الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
294/ 2/ 57 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل. ولا تُشِفُّوا بعضها على بعض. ولا تبيعوا الورق إلا مثلاً بمثل. ولا تُشِفُّوا بعضها على بعض. ولا تبيعوا منها غائباً بناجز".
وفي لفظ: "إلا يداً بيد"، وفي لفظ:"إلا وزناً بوزن مثلاً بمثل سواء بسواء"(1).
الكلام عليه من وجوه:
الأول: ذكر الوزن في الحديث من أفراد مسلم، كما نبه عليه عبد الحق في "جمعه بين الصحيحين"، ولم أرها أنا أيضاً في البخاري، فإن البخاري ذكره هنا مطولاً ومختصراً، فلفظه في المطول كرواية المصنف سواء، إلى قوله:"بناجز"، ولفظه في
(1) البخاري (2177)، ومسلم (1584) ، والنسائي (7/ 278، 279)، وفي الكبرى (4/ 30)، والطيالسي (2181)، وموطأ مالك (2/ 633)، والشافعي في المسند (2/ 157)، والترمذي (1241)، والحميدي (3/ 4، 9، 51، 53، 61، 73)، وعبد الرزاق (8/ 121، 122).
المختصر: "الذهب بالذهب مثلاً بمثل والورق بالورق مثلاً بمثل"، وذكره مسلم: من طرق مطولاً كرواية البخاري، ومطولاً بلفظ:"لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق، إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا شيئاً غائباً منه بناجز إلا يداً بيد"، ومختصراً بلفظ:"لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق، إلا وزناً بوزن، مثلاً بمثل، سواءً بسواء".
واعلم أن جماعة من الشراح أسقطوا قطعة من هذا الحديث، فذكره الفاكهي فيما رأيته في نسختين منه بلفظ:"لا تبيعوا الذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها، ولا تبيعوا منها غائباً بناجز"، فأسقط لفظة "بالذهب" وأسقط ذكر "الفضة" رأساً.
وذكره الصعبي فيما رأيته بخطه: "لا تبيعوا الذهب بالذهب" إلى آخره، وأسقط ذكر "الفضة" بكمالها، وكذا أورده بعضهم فيما رأيته بخطه.
وكذا أورده ابن العطار وقال: "لا تبايعوا" بدل: "لا تبيعوا"، وذكره الشيخ تقي الدين في "شرحه" على الصواب كما بدأت به، فتنبه لذلك.
الثاني: في التعريف براويه، وقد سلف في كتاب الصلاة، وهذه عادتتا لا نعيد شيئاً سلف فاعلمه.
الثالث: قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تُشفوا"، بضم التاء وكسر الشين وتشديد الفاء، رباعي من أشف، أي: لا تفضلوا يقال: أَشْفَفْتُ بعض ولدي على بعض، أي: فضلتهم.
والشِف: بكسر الشين: الزيادة. ويطلق أيضاً على النقصان، فهو من الأضداد. يقال: شَف الدرهم بفتح الشين، شِف بكسرها إذا زاد وإذا نقص. وأشفه غيره يشفه (1).
الرابع: المؤجل (2): [أو](3) الغائب عن المجلس.
والناجز: الحاضر، ومعناه: لا تبيعوا مؤجلاً بحاضر من الذهب بالذهب، ولا من الذهب والفضة. وقد أجمع العلماء على تحريم ذلك، وكذلك حكم الحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير. وكذا كل شيئين اشتركا في علة الربا: أما إذا باع ديناراً بدينار كلاهما في الذمة، ثم أخرج كل واحد الدينار أو بعث من أحضر له ديناراً من بيته وتقابضا في المجلس، فيجوز عند الشافعية وآخرين، بلا خلاف، لأن الشرط عندهم أن لا يتفرقا حتى يتقابضا، كما سلف في الحديث قبله، وقد حصل، وقد قال عليه الصلاة والسلام:"ولا تبيعوا شيئاً غائباً منه بناجز إلا يداً بيداً" كما سلف.
وادعى القاضي عياض (4): اتفاق العلماء على أنه لا يجوز بيع أحدهما مؤجلاً أو غائباً عن المجلس، وليس كما قال لما علمته.
الخامس: قوله: "لا تبيعوا الذهب بالذهب" إلى آخره، هو
(1) انظر: المصباح المنير (2/ 317)؛ وذيل الأضداد للصاغاني (234)، رقم (524).
(2)
انظر: هذه المسألة وما بعدها في شرح مسلم (11/ 10).
(3)
لعلها زيادة من النساخ ولا مكان لها.
(4)
ذكره في إكمال إكمال المعلم (4/ 264).
متناول لجميع أنواع الذهب والورق من جيد ورديء، وصحيح ومكسور، وحلى وتبر، وغير ذلك، وسواء الخالص والمخلوط بغيره. وهذا كله مجمع عليه كما نقله عنهم النووي في "شرح مسلم"(1).
السادس: قوله عليه الصلاة والسلام: "إلا وزناً بوزن" إلى آخره، يحتمل الجمع بينهما للتوكيد والمبالغة للإِيضاح، واقتصر عليه النووي في "شرح مسلم"(2).
وقال الشيخ تقي الدين (3): اعتبار التساوي، ويوجب أن يكون التساوي في هذا بالوزن لا بالكيل، والفقهاء قرروا أنه يجب التمائل بمعيار الشرع، فما كان موزوناً فبالوزن، وما كان مكيلاً فبالكيل، أي: وما كان معدوداً أو مذروعاً فبه.
وقال القاضي عياض: يحتمل أن تكون هذه الألفاظ تأكيداً، ويحتمل أن يزيد المثلية في الصفة والوزن في المقدار، و"سواء بسواء". راجع لهما معاً.
وقد اختلف في المراطلة عندهم: هل يشترط استواء الوزن مماثلة العين أم لا؟ (4).
(1) شرح مسلم (11/ 10).
(2)
(11/ 12).
(3)
إحكام الأحكام (4/ 112).
(4)
قال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (19/ 241، 246):
* قال أبو عمر: أما المراطلة الذي ذكر عن سعيد بن المسيب، فلا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= خلاف بين علماء المسلمين فيها، فإذا كان الذهبان متقاربين لا يدخل فيهما من غيرهما، ولا نقصان في أحد الكفتين، ولا زيادة يحتاج فيها إلى وزن أو غيره، لأن السنة المجتمع عليها أن المماثلة بالذهب والورق، والوزن، فإن كانت المراطلة ذهباً بذهب، فزادت إحداهما، فأخذ صاحب الزيادة فيها ورقاً، أو كانت المراطلة ورقاً بورق، فأخذ صاحب الزيادة فيها ذهباً، فهو موضع اختلف فيه الفقهاء:
* فمذهب مالك، وأصحابه أنه لا يجوز ذهب بفضة، وذهب، ولا ذهب وفضة بفضة على حال، ولا يجوز عندهم أن يشتري ما زاد في المراطلة من أحد الذهبين بفضة، ولا من أحد الفضتين بذهب، ولا بغير ذلك، ولا يصح عندهم مع الصرف بيع.
* وهو قول الشافعي، والليث بن سعد.
* ولا يجوز عند مالك، والليث، والشافعي بيع فضة بنوعين من الفضة، ولا بيع فضة بنوعين من الذهب، ولا يجوز عندهم بيع ألف درهم سود بألف درهم بيض، وسود، ولو كانت بيض كلها بسود كلها جاز؛ لأنه لو استحق أحد الذهبين رجع فيه إلى القيمة فيدخله التفاضل.
* وأجاز ذلك كله أبو حنيفة، وأصحابه، لأنه ذهب بذهب مثلاً بمثل، وفضة بفضة مثلاً بمثل.
* قالوا: ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك بالمماثلة دل على أن الاعتبار بها في الورق، لا في القيمة.
* وقال أبو حنيفة، وأصحابه، والأوزاعي: غرر أن يشتري عشرة دراهم، ودنانير باثني عشر درهماً.
* وروى نحوه عن الثوري.
* وروي عنه أنه قال: كان ينبغي أن يحدث الفضل بقيمتها إزاءه.
* وروي عن إبراهيم النخعي مثل قول أبي حنيفة، والأوزاعي. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= * وإنما أجازوا ذلك؛ لأنهم جعلوا من الاثني عشر درهماً عشرة دراهم بإزاء العشرة الدراهم، وجعلوا الدرهمين بإزاء الدينار، ومعلوم أن الدرهمين ليستا ثمناً للدينار فيدخله التفاضل، لا محال، والله أعلم.
* ومن حجتهم أن قالوا: جائز بيع دينار بدرهم، يداً بيد من كل مالك لنفسه، جائز الأمر في ماله، فإذا جعلنا ما زاد على المماثلة من الفضة مقابلاً موازناً للذهب جاز؛ لأنا قد بعنا العشرة درا بثلثها وزناً، وإلَاّ خرج علينا في بيع الذهب بالورق متفاضلاً مثلاً.
* وروى عبيد الله بن موسى، عن الثوري، قال: أخبرني عثمان ابن الأسود، عن مجاهد، قال: إذا وضعت ذهبك في كفة الميزان، ووضع ذهبه في الكفة الأخرى، ثم اشتريت منه كذا وكذا قيراطاً بدرهم، فلا بأس.
وروى عبد الرزاق وغيره، عن الثوري، عن عثمان ابن الأسود، عن مجاهد في الرجل يبيع الفضة بالفضة بينهما فضل قال: يأخذ فضله ذهباً.
* قال مالك، في الرجل يراطل الرجل، ويعطيه الذهب العتق الجياد، ويجعل معها تبراً ذهباً غير جيدة، ويأخذ من صاحبه ذهباً كوفية مقطعة، وتلك الكوفية مكروهة عند الناس، فيتبايعان ذلك مثلاً بمثل: إن ذلك لا يصلح.
* قال مالك: وتفسير ما كره من ذلك، أن صاحب الذهب الجياد أخذ فضل عيون ذهبه في التبر الذي طرح مع ذهبه، ولولا فضل ذهبه على ذهب صاحبه، لم يراطله صاحبه بتبره ذلك، إلى ذهبه الكوفية، فامتنع، وإنما مثل ذلك كمثل رجل أراد أن يبتاع ثلاثة أصوع من تمر عجوة، بصاعين ومد من تمر كبيس. فقيل له: هذا لا يصلح، فجعل صاعين من كبيس، وصاعاً من حشف، يريد أن يجيز، بذلك، بيعه، فذلك لا يصلح، لأنه لم يكن صاحب العجوة، ليعطيه صاعاً من العجوة بصاع من حشف، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ولكنه إنما أعطاه ذلك، لفضل الكبيس، أو أن يقول الرجل للرجل: يعني ثلاثة أصوع من البيضاء، بصاعين ونصف من حنطة شامية، فيقول: هذا لا يصلح إلَاّ مثلاً بمثل، فيجعل صاعين من حنطة شامية، وصاعاً من شعير، يريد أن يجيز بذلك البيع فيما بينهما. فهذا لا يصلح؛ لأنه لم يكن ليعطيه بصاع من شعير، صاعًا من حنطة بيضاء، لو كان ذلك الصاع مفرداً، وإنما أعطاه إياه لفضل الشامية على البيضاء، فهذا لا يصلح، وهو مثل ما وصفنا من التبر.
* قال مالك: فكل شيء من الذهب والورق والطعام كله، الذي لا ينبغي أن يباع إلَاّ مثلاً بمثل فلا ينبغي أن يجعل مع الصنف الجيد من المرغوب فيه، الشيء الرديء والمسخوط؛ لجاز البيع، وليستحل بذلك ما نهي عنه من الأمر الذي لا يصلح.
* وذكر كلاماً يرد فيه المعنى، واللفظ دون زيادة شيء غير ما تقدم إلى آخر الباب.
* وبمعنى ما رسمه مالك في هذا الباب يقول الشافعي رحمه الله.
* قال: ولو راطل مئة دينار عتق مروانية، وعشرة من ضرب مكروه، بمئة دينار وعشرة هاشمية فلا خير فيه من قبل أن قيم المروانية أكثر من قيم الهاشمية، وهذا الذهب بالذهب متفاضلاً، ولا بأس أن يراطل الدنانير الهاشمية التامة بالعتق الناقصة مثلاً بمثل في الوزن.
* ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذهب بالذهب إلَاّ مثلاً بمثل.
* قال الشافعي: ولا يجوز مد عجوة بدرهم بمدي عجزة، ولا دينار ودرهم بدينارين.
قال أبو عمر: هذا كله مذهب مالك، وأصحابه.
* وأما البصريون، والكوفيون جائز ذلك كله عندهم؛ لأن رديء التمر، =
السابع: في الحديث أحكام:
الأول: تحريم بيع جميع أنواع الذهب بعضها ببعض متفاضلاً، وكذا الفضة بالفضة.
الثاني: تحريم بيع الغائب فيها بالحاضر إذا تفرقا من غير قبض.
الثالث: اشتراط القبض في المجلس، وتقدم ما فيه، وجوّز ابن علية التفرق عند اختلاف الجنس، وهو محجوج بالأحاديث والإِجماع، ولعلها لم تبلغه (1).
والرابع: الحث على التساوي في الربويات بكل ما يمكن من الوزن والكيل، وإن قلت الزيادة، لأن لفظة الشفوف تقتضي الزيادة
= وجيده لا يجوز إلَاّ مثلاً بمثل، فكذلك رديء البر وجيده، ورديء الورق، وجيدها، ورديء الذهب وجيده، لا يجوز الرديء من ذلك كله والوسط، والجيد إلَاّ مثلاً بمثل. فإذا كانت المماثلة، ولم يكن تفاضل، ولا زيادة، فجائز حلال عندهم.
* وكذلك يجوز عندهم مد عجوة ودرهم بمدي عجوة؛ لأنَّ المد بإزاء المد الثاني بالدرهم.
* وكذلك الفضة، والفضة والذهب بالذهب على هذا المذهب الذي قدمنا ذكره عنهم، وبالله التوفيق.
(1)
قال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (20/ 41)، وشذا بن علية في ذلك أيضاً، فقال: إذا اختلف النوعان كالبر بالشعير، والبر بالزبيب، فليس بواحد بأضعاف الآخر، يداً بيد، ونسيئة قياساً لكل ما يكال على ما يوزن. اهـ.
غير المكسرة، ومنه: شفافة الإِناء، وهي البقية القليلة فيه من الماء وإن حمل الحديث على التأكيد والمبالغة، فتكون الدلالة على غير الموزون من باب أولى.
***