطال: لا يجوز أن يقال لأحد غير الله: رب كما لا يجوز أن يقال له إله". اهـ.
انظر: الصمت وآداب اللسان (425)، تهذيب السنن (7/ 272، 273).
فروع: إذا عرّفها سنة لم يملكها حتى يختاره بلفظ على أصح الأوجه عندنا.
وقيل: تكفي النية.
وقيل: تملك بمضي السنة وإن لم يرضى بالتملك إذا قصد عند الأخذ التملك بعد التعريف، لأنه جاء في رواية لمسلم:"فإن جاء صاحبها فاعطها إياه وإلَّا فهي لك"(1)[وقيل](2): غير ذلك.
ولا يفتقد التقاط اللقطة وتملكها إلى حكم حاكم ولا إلى إذن السلطان بالإجماع، ولا فرق عندنا وعند الجمهور بين الغني والفقير (3) وفروع الباب كثيرة مفسرة ومحل الخوض فيها كتب
(1) طريق التملك عند الجمهور مختلف فيه فعند الحنابلة: تدخل اللقطة في ملك الملتقط عند تمام التعريف حكمًا كالميراث لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإذا جاء صاحبها، وإلَّا كسبيل مالك"، ولقوله:"فاستنفقها" ولو توقف ملكها على تملكها لبين الرسول له المطلوب.
القول الثاني: قول المالكية يملكها الملتقط بأن ينوي تملكها، أي تجديد قصد التملك، لعدم الإِيجاب من الغير.
القول الثالث للشافعية: يملكها الملتقط باختياره التملك بلفظ من ناطق يدل عليه مثل: تملكت ما التقطه، لأن تملكها تمليك ببدل، فافتقر إلى اختيار التملك، كما يتملك الشفيع بالشفعة. اهـ. من الفقه الإِسلامي.
(2)
في ن ساقطة.
(3)
اختلف الفقهاء في حكم اللقطة بعد تعريفها سنة على قولين. فعند الحنفية: إذا كان الملتقط غنيًا لم يجز له الانتفاع باللقطة وإنما يتصدق بها =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= على الفقراء سواء أكانوا أجانب أم أقارب، ولو أبوين أو زوجة أو ولدًا لأنه مال الغير، فلا يجوز الانتفاع به بدون رضاه، لإطلاق النصوص من قرآن وسنة، مثل قوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} ، وقوله:{وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)} ، وقوله عليه الصلاة والسلام:"لا يحل مال امرئ مسلم إلَّا بطيب نفس منه"، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"لا تحل اللقطة، فمن التقط شيئًا فليعرّف سنة، فإن جاء صاحبها، فليردها عليه، وإن لم يأت فليتصدق"، وفي حديث عياض المجاشعي:"من وجد لقطة فليشهد عليها ذا عدل، أو ذوي عدل، ولا يكتم ولا يغيب، فإن وجد صاحبها فليردها عليه، وإلَّا فهي مال الله يؤتيه من يشاء". . . . وأما إذا كان الملتقط فقيرًا فيجوز له الانتفاع باللقطة بطريق التصدق لقوله صلى الله عليه وسلم: "فليتصدق به". . . . فإن عرف صاحبها بعد التصدق بها أو الانتفاع بها، فهو بالخيار: إن شاء أمضى الصدقة، وله ثوابها، وإن شاء ضمن الملتقط، وإن شاء أخذها من الفقير المتصدق عليه بها إن وجده، وأيهما ضمن لم يرجع على صاحبه.
وقال جمهور الفقهاء: يجوز للملتقط أن يملك اللقطة وتكون كسائر أمواله سواء أكان غنيًا أو فقيرًا: لأنه مروي عن جماعة من الصحابة كعمر، وابن مسعود، وعائشة، وابن عمر وهو ثابت بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث زيد بن خالد:"فإن لم تعرف فاستنفقها"، وفي لفظ:"وإلا فهي كسبيل مالك"، وفي لفظ:"ثم كلها"، وفي لفظ:"فانتفع بها"، وفي لفظ:"فشأنك بها"، وفي حديث أبي بن كعب:"فاستنفقها"، وفي لفظ:"فاستمتع بها" وهو حديث صحيح.
الرد على الأحناف:
1 -
أن حديث أبي هريرة لم يثبت، ولا نقل في كتاب يوثق به.
2 -
أن دعواهم في حديث عياش أن ما يضاف إلى الله لا يتملكه إلَّا من =
الفروع وقد أوضحتها فيها، ولله الحمد.
…
انتهى الجزء السابع ويليه الجزء الثامن وأوَّله كتاب الوصايا
= يستحق الصدقة لا برهان لها ولا دليل عليها، وبطلانها ظاهر، فإن الأشياء كلها تضاف إلى الله تعالى خلقًا وملكًا، قال:{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} . اهـ. من الفقه الإِسلامي (5/ 781).