الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
302/ 5/ 58 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أصاب عمر أرضًا بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال يا رسول الله، إني أصبن أرضًا بخيبر، لم أصب مالًا قط هو أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ قال:"إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها"، قال: فتصدق بها، غير أنه لا يباع أصلها، ولا يورث، ولا يوهب، قال: فتصدق بها عمر في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وليها:"أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقًا، غير متمول فيه"(1).
وفي لفظ: "غير متأثل".
(1) البخاري إلى أطرافه (2313)، ومسلم (1632)، والترمذي (1375)، وأبو داود (2878)، والنسائي (6/ 230)، وفي السنن الكبرى له (4/ 93، 94)، والمسند (2/ 12، 13)، وابن ماجه (2396)، والدارقطني (4/ 194)، والبيهقي في السنن (6/ 162)، والبغوي في شرح السنة (8/ 287)، وابن أبي شيبة (5/ 109).
الكلام عليه من وجوه:
الأول: في تحرير لفظه هذا الحديث بلفظيه رواه البخاري كذلك إلَّا أنه قال: "فما تأمر به"(1) بدل "تأمرني به"، وقال:"فتصدق بها عمر أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث وتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول" وقال ابن سيرين: "غير مُتَأَثِّلٍ مالًا" ذكره في آخر كتاب الشروط. وترجم عليه الشروط في الوقف.
وذكره في إيتاء الوصايا في باب (2): ما للوصي أن يعمل في مال اليتيم وما يأكل منه بقدر عمالته. ولفظه: "أن عمر تصدق بمال له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقال له ثمغ، وكان نخلًا -فقال عمر: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني استفدت مالًا وهو عندي نفيس فأردت أن أتصدق به، فقال صلى الله عليه وسلم: تصدق بأصله، لا يباع ولا يوهب ولا يورث، ولكن ينفق ثمره، فتصدق به عمر، فصدقته تلك في سبيل الله وفي الرقاب والمساكين والضيف وابن السبيل ولذي القربى، ولا جناح على من وليه أن يأكل منه بالمعروف، أو يوكل صديقه غير متمول به"
وذكره في باب (3): الوقف كيف يكتب؟ بلفظ: أصاب عمر
(1) الفتح (5/ 354)، ح (2737).
(2)
الفتح (5/ 392)، ح (2764).
(3)
الفتح (5/ 399)، ح (2772).
بخيبر أرضًا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أصبت أرضًا لم أصب مالًا قط أنفس منه، فكيف تأمرني به؟ إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، فتصدق عمر أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث في الفقراء" إلى آخره.
وذكره في الوقف (1) للغني والفقير والضيف مختصرًا.
وكذا في باب (2): نفقة القيم للوقف.
ورواه مسلم بلفظ المصنف سواء، وقال:"فتصدق بها عمر أنه لا يباع أصلها" إلى آخره، وقال:"لا جناح"(3) بدل "ولا جناح" وهي نسخة في الكتاب أيضًا وقال: "متأثل مالًا"، ساقه البخاري أيضًا وفي لفظ له:"لم أُصب مالًا أحب إليّ ولا أنفس عندي منها".
الثاني: في ألفاظه:
الأول: معنى "أنفس" أجود والنفيس الجيد وقد نفس -بضم الفاء- نفاسة.
الثاني: قال الأزهري (4): حَبَّسْتُ الأرض: أكثرُ استعمالًا من وقفتها.
قال الشافعي رضي الله عنه: لم يحبس أهل الجاهلية فيما علمته دارًا ولا أرضًا تبررًا وإنما حبس أهل الإِسلام.
(1) الفتح (5/ 199)، ح (2773).
(2)
الفتح (5/ 406)، ح (2777).
(3)
رواية مسلم وأيضًا البخاري (5/ 406)، ح (2778).
(4)
الزاهر (171).
قلت: وأوقفت لغة رديئة (1) في وقفت وحقيقة الوقف تحبيس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه يقطع تصرف الواقف وغيره في رقبته يصرف في جهة خير تقربًا إلى الله تعالى.
(1) الوقف والتحبيس والتسبيل والتحريم والتأبيد والصدقة، بمعنى واحد. وهو لغة: الحبس عن التصرف، يقال: وقفت كذا: أي حبسته، ولا يقال: أوقفته إلَّا في لغة تميمية، وهي رديئة وعليها العامة.
ويقال: أحبس، لاحتبس عكس وقف، فالأولى فصيحة، والثانية رديئة، ومنه الموقف لحبس الناس فيه للحساب. ثم اشتهر: إطلاق كلمة الوقف على اسم المفعول وهو الموقوف، ويعبر الوقف بالحبس، وهذه الألفاظ منها الصريح وهي: وقفت وحبست وسبلت.
ومنها الكناية وهي: تصدقت، وحرمت، وأبدت.
فلا يصح الوقف بألفاظ الكناية إلَّا بالنية أو الاقتران بأحد الألفاظ الخمسة.
ويجوز الوقف بالفعل كمن يؤذن في أرض ويأذن للناس في الصلاة فيها أو يجعل أرضه مقبرة.
تعريف الوقف شرعًا:
هو حبس مال يمكن الانتفاع به، مع بقاء عينه، بقطع التصرف في رقبته وغيره، على مصرف مباح موجود -أو بصرف ريعه على جهة بر وخير- تقربًا إلى الله تعالى. هذا عند الشافعية والحنابلة.
أما عند الحنفية: هو حبس العين على حكم ملك الواقف، والتصدق بالمنفعة على جهة الخير.
أما عند المالكية: هو جعل المالك منفعة مملوكة، ولو كان مملوكًا بأجرة، أو جعل غلته كدراهم، لمستحق، بصيغة، مدة ما يراه المحبس. اهـ. من الفقه الإِسلامي (8/ 153 - 155).
الثالث: قوله: "وتصدقت بها" فيه احتمالان أبداهما الشيخ تقي الدين:
الأول: أن يكون راجعًا إلى الأصل المحبس. وهو ظاهر اللفظ، ويتعلق بذلك ما تكلم به الفقهاء من ألفاظ التحبيس، الذي منها:"الصدقة"(1) ومن قال منهم بأنه لابد من لفظ يقترن بها، ويدل على معنى الوقف والتحبيس، كالتحبيس في الحديث، وكقولنا "مؤبدة""محرمة" أو "لا تباع ولا توهب".
الثاني: أن يكون قوله: "وتصدقت بها" راجعًا إلى الثمرة (2) على حذف المضاف -أي: وتصدقت بثمرتها أو ريعها- ويبقى لفظ: "الصدقة" على إطلاقه (3). وبه جزم القرطبي (4).
الرابع: قوله: "فتصدق فيها" إلى آخره هو محمول -عند
(1) قال الصنعاني [في الحاشية (4/ 133)، قوله:"التي منها الصدقة" قالوا الألفاظ في هذ الباب ستة -وقد مرت- قالوا: وأصلها الصدقة إلَّا أنها اشتركت بينه وبين غيره تأخرت عن رتبة الصريح وصار أعلى المراتب لفظ الوقف وللشافعية وغيرهم تفاصيل في صريح الوقف وكناياته. اهـ.
(2)
قال الصنعاني -رحمنا الله وإياه- في الحاشية (4/ 134)، قوله:"راجعًا إلى الثمرة" لعل هذا يتعين لأنه صلى الله عليه وسلم قال: "حبست أصلها" فدل على أن المراد بالوقفية الرقبة فعين بقوله: "تصدقت" عن تصرف غلتها يكون تأسيسًا وبيانًا لحكم الغلة، وعلى الأول يكون تأكيدًا، والتأسيس خير من التأكيد. اهـ.
(3)
وقال أيضًا: "ويبقى على إطلاقه" غير مراد به التحبيس. اهـ.
(4)
المفهم (4/ 602).
الشافعي- وجماعة على أن ذلك حكم شرعي ثابت للوقف، من حيث -هو وقف (1)، ويحتمل- كما قال الشيخ تقي الدين (2): أن يكون ذلك إرشادًا إلى شرط هذا الأمر في هذا الوقف، فيكون ثبوته بالشرط، لا بالشرع (3).
الخامس: المصارف المذكورة مصارف خير وقربة، وهي جهة الأوقاف فلا يوقف على ما ليس بقربة من الجهات العامة.
واختلف أصحابنا فيما إذا وقف على جهة لا يظهر فيها القربة كالأغنياء.
والأصح: عندهم الصحة، كما هو مقرر في الفروع مع ما فيه من البحث.
السادس: المراد بالقربى هنا قربى عمر رضي الله عنه ظاهرًا ويحتمل على بعد أن المراد بها من ذكر في الآية.
وبالفقراء: ما هو المقرر في الزكاة.
وبالرقاب: ما هو مقرر أيضًا فيها، وهو أما الكتابة كما ذهب إليه الشافعي. وإما العتق، كما ذهب إليه مالك.
(1) وقال أيضًا: قوله: "ثابت للوقف من حيث هو وقف"، هذا هو الظاهر وأنه صفة كاشفة، فإنه صلى الله عليه وسلم، قال:"تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث"، كما قدمنا فالأظهر ما قاله الشافعي.
(2)
إحكام الأحكام (4/ 134).
(3)
وقال أيضًا قوله: "بالشرط لا بالشرع" لا فائدة للخلاف، لأنه قد أمر الشارع بالشرط، فهو كما لو كان صفة كاشفة، إلَّا أن يقال على تقدير الصفة أنه إذا قال: وقفت اتصف بأنه لا يباع الخ. . . . بخلاف ما إذا شرطا فإنه لابد من النطق به. اهـ.
وقال الزهري: إن سهم الرقاب يقسم بينهما، قال ابن حبيب: ويفدي منه الأساري وخالفه غيره. ولابد أن يكون معناها معلومًا عند إطلاق هذا اللفظ وإلَّا فإن المصرف مجهولًا بالنسبة إليها.
والمراد بسبيل الله: الجهاد عند الأكثرين، ومنهم من عداه إلى الحج.
وبابن السبيل: المسافر سمي بذلك لملازمته السبيل، والقرينة تقضي اشتراط حاجته.
وبالضيف: من نزل بقوم. والمراد: قراه ولا تقتضي القرينة تخصيصه بالفقر.
وبالصديق: صديق الوالي عليها والعامل فيها، ويحتمل صديقًا للمحبس وفيه بعد كما قاله القرطبي.
السابع: قوله: "غير متأثل"، أي: متخذ أصل مال وجامعه يقال: تأثلت المال اتخذته أصلًا قال الشاعر:
ولكنما أسعى لمجد مؤثل
…
وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي
أي: المجد القديم المؤصَّل.
(1)
الوجه الثالث: قد أسلفنا في رواية البخاري (2) أن اسم هذه
(1) نهاية السقط والذي ابتدىء عند قول المصنف -رحمنا الله وإياه- في الحديث السادس من أحاديث البيوع "أذابوه: جملوه" من الجزء السابع باب العرايا وغير ذلك.
(2)
الفتح (2764).
الأرض التي وقفها عمر "ثمغ" وهي بفتح الثاء المثلثة ثم ميم ساكنة كما قيده النووي في "شرح مسلم"(1).
وفي المفهم (2) للقرطبي: ضبط الكاتب -فتحها- أيضًا، ثم غين معجمة وفيه أنه كان نخلًا (3)، وكذا هو في "صحيح ابن حبان"(4) أيضًا و"سنن الدارقطني" والبيهقي.
وفي رواية للنسائي (5) إنها مائة سهم بخيبر، وأنه عليه الصلاة والسلام قال له:"احبس أصلها ، وسبل ثمرتها" وهذه الرواية ترجح أحد الاحتمالين السالفين في قوله: "وتصدقت بها" وفي رواية له (6): "إنه اشتراها بمائة رأس كانت له".
وقيل: إنها أول صدقة تصدق بها في الإسلام. حكاه الماوردي (7) من الشافعية.
(1) شرح مسلم (11/ 86)، قال في معجم البلدان لياقوت (2/ 84)، ثَمْغٌ بالفتح ثم السكون، والغين المعجمة: موضع مالٍ لعمر بن الخطاب رضي الله عنه. اهـ. المقصود منه، قال أبو عبيد البكري: هي أرض تلقاء المدينة. اهـ.
(2)
(4/ 599).
(3)
انظر: البيهقي (6/ 159).
(4)
ابن حبان (4899)، والبيهقي (6/ 159)، والدارقطني (4/ 186، 187)، وأحمد (2/ 114)، والنسائي (6/ 232).
(5)
النسائي (6/ 232)، وابن ماجه (2397)، والبيهقي (6/ 162).
(6)
النسائي (6/ 232)، ومعنى هذا.
(7)
مسند الإِمام أحمد (2/ 155)، والأوائل لابن أبي عاصم (83)، والأوائل للطبري (59).
وقيل: وقّف صلى الله عليه وسلم أموال مخيريق التي أوصى بها له، وقاتل معه، وهو يهودي مات في السنة الثالثة من الهجرة (1).
وفي كتاب "الوقف" للخبازي (2) الحنفي: شيء كثير من ذلك أكثره عن الواقدي.
الرابع في أحكامه:
[الأول](3): صحة أصل الوقف وهو إجماع وما يروى عن بعض الأئمة (4) فيه ردوه إلى أن الوقف بمجرده لا يلزم، وقد خالفه أبو يوسف لما بلغه الحديث ووافقه محمَّد، لكنه يقول من شرط لزومه القبض.
وكان إسماعيل بن اليسع (5)[في مصر](6) قاضيًا يرى فيه بالرأي المروى عن بعض الأئمة، فأرسل الليث إلى هارون الرشيد إنا لم ننقم عليه دينارًا ولا درهمًا، ولكن أحكامًا لا نعرفها يعني قوله:
(1) انظر: تاريخ المدينة لابن شبة (1/ 169)، والسيرة النبوية لابن هشام (2/ 140)، (3/ 38)، والإصابة لابن حجر (6/ 57)، وطبقات ابن سعد (1/ 503، 503)، تركة النبي صلى الله عليه وسلم والسبل التي وجهها فيها (78).
(2)
هو عمر بن محمَّد جلال الدين مات لخمس بقين من ذي الحجة، سنة إحدى وتسعين وستمائة في عشر السبعين. ترجمته في طبقات الفقهاء لطاش كبرى (122)، تاج التراجم (220).
(3)
ساقطة من ن هـ.
(4)
انظر: الفقه الإِسلامي (8/ 153، 156).
(5)
انظر: كتاب الولاة وكتاب القضاة تأليف أبي عمر محمَّد بن يوسف الكندي (271)، مع اختلاف يسير.
(6)
في ن هـ ساقطة.
بعدم صحته، فأرسل هارون كتابًا فعزله ولا شك في شهرة الوقف على جهة القربات، وتداوله خلفًا عن سلف.
وحديث: "لا حبس بعد سورة النساء"(1) وهو بفتح الحاء لا بضمها.
والمراد به: حبس الزانية بالبيوت [لا هذا](2).
الثاني: التقرب إلى الله تعالى بأنفس الأموال وأطيبها وعليه عمل أكابر الصالحين سلفًا وخلفًا كعمر وغيره قال الله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} ، وحديث أبي طلحة في بيرحا شهير في ذلك في الصحيح (3).
(1) البيهقي (6/ 162)، والسنن والمعرفة (9/ 12293)، والطبراني في الكبير (11/ 365)، والدارقطني (4/ 66، 68)، والعقيلي (3/ 397)، وذكره في مجمع الزوائد (7/ 2)، قال الدارقطني:"لم يسنده غير ابن لهيعة عن أخيه، وهما ضعيفان"، وقال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وهو ضعيف. وضعفه الألباني في الضعيفة (273).
قال ابن الأثير في بالنهاية (1/ 329)، أراد أنه لا يوقف مال ولا يزري عن وارثه، وكأنه أشارة إلى ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من حبس مال الميت ونسائه، كانوا إذا كرهوا النساء لقبح أو قلة مال حَبَسُوهنّ عن الأزواج، لأن أولياء الميت كانوا أولى بهنّ عندهم، والحاء في قوله:"لاحُبس" يجوز أن تكون مضمومة ومفتوحة على الاسم المصدر. اهـ.
(2)
في ن هـ (لأن هذا).
(3)
البخاري (1461)، ومسلم (998)، وأحمد (3/ 141)، والموطأ (2/ 995، 996)، والبغوي في السنة (1683)، وفي التفسير (1/ 325).
الثالث: أن خيبر فتحت عنوة، وأن الغانمين ملكوها واقتسموها واستقرت أملاكهم على حصصهم ونفذ تصرفاتهم فيها وسيأتي الخلاف في ذلك الباب (1).
الرابع: استشارة الأكابر وأخذ رأيهم، والائتمار بأمرهم فيما يعرض للشخص من المقاصد الصالحة، وذكر ذلك ليس من باب إظهار العمل للرياء والسمعة، وقد أرشده عليه الصلاة والسلام إلى الأصلح في الصدقة، وهو التحبيس من حيث أنه صدقة جارية في الحياة وبعد الموت.
الخامس: أن التحبيس صريح في الوقف [وفيه وجه آخر للشافعية (2) [أنه كناية] لأنه لم تشتهر اشتهار الوقف] (3) وأن لفظة الصدقة لابد فيها من قرينة دالة على الوقف، والأصح عند الشافعية أن قوله: تصدقت. فقط ليس بصريح، وإن نوى إلَّا أن يضيفه إلى جهة عامة أو يقول: تصدقت. بكذا صدقة محرمة، أو موقوفة، أو لا تباع ولا توهب (4).
السادس: أن أصل الوقف ينتقل إلى الله تعالى قربة بحيث يمتنع بيعه وإرثه وهبته، إذا كان في الصحة وجواز التصدق.
(1) في ن هـ زيادة: قال الأصمعي سمعت إعرابيًا يقول إذا استخار العبد ربه، واستشار نصيحه، واجتهد رأيه، فقد قضى لنفسه ما عليها ويفعل الله تعالى من أمره ما أحب. انظر: ص 478.
(2)
زيادة يقتضيها السياق من مغني المحتاج (2/ 382).
(3)
في ن هـ ساقطة.
(4)
انظر: مغني المحتاج (2/ 381)، والمهذب (1/ 442).
السابع: أنه لا يناقل به أيضًا لأنه بيع.
ونقل الجوري -بضم الجيم- من الشافعية عن أبي يوسف وغيره أنه لو اشترط أن له بيع الوقف إذا عطب أو خرب أو تعطلت منافعه أو إن يصرف ثمنه في أرض غيره، فيكون موقوفًا على ما سمى في وقفه الأول، أو شرط البيع إذا رأى الحظ في نقله إلى موضع آخر إن جميع ذلك جائز. قال: وهو قوي بدليل أن المراد من الوقف وقف الأصل عن البيع والإتلاف، فإذا آل إلى الخراب، وعطب لم يكن لاحتباسه وجه، فكان كمن حبس فرسًا في سبيل الله، فهرم حتى لا يبقى فيه موضع للركوب، فيستبدل به وكعبد قطعت يده أو رجله أو عمى وكإجذاع دار موقوفة إذا انكسرت، وشجر تحطم، فلابد من استبداله، فإذا جاز بيع ذلك والاستبدال به بلا شرط لأنه بيعه أحظ للوقف فكذا بيعه بالشرط أجوز وهذا الذي قواه غريب عند الشافعية، وما اشتهر عن أبي [يوسف](1) من الاستبدال بالوقف إذا كان فيه الحظ رواية منكرة.
ومذهب أحمد (2) أنه لا تجوز المناقلة به كما حكاه أبو داود والأثرم عنه، وكذا هو في كتب أصحابه ما لم يتعطل الوقف، فإذا تعطل وخرب بيع عندهم.
ونقل الجوري أيضًا -بضم الجيم- عن ابن مسعود أن عمر
(1) في ن هـ أبي حنيفة.
(2)
المغني (8/ 223).
أمر بنقل مسجد (1) وعزاه إلى المسعودي وهو ثقة إلَّا أنه تغير بأخره. ورواه القاسم مرسل.
الثامن: أن الوقف مخالف لسوائب الجاهلية من حيث أن المقصود منه التبرر، فلو قصد به مضارة أحد أو منع حق لا يثاب باطنًا.
التاسع: صحة شرط الواقف المطابق للكتاب والسنَّة واتباعه.
العاشر: فضيلة الوقف على من ذكر من الأصناف وما شاكله من الأمور العامة.
الحادي عشر: جواز الوقف على الأغنياء من حيث أن بعض المذكورين في الحديث غير مقيد بالفقر، بل مطلق كذوي القربى والضيف، وهو الأصح عند أصحابنا كما سلف.
الثاني عشر: المسامحة في بعض الشروط حيث علق الأكل على المعروف وهو غير منضبط.
الثالث عشر: تحريم أخذ العمال وغيرهم ممن يليها أكثر مما يستحقه شرعًا، ويأخذ على القيام بمصالح الوقف بالمعروف والتقدير فيه إلى الحاكم.
(1) المغني (8/ 221)، وحاشية الروض المربع (5/ 564)، واختيار شيخ الإِسلام ابن تيمية -رحمنا الله وإياه- في الفتاوى: يجوز بيع الوقف أو المناقلة لنقص أو رجحان مغلة. واختار هو وتلميذه جواز المناقلة به للمصلحة بشرط أن يكون صادرًا لمن له الولاية على الوقف، من جهة الوقف، أو من جهة الحاكم. انظر: الفتاوى (31/ 92، 93، 213، 225، 238، 252)، والاختيارات للبعلي (295، 313).
الرابع عشر: جواز أكل الضيفان منها بالمعروف، وهو أن لا يتعطل مقصود شرط الواقف.
الخامس عشر: كراهة التكثر والتأثل من مال الأوقاف، بل يأكل ما يعتاد شرعًا من غير تجاوز.
[السادس عشر](1): فضيلة صلة الأرحام وغيرهم من المحتاجين والوقف عليهم، فإن المراد بالقربى هنا قربى عمر كما سلف.
السابع عشر: فيه فضيلة ومنقبة ظاهره لعمر رضي الله عنه.
الثامن عشر: فيه قبول ما أشير به عليه والمبادرة إليه.
التاسع عشر: المبادرة إلى فعل الخير المتعدى.
العشرون: وفيه أيضًا جواز ذكر الوالد باسمه من غير كنية وقد تقدم [سره](2) في الوجه الرابع عشر في الكلام على الحديث الخامس من كتاب الزكاة (3).
الحادي والعشرون: فيه أيضًا جواز وقف المشاع، لأن هذه المائة سهم من حيث كانت مشاعة، كما رده الشافعي ولا يسرى إلى الباقي، لأنها من خواص العتق [ولم ينقل](4) أن الوقف سرى من
(1) تصحيح الأوجه من ن هـ.
(2)
في هـ (ذكره).
(3)
(5/ 86) من هذا الكتاب المبارك.
(4)
في ن هـ ساقطة.
حصة عمر إلى غيرها من باقي الأرض ولا خلاف عندنا في هذا، وفي "شرح هذا الكتاب للصعبي": أن بعض متأخري الشافعية حكى السراية وربما حكم به بعض متأخري زمنه واختاره ثم قال: وهذا ليس بمشهور وهو كما قاله، قال: ويجمع بين هذا وبين تسمية الأرض بثمغ فإن الظاهر أنها قد أفرزت، فإنها كانت مشاعة أولًا ثم أفرزت بعد الوقف، ولا [يخفى](1) هذا الجمع من نظر.
وقال القرطبي في "مفهمه"(2): هذه الأرض صارت له بالقسمة، فإنه عليه الصلاة والسلام قسم أرض خيبر لما افتتحها عنوة، ورواية النسائي أنه اشتراها بمائة، وليس له مخالف.
الثاني والعشرون: روى الدارقطني أنه عليه الصلاة والسلام قال له: "احبس أصلها" واجعل ثمرها صدقة، قال فكتب" إلى آخره، كذا ذكره بفاء التعقيب، وهو دال على أن الوقف كان حينئذٍ، لا كما ادعاه بعضهم أنه وقف في المرض مضافًا إلى ما بعد الموت وأنه عليه الصلاة والسلام أشار به.
الثالث والعشرون: فيه أن من وقف وقفًا ولم يعين له ناظرًا يجوز، لأنه قال: لا جناح على من وليها، أن يأكل منها بالمعروف. ولم يعين أحدًا.
الرابع والعشرون: فيه أيضًا أن الواقف إذا صار بصفة الموقوف عليه ينتفع بالوقف، لأنه أباح لمن وليه، وقد يليه الواقف، وقد قال
(1) هكذا ولعله (يخلو).
(2)
المفهم (4/ 599).
- عليه الصلاة والسلام للذي أهدى البدنة "اركبها".
الخامس والعشرون: استدل أحمد بقوله: "لا جناح على من وليها بالمعروف" على أنه إذا شرط لنفسه عند الوقف نفعه مدة حياته صح لأن عمر هو الذي وليها، وخالفه مالك وغيره، لأنه في معنى الواقف على نفسه، وهو لم يرد نفسه وإنما ذكر صفة عامة فإذا اتصف بها دخل.