الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس
303/ 6/ 58 - عن عمر رضي الله عنه قال: (حملت على فرس في سبيل الله؛ فأضاعَهُ الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه، فظننت أنه يبيعه برخص. فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تشتره ولا تعد في صدقتك، وإن أعطاكه بدرهم، فإن العائد في هبته كالعائد في قيئه").
وفي لفظ: "فإن الذي يعود في صدقته، كالكلب يعود في قيئه"(1).
والكلام عليه من وجوه:
الأول: هذا الحديث ترجم [البخاري عليه](2) على حديث ابن عباس الآتي باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته. ثم
(1) البخاري أطرافه (1490)، ومسلم (1621)، وأبو داود (1593)، في الزكاة: باب الرجل يبتاع صدقته، والبغوي (1699)، وأحمد (2/ 55، 7، 34)، وعبد الرزاق (16572)، والترمذي (668)، والنسائي (5/ 109)، والبيهقي (4/ 151)، والحميدي (15)، ومالك (1/ 282)، وابن ماجه (2390).
(2)
في هـ (عليه البخاري).
ذكره (1) بلفظ: "بائعه" بدل: "يبيعه"، والباقي مثله. إلا أنه لم يذكر:"ولا تعد في صدقتك"، وقال:"في صدقته" بدل في: "هبته". [وقال](2): بعد قوله: "بدرهم واحد".
ثم ترجم (3) عليه بعد ذلك. إذا حمل رجلًا على فرس فهو كالعُمرى والصدقة.
وقال بعض الناس: له أن يرجع فيها، وذكره مختصرًا بلفظ:(حملت على فرس في سبيل الله، فرأيته يباع، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تشتره ولا تعد في صدقتك").
وذكره في الجهاد (4)، باب: الجعائل والحملان في [سبيل الله] بنحوه.
وذكره في باب (5): إذا حمل على فرس فرآها تباع، كذلك وفي لفظ:"لا تشتره وإن بدرهم، فإن العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه".
وفي بعض طرق البخاري (6) أن عمر حمل على فرس له في
(1) البخاري الفتح (5/ 235)، ح (2623).
(2)
لعلها وقاله أي جملة: فإن العائد في هبته. . . . الحديث.
(3)
البخاري الفتح (5/ 246)، ح (2636).
(4)
البخاري الفتح (6/ 123)، ح (2970). ما بين القوسين في الفتح (السبيل).
(5)
البخاري الفتح (6/ 139)، ح (3003). ما بين القوسين في المخطوط (كان)، وما أثبت من الفتح.
(6)
البخاري الفتح (5/ 405)، ح (2775)، من رواية ابن عمر.
سبيل الله، أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم له فحمل عليها رجلًا. . . . الحديث.
ورواه مسلم بألفاظ، منها:(حملت على فرس عتيق في سبيل الله، فأضاعه صاحبه، فظننت أنه بائعه برخص، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "لا تبتعه، ولا تعد في صدقتك، فإن العائد في صدقته: كالكلب يعود في قيئه").
ومنها: "لا تبتعه [ولا تعد في صدقتك] "(1).
ومنها: أنه حمل على فرس في سبيل الله، فوجده عند صاحبه، وقد أضاعه، وكان قليل المال، فأراد أن يشتريه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال:"لا تشتره وإن أُعطيته بدرهم، فإن مثل العائد في صدقته: كمثل الكلب يعود في قيئه".
وفي رواية للشافعي في "سننه"(2): "لا تشتره، ولا شيئًا من نتاجه".
ورواه المزني عن الشافعي بلفظ: "دعها حتى يوافيك وأولادها جميعًا".
الثاني: اسم هذا الفرس "الورد"(3) أهداه لرسول الله صلى الله عليه وسلم تميم الداري، فأعطاه عمر، ذكره ابن سعد، وقد أسلفنا عن إحدى روايات البخاري أنه عليه الصلاة والسلام أعطاه عمر ليحمل عليه، فحمل عليها رجلًا.
(1) هكذا اللفظ في مسلم وأما في الأصل فهي: وإن أعطاكه بدرهم.
(2)
السنن المأثورة للشافعي (331)، ح (381).
(3)
طبقات ابن سعد (1/ 490).
الثالث: أن (1) هذا الحمل حمل تمليك، ليجاهد عليه، لا حبسًا عليه وإن كان محتملًا لكنه مرجوح، لأن الذي أعطيه أراد بيعه، ولم ينكر عليه ذلك، ولو كان حبسًا لم يبع، إلا أن يحمل على أنه انتهى إلى حالة عدم الانتفاع به فيما حبس عليه، وليس في اللفظ ما يشعر به، ولو ثبت أنه حمل تحبيس لكان في ذلك متعلق في مسألة وقف الحيوان، ويدل على أنه حمل تمليك، قوله عليه الصلاة والسلام:"ولا تعد في صدقتك"، وقوله:"فإن العائد في صدقته"، وفي لفظ:"في هبته كالكلب، يعود في قيئه"، ولو كان حبسًا لعلله به، دون الهبة ونحوها.
الرابع: معنى "أضاعه" لم يحسن القيام عليه وقصّر في مؤنته، ويحتمل أن يكون أضاعه بكونه استعمله في غير ما جعل له.
الخامس: سمي شراءه برخص عودًا في الصدقة من حيث الغرض فيها ثواب الآخرة، فإذا اشتراها برخص فكأنه اختار عوض الدنيا على الآخرة، مع أن العادة تقتضي بيع مثل ذلك برخص لغير المتصدق، فكيف بالمتصدق أو المملك بسبب تقدم إحسانه بذلك، فيصير راجعًا في ذلك المقدار الذي سومح فيه (2).
السادس: قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تشتره ولا تعد في صدقتك حمل هذا النهي أكثر العلماء على التنزيه، وحمله بعضهم. على التحريم. قال القرطبي: وهو الظاهر من سياق الحديث.
(1) انظر: إحكام الأحكام (4/ 136).
(2)
انظر: إحكام الأحكام (4/ 136)، باختلاف يسير.
السابع: قوله عليه الصلاة والسلام: "أعطاكه بدرهم" هو مبالغة في رِخِصِه الحامل على شراه، وفي البخاري كما أسلفناه:"بدرهم واحد"، فلا تضيع الثواب العظيم بشيء من الحقير: قل أو كثر.
الثامن: ذكر عليه الصلاة والسلام الكلب وعوده في القيء ليكون ذلك مبالغة في التنفير في العود في الهبة والصدقة، ولا شك في شدة كراهة ذلك، وهي من وجهين:
الأول: وقوع تشبيه الراجع بالكلب.
والثاني: وقوع تشبيه المرجوع فيه بالقيء (1)، وكل منهما قذر محرم، و"القيء" مهموز. والعامة تثقله (2)[ولا تهمزه].
(3)
[التاسع]: في أحكام الحديث:
الأول: الإِعانة على الغزو بكل شيء حتى بتمليك فرس.
الثاني: إن أخذه يملكه.
الثالث: أن لأخذه بيعه والانتفاع بثمنه.
الرابع: منع من تصدق بشيء أو أخرجه في كفارة أو نذر، ونحو ذلك من القربات أن يشتريه ممن تصدق به عليه أو يتهبه أو يتملكه باختيار منه، فلو ورثه منه فلا منع منه ولا كراهة فيه،
(1) انظر: إحكام الأحكام (4/ 137).
(2)
انظر: إصلاح غلط المحدثين (32)، وما بين القوسين زيادة منه.
(3)
في الأصل (الثامن)، وما أثبت من هـ.
وأبعد من قال يجب عليه أن يتصدق به (1).
(1) قال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (9/ 328)، كره مالك، والليث، والحسن بن حَيّ والشافعي شراء الصدقة لمن تصدق بها.
* فإن اشترى أحد صدقته لم يفسخوا العقد ولم يردوا البيع ورأوا له التنزه عنها.
* وكذلك قولهم في شراء الإنسان ما يخرجه كفارة اليمين مثل الصدقة سواء، وإنما كرهوا شراءها لهذا الحديث ولم يفسخوا البيع لأنها راجعة إليه بغير ذلك المعنى.
* وقد بدأ ذلك في قصة هدية بريرة بما تصدق بها عليها من اللحم.
* وقال أهل الظاهر: يفسخ البيع في مثل هذا، لأنه طابق النهي ففسر بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تشتره ولا تعد في صدقتك".
* ولم يختلفوا أنه من تصدق بصدقة ثم رزقها أنها حلال له.
* رواه بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قد وجب أجرك، ورجعت إليك بالميراث"، -مسلم (1149)، وأبو داود (1656)، وابن ماجة (1759)، والترمذي (667) -.
* ويحتمل حديث هذا الباب أن يكون على وجه التنزه للرواية أن بيع الصدقة قبل إخراجها أو تكون موقوفًا على التطوع في التنزه عن شرائها.
* وقال أبو جعفر الطحاوي: المصير إلى حديث عمر في الفرس أولى من قول من أباح شراء صدقته.
* قال أبو عمر: استدل من أجاز للمتصدق له بعد قبض المتصدق عليه له على أن نهيه عن شرائه على التنزه لا على التحريم بقوله صلى الله عليه وسلم في الخمسة الذين تحل الصدقة: "أو رجل اشتراها بماله" فلم يخص المعطي من غير المعطي وغير ذلك على العموم.
* وقال في هذا الحديث أيضًا: "أو مسكين تُصدق عليه فأهداها المسكين للغني" وهذا في معنى قصة بريدة، وسنوضحه في موضعه إن شاء الله. =
وكذا لو انتقل إلى ثالث ثم اشتراه منه المتصدق، ولا كراهة. وهذا مذهب الشافعي والجمهور أن المنع للتنزيه.
وقال جماعة: للتحريم، قال صاحب "الإِكمال"(1) وهو ظاهر الموازية.
الخامس: تحريم الرجوع في الهبة والصدقة، وإنما يحرم بعد الإِقباض فيها، والحديث عام في كل هبة، وبه قال طاوس وأحمد، كما حكاه عنهما القرطبي (2)، وحكى غيره عن أحمد موافقتنا، وهو أنه خص بجواز رجوع هبة الوالد لولده، وإن سفل لحديث النعمان بن بشير الآتي بحديث ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده، ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل حتى إذا شبع قاء، ثم عاد فيه"(3). رواه أصحاب السنن الأربعة، وصححه الترمذي
= * وأما ما يوجبه تهذيب الآثار في ذلك عندي فللقول بأنه لا يجوز شراء ما تصدق به؛ لأن الخصوص قاضٍ على العموم لأنه مستبق منه، ألا ترى أنه قد جاء في حديث واحد، يعني:"إلَّا لمن اشتراها بماله" بما لم يكن هذا المتصرف لم يكن كلامًا متدافعًا ولا معارضًا، مجمل الحديثين عندي على هذا استعمال لهما دون رد أحدهما بالآخر وبالله التوفيق. اهـ.
(1)
إما تأليف "الجيلي" سليمان بن مظفر أو تأليف محمَّد بن عبد الرحمن الحضرمي واسمه "الإِكمال لما في التنبيه من الإشكال" والأول أرجح.
(2)
المفهم (4/ 583)، انظر: الاستذكار (22/ 308، 309).
(3)
أبو داود (3539)، في البيوع والإجارات، باب: الرجوع في الهبة، =
وابن حبان والحاكم وغيرهم. ولا رجوع في هبة الأخوة والأعمام من ذوي الأرحام؛ وكل هذا ذهب مالك والأوزاعي أيضًا (1).
وقال أبو حنيفة (2) وآخرون: يرجع كل واهب في هبة الأجنبي إلَّا الوالد، وكل ذي رحم محرم.
واعتذروا عن هذا الحديث: بأن رجوع الكلب في قيئه
= والترمذي (1299)، والنسائي (6/ 267، 268)، وابن ماجه (2377)، والبيهقي (6/ 179)، والدارقطني (4/ 42، 43)، وابن الجارود (994)، وأحمد (2/ 27)، والحاكم (2/ 46)، وصححه ووافقه الذهبي، وابن حبان (5123).
(1)
الاستذكار (22/ 308).
(2)
الاستذكار (22/ 313، 314)، وانظر: شرح مسلم (11/ 65).
فائدة: قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (5/ 337)، وقد استشكل ذكر عمر مع ما فيه من إذاعة عمل البر وكتمانه أرجح.
أجيب: بأنه تعارض عنده المصلحتان -الكتمان وتبليغ الحكم الشرعي- فرجح الثاني فعمل به.
وتعقب: بأنه كان يمكنه أن يقول: حمل رجل على فرس مثلًا، ولا يقول: حملت فيجمع بين المصلحتين والظاهر أن محل رجحان الكتمان إنما هو قبل الفعل وعنده، وأما بعد وقوعه فلعل الذي أعطيه أذاع ذلك فانتفى الكتمان، ويضاف إليه أن في إضافة ذلك إلى نفسه تأكيدًا لصحة الحكم المذكور، لأن الذي تقع له القصة أجدر بضبطها ممن ليس عنده إلَّا وقوعها بحضوره، فلما أمن ما يخشى من الإعلان بالقصد صرح بإضافة الحكم إلى نفسه، ويحتمل أن يكون محل ترجيح الكتمان لمن يخشى على نفسه من الإعلان بالعجب والرياء، أما من أمن لك كعمر فلا. اهـ.
لا يوصف بالحرمة، لأنه غير مكلف، والتشبيه وقع بأمر مكروه في الطبيعة، لتثبت به الكراهة في الشريعة، وفيه نظر.
واتفقوا: على كراهة الرجوع مطلقًا تنزيهًا لا تحريمًا.
وعن مالك: أنه إن رغب راغب في مواصلة الولد بسبب المال الموهوب لم يكن له الرجوع.