المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني 284/ 2/ 54 - عن أبي هريرة رضي الله - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٧

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني 284/ 2/ 54 - عن أبي هريرة رضي الله

‌الحديث الثاني

284/ 2/ 54 - عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"رخص في بيع العرايا في خمسة أوسق، أو دون خمسة أوسق"(1).

هذا الحديث فيه بيان مقدار ما يرخص فيه في العريّة من بيع المزابنة ولا شك في جوازه فيما دون خمسة أوسق وفي عدم جوازه فيما زاد على خمسة أوسق ومن حكى الجواز فيه فهو غالط ففي جوازه في خمسة أوسق قولان:

أظهرهما: المنع لأن الأصل التحريم وهي رخصة وشككنا في هذا المقدار فوجب الأخذ باليقين والخلاف راجع إلى أن النهي عن بيع المزابنة ورد أولاً ثم رخص في العرايا أو لم يرد إلَاّ مقروناً بالرخصة فيها فعلى الأول لا يجوز في الخمسة للشك في رفع

(1) البخاري (2190)، ومسلم في كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرطب بالتمر (4/ 10/ 187) النووي، والترمذي (1301)، وأبو داود (3364)، والنسائي (7/ 268)، وفي الكبرى له (6132)، ومالك (2/ 482)، والبيهقي في السنن (5/ 311)، والبغوي (8/ 90).

ص: 144

التحريم، وعلى الثاني يجوز للشك في قدر التحريم وهو مشهور مذهب مالك اتباعاً لما وجد عليه العمل عندهم بالمدينة.

تنببهات:

أحدها: هذا الشك من داود بن الحصين الراوي عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة فاعلمه.

ثانيها: لفظة "دون" المفهوم منها مطلق الدونية وإن قل وبهذا يرد على ما احتج به عبد الحق في "نكته" لمشهور مذهبه أن الراوي لما لم يحد ما دونها فلو أجزنا أربعة أوسق أو أقل أمكن أن يكون دون ذلك فمراعات ذلك يؤدي إلى طرح القول بالعريّة فوجب إذن الاقتصار على الخمسة التي هي حد في الزكاة وقياسه العريّة على الزكاة غريب أيضاً.

ونقل المازري (1): عن بعضهم [أنه لما](2) شك الراوي فلا وجه [للتعلق](3) بروايته في تحديد مقدار ما دون [خمسة](4)[الأوسق](5) ولكن وقع في بعض الروايات أربعة أوسق فوجب الانتهاء إلى هذا المتيقن وإسقاط ما زاد عليه وإلى هذا المذهب ذهب ابن المنذر وألزم المزني الشافعي أن يقول به. انتهى. وهذه الرواية

(1) المعلم بفوائد مسلم (2/ 265).

(2)

في المرجع السابق (إذا).

(3)

ما أثبت من المرجع السابق، وفي الأصل ون هـ (التعليق).

(4)

في ن هـ والمعلم (الخمسة).

(5)

في المعلم غير موجودة.

ص: 145

رواها الإِمام أحمد من حديث حابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين أذن لأهل العرايا أن يبتاعوها بخرصها يقول "الوسق والوسقين والثلاثة والأربع"(1).

(1) الإِمام أحمد في المسند (3/ 360)، وابن حبان (5008)، والبيهقي (5/ 311)، وصححه ابن خزيمة (2469)، وصححه الحاكم (1/ 317)، وسكت عنه الذهبي، ونقل ابن حجر في الفتح تصحيح ابن خزيمة، والحاكم، وسكت عنه (4/ 389) وحسنه الألباني في صحيح ابن خزيمة (4/ 110).

قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في فتح الباري في مناقشة مقدار العريّة (4/ 388): على قوله: "في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق" بعد كلام سبق في تخريج الشك:

وقد اعتبر من قال بجواز بيع العرايا بمفهوم هذا العدد ومنعوا ما زاد عليه، واخلفوا في جواز الخمسة لأجل الشك المذكور، والخلاف عند المالكية والشافعية، والراجح عند المالكية الجواز في الخمسة فما دونها، وعند الشافعية الجواز فيما دون الخمسة ولا يجوز في الخمسة، وهو قول الحنابلة وأهل الظاهر، فمأخذ المنع أن الأصل التحريم وبيع العرايا رخصة، فيؤخذ منه بما يتحقق منه الجواز ويلغى ما وقع فيه الشك.

وسبب الخلاف أن النهي عن بيع المزابة هل ورد متقدماً ثم وقعت الرخصة في العرايا، أو النهي عن بيع المزابنة وقع مقروناً بالرخصة في بيع العرايا؟ فعلى الأول لا يجوز في الخمسة للشك في رفع التحريم، وعلى الثاني يجوز للشك في قدر التحريم، ويرجح الأول رواية سالم المذكورة في الباب قبله. واحتج بعض المالكية بأن لفظة "دون" صالحة لجميع ما تحت الخمسة فلو عملنا بها للزم رفع هذه الرخصة، وتعقب بأن العمل بها ممكن بأن يحمل على أقل ما تصدق عليه وهو المفتى به في مذهب =

ص: 146

وأما أصحابنا فصرحوا بأنه يكفي أن ينقص عنها ما يتعلق عليه الاسم حتى قال القاضي الماوردي (1) يكفي نقصان ربع مد.

= الشافعي، وقد روى الترمذي حديث الباب من طريق زيد بن الحباب عن مالك بلفظ "أرخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق" ولم يتردد في ذلك، وزعم المازري أن ابن المنذر ذهب إلى تحديد ذلك بأربعة أوسق لوروده في حديث جابر من غير شك فيه فتعين طرح الرواية التي وقع فيها الشك والأخذ بالرواية المتيقنة، قال: وألزم المزني الشافعي القول به. اهـ، وفيما نقله نظر، أما ابن المنذر فليس في شيء من كتبه ما نقله عنه وإنما فيه ترجيح القول الصائر إلى أن الخمسة لا تجوز وإنما يجوز ما دونها، وهو الذي ألزم المزني أن يقول به الشافعي كما هو بين من كلامه، وقد حكى ابن عبد البر هذا القول عن قوم قال: واحتجوا بحديث جابر، ثم قال: ولا خلاف بين الشافعي ومالك ومن اتبعهما في جواز العرايا في أكثر من أربعة أوسق مما لم يبلغ خمسة أوسق ولم يثبت عندهم حديث جابر. قلت: حديث جابر الذي أشار إليه أخرجه الشافعي وأحمد وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم أخرجوه لهم من طريق ابن إسحاق "حدثني محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين أذن لأصحاب العرايا أن يبيعوها بخرصها يقول: الوسق والوسقين والثلاثة والأربع، لفظ أحمد، وترجم عليه ابن حبان "الاحتياط أن لا يزيد على أربعة أوسق" وهذا الذي قاله يتعين المصير إليه، وأما جعله حداً لا يجوز تجاوزه فليس بالواضح، واحتج بعضهم لمالك بقول سهل بن أبي حثمة "أن العرية تكون ثلاثة أوسق أو أربعة أو خمسة"، وسيأتي ذكره في الباب الذي يليه ولا حجة فيه لأنه موقوف. اهـ.

(1)

الحاوي الكبير (5/ 216).

ص: 147

ثالثها: "الوسق" ستون صاعاً كما تقدم بيانه واضحاً في الحديث الثاني من كتاب الزكاة (1).

رابعها: لو زاد على ما دون خمسة أوسق في صفقتين كل منها دون خمسة أوسق جاز عندنا قياساً على الصفقة الأولى خلافاً لأحمد ثم الصفقة هنا متعددة بتعدد المشترى والعقد (2) وكذا البائع (3) في الأصح لأن تعددها بتعدد البائع أظهر من تعددها بتعدد المشتري وفيه وجه آخر أنه لا يجوز الزيادة على خمسة أوسق في هذه الصورة نظراً إلى الربويات فلا ينبغي أن يدخل في ملكه فوق القدر المجوز دفعة واحدة والظاهر من الحديث أنه محمول على صفقة واحدة من غير تعدد بائع ومشترٍ جرياً على العادة والغالب.

خامسها: إذا زاد في صفقة على خمسة أوسق بطل في الجميع لأنه بالزيادة صار مزابنة وخرجه الجوري (4) -بضم الجيم- ثم واو ثم راء من الشافعية في الجائز على قولي تفريق الصفقة.

سادسها: قال القاضي عياض (5): الحديث دال على اختصاصها بما يوسق ويكال ويحتج به لأحد القولين لاختصاص ذلك بالتمر والزبيب وما في معناه مما ييبس ويدخر ومآخذه الكيل.

(1)(5/ 45) من هذا الكتاب المبارك.

(2)

الحاوي الكبير (5/ 217).

(3)

الحاوي الكبير (5/ 219).

(4)

علي بن الحسين القاضي أبو الحسين الجوري. طبقات الشافعية للأسنوي (122)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 129)، وطبقات ابن الصلاح (2/ 614).

(5)

ذكره في إكمال إكمال المعلم (4/ 208).

ص: 148

سابعها: أدخل البخاري (1) هذا الحديث في "باب: الرجل يكون له ممرٌ أو شرب في حائط أو [في] (2) نخل". وكذا أدخل فيه الحديث الآتي بعده وكذا حديث زيد السالف أول الباب وكذا حديث جابر السالف في الباب قبله.

(1) البخاري مع الفتح (5/ 49).

(2)

زيادة من البخاري.

ص: 149