المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الخامس 277/ 5/ 53 - عن أنس بن مالك رضي - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٧

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌الحديث الخامس 277/ 5/ 53 - عن أنس بن مالك رضي

‌الحديث الخامس

277/ 5/ 53 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"نهى عن بيع الثمار حتى تُزهى"، قيل: وما تُزهى؟ قال (1): "تحمر"، قال:"أرأيت إذا منع الله الثمرة، بِمَ يستحل أحدكم مال أخيه؟ "(2).

الكلام عليه من وجوه:

الأول: هذا الحديث رواه البخاري بهذا اللفظ إلَاّ أنه قال: "يأخذ" بدل "يستحل" وترجم عليه، "باب: إذا باع الثمار قبل بدو الصلاح ثم أصابته عاهة فهو من البائع" (3)، وفي رواية له: "نهى أن

(1) في متن العمدة وإحكام الأحكام زيادة (حتى).

(2)

البخاري أطرافه (1488)، ومسلم (1555)، والموطأ (2/ 618) ، والنسائي (7/ 264)، والبغوي (2080، 2081)، والبيهقي (5/ 300) ، وابن الجارود (604)، وأحمد في المسند (3/ 115، 221، 250) ، والبيهقي في معرفة السنن (8/ 73، 74)، والأم (3/ 47)، وأبو داود (3371) في البيوع، باب: ما جاء في كراهة بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، والترمذي (1228)، وابن ماجه (2217)، والحاكم (2/ 19) ، والدارقطني (3/ 47)، وابن أبي شيبة (6/ 508).

(3)

البخاري مع الفتح (4/ 398) ح (2198).

ص: 85

تباع ثمرة النخل حتى تزهو" يعني حتى تحمر، وترجم عليها: "بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها" (1)، وفي رواية له: "نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها"، وفي رواية له: "وعن النخل حتى يزهو قيل: وما تزهو؟ قال: يحمار أو يصفار"، وترجم عليها: "بيع النخل قبل أن يبدو صلاحها" (2)، وفي رواية له: "نهى عن بيع ثمر التمر حتى يزهو". فقلنا لأنس: ما زهوها؟ قال: تحمر وتصفر. أرأيت إن منع [الله] (3) الثمرة بِم تستحل مال أخيك؟ "(4) ذكرها في "باب: بيع المخاطرة"(5).

ورواه مسلم بألفاظ: أحدها: نهى عن بيع ثمر النخل حتى تزهو. فقلنا لأنس: وما زهوها؟ قال: تحمر وتصفر. أرأيت إن منع الله الثمرة بِم تستحل مال أخيك؟ (6).

ثانيها: نهى عن بيع الثمرة حتى تُزهى، قالوا: وما تُزهى؟ قال: تحمر. فقال: إذا منع الله الثمرة بِم تستحل مال [أخيك"؟ (7)](8).

(1) البخاري مع الفتح (4/ 393) ح (2195).

(2)

البخاري مع الفتح (4/ 397) ح (2197).

(3)

في ن هـ ساقطة.

(4)

ح (2208).

(5)

البخاري مع الفتح (4/ 404).

(6)

(1555)(15).

(7)

في ن هـ (أخيه).

(8)

مسلم (1555)(15).

ص: 86

ثالثها: "إن لم يثمرها الله فبم يستحل أحدكم مال أخيه"(1).

الثاني: قوله: "أرأيت" إلى آخره قال عبد الحق في "جمعه بين الصحيحين" ليس بموصول عنه في كل طريق.

قلت: هذا أمر اختلف فيه قديماً، فالصواب: كما قاله الدارقطني وغيره أنه من قول أنس كما ذكره عبد الحق، قال أبو زرعة: الداروردي، ومالك بن أنس [يرويانه](2) مرفوعاً والناس يروونه موقوفاً من كلام أنس. ووقع في كلام الشيخ تقي الدين الجزم برفعه وتبعه ابن العطار وليس بجيد (3).

(1)(1555)(16).

(2)

في ن هـ (برواياته).

(3)

قال ابن عبد البر في التمهيد (2/ 190)، وأما قوله:"أرأيت إن منع الله الثمرة ففيم يأخذ أحدكم مال أخيه" فيزعم قوم أنه من قول أنس بن مالك، وهذا باطل بما رواه مالك وغيره من الحفاظ في هذا الحديث إذ جعلوه مرفوعاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم. وقد روى أبو الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. اهـ.

قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- تأييداً لهذا الكلام في الفتح (4/ 398): على قوله: "أرايت إن منع الله الثمرة" الحديث. هكذا صرح مالك برفع هذه الجملة، وتابعه محمد بن عباد عن الداروردي عن حميد مقتصراً على هذه الجملة الأخيرة، وجزم الدارقطني وغير واحد من الحفاظ بأنه أخطأ فيه، وبذلك جزم ابن أبي حاتم في العلل (1/ 379) عن أبيه وأبي زرعة، والخطأ في رواية عبد العزيز من محمد بن عباد، فقد رواه إبراهيم بن حمزة عن الداروردي كرواية إسماعيل بن جعفر الآتي ذكرها، ورواه معتمر بن سليمان وبشر بن المفضل عن حميد فقال فيه: =

ص: 87

الثالث: قوله: "حتى تُزهى"، قال ابن الأعرابي (1): يقال زها النخل يزهوا إذا ظهرت ثمرته، وأزها يزهى إذا احمر أو اصفر، وقال الأصمعي (2): لا يقال في النخل أزهى، إنما يقال يزهى. وحكاهما أبو زيد لغتين، وقال الخليل: أزهى النخل بدأ صلاحه.

وقال الخطابي (3): يروى "حتى تزهو"، والصواب: في العربية حتى "تزهى" بضم التاء لا غير أي لأن الأصل حتى تزهو لأنه

= "قال أفرأيت" إلخ، قال: فلا أدري أنس، قال:"بم يستحل" أو حدث به عن النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه الخطيب في "المدرج" ورواه إسماعيل بن جعفر عن حميد فعطفه على كلام أنس في تفسير قوله "تزهى" وظاهره الوقف، وأخرجه الجوزقي من طريق يزيد بن هارون، والخطيب من طريق أبي خالد الأحمر كلاهما عن حميد بلفظ:"قال أنس أرأيت إن منع الله الثمرة" الحديث، ورواه ابن المبارك وهشيم كما تقدم آنفاً عن حميد فلم يذكر هذا القدر المختلف فيه، وتابعهما جماعة من أصحاب حميد عنه على ذلك.

قلت: وليس في جميع ما تقدم أن يكون التفسير مرفوعاً، لأن مع الذي رفعه زيادة على ما عند الذي وقفه، وليس في رواية الذي وقفه ما ينفي قول من رفعه، وقد روى مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر ما يقوي رواية الرفع في حديث أنس، ولفظه "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو بعت من أخيك ثمراً فأصابته عاهة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق"؟. اهـ.

(1)

تهذيب اللغة (6/ 371).

(2)

تهذيب اللغة (6/ 371).

(3)

معالم السنن (5/ 41).

ص: 88

من الزهو فكان لقلب الواو ياء موجبان: وقوعها رابعة وكسر ما قبلها، فهو كبدعي ويعزى وأشباهها إذا عديت بهمزة النقل، فلما قلبت الواو ياء صار تزهى.

قلت: وما صوَّبه الخطابي فهو مروي أيضاً في الحديث، وعليه اقتصر المصنف وعلى أن بعضهم أنكر ما صوبه.

قال ابن الأثير: منهم من أنكر يزهى كما أن منهم من أنكر تزهو (1).

والصواب: تخريج الروايتين على اللغتين، زهت تزهو، وأزهت تزهي، فمن نقل حجة على من لم ينقل إذا كان ثقة.

قال الخطابي (2): والإِزهاء في [الثمر](3) أن يحمر أو يصفر، وذلك علامة الصلاح فيها، ودليل خلاصها من الآفة.

وقال الجوهري (4): "الزَّهْوُ" -بفتح الزاي وأهل الحجاز يقولون بضمها- وهو البسر الملون. يقال: إذا ظهرت الحمرة أو الصفرة في النخل فقد ظهر فيه "الزُّهْوُ"، وقد "زَهَا" النخل "زهواً"، وأزْهَى لغة. وقال الشيخ تقي الدين (5):"الإِزهاء" تغير لون الثمرة [إلى](6) حالة الطيب، ولم يذكر في هذه اللفظة غير ذلك.

(1) إلى هنا نهاية كلام ابن الأثير في النهاية (2/ 323).

(2)

معالم السنن للخطابي (5/ 41).

(3)

في ن هـ (الثمرات) ، وما أثبت يوافق المعالم.

(4)

انظرة مختار الصحاح مادة (ز هـ ا).

(5)

إحكام الأحكام (4/ 63).

(6)

في إحكام الأحكام (في).

ص: 89

الرابع: قوله "حتى تحمر"(1) كذا اقتصر [عليه](2) المصنف وقد أسلفت لك في رواية أخرى "وتصفر"، وفي أخرى:"تحمار أو تصفار"، ونقل القاضي عن الخطابي (3): أنه لم يرد بقوله: "يحمار ويصفار" اللون الخالص [وإنما أراد لون خالص](4) في كمودة، ولذلك قال:"تحمار وتصفار"، ولو أراد اللون الخالص لقال:"تحمر وتصفر".

قلت: قد قاله في الرواية الأخرى.

الخامس: قوله: "بم" تكتب هكذا بغير ألف فإن "ما" الاستفهامية إذا كانت مخصوصة بالإِضافة كقولهم: "تجيء وجيت" ومثل: "هأنت" أو بحرف الجر كقوله تعالى: {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} (5)، و {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} (6)، حذفت ألفها وهذا بخلاف "ما" الخبرية (7) كقولك:"رغبت فيما رغبت فيه"، و"جئت لما جئت إليه"[](8). فإنها لا تحذف.

والفرق: أن ما كثر استعماله التمس تخفيفه، و"ما" الاستفهامية أكثر من الخبرية.

(1) كلمة (حتى) ساقطة من متن الحديث في سياقه.

(2)

في الأصل (على)، وما أثبت من ن هـ.

(3)

معالم السنن للخطابي (5/ 42).

(4)

في ن هـ ساقطة.

(5)

سورة الحجر: آية 54.

(6)

سورة النبأ: آية 1.

(7)

انظر: أدب الكاتب لابن قتيبة (194)، ط. محي الدين عبد الحميد.

(8)

كتب علامة صح في الأصل.

ص: 90

وأيضاً: "فما" الاستفهامية اسم تام [غير](1) مفتقر إلى صلة ولا صفة.

و"ما" الخبرية موصولة، والموصول والصلة كالشيء الواحد، فلو حذفت ألف الخبرية لوقع الجر فيه حشو الكلمة، ومحل الحذف إنما هو الظرف وليس كذلك التامة إذ لا صلة لها فوقع الحذف فيها طرفاً لا حشواً.

السادس: في هذه الرواية إشارة إلى ما تقدم من كون الثمار قبل بدو صلاحها عرضة للآفات والعاهات وهي قوله: " [أرأيت] (2) إن منع الله [الثمرة] (3) " إلى آخره. ووقع في شرح الشيخ تقي الدين (4): عند ذكر حديث أنس هذا سبق قلم عن الكاتب فإن فيه: "مثل هذا في المعنى حديث أنس الذي بعده"، وصوابه:"مثل هذا في المعنى حديث ابن عمر الذي قبله، فتنبه له".

السابع: فيه أيضاً دلالة على منع بيع الثمرة قبل الإِزهاء وقد تقدم الكلام عليه واضحاً في الحديث قبله (5).

الثامن: فيه أيضاً دلالة على أنه يكتفي بمسمى الإِزهاء

(1) في ن هـ ساقطة.

(2)

زيادة من ن هـ.

(3)

في ن هـ ساقطة.

(4)

إحكام الأحكام (4/ 61) والسياق في النسخ التي بين يدي: ومثل هذا في المعنى حديث أنس الذي بعده. وليس فيه ملابسة ولكن لعله اطلع على نسخة أخرى غير الموجودة الآن، وتم تصحيحها من المحقق.

(5)

ص 81.

ص: 91

وابتدائه، من غير اشتراط [تكماله](1)، لأنه جعل مسمى الإِزهاء غاية للنهي، وبأوله يحصل المسمى، ويحتمل أن يستدل به على العكس، لأن الثمرة المبيعة قبل الإِزهاء -أعني ما لم يُزْه من الحائط- إذا دخل تحت اسم الثمرة، فيمتنع بيعه قبل الإِزهاء. ذكره الشيخ تقي الدين (2) وقال: إن قال بهذا قائل فله أن يستدل بذلك. انتهى، وإنما يقول بذلك إن قاله ظاهري محض لا يُراعى المعنى الذي سنذكره على الأثر.

التاسع: فيه أيضاً دلالة على أن زهو [بعض](3) الثمرة كافٍ في جواز البيع من حيث ينطلق عليها أنها أزهت بإِزهاء بعضها مع حصول المعنى، من الأمن من العاهة غالباً، ولولا وجود المعنى كان تسميتها "مزهية" بإِزهاء بعضها قد لا يكتفي به لكونه مجازاً (4)، وأيضاً لو قيل بإِزهاء الجميع لأدى إلى فساد الحائط أو أكثره، والله تعالى أمتن علينا فجعل الثمار لا تطيب دفعة وإحدة إطالة لزمن التفكه.

وعند المالكية (5) أنه لو كان الذي أزهى باكورة لم يجز بيع متأخره معه، بل تباع الباكورة وحدها، قالوا: وإنما منع أن تباع معه لاستقبال المتأخر بعدم الإِزهاء فهو داخل تحت النهي، قال: الأبهري منهم، ولأنه لا يؤمن فيه الجائحة إذا بيع في هذا الوقت،

(1) في ن هـ بكامله.

(2)

إحكام الأحكام (4/ 63).

(3)

في ن هـ ساقطة.

(4)

انظر: إحكام الأحكام (4/ 64).

(5)

انظر: المبحث كاملاً في الاستذكار (19/ 81، 109).

ص: 92

فيكون بيعه غرراً وقد تهى عنه، وكذا لو كان في الحائط نوعان من النخل صيفي وشتوي، لم يبع أحدها بطيب الآخر كما لا يجوز بيع ثمرة السنة الثانية مع الأولى.

واختلفوا فيما إذا لم يزه الحائط ويزهى ما حوله من الحوائط، فقال مالك: يجوز بيعه.

وقال ابن القاسم: أحب إليّ أن لا يبيعه حتى يزهى.

قال ابن يونس: والأول أقيس لأنه لو ملك ما حوله من الحوائط جاز بيع بعضها بإزهاء بعض.

قال القاضي عبد الوهاب: ولأن الزمان الذي تؤمن فيه العاهة غالباً قد حصل.

والأصح عند الشافعية: أنه إذا اختلف الحائط لا يتبع أحدهما الآخر.

العاشر: فيه دلالة أيضاً كما قال القاضي: على أن المعتبر بدو صلاحها سواء كان في الوقت الذي جرت العادة بطيبها فيه. أم لا وأنه لا يعتبر الوقت الذي جرت العادة بطيبها فيه، قال: وذهب بعض العلماء إلى اعتبار الوقت فلو بكرت لم تعتبر الباكورة، قال: وإنما يعتبر الوقت في غير الباكورة أما هي فيجوز بيعها وإن بكرت عن الوقت، وهذا قد قدمناه عن المالكية.

الحادي عشر: يؤخذ من قوله: "أرأيت" إلى آخره أن مال الغير لا يحل ولا يستحل إلَاّ بالوجوه الشرعية لا بالحيل ولا ببعض شروط الحل دون بعض.

ص: 93

الثاني عشر: قد يؤخذ منه أيضاً وضع الجوائح، وفيه حديث في "صحيح مسلم" (1) من حديث جابر أنه عليه الصلاة والسلام:"أمر بوضع الجوائح" وهو مذهب الإِمام أحمد.

ومذهب الشافعي وأبي حنيفة والليث وآخرين المنع.

وقال مالك (2): إن كانت دون الثلث، لم يجب وضعها وإن كانت الثلث، فأكثر وجب والمسألة مبسوطة في الفروع والخلافيات.

الثالث عشر: فيه أيضاً السؤال عن معنى اللفظ الغريب والجواب عنه وبيان حكمته.

(1) مسلم كتاب المساقاة (1554)، وأبو داود (3474)، والنسائي (7/ 265)، وأحمد (3/ 309)، والتمهيد (2/ 195).

(2)

انظر: الاستذكار (19/ 110، 115).

ص: 94