المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الحادي عشر - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٧

[ابن الملقن]

الفصل: ‌الحديث الحادي عشر

‌الحديث الحادي عشر

308/ 11/ 58 - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه[قال](1): "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرى لمن وهبت له"(2).

وفي لفظ: "من أعمر عُمرى له ولعقبه، فإنها للذي أُعطيها. لا ترجع إلى الذي أعطاها. لأنه أعطى عطاءً وقعت فيه المواريث"(3).

وقال جابر: "إنما العمرى التي أجازها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يقول: هي لك ولعقبك. فأما إذا قال: هي لك ما عشت: فإنها ترجع إلى صاحبها"(4).

(1) في ن هـ ساقطة.

(2)

مسلم (1625)، والبخاري أطرافه (2625)، وأبو داود (3550)، والنسائي (6/ 277)، والطيالسي (1687)، والبيهقي (6/ 173) ، والطحاوي (4/ 92)، وأحمد (3/ 304، 393).

(3)

البخاري (2625)، ومسلم (1625)، وأبو داود (3550)، والترمذي (1350)، ومالك (2/ 756)، والنسائي (6/ 275، 276)، وابن ماجه (2380)، والطحاوي (4/ 93)، والبيهقي (6/ 172).

(4)

مسلم (1625) ، وابن الجارود (988)، وأبو داود (3555)، والبيهقي (6/ 172)، وأحمد (3/ 294)، وعبد الرزاق (16887).

ص: 490

وفي لفظ لمسلم: "أمسكوا عليكم أموالكم، ولا تفسدوها، فإنه من أعمر عمري فهي للذي أعمرها: حيًا، وميتًا ولعقبه"(1).

والكلام عليه من وجوه:

الأول: ترجم البخاري على هذا الحديث ما قيل في العمرى والرقبي (2)، وذكره باللفظ الأول بزيادة:"أنها قيل لمن وهبت له".

قال عبد الحق في "جمعه بين الصحيحين"، ولم يخرج البخاري عن جابر في العمرى غيره، ولم يذكر في هذه الترجمة حديثًا في الرقبى.

ولفظ مسلم: "أيما رجل أعمر رجلًا عمرى"، بدل "من أَعمر رجلًا عمرى".

وله في لفظ آخر: "من أَعمر رجلًا عمرى له ولعقبه فقد قطع قوله: "حقه فيها. وهي لمن أُعمر ولعقبه".

وذكره بلفظ جابر أيضًا المذكور في الكتاب وعجيب منه كونه عزى الأخير إلى مسلم فإن ظاهره إن ما عداه في البخاري أيضًا، وقد علمت كلام عبد الحق فيه ولفظ مسلم في الأول:"العمرى لمن وهبت له".

والثاني: "العمرى"(3) فُعلى من العُمَر [فيه لغة ثالثة فتح العين

(1) مسلم (1625)، والنسائي (6/ 274)، والبيهقي (6/ 173)، وأحمد (3/ 312، 374، 386، 389)، وابن أبي شيبة (7/ 138، 142).

(2)

ح (2626).

(3)

بضم المهملة وسكون الميم مع القصر، وحكى ضم الميم مع ضم أوله، =

ص: 491

وإسكان الميم] (1)، وهي هبة المنافع مدة العمر، وهي على وجوه:

أحدها: أن يصرح بها للمعمر ولورثته من بعده فهذه هبة محققه يأخذها الوارث بعد موته، فإن لم يكن فبيت المال.

[الثاني](2): أن يعمر ويشترط الرجوع إليه بعد موت المعمر، وفي صحة هذه العمرى خلاف لما فيها من تغيير وضع الهبة والأصح عند الشافعية الصحة، وكأنهم عدلوا به عن قياس سائر الشروط الفاسدة.

[الثالث](3): أن يقتصر على أنها للمعمر مدة حياته، ولا يتعرض لما بعد الموت فأشهر أقوال الشافعي في القديم بطلانها لقول جابر السالف.

والجديد من مذهبه: الصحة وله حكم الهبة لقوله عليه الصلاة والسلام: (العمرى ميراث لأهلها) متفق عليه (4). من حديث أبي هريرة، والخلاف في هذه مرتب على التي قبلها، وأولى بالصحة لعدم اشتراط شرط يخالف مقتضى العقد.

= وحكى فتح أوله مع السكون مأخوذ من العمر. اهـ. من الفتح (5/ 238).

(1)

زيادة من ن هـ.

(2)

في ن هـ ثانيها.

(3)

في ن هـ ثالثها.

(4)

أخرجه مسلم فقط باب العمرى (11/ 73)، وأخرجه البخاري بلفظ "العمرى جائزة" ح (2626).

ص: 492

وقول جابر: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرى لمن وهبت له) يحتمل حمله على الصورة الثالثة وهو أقرب إذ ليس في اللفظ تقييد، ويحتمل أن يحمل على الثانية، وهو مبين بالكلام بعده في الرواية الأخرى، ويحتمل أن يحمل على جميع الصور إذا قلنا إن مثل هذه الصيغة من الراوي تقتضي العموم، وفي ذلك خلاف بين الأصوليين.

الثالث: في ألفاظه:

أُعمر: -بضم أوله- على ما لم يسم فاعله أجود من الفتح كما نبه عليه ابن الصلاح في "مشكل الوسيط".

والعقب: -بفتح أوله وكسر ثالثه وإسكانه أيضًا مع فتح العين وإسكانها- كما في نظائره، أولاد الإِنسان ما تناسلوا.

وقوله: "لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث" يريد أنها التي شرط فيها له ولعقبه، ويحتمل أن يريد يكون المراد صورة الإطلاق، ويؤخذ كونه وقعت فيه المواريث من دليل آخر، ونص الحديث يبعده.

ومعنى قول جابر: "أجازها" أمضاها، وجعلها للعقب لا تعود. وقد نص على أنه إذا قيدها بحياته تعود. وهو تأويل منه. ويجوز أن يكون رواه، أعني كقوله:"إنما العمرى" إلى آخره، فإن كان مرويًا فلا إشكال في العمل به، وإلَّا فيرجع إلى أن تأويل الصحابي الراوي، هل يكون مقدمًا من حيث إنه [قد](1) تقع له قرائن تورثه العلم بالمراد، ولا يتفق تعبيره عنها.

(1) زيادة من ن هـ، وإحكام الأحكام (4/ 146)، مع التصرف في النقل عنه.

ص: 493

وقوله: "أمسكوا عليكم أموالكم" إلى آخره، المراد به إعلامهم أن العمري هبة صحيحة ماضية، فإنهم كانوا يتوهمون أنها كالعارية يرجع فيها.

الرابع: في الحديث أحكام:

الأول: صحه العمري، وحكى الماوردي عن داود وأهل الظاهر وطائفة من أهل الحديث (1) ذهبوا إلى بطلانها استدلالًا بعموم النهى كذا نقله عنهم (2)، وابن حزم (3) من الظاهرية قد قال بالصحة.

ثم أجاب الماوردي: بأن النهى متوجه إلى الحكم أو إلى اللفظ الجاهلي والحكم المنسوخ.

وقال أحمد (4): تصح العمرى المطلقة

(1) في ن هـ زيادة أنهم.

(2)

الماوردي. الحاوي الكبير (9/ 407).

(3)

قال ابن حزم -رحمنا الله وإياه- في المحلى (9/ 164)، العمرى والرقبى هبة صحيحة تامة يملكها المعمر والمرقب كسائر ماله يبيعها إن شاء وتورث عنه ولا ترجع إلى المعمر ولا إلى ورثته، سواء اشترط أن ترجع إليه أو لم يشترط وشرطه لذلك ليس بشيء. اهـ. محل المقصود منه. أما شيخ الإِسلام ابن تيمية -رحمنا الله وإياه- فإنه قال في الاختيارات (316): تصح العمرى، ويكون الشيء المتبرع به للمُعمَر، -بفتح الميم-، أي: المتبرع له، ثم لورثته من بعده، إلَّا أن يشترط المُعُمِر -بكسر الميم- عودها إليه، فيصح الشرط. اهـ.

(4)

قال أبو عمر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (22/ 321)، من قال في العمري بحديث أبي الزبير عن جابر وما كان مثله في العمري جعل =

ص: 494

[دون](1) المؤقتة.

تنبيه: الرّقبى كالعمرى، وقد نص ابن حزم من الظاهرية على صحتها أيضًا (2).

الثاني: أن الموهوب له يملكها ملكًا تامًا، يتصرف فيها بالبيع وغيره من التصرفات، وبه قال الشافعي والملك عنده، وعند

= العمري هبة مبتولة ملكًا للذي أعمرها، وأبطل شرط ذكر العمر فيها.

* وبهذا قال الشافعي، وأبو حنيفة، وأصحابهما.

* وهو قول عبد الله بن شبرمة، وسفيان والثوري، والحسن بن صالح، وابن عيينة، وأحمد بن حنبل، وأبي عبيد كل هؤلاء يقولون بالعمري هبة مبتولة يملك المعمر رقبتها، ومنافعها، واشترطوا فيها القبض كسائر الهبات، فإذا أقبضها المُعْمَر ورثها عنه ورثته بعده كسائر أمواله، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبطل شرط المُعْمِر فيها وجعلها ملكًا للمُعمِر موروثًا عنه.

* قالوا وسواء ذكر المعقب في ذلك والسكوت عنه، لأنه لو أعمرها من أعقبها، أو من لا يكون له عقب كالمحجوب، والعقيم، فقال: لك ولعقبك أو قال ذلك لمن لا عقب، فماتوا قبله لم يكن لذكر العقب معنى يصح، إلَّا أنها حينئذٍ تورث عندهم عنه، وقد يرثه غير عقبه.

* قالوا: فذكر العقب لا معنى له في ذلك، وإنما المعنى الصحيح ما جاء به الأثر واضحًا أن العمري تورث عن المعطى لملكه لها بما جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك له حياته، وموته، وهو قول جابر بن عبد الله، وابن عمر، وابن عباس. اهـ.

(1)

في ن هـ ساقطة.

(2)

انظر: ت (3)، ص 494.

ص: 495

الجمهور متوجه إلى الرقبة (1).

وقيل: إلى المنفعة فقط وهو مشهور مذهب مالك (2).

وقيل: في العمرى إلى الرقبة وفي الرقبى إلى المنفعة، وهو قول أبي حنيفة ومحمد (3) ويحكى عنهما البطلان فيهما.

(1) قال أبو يوسف والشافعية والحنابلة: إذا قبضها فهي هبة، وقوله:"رقبي وحبيسة"، باطل: ودليلهم ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أجاز العمري والرقبي -منه حديث الباب- ومنه حديث ابن عمر عند النسائي: "لا عمري ولا رقبي، فمن أعمر شيئًا أو أرقبه، فهو له حياته ومماته"، ولأنه في قوله:"داري لك" تمليك العين، لا تمليك المنفعة، وقياسًا على قوله:"هي عمري". اهـ. من الفقه الإِسلامي (5/ 9).

قال الخطابي -رحمنا الله وإياه- في المعالم (5/ 195)، على قوله:"فهي له ولعقبه" بيان وقوع الملك في الرقبة والمنفعة جميعًا. اهـ.

(2)

أما المالكية فقد أجازوا العمري وأبطلوا الرقبي كالحنفية، وعرفوا العمري بأنها تمليك منفعة عقار أو غيره لشخص بغير عوض مدة حياته، فماذا مات المعمر له رجع الشيء المعمر لمن أعمره له، إن كان حيًا، ولورثته إن كان ميتًا.

(3)

فعند الأحناف إذا قال: المعمر للمعمر: "هذه الدار رقبى أو حبيسة" فهي عارية في يده، ويأخذها منه متى شاء عند أبي حنيفة ومحمد، واستدلا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أنه أجاز العمري، وأبطل الرقبي"، قال الزيلعي في نصب الراية حديث غريب (4/ 128)، ولأن قوله: ذلك تعليق للتمليك بأمر على خطر الوجود وخطر العدم، والتمليكات لا تحتمل التعليق بالخطر الاحتمالي المتردد بين الوجود وعدم الوجود فلم تصح هبة، وصحت عارية، لأنه دفع الدار إليه، وأطلق له الانتفاع به وهذا معنى العارية. اهـ. وما قبله من الفقه الإِسلامي (5/ 9).

ص: 496

ودليل الجمهور الأحاديث الصحيحة في ذلك ولو قيل بتحريمها النهي وصحتها للحديث لم يبعد كطلاق [الحائض](1) لكنه غريب [في](2) العقود.

الثالث: الأمر بإصلاح الأموال باتباع الشرع في التصرف فيها والنهي عن إفسادها بمخالفته والتنبيه على التثبت فيما يخرجه حتى يتروى ويتدبر العاقبة خوفًا من الندم على ما فعل فيبطل أجره أو يقل.

الرابع: أن الهبة يملكها الموهوب له مدة حياته، وتورث بعده ولا يرجع فيها الواهب في حياته، ولا بعد من وهبت له.

الخامس: [أن](3) الموت والأرث، يقطعان جميع الأملاك.

السادس: أن الحيل المحرمة والمكروهة مفسدة للأموال.

(1) في ن هـ ساقط.

(2)

في ن هـ عن.

(3)

في ن هـ ساقطة.

ص: 497