المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌57 - باب الربا والصرف - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٧

[ابن الملقن]

الفصل: ‌57 - باب الربا والصرف

‌57 - باب الربا والصرف

وفيه ثلاث لغات:

أحدها: القصر ويكتب بالألف وبالواو والياء.

ثانيها: الرما بالميم بدل الباء وبالمد.

ثالثها: الربا بفتح الراء وبالمد حكيت عن القَلْعِيّ (1).

وحده في الشرع: أنه اسم لمقابلة عوض بعوض مخصوص، غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد، أو مع ما خير في البدلين، أو أحدهما فإذا باع ربويّاً بمثله، واتفق الجنس فلا بد من الحلول والمماثلة [والتفرق قبل التقابض](2).

وإن اختلف وكان من نوعه كذهب وفضة وحنطة شعير جاز التفاضل.

(1) هو الإِمام الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد بن القاسم، وُلد سنة عشرين وثلاثمانة وتوفي بقلعة أيوب من الأندلس في ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة ترجمته في سير أعلام النبلاء (16/ 444)، وشذرات الذهب (3/ 104، 105).

(2)

لعله غلط من الناسخ: فإنه لا يجوز التفرق قبل التقابض. وتكون العبارة هكذا (بعد التقابض)، أو (وعدم التفرق قبل التقابض).

ص: 303

فأما الصرف: مصدر صرف يصرف صرفاً إذا دفع ذهباً وأخذ فضة أو عكسه فإن باع ذهباً بمثله أو فضة بمثلها سميت مراطلة.

وهل الصرف مشتق من التقلب، ومنه صرف الدرهم أو من الصريف وهو الصوت المتولد عن تحريك أحد النقدين؟ أو من الوزن ومنه:"لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً" أقوال وصحح النووي في "شرحه لمسلم"(1): أنه سمى صرفاً لصرفه عن مقتضى المبايعات من جواز التفاضل وعدم التفرق قبل التقابض والتأجيل. وإنما خص المصنف الصرف بالذكر وإن كان داخلاً في الربا لأن الربا فيه أضيق من غيره وذكر المصنف في الباب خمسة أحاديث:

الأول

293/ 1/ 57 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالورق ربا إلَاّ هاءً وهاءً، والبر بالبر ربا إلَاّ هاءً وهاءً، والشعير بالشعير ربا إلَاّ هاءً هاءً"(2). (3)

(1) شرح مسلم (11/ 9).

(2)

البخاري (2174)، ومسلم (1586)، والترمذي (1243)، وأبو داود (3348)، في البيوع، باب: في الصرف، النسائي (7/ 273)، وابن ماجه (72259، 2260)، وابن الجارود (651)، وأحمد (1/ 24، 35، 45)، والموطأ (2/ 636، 637)، والحميدي (12)، والبغوي (5207)، والدارمي (2/ 258)، وعبد الرزاق (14541)، وابن أبي شيبة (7/ 99، 100)، والبيهقي (5/ 283، 284).

(3)

لفظه في متن العمدة "الذهب بالذهب ربا، إلَاّ هاء وها، والفضة بالفضة ربا، إلَاّ هاء وهاء" والباقي مثله.

ص: 304

والكلام عليه من وجهين: وننبه قبل الخوض فيها إلى أن في الصحيحين في آخر الحديث "والتمر بالتمر ربا إلَاّ هاءً وهاءً" وكان الأولى للمصنف أن لا يحذف هذه الزيادة فإنها مهمة.

الأول: في ألفاظه.

الأول: الذهب: مذكر وربما أنث.

فقيل: ذَهَبَةٌ والجمع: أذْهَابٌ، وذهوب.

وذكر الثعلبي في تفسير سورة براءة: عن نفطويه قال: سمى الذهب ذهباً لأنه يذهب ولا يبقى.

وسميت الفضة: فضة. لأنها تنفض ولا تبقى.

ويقال: للذهب خِلاص بكسر الخاء.

قال الحريري في "درة الغواص"(1): هذه اللفظة مما يهمون فيها فيقولون: للذهب خِلاص بكسر الخاء والاختيار كسرها، واشتقاقه من أخلصته النار بالسبك.

قلت: وللذهب أسماء نظمها ابن مالك رحمه الله (2) - في

(1) درة الغواص (84، 85).

ويقولون للذهب خلاص بفتح الخاء والاختيار فيه أن يقال بالكسر واشتقاقه من أخلصته النار بالسبك.

(2)

انظر: المنتخب من غريب كلام العرب (1/ 281)، فقد ذكر اسماء كثيرة غيرها في البيتين.

ولعله الكتاب الذي لابن مالك: جمال الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد المتوفي سنة 672 هـ. =

ص: 305

بيتين فقال:

نَضْرُ نَّضِيرُ نُّضَارٌ زِبْرِجٌ سِيَراً

وزُخْرُفٌ عَسْجَدٌ عِقْيَانٌ الذَّهَبُ

والتَّبْرُ ما لم يُذَبْ وأشْرَكُوا ذَهباً

وفِضَّةَ في نَسِكٍ هكذا الغَرَبُ

الثاني: "الورق" بفتح الواو وكسر الراء ويجوز إسكانها مع فتح الواو وكسرها حكاهن الفراء (1) وغيره.

وحكى الصاغاني (2) في كتابه "شوارد اللغات": لغة رابعة وهي: فتح الواو والراء قال: وقرأ أبو عبيدة "فأبعثوا أحدكم بوَرَقِكُمْ".

قال أكثرُ أهل اللغة: وهو مختص بالدراهم المضروبة (3).

وقال جماعة منهم يطلق على كل الفضة وإن لم تكن مضروبة.

وفي "تفسير القرطبي"(4): في أثناء سورة الفاتحة أن الورق بكسر الراء الدراهم وبفتحها المال.

والمراد بالورق هنا: جميع صنوفها وإن قل.

= اسمه: الألفاظ المختلفة، في المعاني المؤتلفة. انظر طبقات الشافعية لابن السبكي (8/ 68)، والوافي بالوفيات (3/ 362) وتم ضبطها من الطبقات.

(1)

معاني القرآن (2/ 137)، عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ (627).

(2)

كتاب الشوادر (24)، انظر: كتاب بصائر ذوي التمييز (5/ 198).

(3)

انظر: هذا وما بعده في لسان العرب (15/ 275).

(4)

(1/ 146) لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، ت (671).

ص: 306

الثالث: "البر" اسم من أسماء القمح ومن أسمائه الحنطة والسمراء.

و"الشعير" -بفتح الشين- على المشهور ويجوز كسرها.

وقال ابن مكي الصقلي (1): كل ما كان في وسطه حرف حلق مكسوراً يجوز كسر ما قبله وهي لغة تميم قال: وزعم الليث أن قوماً من العرب يقولون في كل ما كان على فعَيل، فِعِيل بكسر أوله وإن لم يكن في أوله حرف حلق فيقال: كبير، كثير، وجليل، وكريم وما أشبهه.

الرابع: "هاءَ وهاءٍ" ممدود مفتوح الهمزة على الفصيح الأشهر، وأصله هاك، فأبدلت المدة من الكاف ومعناه:"خذ هذا" ويقول صاحبه مثله عن غير تراخ، كما جاء في الحديث:"يداً بيد" فكأنها اسم من أسماء الأفعال، كما يقول "هاؤم"(2) وأنشد بعض

(1) في تثقيف اللسان (186).

(2)

قال في لسان العرب (15/ 10)، فقد اختلف في تفسيره، فقال بعضهم: أن يقولَ كلُّ واحد من المتبايعين هاءَ، أي: خُذْ فيُعْطِيْه ما في يده ثم يفترقان، وقيل: هاكَ وهاتِ أي خُذْ وأعْطِ، قال: والقول هو الأول، انظر: جامع الأصول (1/ 415)، والمفهم (5/ 2834).

قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (4/ 378).

"إلَاّ هاء وهاء": بالمد فيهما وفتح الهمزة، وقيل: بالكسر، وقيل: بالسكون، وحكى القصر بغير همز وخَطَّأها الخطابي، ورد عليه النووي وقال: هي صحيحة، لكن قليلة، والمعنى: خذ وهات، وحكي:"هاكِ" بزيادة كاف مكسورة، ويقال:"هاء" بكسر الهمزة، بمعنى هاتِ وبفتحها بمعنى: خذ، بغير تنوين، وقال ابن الأثير: هاء وهاء، هو أن يقول كل واحد من البيعين هاء، فيعطيه ما في يده كالحديث الآخر "إلَاّ يداً بيد"، =

ص: 307

أهل اللغة في ذلك:

= يعني مقابضة في المجلس، وقيل: معناه خذ وأعط، قال: وغير الخطابي يجيز فيها السكونَ على حذف العوض، ويتنزل منزلة "ها" التي للتبيه، وقال ابن مالك:"ها" اسم فعل بمعنى: خذ، وإن وقعت بعد "إلَاّ" فيجب تقدير قول قبله يكون به محكيّاً، فكأنه قيل: ولا الذهب بالذهب إلَاّ مقولاً عنده من المتابعين: هاء وهاء، وقال الخليل: كلمة تستعمل عند المناولة، والمقصود من قوله:"هاء وهاء" أن يقول كل واحد من المتعاقدين لصاحبه هاء فيتقابضان في المجلس. اهـ.

قال صاحب العين: هو حرف يستعمل في المناولة تقول هاء وهاك وإذا لم تجىء بالكاف مددت فكان المدة في هاء خلف من كاف المخاطبة فتقول للرجل هاء وللمرأة هاي وللاثنين هاؤما وللرجال هاؤموا وللنساء هاؤن.

وفي المنتهى تقول هاء يا رجل بهمزة ساكنة مقال مع أي خذ وفي الجامع فيه لغتان بألف ساكنة وهمزة مفتوحة وهو اسم الفعل ولغة أخرى ها يا رجل كأنه من هاي بهاي فحذفت الياء للجزم ومنهم من يجعله بمنزلة الصوت ها يا رجل وها يا رجلان وها يا رجال وها يا امرأة وها يا امرأتان وها يا نسوة.

وفي شرح المشكاة فيه لغتان المد والقصر والأول أفصح وأشهر وأصله هاك فأبدلت من الكاف معناه حذ فيقول صاحبه مثله والهمزة مفتوحة ويقال بالكسر ومعناه التقابض.

وقال ابن مالك: وحق ها أن لا يقع بعدها إلَاّ كما لا يقع بعدها خذ وبعد أن وقع يجب تقدير قول قبله يكون به محكياً، فكأنه قبل: ولا الذهب بالذهب، إلَاّ مقول عنده من المتبايعين هاء وهاء. وقال الطيبي ومحله النصب على الظرفية والمستثنى منه مقدر، يعني بيع الذهب بالذهب ربا في جميع الأزمنة إلَاّ عند الحضور والتقابض. اهـ.

ص: 308

لما رأت في قامتي انحناء

والمشي بعد قَعَس (1) إجناءَ (2)

أجلَت وكان حبها إجلاءَ (3)

وجعلت نصف غَبوقي (4) ماء

تمزج لي من بُغضها السقاء

ثم تقول من بعيد هاء (5)

دحرجة، إن شئتَ، أو إلقاء (6)

ثم تمنى أن يكون داء

لا يجعل الله له شفاء

ولا يجوز أن تكون ضرورة إذ لا يجوز في الشعر مد المقصور. وإنما يجوز قصر الممدود رجوعاً إلى الأصل، إذ القصر الأصل نبه عليه الفاكهي، وفيه على هذا لغتان:

الأول: أنها تقال للمذكر والمؤنث، والواحد والاثنين، والجمع بلفظ واحد من غير زيادة، كأنهم جعلوها صوتاً، مثل صَهْ ومَهْ.

(1) قال الصنعاني في حاشية إحكام الأحكام (4/ 108)، أقول: القعس بالقاف والعين والسين المهملتين مفتوحتين هو من الإِبل: المائل الرأس والعنق والظهر كما في القاموس.

(2)

قال أيضاً: "إجناء"، بكسر الهمزة وجيم، أقول: في القاموس أجنأ أشرف كاهله على صدره فهو أجنأ والقعس هو ميلان الرأس والظهر من الطراوة والإِجناء عكس ذلك وهو إشراف الكاهل على الصدر من الكبر.

(3)

وقال: "إجلاء" من أجلوا تفرقوا، وأجلى القوم من الموضع والدار تفرقوا عنها.

(4)

وقال: الغبوق شرب اللبن بالعشى، وهو إخبار أنها خلطت ماء كراهة له وبغضاً، ولذا قال "تمزج"، أي: تخلط اللبن لأجل بغضها إياه.

(5)

وقال: "وهاء" محل الشاهد، أي: خذ الإِناء الذي فيه الغبوق.

(6)

تدحرج دحرجة، والدحرجة التتابع في حدور، أو تلقيه القاء، أي: إنها لا تقبضه الإِناء بيدها بغضاً له، وتمنى أن يكون فيه الداء.

ص: 309

والثانية: تلحق بها العلامات المفرقة. فتقول للمذكر: هآء، وللمؤنث: هائي، وللأثنين هاءا، وللجميع هاؤوا، كالحال في هاؤم وهلم.

وفي "هاء" لغة ثانية وهي القصر وإسكان الهمزة، فتقول "هاء" كما تقول: خذ وفيها اللغتان المقدمتان، حكاهما ثابت وغيره من أهل اللغة وفي "هآ" أيضاً لغة ثالثة "هاءِ" بالمد وكسر الهمزة وهي للواحد والأثنين والجمع بلفظ واحد، غير أنهم زادوا التاء مع المؤنث فقالوا هائي.

ولغة رابعة: ها بالقصر وترك الهمزة حكاها بعض اللغويين وأنكرها أكثرهم (1).

وخطأ الخطابي وغيره (2) من رواها من المحدثين كذلك. قال النووي (3): وليست بخطأ بل صحيحة وإن كانت قليلة أي لأن الهمزة سهلت فيها.

(1) انظر: اللغات في لسان العرب (15/ 10).

(2)

في إصلاح غلط المحدثين (45)، وضبط "هاءَ وهاءَ"، ممدودان. والعامة ترويه: هَا وهَا مقصورتين. وقال في لسان العرب موضحاً كلامه (15/ 10)، وقال الخطابي: أصحاب الحديث يروونه ها وها، ساكنة الألف، والصواب مَدُّها وفَتْحُها لأن أصلها هاكَ، أي: خُذْ، فحُذفت الكاف وعوضت منها المدة والهمزة، وغير الخطابي يجيز فيها السكون على حذف العِوَضِ، وتتنزل منزلة ها التي للتثنية، انظر: معالم السنن (5/ 20).

(3)

شرح مسلم (11/ 12).

ص: 310

وفي "ها" أيضاً لغة خامسة أو أنها "هاءَك" بمدة، وهمزة مفتوحة، وكاف خطاب مكسورة للمؤنث، حكاها القاضي (1) ولا يبعد كما قال القرطبي (2): إن "هاء" هذه هي اللغة الأولى، وإنما زادوا عليها كافاً لخطاب المؤنث خاصة فلا تكون خامسة. أو أنها للأصل كما قدمناه. وأبدلت المدة من الكاف. وقولى: إنها الأصل كذا قاله النووي في "شرحه" والمازري (3) قبله ولا يتوهم منه أن الكاف من نفس الكلمة في الأصل كالدال من زيد. وأما المراد أن ذلك أصلها إستعمالاً ثابتاً وهي حرف خطاب كالكاف في ذلك وأولئك لا حظ لها في الاسمية يدل على ذلك استعمال الهمزة موضعها، كما في هذا الحديث واللفظة موضوعة للتقابض كما أسلفناه.

الوجه الثاني: في أحكامه وتقدم عليه أن الإِجماع قائم على تحريم الربا في الجملة، وهو نص الكتاب والسنة الشهيرة، وهو من الكبائر، وقيل: إنه ما أحل في شريعة قط. وبينت السنة المجمل الذي يجري فيه الربا، فذكر في هذا الحديث خمسة أشياء الذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، كما زدنا هذه وإن كان المصنف أسقطها من روايته وفي "صحيح مسلم"(4) من حديث عبادة بن

(1) ذكره في إكمال إكمال المعلم (4/ 267).

(2)

المفهم (4/ 471).

(3)

المعلم بفوائد مسلم (2/ 304).

(4)

مسلم (1587) ، أبو داود في البيوع (3349)، باب: في الصرف، النسائي (7/ 276، 277)، والطحاوي في معاني الآثار (4/ 66)، =

ص: 311

الصامت وغيرهـ ذكر الملح فهذه ستة أشياء منصوص عليها فحمل أهل الظاهر عليها وقالوا: لا يحرم الربا فيما سواها بناء على أصلهم الفاسد في نفي القياس، وجميع العلماء سواهم عدوه إلى ما في معناها، وهو ما يشاركها في العلة، ثم اختلفوا في العلة.

فعند الشافعي: العلة في النقدين كونهما قيم الأشياء غالباً، فلا يتعدى الربا منهما إلى غيرها من الموزونات وغيرها، لعدم المشاركة، والعلة في الأربعة الباقية كونها مطعومة، فيتعدى الربا منها إلى كل مطعوم (1).

= والبيهقي (5/ 276، 277، 283)، وابن ماجة (4454)، وأحمد (5/ 320)، والدارقطني (3/ 24)، والترمذي (1240)، وعبد الرزاق (14193)، وابن أبي شيبة (7/ 103، 104).

(1)

والمطعوم يشمل الأمور التالية:

1 -

ما قصد للطعم والقوت كالبر والشعير، فإن المقصود منهما التقوت، أي: الأكل غالباً، ويلحق بهما ما في معناهما كالفول والأرز والذرة والحمص والترمس ونحوها من الحبوب التي تجب فيها الزكاة.

2 -

أن يقصد به التفكه، وقد نص الحديث على التمر فيلحق به ما في معناه، كالزبيب والتين.

3 -

أن يقصد به إصلاح الطعام والبدن، أي: للتداوي وقد نص الحديث على الملح، فيلحق به ما في معناه من الأدوية القديمة كالسنامكي والسقمونيا والزنجبيل، ونحوها من العقاقير المتجانسة كالحبة اليابسة.

وعلى هذا فلا فرق بين ما يصلح للغذاء أو يصلح البدن، فإن الأغذية لحفظ الصحة، والأدوية لرد الصحة وبه يكون المطعوم. =

ص: 312

وقال مالك: في الذهب والفضة كقول الشافعي (1) وخالف في الأربعة.

وقال: العلة فيها كونها تدخر للقوت وتصلح له فعداه إلى الترتيب لأنه كالتمر وإلى القطنية لأنها في معنى البر والشعير (2).

وخالفهما أبو حنيفة في الجميع فقال: العلة في النقدين الوزن وفي الأربعة الكيل فيتعدى إلى كل موزون من نحاس وحديد وغيرهما، وإلى كل مكيل كالجص والأشنان وغيرهما.

وقال سعيد ابن المسيب وأحمد والشافعي في القديم: العلة في الأربعة كونها مطعومة وموزونة أو مكيلة فعلى هذا لا ربا في

= فتكون علة عندهم: الطعم أو النقدية، أما ما ليس بطعم كالجبس أو الحديد، فإنه يصح بيعه بجنسه متفاضلاً، كعروض التجارة، لأنها، أي: المذكورة كلها ليست أثماناً.

(1)

سيأتي عند الكلام في العلة عند الشافعية.

(2)

اختلف العلماء في علة الربا، فعند الشافعية: العلة في الذهب والفضة النقدية والثمينة بمعنى كونهما أثماناً للأشياء سواء كانا مضروبين أم غير مضروبين ولا تعتبر قيمة الصفة في الذهب والفضة فيشترطون المماثلة في الكمية أثناء البيع ولا نظر إلى القمة أما ما عداهما وهي الأصناف الأربعة الباقية فالعلة الطعمية: أي كونها مطعومة.

وعلة الربا عند المالكية في تحريم ربا الفضل أمران: الاقتيات والادخار أي أن يكون الطعام مقتاتاً بمعنى أن الإِنسان لو اقتصر عليه في أكله لكفاه كالتمر والبر والشعير، وأما العلة الأخرى وهي الإِدخار وهي كونه صالحاً للاإدخار -أي الحفظ- فلا يفسد مع الزمن.

ص: 313

البطيخ والسفرجل ونحوهما مما لا يكال ولا يوزن (1).

وقال ابن هبيرة هي رواية عن أحمد: وأظهر الروايات عنه وهي اختيار الخرقي (2) وشيوخ أصحابه، ونقله عن أبي حنيفة أيضاً أن العلة في الأربعة: الجنس مع الكيل لحنطة وشعير، وجص وأشنان وشبه ذلك.

وعن أحمد (3) رواية ثالثة: أن العلة فيها كونه مأكول جنس، فيدخل سائر المأكولات، ويخرج ما عداها، والمسألة مبسوطة في الخلافيات، وقد ذكر البيهقي في "خلافياته" بأسانيده عدة أحاديث دالة للصحيح من مذهب الشافعي أن العلة في الأربعة الطعم، ورد بها على أبي حنيفة أن العلة كونها مكيلة.

منها حديث مسلم (4) عن معمر بن عبد الله رفعه "الطعام بالطعام مثلاً بمثل".

ونقل القرطبي (5) أنه تابع أهل الظاهر على نفي تعليل هذا

(1) مذهب الإِمام أحمد رحمه الله: يحرم الربا في كل مكيل أو موزون بجنسه، ولو كان قليلاً كتمرة بتمرة، وما دون الأرزة من نقد، ذهب، أو فضة، لا في ماء، ولا فيما يوزن عرفاً لصناعته من غير ذهب أو فضة كمعمول من نحاس أو حديد أو قطن ونحوه. اهـ. المغني (4/ 1، 135).

(2)

مختصر الخرقي (64)؛ والمغني (6/ 54، 55).

(3)

المرجع السابق (6/ 56).

(4)

مسلم (1592)، وأحمد (6/ 401)، والبيهقي (5/ 283).

(5)

المفهم (4/ 469).

ص: 314

الحكم بعض من قال بالقياس بناء على أنه لم يجد دليلاً عليه أو على أنه لم يجد لعلة ذلك فرعاً يلحقه بها، فتكون العلة قاصرة، ولا يعلل بها، قال: وهو مذهب أبي حنيفة.

وجمع القرافي عشرة أقوال في العلة بماذا.

أحدها: الجنسية.

والثاني: كونه ربوياً.

والثالث: كونه مكيلاً أو موزوناً.

والرابع: كونه مطعوماً.

والخامس: كونه مقتاتاً.

والسادس: كونه مدخراً مع اتحاد الجنسية.

والسابع: كونه متمولاً.

والثامن: كونه مقتاتاً. مدخراً مع الغلبة.

والتاسع: كونه مقتاتاً مدخراً.

والعاشر: أن العلة مختلفة في الجميع فعلة البر القوت غالباً، والشعير القوت نادراً، والتمر بالتفكة غالباً، والملح كونه مصلحاً للأقوات، والنقدين كونها رأس الأموال، وقيم المتلفات.

تتمات: الأولى: الإِجماع قائم على جواز بيع الربوي بالربوي الذي لا يشاركه متفاضلاً ومؤجلاً كبيع الذهب بالحنطة والفضة بالشعير وغيره من المكيل.

وعلى المنع من بيع الربوي بجنسه وأحدهما مؤجل وعلى أنه لا يجوز التفرق قبل التقابض إذا باعه بجنسه حالاً كالذهب بالذهب.

ص: 315

وعلى أنه لا يجوز التفرق قبل التقابض إذا باعه بجنسه أو بغير جنسه مما يشاركه في العلة كالذهب بالفضة والحنطة بالشعير (1).

وعلى أنه يجوز التفاضل عند اختلاف الجنس (2) إذا كان يداً بيد كصاع حنطة بصاعيّ شعير. وما يروى عن ابن عباس وابن عمر من تخصيص الربا بالنسيئة قد رجعا عنه، حين بلغهما حديث أبي سعيد "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع صاع بصاعين" كما ذكره مسلم عنهما في صحيحه (3).

(1) انظر: حديث الباب.

(2)

انظر: الاستذكار (19/ 219).

(3)

مسلم (1596)، والطيالسي (622)، والإِمام أحمد (5/ 200، 204، 206، 208، 209)، والدارمي (2/ 259) ، والنسائي (7/ 281)، وشرح معاني الآثار (4/ 64)، والبيهقي (5/ 280). قال ابن عبد البر في الاستذكار: قال أبو عمر: لم يتابع ابن عباس على تأويله في قوله في حديث أسامة هذا أحد من الصحابة، ولا من التابعين، ولا من بعدهم من فقهاء المسلمين، إلَاّ طائفة من المكيين أخذوا ذلك عنه، وعن أصحابه، وهم محجوجون بالسنة الثابنة التي هي الحجة على من خالفها وجهلها، وليس أحد بحجة عليها.

وقد روي عن ابن عباس أنه رجع عن ذلك، وقال: لا علم لي بذلك إنما أسامة بن زيد أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الربا في النسيئة". اهـ.

وقال ابن عبد البر في التمهيد: لقد ذهب ابن عباس، وأسامة بن زيد وابن أرقم، والزبير، وابن جبير، وغيرهم إلى أن الربا المحرم فقط: هو ربا النسيئة؛ لقوله عليه السلام في الحديث المتفق عليه من حديث أسامة: "لا ربا إلَاّ في النسيئة" وهؤلاء يرد عليهم بالأحاديث التي ثبت بها تحريم =

ص: 316

الثانية: الحديث دال على تحريم الربا في الجملة على ما ذكرنا.

ودال أيضاً: على اشتراط التقابض في بيع الربوي إذا اتفقا في علة الربا، سواء اتفق جنسهما كذهب بذهب أم اختلف كذهب بفضة، فإنه عليه الصلاة والسلام نبه في هذا الحديث بمتفق الجنس على مختلفه، حيث قال:"الذهب بالورق ربا"، واستدلت المالكية بذلك على اشتراط التقابض عقب العقد، حتى لو أخره عن العقد وقبض في المجلس لا يصح عندهم.

قال القرطبي (1): وبالغ مالك في هذا حتى منع المواعدة على الصرف والحوالة والوكالة على عقد الصرف دون القبض. ومنع أن يعقد الصرف، ويقوم إلى مقر دكانه ثم يفتح صندوقه، ويخرج ذهبه.

= ربا الفضل، لذا نقل جابر بن زيد أن ابن عباس رجع عن قوله، ثم جاء إجماع التابعين على تحريم الربا بنوعيه، فرفع الخلاف.

وأما تأويل الحديث السابق فهو أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن مبادلة الحنطة بالشعير والذهب بالفضة إلى أجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا ربا إلَاّ في النسيئة" فهذا بناء على ما تقدم من السؤال، فكأن الراوي سمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يسمع ما تقدم من السؤال أو لم يشتغل بنقله، أو أن القصد من قوله:"لا ربا" الربا الأكمل الأعظم خطورة الأكثر وقوعاً، الأشد عقوبة، كما تقول العرب:"لا عالم في البلد إلَاّ فلان" مع أن فيها علماء غيره، وإنما القصد نسب الأكمل علماً، لا نفي نسب أصل العلم. اهـ.

_________

(1)

انظر: كتاب الكافي في فقه أهل المدني (2/ 634)، والاستذكار (19/ 235)، والمفهم (5/ 2835).

ص: 317

قلت: وأعتبر الشافعي التقابض في المجلس، وإن طال الزمان يوماً أو أياماً، ما لم يتفرقا، وبه قال أبو حنيفة وآخرون.

قال الشيخ تقي الدين (1): وهذا أدخل في المجاز، والأول أقرب إلى حقيقة اللفظ. وقد جمع في الحديث مختلف الجنس ومتفرقه فاقتضى ذلك تحريم النساء، لكنه لا يسمى نساء إلَاّ إذا افترقا عن المجلس من غير قبض.

وأما النووي فقال في "شرحه"(2): لا حجة لأصحاب مالك في هذا الحديث.

الثالث: هذا الحديث ذكره عمر رضي الله عنه على سبب، وهو أن مالك بن أوس بن الحدثان قال: أقبلت أقول: من يصطرف الدراهم؟ فقال: طلحة بن عبيد الله: وهو عند عمر بن الخطاب: أرنا ذهبك، ثم ائتنا، إذا جاء خادمنا يعطك ورقك، فقال: عمر بن الخطاب: "كلا، والله! لتعطينه ورقه، أو لتردن إليه ذهبه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكر الحديث (3) الذي ساقه المصنف وبالزيادة التي أسقطها كما نبهنا عليها، وإنما قاله طلحة بن عبيد الله لأنه ظن جوازه كسائر البياعات، وما كان بلغه حكم المسألة فأبلغه إياه عمر رضي الله عنه فترك المصارفة.

الرابعة: يؤخذ من الحديث (4): أن البر والشعير صنفان، وبه

(1) إحكام الأحكام (4/ 109).

(2)

شرح مسلم (11/ 13).

(3)

أخرجه البخاري (2134)، ومسلم (1586).

(4)

الاستذكار (20/ 31، 50)، للإِطلاع على أقوال العلماء في هذه المسألة.

ص: 318

قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وفقهاء المحدثين وآخرون.

وقال مالك، والليث، والأوزاعي ومعظم علماء المدينة والشام من المتقدمين: أنها صنف واحد. وهو محكى عن عمر وسعد وغيرهما من السلف.

واتفقوا على أن الدخن صنف، وأن الذرة صنف، والأرز صنف، إلَاّ الليث بن سعد، وابن وهب المالكي فقالوا: إن هذه الثلاثة صنف واحد.

خاتمة: في تقسيم (1) حسن فقهي: وهو أن التبايع يقع تارة بالثمن، وتارة بالعين، وتارة بهما، وكل إما بالحلول أو بالأجل أو بهما فإن فقدا جميعاً كان بيعاً بنقد.

وإن باع عيناً بعين مثلها كالذهب به سمى مراطلة.

وإن بيع بعين خلافه كالذهب بالورق سمى صرفاً كما سلف.

وإن باع عرضاً بعين فالثمن العين، والمثمن ما يقابله. وهذا

(1) قال الشيخ عبد الله العنقري -رحمنا الله وإياه- في حاشية الروض (2/ 22)، على قوله: "فتناول البيع تسع صور إلخ

".

عين بعين، كهذا الكتاب بهذا الدينار، عين بدين، كهذا الكتاب بدينار غير معين، عين بمنفعة، كهذا الثوب بعلو بيت ليضح عليه بنياناً، دين بعين كعبد موصوف بهذه الدناير، دين بدين كعبد موصوف بعبد موصوف. دين بمنفعة، كجارية موصوفة بموضع بحائطه يفتحه بابا، منفعة بعين كممر دار بهذه الدراهم، منفعة بدين كممر دار بدراهم في الذمة، منفعة بمنفعة كممر دار بممر دار.

ص: 319

أصح الأوجه عندنا: أن الثمن النقد والمثمن بما يقابله، فإن لم يكن نقداً وكانا نقدين فالثمن ما اتصلت به الباء، وإن كانا مؤخرين جميعاً، فذلك الدين بالدين، وهو منهى عنه (1).

والحوالة: أصح الأوجه عندنا أنها بيع دين بدين (2) استثنى

(1) وهو الوارد بحديث ابن عمر مرفوعاً "نهى عن بيع الكالىء بالكالىء".

أخرجه الدارقطني (319)، والحاكم (2/ 57)، والبيهقي (5/ 290)، مشكل الآثار (1/ 346)، معاني الآثار (2/ 208).

(2)

قال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (20/ 61، 62): وأما الحوالة به، فرأى مالك أن الحوالة إن كانت نقل ذمة إلى ذمة، وتحول ما على ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه برضا المستحيل، فإنه عنده بيع من البيوع؛ لأن البيع كل ما تعاوض عليه المتعاوضان، فلم تجز الحوالة في الطعام لمن ابتاعه كما لا يجوز بيعه قبل قبضه.

* وقول الشافعي في ذلك كقول مالك.

* قال الشافعي: ولرجل عليه طعام، فأحال به على رجل له عليه طعام لم يجز من قبل أن أصل ما كان له بيع، وأحالته به بيع منه له بالطعام الذي عليه بطعام على غيره.

* وأما أبو حنيفة، وأصحابه، فلا بأس عندهم بالحوالة، في السلم كله طعاماً كان، أو غيره، وهو عندهم من باب الكفالة، وجائز عندهم للمسلم أن يستحيل بما سلم فيه على من أحاله عليه المسلم إليه كما له أن يأخذ به رهناً، وكفلا، وأخرجوا الحوالة من البيع، كما أخرجها الجميع من باب الدين بالدين ومن باب البيع أيضاً.

* ولو كانت الحوالة من البيع ما جاز أن يستحيل أحد بدنانير من دنانير، أو بدراهم من دراهم؛ لأنه ليس هاء وهاء.

* وأما قول مالك بأن أهل العلم قد أجمعوا أنه لا بأس بالشركة والتولية، =

ص: 320

للحاجة، وإن نقد أحدهما وأُخر الآخر، فإن كان المؤخر هو الدين، والمقدم هو العرض، فذلك البيع إلى أجل وإن كان العكس فذلك السلم.

= والإِقالة في الطعام، وغيره إلى آخر كلامه.

* وأحسبه أراد أهل العلم في عصره، أو شيوخه الذين أخذ عنهم.

* وأما سائر العلماء، فإنهم لا يجيزون الشركة، ولا التولية في الطعام لكن ابتاعه قبل أن يقبضه، فإن الشركة، والتولية بيع من البيوع.

وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل قبضه. اهـ.

ص: 321