الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
285/ 3/ 54 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من باع نخلاً قد أُبرت، فثمرها للبائع، إلَاّ أن يشترطه المبتاع".
ولمسلم: "ومن ابتاع عبداً فماله للذي باعه إلَاّ أن يشترطه المبتاع"(1).
الكلام عليه من وجوه:
الأول: قوله: ولمسلم: إلى آخره ظاهر إيراده أنها من أفراده وليس كذلك فقد أخرجها البخاري (2) أيضاً في "باب: الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو نخلٌ ولفظه "من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر
(1) البخاري أطرافه (2203)، ومسلم (1543)، وأبو داود في البيوع (3434) باب: العبد يباع وله مال. الكبرى للنسائي (4/ 21)، وابن ماجه (2210)، والنسائي (7/ 297)، والشافعي في الأم (3/ 41)، والسنن الكبرى للبيهقي (5/ 297)، والترمذي (1244)، ومالك في الموطأ (2/ 617)، والبزار في مسنده (1/ 224)، ومسند عمر لابن النجاد (97). انظر: مسند الفاروق لابن كثير (1/ 344).
(2)
البخاري مع الفتح (5/ 49) ح (2379).
فثمرتها للبائع إلَاّ أن يشترطه المبتاع [ومن ابتاع عبد وله مال فما له للذي باعه إلَاّ أن يشترطه المبتاع](1) وكأن المصنف اغتر بكون البخاري لم يذكره في صحيحه في "باب: من باع نخلاً قد أبرت"(2) وفي "باب: بيع النخل بأصله"(3) بهذه الزيادة وإنما اقتصر على القطعة الأولى فظن أن الثانية من أفراد مسلم فاجتنب ذلك وهذا الموضع الذي أخرجنا هذه الزيادة منه هو بعد هذا بكراريس فاستفد ذلك.
وقد وقع للمصنف أيضاً مثل ذلك في "عمدته الكبرى" وكأنه أخذه منها ثم رأيت بعد ذلك ابن العطار اعتذر عن المصنف بشيء غلط فيه، فقال: في "شرحه" هذه الزيادة التي أضافها المصنف إلي مسلم رواها الشيخان أيضاً في صحيحيهما لكن من رواية سالم عن أبيه أن عمر فجعلاها من مسند عمر لا من مسند ابنه ولم تقع هذه الزيادة في حديث نافع عن ابن عمر ولا يضر ذلك لأن سالماً ثقة وهو أجل من نافع فزيادته مقبولة وقد أشار النسائي والدارقطني إلى ترجيح رواية نافع وهي إشارة مردودة، قال: فحينئذٍ المصنف معذور من حيث أنه روى الحديث عن عبد الله بن عمر، والزيادة عنه أيضاً، والذي خرجاه في صحيحيهما روايتهما لها عن عبد الله بن عمر عن عمر مرفوعاً فجعلاها من مسند عمر لا من مسند ابنه هذا كلامه وهو اعتذار عجيب ووهم فاحش فإن هذا الحديث لم يروه الشيخان
(1) زيادة من هـ.
(2)
البخاري مع الفتح (4/ 401) ح (2204).
(3)
البخاري مع الفتح (4/ 404) ح (2206).
من حديث ابن عمر عن أبيه أصلاً (1)، ولم يذكره (2) الحميدي أيضاً في "جمعه بين الصحيحين" من روايته، والحديث ثابت فيهما، من حديث سالم عن أبيه، وهو ابن عمر مرفوعاً بلفظ المصنف جميعه، ذكره مسلم هنا والبخاري في الباب السالف الذي عزيناه إليه، ثم رأيت في بعض نسخ البخاري عقب ذكره الحديث المذكور بكماله، وعن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر "في العبد"(3) انتهى، وقد ساقه [هو](4) قبل [ذلك](5) ومسلم الحديث عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً "في النخل" فقط فالله أعلم بحال هذه الزيادة (6) ولئن ثبت فلا يضرنا فإن الحديث قد أخرجاه من طريق ابن عمر كما أسلفناه فالاعتراض باقٍ على المصنف، وكأن ابن العطار توهم هذا بما ذكره شيخه النووي في "شرح مسلم"(7)، فإنه قال قوله
(1) انظر أيضاً كلام الزركشي في النكت، مجلة الجامعة الإِسلامية، عدد (75، 76)، فإن الذي من حديث نافع عن ابن عمر خلاف هذا. انظر: الفتح (4/ 401)، ومسلم (3/ 1137).
(2)
انظر: مسلم (3/ 1137).
(3)
انظر: الفتح (5/ 49).
(4)
في هـ ساقطة.
(5)
في الأصل (دم)، وما أثبت من هـ.
(6)
قال في تعليق النكت للزركشي نقلاً عن ابن خضر: قال شيخنا -رحمه الله تعالى-: الزيادة ثابتة في رواية أبي ذر عن مشايخه الثلاثة. والزيادة عند أبي داود من طريق مالك بالسند المذكور في البيوع (3434) في باب: العبد يباع وله مال. قال المنذري: وأخرجه النسائي موقوفاً.
(7)
شرح مسلم (10/ 191).
-عليه الصلاة والسلام: "ومن ابتاع عبداً فماله للذي باعه إلَاّ أن يشترطه المبتاع" هكذا روى هذا الكلام البخاري ومسلم من رواية سالم، عن أبيه، ابن عمر (1)، ولم تقع هذه الزيادة في حديث نافع، عن ابن عمر، ولا يضر ذلك، وسالم ثقة بل هو أجل من نافع فزيادته مقبولة، وقد أشار النسائي (2) والدارقطني إلى ترجيح رواية نافع،
(1) قال في تعليق النكت للزركشي، نقلاً عن ابن خضر: قال شيخنا رحمه الله، أي ابن حجر: وقد وقع على الصواب في شرح العمدة للشيخ سراج الدين ابن الملقن، لأن في شرح مسلم عن عمر كما ساقه ابن العطار. انظر: النكت.
أقول: وهكذا رجح ابن كثير في مسند الفاروق (1/ 344)، والبزار في مسنده (1/ 224)، لكن جاء في إسناد البزار وابن كثير عن عمر. وأيضاً في مسند عمر لابن النجاد (97).
(2)
جاءت الإِشارة في رواية نافع وقد وقع الاختلاف بين سالم ونافع في رفعها ووقفها، لا في إثباتها ونفيها، فسالم رفع الحديثين جميعاً، ونافع رفع حديث النخل عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ووقف حديث العبد على ابن عمر، عن عمر، وقد رجح مسلم ما رجحه النسائي، ورجح البخاري رواية سالم في رفع الحديثين، ونقل ابن التين، عن الداوودي، وهو وهم من نافع، والصحيح ما رواه سالم في العبد والثمرة. قال ابن التين: لا أدري من أين أدخل الوهم على نافع مع إمكان أن يكون عمر قال ذلك -يعني على جهة الفتوى- مستنداً إلى ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فتصح الروايتان.
قال الحافظ: قد نقل الترمذي في الجامع (3/ 538) عن البخاري تصحيح البخاري تصحيح الروايتين، ونقل عنه في العلل:(1/ 499، 500) ترجيح قول سالم (الفتح 5/ 52). =
وهذه إشارة مردودة (1) هذا كلامه وهو كلام صحيح [لا إعتراض](2) عليه وليس به ذكر عمر أصلاً.
الوجه الثاني: "النخل" اسم جنس والنخيل جمع وليس بجنس والنخل يذكر ويؤنث قال تعالى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20)} (3) وقال: {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7)} (4) وقد تسمى النخلة شجرة وفي الحديث: (ما شجرة لا يسقط ورقها)(5) ثم فسرت بالنخلة وأما النخل في قول الشاعر:
رأيت بها قضيباً فوق دعص (6)
…
عليه النخل أينع والكرُوم (7)
= قال أبو داود في السنن (3/ 716): واختلف الزهري ونافع في أربعة أحاديث هذا أحدها. اهـ. وتبعه ابن عبد البر في التمهيد (13/ 282، 289)، وانظر كلام الدارقطني في العلل (2/ 50)، والبزار في مسنده (1/ 224)، ومسند الفاروق لابن كثير (1/ 344).
(1)
قال الحافظ ابن حجر -رحمنا الله واياه- في الفتح (5/ 51): أما نفي تخريجها فمردود فإنها ثابتة عند البخاري هنا من رواية ابن جريج، عن ابن مليكة، عن نافع لكن باختصار. اهـ.
(2)
في الأصل (الاعتراض)، وما أثبت من ن هـ.
(3)
سورة القمر: آية 20.
(4)
سورة الحاقة: آية 7.
(5)
البخاري أطرافه (61).
(6)
في هامش الأصل: الدعص قطعة من الرمل مستدير. انظر: لسان العرب (4/ 354): والدعص قور من الرمل مجتمع.
(7)
الكَرْم نوع من الصياغة التي تصاغ في المخانق، وجمعه كُرُوم. اهـ، من لسان العرب (12/ 78).
فقالوا: هو ضرب من الحلى والكروم القلائد.
[الوجه](1) الثالث: معنى "أُبرت" تشققت، والتأبير: التلقيح وهو تشقيق الكمام عنه، ويقال: له الأبار سواء تشقق بحط شيء من ذكر طلع النخل فيها أم بنفسها لكن يسمى وضع الذكر فيها تلقيحاً قال أهل اللغة: أبرت النخل بتخفيف الباء الموحدة أُبره بضمها أبراً كأكلته أكلاً وأبرته بالتشديد أُوبرّه تأبيراً كعلمته أعلمه تعليماً. ويقال: المخفف نخلة مأْبُورة ومن المشدد مُؤَبّرة.
والأبَار: في غير النخل عقد ثمره وثبات ما يثبت وسقوط ما يسقط من نوره (2).
واختلف أصحاب مالك في الزرع هل أباره الظهور من الأرض أو الأفراك.
تذنيب: جميع النخل لا يؤبر، بل يؤبر بعضه، ويتشقق بإتيان ريح الفحول إليه، الذي يحصل به تشقيق الطلع.
الرابع: دل الحديث (3) بمنطوقه على أنه إذا باع الشجرة بعد التأبير فالثمرة للبائع ومفهومه وهو مفهوم الشرط أن ما لم يؤبر للمشترى ودل الاستثناء أنها تكون للمشتري عند اشتراطها له وإن تأبرت بأن يقول اشتريت النخلة بثمرتها هذه.
(1) زيادة من ن هـ.
(2)
انظر: الاستذكار (19/ 82) شرح مسلم (10/ 190).
(3)
انظر: أقوال العلماء مبسوطة في الاستذكار (19/ 83، 85).
وخالف أبو حنيفة فقال: تبقى الثمار للبائع أُبرت أو لم تؤبر وبالأول قال الشافعي ومالك والليث والأكثرون.
وقال الشافعي: والأكثرون أيضاً إذا باعها قبل التأبير وشرط ثمرتها لنفسه جاز.
وخالف مالك في هذا، وقال: في أشهر قوليه يالمنع ومقابل قول أبي حنيفة قول ابن أبي ليلى أنها للمشترى قبل التأبير وبعده فأما الأكثرون فأخذوا في المؤبرة بمنطوق الحديث وفي غيرها بمفهومه وهو دليل الخطاب وهو حجة عندهم.
وأما أبو حنيفة: فأخذ بمنطوقه في المؤبرة وهو لا يقول بدليل الخطاب فألحق غير المؤبرة بالمؤبرة.
واعترض عليه: بأن الظاهر يخالف المستتر في حكم التبعية كما أن الجنين يتبع الأم في البيع ولا يتبعها الولد المنفصل.
وأما ابن أبي ليلى: فقوله مخالف لصريح السنة ولعله لم يبلغه الحديث.
قال القرطبي (1): والقول بدليل الخطاب (2) في مثل هذا ظاهر
(1) المفهم (5/ 2727).
(2)
دليل الخطاب: هو مفهوم المخالفة وهو الذي يطلق البعض عليه اسم المفهوم في الأكثر، وهو: إثبات نقيض حكم المنطوق به للمسكوت عنه. وهو حجة عند مالك والشافعي خلافاً لأبي حنيفة وكل مفهوم فله منطوق، ولا خلاف أن المنطوق حجة، لأنه الذي وضع له اللفظ، مثال ذلك:"إنما الولاء لمن أعتق"، فمنطوق هذا اللفظ إثبات الولاء لمن =
لأنه لو كان غير المؤبر حكم المؤبر لكان تقييده بالشرط لغواً لا فائدة له ثم قال:
فإن قلت: فائدته التنبيه بالأعلى على الأدنى قيل له [ليس](1) هذا بصحيح لغةً ولا عرفاً ومن جعل هذا بمنزلة قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} (2) تعين أن يقال لفهمه أف، وتف.
فرع: لو اشترى النخل وبقي الثمر للبائع جاز لمشترى الأصل شراء الثمرة قبل طيبها على مشهور مذهب مالك. ويرى لها حكم التبعية وبداية جمهور الشافعية والنووي وأهل الظاهر وفقهاء الحديث لإِطلاق النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها.
الخامس: يؤخذ من الحديث جواز أبار النخل وكذا غيره من الثمار وهو إجماع لأنه في معناه.
السادس: حقيقة التأبير إنما هو للكل وقد أجرى تأبير البعض مجرى تأبير الجميع إذا كان في بستان واحد واتحد النوع وباعها صفقة واحدة وجعل ذلك كالنخلة الواحدة فلو اختلف النوع فوجهان لأصحابنا.
= أعتق، ومفهومه نفي الولاء عمن لم يعتق وهو عشرة أنواع: مفهوم العلة، الصفة، -وبينهما فرق-، الشرط، الاستثناء، الغاية، الحصر، الزمان، المكان، العدد، اللقب. اهـ. من تقريب الوصول (169، 173). باختصار.
(1)
زيادة من ن هـ.
(2)
سورة الإِسراء: آية 23.
أصحها: أن الثمر يبقى للبائع دفعا للضرر وسوء المشاركة.
وقال: ابن خيران (1) غير المؤبر للمشترى والمؤبر للبائع.
وعند المالكية: أنه إذا أُبر البعض دون البعض فإن كانا متساويين فلكل واحد منهم حكم نفسه وإن كان أحدهما أكثر من الآخر فقيل الحكم كذلك وقيل: [الأقل](2) يتبع الأكثر حكاه المازري (3) قال: ولو كان المبيع أرضاً يزرعها ولم يظهر فقولان.
أحدهما: للمشتري كالتمر إذا لم يؤبر.
والثاني: للبائع لأنه من الجنس الذي لا يتأبر ولا يتكرر فأشبه ما دفن في الأرض. ولما حكى القاضي ما قدمناه عن المازري في أن الأقل هل يتبع الأكثر أم لا؟ قال: هذا، إذا كان الأبار مميزاً فإن كان مختلطاً لا يتميز فأقوال:
أحدها: لا يجوز البيع حتى تكون كلها للمشتري.
وثانيها: لا يجوز حتى تكون كلها للبائع.
وثالثها: أنه يفسخ البيع، قال: والحديث إنما يدل على بيعها إلَاّ إذا أُبرت كلها فلا يلحق به غيره إلَاّ بدليل.
السابع: قد يؤخذ من الحديث أنه إذا باع ما لم يؤبر مفرداً
(1) هو الحسين بن صالح بن خيران أبو علي البغدادي. مات سنة عشرين وثلاثمائة. انظر: تاريخ بغداد (8/ 53) وفيات الأعيان (1/ 400) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 92).
(2)
في الأصل (أكل)، وما أثبت من ن هـ.
(3)
المعلم بفوائد مسلم (2/ 267)، مع اختلاف في بعض الكلمات.
بالعقد بعد تأبير غيره من البستان أنه يكون للمشترى لأنه ليس في المبيع شيء مؤبر فيقتضي مفهوم الحديث أنه ليس للبائع وهو أصح الوجهين عندنا لأنه بإِفراده بالبيع انقطع عن حكم التبعية.
الثامن: أدخل من هذه الصورة في الحديث ما إذا كان التأبير وعدمه في بستانين مختلفين والأصح ههنا إفراد كل بستان بحكمه لأن لاختلاف البقاع أثراً في وقت التأبير، ولأنه لا يلزم منه ما لم يلزم في البستان الواحد من سوء المشاركة.
التاسع: يؤخذ من الحديث أيضاً أن الشرط الذي لا ينافي مقتضى العقد جائز.
العاشر: يؤخذ منه أيضاً جواز بيع النخيل المؤبر بعد التأبير وقبله وهل تدخل الثمرة فيها عند الإِطلاق من غير تعرض للثمرة بنفي ولا إثبات فيه ما قدمناه من المذاهب.
الحادي عشر: يؤخذ منه [أيضاً]، (1) جواز بيع العبد وما في معناه.
الثاني عشر: يؤخذ منه أيضاً أن العبد إذا ملّكه السيد مالاً ملكه وهو قول [مالك والشافعي](2) في القديم لإِضافة المال إليه باللام وهي ظاهرة في الملك لكنه إذا باعه بعد ذلك كان ماله للبائع إلَاّ أن يشترطه المشترى بظاهر الحديث.
(1) في ن هـ ساقطة.
(2)
في الأصل (الشافعي ومالك)، وما أثبت من ن هـ.
وقال الشافعي: في الجديد وأبو حنيفة لا يملك العبد شيئاً أصلاً قال الله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} (1) وكما لا يملك بالإِرث ولأنه مملوك فأشبه البهيمة وتأولا الحديث على أن يكون في يد العبد شيء من مال السيد فأضيف ذلك المال إلى العبد للاختصاص والانتفاع لا للملك كما يقال "جل الدابة""وسرج الفرس" قالا فإذا باع السيد العبد فذلك المال للبائع إلَاّ أن يشترطه المبتاع فيصح لأنه يكون باع شيئين العبد والمال الذي في يده بثمن واحد وذلك جائز، قالا: ويشترط الاحتراز من الربا.
قال الشافعي: فإن كان المال دراهم لم يجز بيع العبد وملك الدراهم بدراهم وكذا إن كان دنانير.
وقال مالك: يجوز أن يشترطه المشترى وإن كان دراهم والثمن دراهم وكذا في جميع الصور لإِطلاق الحديث، وكأنه لا حصة للمال من الثمن.
وقال الباجي (2): من المالكية لا يجوز اشتراط مال العبد إلَاّ بثلاث شروط: أن يشترط جميعه في نفس العقد للعبد، لا لنفسه، فإن شرط بعضه، أو كله بعد العقد، أو شرطه لنفسه، فقولان: في كل مسئلة.
وقال المازري (3): زوال ملك السيد عن عبده على أربعة أوجه:
(1) سورة النحل: آية 75.
(2)
المنتقى (4/ 170).
(3)
المعلم بفوائد مسلم (2/ 267).
أحدها: بعقد معاوضة كالبيع ، والنكاح، والمال في ذلك للسيد إلَاّ أن [يشترطه المبتاع] (1) خلافاً للحسن البصري والزهري في قولهما (2): يتبع المال العبد في البيع والحديث يرد عليهما.
الثاني: أن يزول بالعتق وما في معناه من العقود التي يقتضي العتق سقوط النفقة كالكتابة، فالمال للعبد إلَاّ أن يشرطه السيد، خلافاً لأبي حنيفة والشافعي في قولهما إنه للسيد في العتق (3).
ثالثها (4): أن يزول ملكه بالصدقة والهبة، وفيهما قولان: عندهم، لأن فيها شبهاً من العتق الذي يتبع فيه المال ومن البيع الذي لا يتبع، قال القرطبي في "مفهمه" (5): والأرجح إلحاقها بالبيع، وقطعها عن العتق، لاختصاصه بمعنى لا يوجد في غيره، واختلف قول مالك في الوصية به.
(1) في المعلم: يُشْتَرط عليه.
(2)
في المعلم: إن المال.
(3)
قال في المعلم بعده: ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن أعتق عبداً وله مال فماله له إلَاّ أن يشترطه السيد" فنحن نعيد الضمير في قوله: "له" على العبد لأنه المذكور نطقاً. وإنما ذكر السيد بكناية عنه ترجع إليه عند قوله: "من أعتق" فلا بد أن يضمر عقيب قوله: "أعتق" عاتدٌ يعود إلى "السيد" بحكم مقتضى لفظه: "مَن" وعَوْد الضمير والكناية على الصريح أولى من عوده على الكناية والإِضمار، ولأن الكناية يملك بها ماله وهي سبب العتق فنفس العتق أولى. اهـ.
(4)
العبارة في المعلم تخالف سياق المؤلف لها (2/ 268).
(5)
المفهم (5/ 2729).
رابعها (1): إذا سلمه في الجناية هل يسلمه بماله قولان عندهم لأن المال يتبع الرقبة وينتقل بانتقالها.
فائدة: نحوية أسلفنا آنفاً أن اللام، للملك، وللأختصاص، والملك: قد يكون حقيقة نحو "الدار لزيد" ومجازاً نحواً "أباً لك" وفرق القرافي بين الملك والاستحقاق والاختصاص.
فقال: المال [إن](2) أضيف إلى من يعقل كانت اللام للملك وإلَاّ فإن شهدت العادة له به فللاستحقاق كالسرج للدابة وإن لم تشهد به بل كانت ثبتت بشهادة العادة وغيرها فهو للاختصاص بالملك، والاختصاص بالملك، أخص من الاستحقاق، والاستحقاق أخص من الاختصاص.
قلت: وللام معان أُخر (3).
أحدها: التخصيص نحو: هذا ابن لزيد.
ثانيها: التعليل نحو: شربت لأروى، قال تعالى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} (4).
ثالثها: التوكيد نحو "لزيد قائم".
(1) قال في المعلم: الوجه الثالث: الجناية فالمال فيها يتبع الرقبة وينتقل بانتقالها. اهـ.
(2)
زيادة من ن هـ.
(3)
انظر: بسط معانيها وأقسامها في كتاب رصف المباني في حروف الصعاني للمالقي (218، 257)، ومعاني الحروف للزجاج (40) وما بعدها.
(4)
سورة الإِسراء: آية 78.
رابعها: للعاقبة قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} (1)، وقال:{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} (2). وقال الشاعر:
له ملك ينادي كل يوم
…
لدو للموت وابنوا للخراب (3)
خامسها: للقسم نحو قولك: "لله لا تبقى أحد".
سادسها: زائدة ولا تزاد إلَاّ مع مفعول به متعد إلى واحد وزيادتها ضربان.
قياسيه: وهي أن تزاد مقوية لعامل ضعف بالتأخير نحو: {كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} (4) أو بالفرعية نحو: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (5).
وغير قياسيه: وهي في غير ذلك نحو: {رَدِفَ لَكُمْ} (6)، وقد أول على التضمين قالوا: وتأتي اللام أيضاً بمعنى عن قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا
…
} (7) الآية، -أي عن الذين آمنوا-.
(1) سورة الأعراف: آية 179.
(2)
سورة القصص: آية 8.
(3)
البيت لأبي نواس وهو في ديوانه ص 200، وجاء نسبتها لأبي العتاهية كما في الأغاني (3/ 155)، ديوانه (23، 24).
(4)
سورة يوسف: آية 43.
(5)
سورة البروج: آية 16.
(6)
سورة النمل: آية 72.
(7)
سورة الأحقاف: آية 11.
الوجه الثالث عشر: يؤخذ من الحديث أيضاً أنه إذا باع عبداً أو جارية وعليها ثياب لا تدخل في البيع مطلقاً بل تكون للبائع إلَاّ أن يشترطها المبتاع لأنه مال في الجملة وهو أصح الأوجه للشافعية.
والوجه الثاني: دخولها عملاً بالعرف، قال الرافعي: في "المحرر" وهو الأشبه وفي المسألة وجه ثالث: أنه يدخل ساتر العورة فقط لأن ستر العورة واجب [فما سترها](1) تابع له.
…
(1) في هـ (فيها يسترها).