المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الرابع والخامس - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٧

[ابن الملقن]

الفصل: ‌الحديث الرابع والخامس

‌الحديث الرابع والخامس

286 -

287/ 4 - 5/ 54 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه"(1).

وفي لفظ: "حتى يقبضه"(2)

وعن ابن عباس: مثله (3).

(1) البخاري أطرافه (2124)، ومسلم (1526)، وأبو داود في البيوع (3492) باب: بيع الطعام قبل أن يستوفى، وابن ماجه (2226)، ومالك (2/ 640)، والنسائي (7/ 285)، والدارمي (2/ 252)، وأحمد (2/ 63، 64)، والبغوي (2087)، والبيهقي (5/ 311)، والطحاوي (2/ 37)، والنسائي في الكبرى (4/ 35).

(2)

مسلم (1526)، وأحمد (2/ 111)، وأبو داود في البيوع (3495) باب: بيع الطعام قبل أن يستوفى، النسائي (7/ 286)، والبيهقي (5/ 314)، والنسائي في الكبرى (4/ 36).

(3)

البخاري أطرافه (2132)، ومسلم (1525)، والنسائي (7/ 285، 286)، وابن ماجه (2227)، وأبو داود في البيوع (3496، 3497) باب: بيع الطعام قبل أن يستوفي. الترمذي (1291)، وابن الجارود =

ص: 165

الكلام عليهما من وجوه:

الأول: هذا الحديث من طريقيه ترجم عليه البخاري (1)"بيع الطعام قبل أن يقبض وبيع ما ليس عندك" ثم ذكر حديث ابن عمر باللفظين المذكورين وذكر قبله حديث ابن عباس بلفظ أما الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الطعام أن يباع [حتى](2) يقبضه، قال ابن عباس: ولا أحسب كل شيء إلَاّ مثله.

وذكر مسلم (3) حديث ابن عمر أيضاً باللفظين المذكورين وبلفظ ثالث "حتى يستوفيه ويقبضه" وبغير ذلك من الألفاظ وفي أخرى "حتى تكتاله".

[وذكر حديث ابن عباس بلفظ "من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه" قال ابن عباس: أحسب كل شيء مثله. وفي رواية "فلا يبعه حتى يقبضه"](4) وفي أخرى "حتى تكتاله".

= (606)، والبغوي (2089)، وأحمد (2/ 356، 368)، والبيهقي (5/ 312، 313)، والطحاوي (2/ 39)، والطيالسي (2602)، وابن أبي شيبة (6/ 368، 369)، والنسائي في الكبرى (4/ 36).

وقد ورد أيضاً من رواية جابر رضي الله عنهما عند مسلم (1529) أحمد (3/ 392) الببهقي (5/ 312) الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 38).

(1)

البخاري مع الفتح (4/ 349).

(2)

في الأصل ون هـ (قبل أن)، وما أثبت من البخاري.

(3)

صحيح مسلم (3/ 1160).

(4)

زيادة من ن هـ.

ص: 166

الثاني: "الطعام" أصله في اللغة ما يؤكل، قاله الجوهري (1)، قال: وربما خص بالبر كما في حديث أبي سعيد في الفطرة (2) أي السالف في بابه.

الثالث: في فقه الحديث هو نص في منع بيع الطعام قبل قبضه بأن يشتريه من رجل ولم يقبضه ويبيعه، الآخر وخالف فيه، عثمان البتي (3) فقال: يجوز في كل مبيع.

وقال أبو حنيفة: [لا](4) يجوز في كل شيء إلَاّ العقار وما لا ينقل لتعذر الاستيفاء فيه ولم يذكر النووي والقشيري وما لا ينقل، ونقله عنه القرطبي (5) وغيره.

(1) انظر: مختار الصحاح (167). مادة: (ط ع م).

(2)

سبق تخريجه في الحديث الثاني، في باب: صدقة الفطر. (5/ 146) من هذا الكتاب المبارك.

(3)

هو أبو عمر عثمان البتي، بياع البتوت. انظر: طبقات ابن سعد (7/ 21)، وسير أعلام النبلاء (6/ 148).

(4)

زيادة من المحقق عفى الله عنه.

قال أبو حنيفة، وأبو يوسف: إنما المهر، والجعل، وما يؤخذ من الخلع من الطعام، وغيره، فجائز أن يباع ما ملك بهذه الوجوه قبل القبض.

قالا: والذي لا يباع قبل قبضه ما اشتري، أو استؤجر به، قالا: وكل ما ملك بالشراء، فلا يجوز بيعه قبل القبض إلَاّ العقار وحده. اهـ، من الاستذكار (19/ 259).

(5)

المفهم (5/ 2692).

ص: 167

وقال مالك (1): لا يجوز في الطعام، ويجوز فيما عداه وحمل الطعام على عمومه ربوياً كان أو غير ربوي في مشهور الروايتين عنه وألحق بالشراء جميع المعاوضات ووافقه كثيرون.

وروى ابن وهب عن مالك: تخصيصه بما فيه الربا من الأطعمة.

وقال آخرون (2): لا يجوز في المكيل والموزون ويجوز فيما سواه.

وقال الشافعي (3): لا يصح مطلقاً طعاماً كان أو عقاراً أو منقولاً أو نقداً أو غير ذلك ووافقه ابن حبيب وسحنون فيما فيه حتى يستوفيه.

ومذهب عثمان حكاه المازري (4) والقاضي ولم يحكه الأكثرون بل نقلوا الإِجماع على بطلان بيع الطعام المبيع قبل قبضه.

(1) لأنه جعل حديث حكيم بن حزام "إذا اشتريت شيئاً، فلا تبعه حتى نقبضه" مجملاً، يفسره قوله صلى الله عليه وسلم "من ابتاع طعاماً، فلا يبعه حتى يقبضه"، فخصه بالطعام دون ما عداه، انظر: الاستذكار (19/ 261، 262، 263).

(2)

وهذا رأي إسحاق بن راهويه وأبو عبيد، فقالا: كل شيء لا يكال ولا يوزن فلا بأس ببيعه قبل قبضه. اهـ. الاستذكار (19/ 260).

(3)

انظر: الاستذكار (19/ 259): كل ما ملك بشراء، أو عوض من جميع الأشياء كلها عقاراً كان غير مأكولاً كان، أو مشروباً مكيلاً أو موزوناً، أو غير مكيل، ولا موزون، ولا مأكول، ولا مسروق فلا يجوز بيع شيء منه قبل القبض. اهـ.

(4)

المعلم بفوائد مسلم (2/ 251).

ص: 168

قالوا: إنما الخلاف فيما سواه وهو شاذ متروك ويعتذر عنه بأن هذه الأحاديث لم تبلغه.

وحجة الشافعي الأحاديث الصحيحة فيه وقول ابن عباس السالف "وأحسب كل شيء فيه مثله" وصح أنه عليه الصلاة والسلام نهى "عن ربح ما لم يضمن"(1) وهو عام في الطعام وغيره وخص الطعام في هذا الحديث لكثرة وقوع البيع فيه عندهم ولعموم الحاجة إليه.

وفي "صحيح ابن حبان"(2)، أن حكيم بن حزام، قال: يا رسول الله إني رجل أشتري المتاع، فما الذي يحل لي منها وما يحرم عليّ، فقال:"يا ابن أخي إذا ابتعت بيعاً، فلا تبعه حتى تقبضه".

وفي "صحيح الحاكم"(3) من حديث ابن عمر نهى

(1) من رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل بيع، وسلف، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك". أخرجه أبو داود في البيوع (3504) باب: في الرجل يبيع ما ليس عنده.

(2)

النسائي في الكبرى (4/ 36)، والنسائي (7/ 286، 289)، والترمذي (1232)، وابن ماجه (2187)، وأبو داود في البيوع (3503) باب: الرجل يبيع ما ليس عنده، وأحمد (3/ 402، 403، 434)، وابن الجارود (602)، والدارقطني (2/ 8، 9)، والطيالسي (1318)، والبيهقي (5/ 312)، وابن حبان (4983).

(3)

أبو داود (3499) في البيوع، باب: بيع الطعام قبل أن يستوفى البيهقي (5/ 314)، وأحمد (5/ 191)، والطبراني في الكبير. قال المنذري: =

ص: 169

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن تباع السلع حيث تباع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم".

وحجة مالك: للمشهور عنه الوقوف مع ظاهر الأحاديث وعضده بما ذكره في "موطئه"(1) من أنه مجمع عليه بالمدينة وأنه لا خلاف عندهم في منعه وقصره على ما بيع بكيل أو وزن من الطعام تمسكاً بدليل خطاب الأحاديث السالفة.

ثم اختلف أصحابه هل هذا المنع شرع غير معلل أو معلل بالعينه؟ وإليه أشار في "الموطأ" حيث أدخل هذا الحديث في بابها وهو الذي عنى ابن عباس حيث قال في الصحيح (2)"يتبايعون بالذهب والطعام مرجأ" أي مؤخراً، وكأنهم قصدوا إلى أن يدفعوا

= وفيه محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه. اهـ. وحيث صرح محمد بن إسحاق بالتحديث فقد زالت علة التدليس. الطبراني في الكبير (4781)، وأيضاً وجود متابعة جرير بن حازم عنده (4782)، من رواية زيد بن ثابت.

فقد ورد من رواية ابن عمر بلفظ "قال: كنا نشتري الطعام من الركبان جزافاً، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه". انظر: البخاري أطرافه (2123)، ومسلم (1527)، وأبو داود (3494) في البيوع. ابن ماجه (2229)، وابن الجارود (607)، وأحمد (2/ 142)، ومالك (2/ 641)، والنسائي (7/ 287)، والبيهقي (5/ 314)، والبغوي (3088).

(1)

الموطأ (2/ 642). الاستذكار. انظر: فقرات (19/ 1301، 1302)(28997).

(2)

البخاري أطرافه (2132)، ومسلم (1526)(31).

ص: 170

ذهباً في أكثر منه، والطعام محلّل، وفي البخاري عنه "دراهم بدراهم والطعام مرجأ"(1).

قال المازري (2): وقد [تردد](3) بعض أصحابنا في الطعام إذا أمن فيه من العينه التي هي سبب للمنع على ما قال ابن عباس: هل يمنع بيعه قبل قبضه لظاهر الخبر أو يسهّل فيه؟ قال: ورأيته يميل للتسهيل في مقتضى كلامه إذا وقع البيع فيه بالنقد، وما أظن عثمان البتي سلك في مقالته السالفة إلَاّ هذه الطريقة.

الرابع: ظاهر الحديث ونصه يقتضي اختصاص المنع بأن يكون الطعام مملوكاً بالبيع دون الهبة والصدقة والقرض ونحو ذلك.

والأصح عند الشافعية: أن الإِجارة والرهن والهبة كالبيع.

واستثنوا من ذلك: الإِعتاق والتزويج والاستيلاد والوقف دون الكتابة على الأصح وفي الصدقة اضطراب لمتأخريهم.

واستثنوا أيضاً: ما إذا ملكه بإرث وكان الموروث يملك التصرف فيه أو وصية أو عاد إليه بفسخ عقد وغير ذلك من المسائل التي محلها كتب الفروع. وفي "اللطيف" لابن خيران (4) جواز قضاء الدين به أيضاً.

وعند المالكية: أن الإِجارة كالبيع لأنها بيع منافع في الحقيقة

(1) البخاري (2132).

(2)

المعلم بفوائد مسلم (2/ 252).

(3)

في المرجع السابق (تَرَجَّح)، وفي ن هـ (ترد).

(4)

سبقت ترجمته.

ص: 171

وكذا النكاح لأن المرأة مبتاعة له بمنافع بضعها وكذا من ملك طعاماً بإرش جناية أو مصالحة عن دم أو قضاء دين فإنه لا يجوز له بيعه قبل قبضه لأن حقيقة البيع انتقال الملك بعوض بخلاف القرض فإنه يجوز عندهم بيعه قبل قبضه لأن حقيقة البيع انتقال الملك بعوض بخلاف القرض ليس بيعاً وكذا من وهب له طعام أو تصدق به عليه.

ولا يجوز عند الشافعية: التولية، والشركة، قبل القبض وأجازهما مالك: مع الإِقالة، لأنها عقود المقصود بها المعروف والرفق فأشبهت القرض عنده ولا شك أن التولية والشركة بيع فيدخلان تحت الحديث وفي كون الإِقالة بيعاً خلاف فمن لا يراها بيعاً لا يدرجها تحت الحديث.

واستثنى مالك: ذلك على خلاف القياس لما تقدم وقد ذكر أصحابه في ذلك حديثاً يقتضي الرخصة فيها كذا ذكره الشيخ تقي الدين (1) عن أصحابه ولم يبين الحديث وهو حديث مرسل عن سعيد بن المسيب من حديث ذكره كأنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لا بأس بالتولية والإِقالة والشركة في الطعام قبل أن يستوفى" ذكره أبو داود (2) وقال: هذا قول أهل المدينة وآخر مثله عن عبد الرزاق، عن ابن خديج، قال: أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً مستفاضاً بالمدينة قال: "من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه ويستوفيه إلَاّ أن يشرك فيه، أو يوليه، أو يقيله"(3).

(1) إحكام الأحكام (4/ 82).

(2)

أبو داود في المراسيل (145).

(3)

المصنف لعبد الرزاق (8/ 49).

ص: 172

وألزم القرطبي (1) الشافعي وأبا حنيفة القول بهما ، وقال: هما مرسلان صحيحان مشهوران وقد نص الشافعي على أنه يعمل بمراسيل سعيد بن المسيب وأبو حنيفة على العمل بالمرسل مطلقاً، قال: وقد خالفا في التولية والشركة ووافقا في الإِقالة.

فرع: اختلف العلماء في الورقة التي تخرج من ولي الأمر بالرزق لمستحقه بأن يكتب فيها لإِنسان كذا وكذا من الطعام أو غيره فيبيع ذلك لإِنسان قبل أن يقبضه ويسمى بيع الصك قبل قبضه ولا يصح عند أصحابنا (2). وغيرهم: الجواز.

والثاني: المنع لنهي أبي هريرة عنها في "صحيح مسلم"(3).

والأول: أوّله على أن المشتري ممن خرج له الصك باعه لثالث قبل أن يقبضه المشتري فكأن النهي عن البيع الثاني لا عن الأول لأن الأول مالك وليس بمشتر فأشبه بيع ما ورثه قبل قبضه.

خاتمة: حكم الجزاف حكم المقدر من الطعام في المنع من بيعه قبل قبضه وقبضه نقله وبه قال الكوفيون والشافعي وأبو ثور وأحمد وداود والأحاديث شاهدة لهم به.

(1) المفهم (4/ 379).

(2)

انظر: شرح السنة للبغوي (8/ 142)، ومعرفة السنن والآثار (8/ 111)، والسنن الكبرى للبيهقي (5/ 312)، والاستذكار (19/ 265).

(3)

مسلم (1528)(40) الموطأ والناهي زيد بن ثابت ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 641). وانظر أيضاً: كتاب السنة للبغوي (8/ 142)، ومصنف عبد الرزاق (8/ 28)، والاستذكار (19/ 265، 267).

ص: 173

وخالف مالك: فحملها على الأولى وأنه لو باع الجزاف قبل نقله جاز لأنه بنفس تمام العقد والتخلية بينه وبين المشتري صار في ضمانه وإليه صار سعيد بن المسيب والحسن وجماعة.

تنبيه: منع بيع المبيع قبل قبضه، قيل: معلل بضعف الملك بدليل انفساخه بالتلف فلا يستفيد به ولاية التصرف.

وقيل: معلل بتوالي ضمانين على شيء واحد يعني اجتماعهما عليه وإستبعد الرافعي التعليلين وجعل الاعتماد على الأخبار.

تذنيب: القبض ورد في الحديث مطلقاً وهو محمول على العرف فقبض كل شيء بحسبه كما بيناه في كتب الفروع وهذا كما في الإِحياء، والحرز. فإنهما محمولان على العرف أيضاً.

***

ص: 174