المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني 274/ 2/ 53 - عن أبي هريرة رضي الله - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٧

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني 274/ 2/ 53 - عن أبي هريرة رضي الله

‌الحديث الثاني

274/ 2/ 53 - عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تلقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد، ولا تُصِرُّوا الغنم، ومن ابتاعها فهو بخير النظرين، بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر"(1).

وفي لفظ: "فهو بالخيار ثلاثاً"(2).

الكلام عليه من وجوه:

الأول: أصل "لا تلقوا" لا تتلقوا، فحذفت إحدى التائين تخفيفاً، وشرط الحذف مثل هذا تجانس الحركتين.

الثاني: الركبان: جمع راكب وهم راكبوا الإِبل في السفر، العشرة فما فوقها، قاله ابن السكيت وغيره، والجمع اركب، والركبة

(1) البخاري أطرافه (2140)، ومسلم (1520)، وأبو داود في البيوع (3438) باب: في النهي عن النجش، والترمذي (1222)، والنسائي (7/ 71)، وابن ماجه (2174)، والبيهقي في المعرفة (8/ 159، 160)، والموطأ (2/ 683).

(2)

مسلم (1524)(24، 25).

ص: 31

-بالتحريك- أقل من الركب، والاركوب -بالضم- أكثر من الركب، والركبان: الجماعة منهم، وقال بعضهم: يطلق على ركبان الدواب، والمراد هنا القادمون من السفر وإن كانوا مشاة.

فائدة: الفارس راكب الفرس، كما يقال لراكب البعير راكب، واختلف أهل اللغة: في راكب الحمار هل يقال له فارس على حمار؟ أو لا يقال إلَاّ حمار (1).

الثالث: صورة التلقي أن يتلقى طائفة يحملون متاعاً فيشتريه منهم قبل قدومهم البلد ومعرفتهم بالسعر، وهو من البيوع المنهي عنها للتحريم.

قال الجمهور: وهذا النهي لمراعاة أهل البادية.

وقيل: لمراعاة أهل البلد خشية أن يحبسه المشتري فيضيق بالحال عنهم.

ثم اعلم أن إمام الحرمين والغزالي: ذكرا في صورة المسألة أن يكذب في سعر البلد ويشتري منهم بأقل من ثمن المثل.

وذكر صاحب "التنبيه" فيها أن يخبرهم بكساد ما معهم ليغبنهم، وكذا قال المتولى، قال: أو يخبرهم بكثرة المؤنة عليهم في الدخول. ولم يتعرض الرافعي والنووي لشيء من ذلك.

فرع: لو لم يقصد التلقي بل خرج لشغل آخر فرآهم فاشترى منهم فخلاف عند الشافعية والمالكية، وجهٌ عدم العصيان عند التلقي.

(1) انظر: مختار الصحاح مادة (ف، ر، س).

ص: 32

ووجهٌ مقابله وهو الأصح عند الأكثرين من الشافعية شمول المعنى فعلى الأول لا خيار لهم، وإن كانوا مغبونين.

وقيل: إن أخبروا بالسعر كاذباً فلهم الخيار.

فرع: لو تلقاهم فباعهم ما يقصدون شراءه فهل هو كالمتلقي للشراء؟ فيه وجهان للشافعية: ولم يرجحوا شيئاً منهما فيما علمت.

فرع: شرط تحريم التلقي أن يكون المتلقى عالماً بالتحريم، فإن لم يعلمه فلا إثم، اللهم إلَاّ أن يمكنه التعلم فينبغي تأثيمه فيما يظهر.

تنبيهات:

قد يلوح من الحديث إثبات الخيار للمغبون لأجل الغبن.

أحدها: خالف أبو حنيفة في هذا فلم يأخذ بهذا الحديث كما نقله القاضي عياض (1) عنه، وأجاز التلقي إلَاّ أن يضر بالناس فكرهه (2).

وقال الأوزاعي (3): مثله.

(1) ذكره في إكمال إكمال المعلم (4/ 179).

(2)

قال أبو عمر بن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (21/ 74): قال أبو حنيفة وأصحابه: إذا كان التلقي في أرض لا يضر بأهلها، فلا بأس به، وإن كان يضر بأهلها فهو مكروه. اهـ.

(3)

وقال أيضاً في الاستذكار (21/ 74): وقال الأوزاعي: إذا كان الناس من ذلك شباعاً، فلا بأس به، وإن كانوا محتاجين، فلا يقربوا السلع حتى يُهبط بها إلى الأسواق. =

ص: 33

واختلف فيه إذا وقع، فعن مالك وبعض أصحابه: أنه ينهى ولا ينتزع منه (1) ورأى بعض أصحابه فسخه (2).

وأحمد أثبت له الخيار: كما جاء في الحديث (3)، وكذا الشافعي (4)، على ما سيأتي، ومال إليه بعض أصحاب مالك.

والمشهور عن مالك وأكثر أصحابه أن يعرض على أهل السوق (5)، فإن لم يكن سوق فأهل المصر ليشترك فيها من شاء منهم (6).

= ولم يجعل الأوزاعي القاعد على بابه تمر به السلع، لم يقصد إليها، فيشتريها متلقياً، والمتلقي عنده التاجر المقاصد إلى ذلك الخارج إليه.

(1)

سئل مالك عن الذي يتلقى السلعة، فيشتريها، وتوجد معه، أترى أن تؤخذ منه، فتباع للناس فقال مالك: أرى أن ينهي عن ذلك، فإن نهي عن ذلك، ثم وجد، قد عاد نُكل.

(2)

قال سحنون: وقال لي غير ابن القاسم: يفسخ البيع.

(3)

في مسلم (1517): "فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار" وأخرج ابن أبي شيبة أنه صلى الله عليه وسلم "نهى عن تلقي الجلب، فإن تلقاه متلق فاشتراه فصاحب السلعة بالخيار إذا وردت السوق"، وأبو داود في البيوع (3437) باب: في التلقي، والترمذي (1221)، والاستذكار (21/ 76)، والتمهيد (13/ 322).

(4)

انظر: الاستذكار (21/ 73)، والتمهيد (13/ 320)، ومعرفة السنن والآثار (8/ 167)، والأم (3/ 92)، ومغني المحتاج (2/ 236)، والمهذب (1/ 292).

(5)

انظر: الاستذكار (21/ 71) فقرة (30473).

(6)

انظر: الاستذكار (21/ 71، 72) فقرة (30474).

ص: 34

ومستند الخلاف في صحة البيع وفساده ينبني على مسألة أصولية، وهي أن النهي يدل على الفساد أم لا (1)، ومستند من صححه أن النهي لأجل الأضرار بالركبان وذلك لا يقدح في نفس البيع.

واعلم: أن نهي التحريم ثلاثة أقسام (2):

أحدها: ما يقتضي تحريم عين المنهي عنه كنهيه عليه الصلاة والسلام عن الميتة، فذلك يقتضي تحريم الغبن وفساد العقد عليها.

ثانيها: ما يقتضي تحريم وصف في المنهى وأصل في ذات المنهى عنه كنهيه عليه الصلاة والسلام عن الزنا، فذلك يقتضي تحريم العقد وفساده ولا يقتضي تحريم المعقود عليه بل يرجع كل واحد من المتعاقدين إلى أصل ماله.

ثالثها: ما يقتضي تحريم وصف في المنهى عنه، إما لأجل البائع، أو المشتري ونحوها، وإما لأجل وصف في الآلة المستعملة كآنية الذهب والفضة، والحرير لمن لا يحل له لبسه، وكبيع الركبان وما شاكله من العقود فهو محل الخلاف.

(1) هذه المسألة فيها خلاف بين الأصوليين فمنهم من يقول إن النهي يدل على فساد المنهي عنه في العبادات والمعاملات، وقال أبو بكر الباقلاني: إن النهي لا يقتضي الفساد مطلقاً وحجته في ذلك أن الفساد يحتاج إلى دليل غير النهي. أما قول الرازي في هذه المسألة: فقد فرق بين العبادات والمعاملات فيقتضي الفساد في العبادات بخلاف المعاملات فلا يقتضي النهي الفساد. اهـ. بتصريف من تقريب الأصول (188).

(2)

انظر: البحر المحيط (2/ 444، 445)، والمحصول (1/ 2/ 486).

ص: 35

فمنهم: من صححه ويكون التحريم بمعنى الأثم.

ومنهم: من أفسده.

ومنهم: من فصّل، فقال: إن كان الوصف لأمر خارج عن المنهى عنه كبيع الركبان وقت النداء اقتضى التحريم وصحة العقد، وإن كان لأجل ذات المنهى عنه كالذهب والفضة والحرير اقتضى التحريم وفساد الفعل لأن التحريم فيها للسرف والخيلاء، وما فيها من تغيير الحكمة في الذهب والفضة عما وضعت له، وهو كونها نقداً قيماً للأشياء، ومن تغيير الحكمة في الحرير جعله للإِناث دون غيرهن، من حيث أن لبسه للترفه والخنوثة والكسل، وجميعه مناف لوصف الرجولية، وهذا المذهب حكاه الآمدي (1) عن أكثر أصحاب الشافعي، واختاره ونقله ابن برهان (2) في "الوجيز" عن الشافعي نفسه.

الوجه الثالث: إذا قلنا بصحة البيع في التلقي فلهم الخيار إذا عرفوا الغبن سواء أخبرهم بسعر البلد كاذباً أو لم يخبرهم، وما وقع في لفظ بعض المصنفين من أنه يخبرهم بالسعر كاذباً ليس بشرط في إثبات الخيار، وأصح الوجهين أن الخيار على الفور.

(1) هو أبو الحسن علي بن أبي علي محمد بن سالم التغلبي الآمدي ولد عام (551) وتوفي سنة (631). انظر: ميزان الاعتدال (1/ 439)، ولسان الميزان (3/ 134)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (2/ 79).

(2)

أحمد بن علي بن محمد بن برهان توفي سنة عشرين وخمسمائة. طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 279)، وفيات الأعيان (1/ 82)، ومن مؤلفاته: البسيط، والوسيط، والوجيز.

ص: 36

وقيل: يمتد ثلاثة أيام (1)، ولو كان الشراء بسعر البلد أو أكثر فالأصح أنه لا خيار لهم نظراً لانتفاء الضرر، ووجه مقابله عموم قوله عليه الصلاة والسلام:"فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار" رواه مسلم (2) من طريق أبي هريرة أيضاً، ولا خيار أيضاً إذا كان الشراء بدون سعر البلد مع علمهم، أو ابتدأ القادمون والتمسوا منه الشراء وهم عالمون بسعر البلد أو غير عالمين ولا خيار لهم قبل أن يقدموا ويعرفوا السعر، قاله البغوي (3) وغيره.

ولو غبنوا ولم يطلعوا على الغبن حتى رخص السعر وعاد إلى ما أخبروا به، هل يستمر خيارهم فيه وجهان؟ حكاهما الماوردي (4) وغيره.

الرابع: قال القاضي عياض: اختلف عندنا في حدِّ التلقي الممنوع، فعن مالك كراهة ذلك على مسيرة يومين (5)، وعن مالك تخفيفه وإباحته على ستة أميال (6)، ولا خلاف في منعه إذا كان فوق

(1) أن الأصح أن الخيار يمتد لورود الحديث بذلك "فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار" فأطلق صلى الله عليه وسلم إثبات الخيار له ولم يقيده بكونهم غير عالمين بالسعر ولا بكونه شراه منهم بأقل من السعر.

(2)

مسلم كتاب البيوع (1517)(17) باب: تحريم تلقي الجلب.

(3)

السنة للبغوي (8/ 116، 117).

(4)

الحاوي الكبير (5/ 349).

(5)

الاستذكار (21/ 71).

(6)

التمهيد (18/ 84، 85)، والاستذكار (21/ 70). وجاء عنه مسافة (1848 م) أي: ميل ذكرها ابن جزى في القوانين الفقهية (257، 260).

ص: 37

المصر وأطرافه (1). وقال بعض المتأخرين: ولذلك يجوز تلقيها في أول السوق لا في خارجه (2)، وكذلك لو لم يكن للسلعة سوق فشراؤها إذا دخلت البلد جائز وإن لم يبلغ أسواقه.

الوجه الرابع من الكلام على الحديث: قوله عليه الصلاة والسلام: "ولا يبع بعضكم على بيع بعض"(3)، هو مفسر عند

(1) المراجع السابقة.

(2)

الاستذكار (21/ 74)، والتمهيد (13/ 321).

(3)

قال ابن الأثير -رحمنا الله وإياه- في جامع الأصول (1/ 502، 503): "لا يبع بعضكم على بيع بعض". وقال في موضع آخر: "لا يبع بعضكم على بيع أخيه"، والمعنى فيهما واحد وفيه قولان:

أحدهما: أن يشتري الرجل السلعة ويتم البيع، ولم يفترق المتبايعان عن مقامهما ذلك، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرض رجلٌ آخر سلعةً أخرى على ذلك المشتري، تشبه السلعة التي اشتراها ليبيعها له، لما في ذلك من الإِفساد على البائع الأول، إذْ لعله يرد للمشتري التي اشتراها أولاً، ويميل إلى هذه، وهما وإن كان لهما الخيار ما لم يتفرقا على هذا المذهب، فهو نوع من الإِفساد.

والقول الثاني: أن يكون المتبايعان يتساومان في السلعة، ويتقارب الانعقاد، ولم يبق إلَاّ اشتراط النقد أو نحوه، فيجيء رجل آخر يريد أن يشتريَ تلك السلعة، ويخرجَها من يد المشتري الأول، فذلك ممنوع عند المقاربة، لما فيه من الإِفساد، ومباح أول العرض والمساومة.

هذا تأويل أصحاب الغريب، وهو تأويل الفقهاء، إلَاّ أن لفظ الفقهاء هذا: قالوا: إذا كان المتعاقدان في مجلس العقد، فطلب طالب السلعة بأكثر من الثمن ليرغّب البائع في فسخ العقد، فهذا هو البيع على بيع الغير، وهو =

ص: 38

الشافعية بأن يقول لمن اشترى في مدة الخيار افسخ هذا البيع وأنا أبيعك مثله بأرخص من ثمنه، أو أجود منه بثمنه، ونحو ذلك، وهو حرام لأنه يوغر الصدور ويورث الشحناء، وكذلك الشراء على الشراء.

وقد فسر بعضهم الحديث به، فقال: معنى: "لا يبع" هنا لا يشتري، وأما بيعه سلعته على بيع أخيه فهو غير منهى عنه، أن يقول البائع قبل لزومه: افسخ البيع وأنا أشتريه منك بأكثر من هذا الثمن، ونحو ذلك، إما لعدم لزوم العقد فالبيع قد انبرم وإما قبله فالفعل حرام والعقد صحيح عند من يرى، أن النهي الخارج عن ذات الشيء لا يقتضي فساده، وخصص ابن كج (1)، هذا بما إذا لم يكن في البيع غبن فاحش، أما إذا كان المشتري مغبوناً غبناً فاحشاً فله أن يعرفه ويبيع على بيعه لأنه ضرب من النصيحة وهذا معدود من أفراده، وفي معناه ما إذا كان البائع مغبوناً فيدعوه إلى] (2) الفسخ

فيشتريه منه بأكثر.

= محرَّم لأنه إضرار بالغير، ولكنه منعقد، لأن نفس البيع غير مقصود بالنهي، فإنه لا خلل فيه، وكذلك إذا رغَّب المشتري في الفسخ بعرض سلعة أَجود منها بمثل ثمنها، أو مثلها بدون ذلك الثمن، فإنه مثله في النهي.

(1)

هو يوسف بن أحمد بن كج. قتله العيارون ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان سنة خمس وأربعمائة. طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 198)، ووفيات الأعيان (6/ 63).

(2)

إلى هنا نهاية السقط في ن هـ.

ص: 39

ومن الفقهاء من فسر البيع [على البيع](1) بالسوم على السَّوم (2)، وهو أن يتفق مالك السلعة والراغب فيها على البيع ولم يعقداه، أو يكون المبيع [في العرف](3) عند المشتري فيقول آخر أنا أشتريه منك بأزيد مما أُعطيت فيها أو يأتي إلى المشتري فيعرض عليه مثلها أو أجود منها بأنقص من ذلك الثمن، وإنما يحرم ذلك بعد استقرار الثمن وحصول التراضي صريحاً كما هو مقرر في الفروع. قال هذا القائل: ويدل على أن المراد بالبيع على البيع السوم على السوم ما في النسائي (4) من حديث ابن عمر رفعه: "لا يبع الرجل على بيع أخيه حتى يبتاع أو يذر" فقوله: "حتى يبتاع أو يذر" دال على أن البيع لم يقع وأن النهي إنما هو في السوم، وهذا عجيب منه، ووقع في ذلك صاحب "القبس" (5) أيضاً فقال: معنى "لا يبع" لا يسم على سومه، لأن البيع إذا وقع لا يتصور بعده بيع، [وكأنهما](6) غفلا أن صورة ذلك وقوعه في زمن الخيار كما أسلفناه.

(1) زيادة من ن هـ.

(2)

قال ابن الأثير -رحمنا الله وإياه- في جامع الأصول (1/ 503): وأما السوم على سوم أخيك: فأن تطلب السلعة بزيادة على ما استقر عليه بين المتساومين قبل البيع، وإنما يحرم على من بلغه الخبرُ، فإن تحريمه خفي، قد لا يَعْرِفُهُ. اهـ.

(3)

زيادة من ن هـ.

(4)

النسائي (7/ 258)، وعند ابن عساكر من رواية أبي الدرداء (5/ 349)، وذكره ابن حجر ولم يتعقبه بشيء في الفتح (4/ 353).

(5)

القبس (850) ولم يذكره بلفظه بل معناه.

(6)

في الأصل وكأنما وما أثبت من ن هـ.

ص: 40

تنبيهات:

أحدها: [ظاهر](1) الحديث يقتضي النهي مطلقاً وإن كان في غنيمة أو ميراث، وفي الدارقطني (2):"إلَاّ الغنائم والميراث".

وجمهور أهل العلم على إباحة البيع والشراء فيمن يزيد (3)، وبه قال الشافعي وكرهه بعض السلف، قال المازري (4): وكره بعض أهل العلم بيع المزايدة في الحلق خوفاً من الوقوع في المحذور، وهو الضرر، قال: وإن قلنا إنما منع من ذلك مع التراكن للبيع خرج بيع الحِلق من ذلك.

[تنبيه](5): اختلف فيما إذا وقع السوم على السوم أو الخطبة على الخطبة بعد التراكن هل يفسخ العقد أم لا؟

(1) في ن هـ ساقطة.

(2)

سنن الدارقطني (3/ 11)، وابن الجارود (570)، وذكر ابن حجر في الفتح (4/ 354) أن ابن خزيمة أخرجه وذكره، ولم يتعقبه بشيء.

(3)

ورد في ذلك حديث وإسناده ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم باع حلساً وقدح. أخرجه أبو داود (1641)، والنسائي (7/ 259)، والترمذي (1218) وقال: حديث "حسن"، وابن ماجه (2198)، وأحمد (3/ 100، 114)، والطيالسي (1326).

وضعفه ابن حجر في التلخيص (3/ 15)، والزيلعي في نصب الراية (4/ 23).

(4)

المعلم بفوائد مسلم (2/ 138).

(5)

في الأصل بياض وأقرب إلى رسم الكلمة ما أثبت. أو كلمة: وجه. وهذا ليس له تأثير على سياق الكلام.

ص: 41

فذهب الشافعي والكوفيون وجماعة من العلماء: إلى إمضاء العقد وأن النهي ليس على الوجوب.

وقال داود: هو على الوجوب، ولمالك قولان كالمذهبين وفي النكاح قول ثالث يفسخ قبل البناء [والمضي](1) بعده.

الثالث: ظاهر قوله "بعضكم" جواز البيع على بيع الذمى والأكثرون على المنع فيه أيضاً.

[تنبيه آخر](2) مما يشبه ما نحن فيه الزيادة على الساكن وأولى بالتحريم لشدة الضرر، وقد ذكر الصعبي في "شرحه" أنه نقل عن بعض علماء السلف المتورعين من الشافعية الإِفتاء بالمنع وهو ظاهر لا شك فيه.

الخامس: قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تناجشوا" هو كما تقدم في "تلقوا" من حذف إحدى التائين وهو تفاعلوا من النجش -بفتح النون وإسكان الجيم- وأصله من الاستثارة ومنه نجشت الصيد أنجشه -بضم الجيم- نجشاً إذا استثرته.

وسمي الناجش في السلعة ناجشاً: لأنه يثير الرغبة فيها ويرفع ثمنها. قال ابن الصلاح: وهذا هو الصحيح لا كما قال الغزالي أنه الرفع.

وقال ابن قتيبة (3): أصل النجش الختل وهو الخِداع، ومنه قيل

(1) في الأصل (والمعنى)، وما أثبت لا يستقيم المعنى إلَاّ به.

(2)

ما أثبت يقتضيه سياق الكلام وفي النسخة بياض لم يظهر إلَاّ كلمة آخر.

(3)

غريب الحديث (1/ 199).

ص: 42

للصائد ناجش لأنه يختل الصيد ويحتال له، وكل من استثار شيئاً فهو ناجش.

وقال الهروي: قال أبو بكر: النجش المدح والإِطراء. قال ابن الأثير (1): إنه الصحيح، فعلى هذا معنى الحديث: لا يبيع أحدكم السلعة ويزيد في ثمنها بلا رغبة.

وحقيقة النجش عند الفقهاء: أن يزيد في ثمن السلعة لا لرغبة فيها بل ليخدع غيره ويغره ليزيد ويشتريها، وهو من المنهيات للضرر، والناجش آثم لأجل خدعته وحكى [القزويني](2) عن مالك أن بيع النجش مفسوخ (3) واعتل [لأنه](4) منهى عنه، قال:[وبهذا](5) اعتل ابن الجهم لما [رد](6) على الشافعي فقال: الناجش عاصٍ فكيف يكون من عصى الله تعالى يتم بيعه، ولو صح هذا بعد [العقد](7) في الإِحرام والعدة (8).

(1) جامع الأصول (1/ 504).

(2)

في هامش المعلم بفوائد مسلم (2/ 140)، وفي أصل الكتاب القرويون.

(3)

حكى هذا ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (21/ 72، 74) عن أصحابه. وهو رأي أهل الظاهر. وأما نقله عن مالك فجعل له الخيار (21/ 78) وساقه بلفظ التضعيف عنه في الاستذكار (21/ 67)، والتمهيد (13/ 348، 349)(18/ 193، 194).

(4)

في المعلم (بأنه).

(5)

في المعلم (هكذا).

(6)

في الأصل (ورد)، وما أثبت من المعلم.

(7)

في الأصل بيع وما أثبت من المعلم.

(8)

انظر: المعلم بفوائد مسلم (2/ 140).

ص: 43

قلت: لا يرد لأن النهي لأمر خارج عن العقد كما سلف.

تنبيهات:

أحدها: قيَّد الفقيه ابن الرفعة -[رحمه الله تعالى](1) - الزيادة في الثمن بالزيادة على ما تساويه العين، وفيه إشعار بعدم التحريم فيما إذا زاد عند نقص القيمة ولا رغبة له وفيه نظر (2).

ثانيها. هل للمشتري الخيار أم لا؟ فيه وجهان لأصحابنا:

أحدهما: نعم للتدليس، كالتصرية.

وأصحهما: لا وهو ظاهر النص لتفريطه حيث لم يتأمل ولم يراجع أهل الخبرة، ومحل الخلاف إذا كان بمواطأة من البائع فإن لم يكن فلا خيار كما جزم به الرافعي في "شرح المهذب" المسمى "بالوافي" أنه يشترط فيه أيضاً أن يكون الناجش من أهل الخبرة بالقيمة وإلَاّ فلا خيار، وتعرض له الإِمام في صورة المسألة أيضاً (3).

(1) في ن هـ ساقطة.

(2)

وهذا القول للأحناف كما سيأتي.

(3)

اختلف العلماء في حكم البيع إذا كانت المشترى مغبوناً بسبب النجش.

فعند الإِمام أحمد ومالك: أن البيع صحيح وأن للمشترى الخيار إذا غبن غبناً غير معتاد.

وعند الأحناف والشافعية: البيع صحيح مع الإِثم فهو مكروه تحريماً عند الحنفية للنهي الوارد فيه: "لا تلقوا الركبان" لكن لا يكره عند الحنفية إلَاّ إذا زاد المبيع عن قيمته الحقة، فإن لم يكن بلغ القيمة فزاد لا يريد الشراء فجائز، ولا بأس، لأنه عون على العدالة.

وعند الشافعية: حرام. =

ص: 44

ووقع في "شرح ابن العطار" الجزم بثبوت الخيار عند المواطأة، وهو أحد الوجهين في المسألة وكأنه تبع في ذلك مفهوم كلام الشيخ تقي الدين (1) في الشرح فإنه يقتضيه. وجزم الفاكهي في "شرحه" بثبوت الخيار إذا علم أن الناجش من قِبَل البائع.

فرع: لو قال أُعطيت بهذه السلعة كذا [كذباً](2) ليغر المشتري ففي ثبوت الخيار الخلاف المذكور.

التنبيه الثالث: نص الشافعي في "اختلاف الحديث"(3): على أن الناجش إنما يعصي إذا كان عالماً بالنهي ونقله أيضاً عنه البيهقي (4) في "سننه" والمتولي (5) في "تتمته"، وقال به القاضي أبو الطيب (6) والرافعي (7) لم يطلع عليه بل أبداه بحثاً.

= وعند الظاهرية: البيع فاسد.

(1)

إحكام الأحكام (4/ 37).

(2)

في ن هـ (كذا).

(3)

اختلاف الحديث (154).

(4)

السنن الكبرى (5/ 344).

(5)

هو عبد الرحمن بن مأمون أبو سعد المتولي، ولد عام (426، 478)، صاحب "التتمة". انظر: طبقات الشافعية للسبكي (5/ 106، 108)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 264).

(6)

هو طاهر بن عبد الله بن طاهر القاضي أبو الطيب، ولد سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة وتوفي ببغداد في ربيع الأول سنة خمسين وأربعمائة. تاريخ بغداد (8/ 358)، وطبقات الشافعية لابن الصلاح (178)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 226).

(7)

هو عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم أبو القاسم الرافعي. قيل إنه لم =

ص: 45

الوجه السادس: قوله عليه الصلاة والسلام: "ولا يبع حاضر لباد"، الحاضر: المقيم بالبلد.

والبادي: المقيم بالبادية، وفي معناه: القروي، وهو المقيم بالقرى المضافة إلى البلاد.

وصورة بيع الحاضر للبادي المنهي عنه (1)، أن يقدم البدوي أو القروي بمتاع تعم الحاجة إليه ليبعه بسعر يومه، فيقول البلدي: اتركه لأبيعه على التدريج بأغلى. وذلك إضراراً بالبلد وحرام إن علم بالنهي، وتصرف أصحابنا في ذلك وقيدوا التحريم بما ذكرناه (2)

= يجد زيتاً للمطالعة في قرية بات فيها فتألم، فأضاء له عرق كرمة فجالس يطالع ويكتب عليه. طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (2/ 75)، وتهذيب الأسماء واللغات (2/ 264).

(1)

قال ابن الأثير -رحمنا الله وإياه- في جامع الأصول (1/ 504): (حاضرُ لبادٍ) الحاضر: المقيم في المدن والقرى، والبادي: المقيم بالبادية، والمنهي عنه: هو أن يأتي البدوي البلدة، ومعه قوت يبغي التسارع إلى بيعه رخيصاً، فيقول له الحاضر: اتركه عندي لأغالي في بيعه، فهذا الصنيع محرم لما فيه من الإِضرار بالغير، والبيع إذا جرى مع المغالاة منعقد، فهذا إذا كانت السلعة مما تعم الحاجة إليها، فان كانت سلعة لا تعم الحاجة إليها، أو كثر بالبلد القوت، واستغنى عنه، ففي التحريم تردد. يعوَّل في أحدهما على عموم ظاهر النهي وحَسْم باب الضرر. وفي الثاني على معنى الضرر، وقد جاء في بعض الأحاديث عن ابن عباس: أَنه سئل عن معنى: لا يبع حاضرُ لبادٍ؟ قال: لا يكون له سمساراً.

(2)

يحسن بنا نقل عبارة إحكام الأحكام لظهورها ووضوح معناها (4/ 38) فقالوا: شرطه أن يظهر لذلك المتاع المجلوب سعر في البلد، فإن لم =

ص: 46

[فاحترزوا "بالمتاع" التي تعم الحاجة إليه عما إذا كان الاحتياج إليه نادراً فإنه لا يحرم](1).

واحترزوا بقولهم: "فيقول البلدي" عما إذا التمس البدوي منه بيعه تدريجاً فإنه لا يحرم، وهل يشترط أن يظهر بيع ذلك المتاع بيعه في البلد حتى لو لم يظهر لقلته أو لكبر البلد أو لعموم وجوده ورخص السعر لا يحرم، فيه وجهان أوفقهما:

لإِطلاق الخبر كما قال الرافعي أنه لا يشترط بل يحرم.

ووجه مقابله انتفاء المعنى وهو الإِضرار وتفويت الربح أو الرزق على الناس، وهذا النهي لمراعاة أهل البلد، واحتمل فيه غبن [البادي](2) ومنع من تلقيه نظراً للمصلحة العامة.

فائدة: اعلم أن أكثر هذه الأحكام تدور بين اتباع اللفظ واعتبار

= يظهر -لكثرته في البلد، أو لقلة الطعام المجلوب- ففي التحريم وجهان: ينظر في أحدهما إلى ظاهر اللفظ، وفي الآخر إلى المعنى، وهو عدم الإِضرار، وتفويت الربح، أو الرزق على الناس، وهذا المعنى منتف. وقالوا أيضاً: يشترط أن يكون المتاع مما تعم الحاجة إليه، دون ما لا يحتاج إليه إلَاّ نادراً، وأن يدعوا البلدي البدوي إلى ذلك، فإن التمسه البدوي منه فلا بأس، ولو استشاره البدوي، فهل يرشده إلى الادخار والبيع على التدريج؟ فيه وجهان لأصحاب الشافعي. اهـ.

وهذا العرض بمثابة ذكر شروط جواز تولي الحضري البيع عن البدوي.

(1)

في ن هـ ساقطة.

(2)

في ن هـ ساقطة.

ص: 47

المعنى؛ قال الشيخ تقي الدين (1): وينبغي أن ينظر في المعنى إلى ظهوره وخفائه، فإن ظهر ظهوراً كثيراً فلا بأس باتباعه، وتخصيص الحديث به، أو تعْميمه على قواعد القيَّاسيين. وإن خفي ولم يظهر ظهوراً قوياً. فاتباع اللفظ أولى.

فأما ما ذكر من اشتراط: "أن يلتمس [البدوي] (2) ذلك": فلا يقوى لعدم دلالة اللفظ عليه، وعدم ظهور المعنى فيه. فإن الضرر المذكور الذي علل به النهي لا يفترق الحال فيه بين سؤال البلدي وعدمه ظاهراً.

وأما اشتراط: "دعاء الحاجة إلى الطعام" فمتوسط في الظهور وعدمه. لاحتمال أن يراعى مجرد ربح الناس في هذا الحكم على ما أشعر به التعليل من قوله عليه الصلاة والسلام: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض"(3).

وأما اشتراط: "أن يظهر لذلك المتاع المجلوب سعة في البلد"، فكذلك أيضاً، هو متوسط في الظهور، لما ذكرناه من احتمال أن يكون المقصود مجرد تفويت الربح أو الرزق على أهل البلد.

وهذه الشروط منها: ما يقوم الدليل الشرعي عليه، كشرطنا العلم بالنهي. ولا إشكال فيه.

(1) إحكام الأحكام (4/ 38).

(2)

في إحكام الأحكام (البلدي).

(3)

مسلم من حديث جابر (1522)، والترمذي (1223)، وابن ماجه (2176)، وأحمد (2/ 307)، والنسائي (7/ 256)، وابن أبي شيبة (6/ 239).

ص: 48

ومنها: ما يوجد باستنباط المعنى. فيخرج على قاعدة أصولية: وهي أن النص [إذا](1) استنبط منه معنى يعود عليه بالتخصيص، هل يصح أم لا؟ ويظهر لك هذا باعتبار ما ذكرناه من الشروط.

تنبيهات:

أحدها: هذا النهي محمول عند مالك على أهل العمود ممن لا يعرف الأسعار، ولفظ "البادي" صريح فيه، وأما من يقرب من المدينة ويعرف السعر فلا يدخل في ذلك (2).

وعندهم قول آخر: أنه عام في كل بدوي طارٍ على [كل](3) بلد وإن كان من أهل الحضر، حكاه القاضي، وقال: إنه قول أصبغ، وكأنه تأول التنبيه بالبدوي على الطارىء والجاهل، ومفهوم العلة في الحديث تقوية قوله عليه الصلاة والسلام:"دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض".

وعمم ابن المواز المالكي النهي أيضاً، وقال: لا يبع مدني لمصريًّ، ولا عكسه.

وحمله المازري (4)، على المدني الجاهل بالأسعار الذي يمكن غبنه وينفع أهل المدينة بوروده عليهم مع كونه غالباً يربح فيما أتى به.

(1) في ن هـ ساقطة.

(2)

انظر: المعلم بفوائد مسلم (2/ 139)، والاستذكار (21/ 80).

(3)

الزيادة من هـ.

(4)

المعلم بفوائد مسلم (2/ 139، 246).

ص: 49

ثانيها: قال المازري (1):

اختلف عندنا في الشراء هل يمتنع كما امتنع البيع له؟ فقيل: هو بخلاف البيع لأنه إذا صار الثمن في يديه أشبه أهل الحضر فيما يشترونه فيجوز أن يشتري له الحاضر، فإن وقع البيع على الصفة التي نهى عنها، ففي فسخه خلاف.

قلت: وهذه المسألة لا نقل فيها عندنا وتردد فيها ابن الرفعة في "مطلبه"، نعم اختار البخاري (2) في "صحيحه" المنع، وقال:"باب: لا يشتري حاضر لباد بالسمسرة" قال: وكرهه ابن سيرين وإبراهيم للبائع والمشتري، قال: وقال إبراهيم: [إن](3) العرب تقول: بع لي ثوباً، وهي تعني الشراء (4) ثم روى الحديث مختصراً.

ثالثها: ذهب أبو حنيفة وعطاء ومن قال بقولهم كما حكاه القاضي عنهم إلى أن الحديث معمول به [](5) وأن ذلك مباح.

ثم اختلفوا في تأويل الحديث وعلة رده.

فخصه بعضهم: بزمنه عليه الصلاة والسلام بخلاف اليوم،

(1) المعلم بفوائد مسلم (2/ 139). انظر: المعلم (4/ 183).

(2)

البخاري الفتح (4/ 372).

(3)

ساقطة في الأصل ون هـ وهي في البخاري.

(4)

انظر في تخريجها: فتح الباري (4/ 372، 373)،وتغليق التعليق (3/ 252).

(5)

في ن هـ، زيادة (وأن ذلك به وأن ذلك محمول به).

ص: 50

وظاهر قول هؤلاء: أنه منسوخ (1).

ورده بعضهم: بحديث النصيحة (2) لكل مسلم وإليه أشار البخاري (3) حيث قال: "باب: هل يبيع حاضر لباد بغير أجر؟ هل يعينه أو ينصحه؟ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا استنصح أحدكم أخاه [فلينصح له](4) قال: ورخص فيه عطاء ثم ذكر فيه حديث جرير والنصح لكل مسلم ثم ذكر الحديث من طريق ابن عباس مرفوعاً: "لا تلقوا الركبان، ولا يبع حاضر لباد" قال ابن عباس: "لا يكون له سمساراً".

وقيل: كان هذا النهي عن تربص الحاضر بسلعة البادي والزيادة في السوق لا أن يبيعوه بسعر يومه لأن البادي غير مقيم فيبيع بسعر يومه فيرتفق بذلك الناس فإذا قال الحضري: أنا أتربص لك بها وأبيعها لك حرم الناس ذلك الرفق.

وقيل: إنما ذلك في البلاد الضيقة التي يستبين فيها

(1) انظر: التمهيد (18/ 200)، والاستذكار (21/ 84).

(2)

حديث تميم الداري رضي الله عنه ولفظه: "الدين النصيحة" الحديث. انظر: مسلم (55)، والنسائي (7/ 156، 157)، والحميدي (837)، وأحمد (4/ 102)، والبغوي (3514)، وأبو عوانة (1/ 36، 37).

(3)

البخاري الفتح (4/ 370).

(4)

في الأصل (فلينصحه)، وما أثبت من ن هـ والبخاري. انظر: تغليق التعليق (3/ 253)، وأخرجه البيهقي (5/ 347)، وروى مسلم بعضه في صحيحه (1522)، وابن ماجه بمعناه (3747).

ص: 51

[الضرر](1) وغلاء السعر إذا لم يبيع الجالب متاعه فأما البلاد الواسعة التي لا يظهر الضرر فيها فلا بأس.

وقيل: ذلك على الندب ليس على الوجوب وهو دعوى وكذا ما سلف.

ثم اختلف من أوجب إذا وقع فعند الشافعي وابن وهب وسحنون: [عصى](2).

وعند ابن القاسم: يفسخ ما لم يفت.

رابعها: إذا استشار البدوي البلدي في ادخاره وبيعه على التدريج فهل يرشده؟ وجهان لأصحابنا قال أبو الطيب ابن سلمة (3)، وأبو إسحق (4)، نعم. بذلاً للنصيحة (5).

(1) في ن هـ (الضرورة).

(2)

في ن هـ ساقطة.

(3)

هو محمد بن المفضل بن سلمة بن عاصم، أبو الطيب ابن سلمة الضبي، توفي سنة (308). انظر: ابن قاضي شهبة (1/ 66، 67)، ابن هداية الله (45، 47)، والإسنوي (2/ 23).

(4)

هو إبراهيم بن علي بن يوسف أبو إسحاق ولد رحمه الله سنة ثلاث وتسعين وثلاث مئة وتوفي سنة ست وسبعين وأربعمائة. انظر: ابن هداية الله (170، 171)، وابن قاضي شهبة (1/ 251، 254).

(5)

قال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (21/ 83): الدين النصيحة عام، "ولا يبع حاضر لباد" خاص، والخاص يقضي على العام، لأن الخصوص استثناء، كما قال:"الدين النصيحة" حق المسلم أن ينصح أخاه، إلَاّ أنه لا يبع حاضر لباد" يختلفوا أنه [يستعمل على هذا الحديثان]. يستعمل العام منهما في ما عدا المخصوص. اهـ.

ص: 52

وقال أبو حفص بن الوكيل (1): لا. توسيعاً على الناس.

[الوجه الرابع](2): قوله عليه الصلاة والسلام: "ولا تصُروا الغنم" هو -بضم التاء وفتح الصاد المهملة ومد الراء بواو وألف- على مثال "لا تزكوا" ونصب لفظ "الغنم" هذا هو الصحيح تقييداً ولغةً وروى في غير مسلم "بفتح التاء وضم الصاد" من الصّر ورواه بعضهم: "بضم التاء من غير واو الجمع بعد الراء ورفع الغنم" على ما لم يسم فاعله من الصّر أيضاً وهذا لا يصح رفعه مع اتصال ضمير الفاعل وإنما يصح مع إفراد الفعل (3)، كما قال الشيخ تقي الدين (4)، قال: ولا نعلم رواية حذف فيها الضمير.

والتصرية: مأخوذة من الجمع تقول صريت الماء في الحوض إذا جمعته فالمعنى: لا تجمعوا اللبن في ضرعها عند إرادة بيعها حتى يعظم ضرعها فيظن المشتري أن كثرة لبنها عادة مستمرة.

وعبارة الشافعي (5): التصرية ربط أخلافها اليومين والثلاثة لجمع لبنها.

(1) هو محمد بن عمر بن مكي المعروف بابن المرحل وبابن الوكيل، ولد في شوال سنة خمس وستين وستمائة وتوفي في ذي الحجة سنة ست عشرة وسبعمائة بالقاهرة. البداية والنهاية (14/ 80)، وطبقات ابن قاضي شهبة (2/ 233).

(2)

في ن هـ (الوجه السابع).

(3)

انظر: فتح الباري (4/ 362).

(4)

إحكام الأحكام (4/ 42).

(5)

جامع الأصول (1/ 500)، ومعالم السنن (5/ 84).

ص: 53

وقال أبو عبيدة (1). هو من صرّي اللبن في ضرعها إذا حبسه وأصلها حبس الماء، قال: ولو كانت من الربط لكانت مصرورة أو مصررة.

قال الخطابي (2). وقول أبي عبيدة حسن، وقول الشافعي صحيح. والعرب تَصُرُّ الحلوبات، ويسمى ذلك الرباط: صراراً. واستشهد بقول العرب: [العبد](3) لا يحسن الكَرَّ، وإنما يحسن الحلب والصّرَ، قال: ويحتمل أن تكون المصراة، أصلها: مصرورة فأُبدل من إحدى الراءين [ألفاً](4) كقوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)} (5) أي دسَّها كرهو [اجتماع](6) ثلاثة أحرف وإن كانت في الصورة [حرفين](7) لكون الحرف المشدد عندهم بحرفين في اللفظ. إذا تقرر ذلك فيتعلق بالتصرية مسائل:

الأولى: لا خلاف أن التصرية حرام لأجل الغش والخديعة التي فيها للمشتري، والنهي يدل عليه مع علم تحريم الخديعة قطعاً من الشرع، قال المتولي: وهي حرام وإن لم يقصد البيع لأنه يضر بالحيوان. قال المازري (8): والتصرية أصل في تحريم الغش وفي

(1) غريب الحديث (2/ 240)، ومعالم السنن (5/ 84).

(2)

معالم السنن (5/ 84) مع زيادة عبارات هناك.

(3)

في ن هـ ساقطة.

(4)

في معالم السنن (5/ 86) ياءً، وأيضاً في جامع الأصول (1/ 500).

(5)

سورة الشمس: آية 10.

(6)

في ن هـ ساقطة.

(7)

في ن هـ ساقطة.

(8)

المعلم بفوائد مسلم (2/ 248).

ص: 54

الرد بالعيب وقد كان شيخنا أبو محمد بن عبد الحميد يجعلها أصلاً في [أن](1) النهي إذا كان لحق الخلق لا يوجب فساد البيع، لأن الأمة أجمعت على تحريم الغش في البيع، ووقع النهي عنه هنا ثم خيّره (2) بعد ذلك بين الرد والإِمساك، والفاسد لا يصح التماسك به.

الثانية: النهي ورد عن فعل المكلف، وهو ما يصدر باختياره وتعمده، ورتب عليه الحكم المذكور. فلو تَحفَلَت بنفسها، أو نسيها المالك بعد أن صرّاها، لا لأجل الخديعة، هل يثبت ذلك الحكم؟

فيه خلاف للشافعي. فمن نظر إلى العيب أثبته، لأن العيب مثبت للخيار، ولا يشترط فيه تدليس البائع.

ومن نظر إلى أن الحكم المذكور خارج عن القياس خصه بمورده، وهو حالة العمد فإن النهي إنما يتناولها فقط. وصحح البغوي في "تهذيبه"(3) فيما إذا تحفلت بنفسها ثبوت الخيار وقطع الغزالي بعدمه وتبعه "صاحب الحاوي الصغير" لحصول التدليس، والمسألة الثانية لم نرها إلَاّ في كلام الشيخ تقي الدين (4). ووقع لابن الرفعة في إيرادها عنه نكتة لطيفة ذكرتها في "شرح الحاوي" فراجعها

(1) في هـ ساقطة ومثبتة في الأصل والمعلم.

(2)

الضمير هنا يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما في المعلم.

(3)

هو الحسين بن مسعود بن محمد محيي السنة أبو محمد البغوي من تصانيفه التهذيب لخصه من تعليق شيخه، توفي بمرو الروذ في شوال سنة ست عشرة وخمسمائة. انظر: البداية والنهاية (12/ 193)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 281).

(4)

إحكام الأحكام (4/ 42).

ص: 55

منه، وحكى الفاكهي الخلاف المذكور عن الشافعية فيما إذا كان الضرع مملوءاً لحماً وظنه المشتري لبناً، ولم أقف على ذلك عندنا ونقل عن مذهبهم عدم ثبوت الخيار [به](1).

الثالثة: رواية المصنف ذكر فيها "الغنم"[فقط](2) وفي الصحيحين (3)"الإِبل، والبقر" ملحقة بهما، لأن في "سنن أبي داود"(4)"من ابتاع محفلة" وهل يتعدى الحكم إلى غير هذه الثلاثة، فيه وجهان لأصحابنا:

أحدهما: لا. جموداً على ما ذكر في الحديث ، ولأن لبن غيرها لا يقصد إلَاّ نادراً.

وأصحهما: نعم. فيعم كل مأكول والجارية والأتان نظراً إلى المعنى ولرواية أبي داود المذكورة ولأن كثرة اللبن في الأم مقصود

(1) في ن هـ ساقطة.

(2)

في ن هـ ساقطة.

(3)

البخاري (2148)، ومسلم (1515)(11)(1524)، وأبو داود (3443)(3445) في البيوع، باب: من اشترى مصراة فكرهها، والترمذي (1251) (1252) في البيوع باب: ما جاء في المصراة.

(4)

(3446)، وابن ماجه (2240) ذكره في جامع الأصول (1/ 505)، قال الخطابي: إسناده ليس بذاك، وقال المنذري: والأمر كما قال. اهـ. وسيأتي كلام المؤلف في تضعيفه، وضعفه ابن حجر في الفتح (4/ 364)، قال: ففي إسناده ضعف. وقد قال ابن قدامة إنه متروك الظاهر بالاتفاق. اهـ.

وضعفه البيهقي والمنذري من أصل جميع بن عمير أحد رواته.

والمحفلة: هي المصراة.

ص: 56

لتربية الولد، ولا يرد مع الجارية والأتان شيء على الأصح؛ أما في الجارية فلأن لبنها لا يعتاض عنه غالباً، وأما في الأتان فلنجاسته.

قال الشيخ تقي الدين: ومن هذا يتبين لك أن الأتان لا يقاس على المنصوص عليه في الحديث، لأن شرط القياس: اتحاد الحكم فينبغي أن يكون إثبات الخيار فيها من القياس على قاعدة أخرى وكذا الجارية.

الرابع: قوله عليه الصلاة والسلام: "بعد أن يحلبها" هو مطلق في الحلبات لكن [قد](1) تقيد في الرواية الأخرى في الكتاب "يختار ثلاثة أيام" سواء حلبها مرة أو مرات.

واتفقت المالكية: على أنه إذا حلبها مرة ثانية أن له الرد، إن أراده.

واختلفوا في حلبها الثالثة: هل يكون رضي يمنع الرد أم لا يمنع الرد؟

ورجحوا أنه لا يمنع لإِطلاق الحديث، ولأن التصرية لا تتحقق إلَاّ بثلاث حلبات. لجواز أن يكون نقص الحلبة الثانية لاختلاف المرعى، أو لأمر غير التصرية ولا يتحقق إلَاّ بعد الحلبة الثالثة، وإذا كانت لفظة "حلبها" مطلقة فلا دلالة لها على الثانية والثالثة. وإنما يؤخذ ذلك من حديث آخر.

الخامس: إن قلت كيف خص عليه الصلاة والسلام الخيار بعد الحلب وهو ثابت قبله إذا علمت التصرية؟

(1) في ن هـ ساقطة.

ص: 57

فالجواب: أنه خرج على الغالب كما ستعلمه.

السادس: قوله عليه الصلاة والسلام: "وإن سخطها ردها" يقتضي إثبات الخيار بعد التصرية.

واختلف أصحاب الشافعي هل هو على الفور أم يمتد ثلاثة أيام؟ على وجهين:

أصحهما: عندهم الأول قياساً على خيار الرد بالعيب، ويتأولون الحديث بأنه محمول على الغالب إذ التصرية لا تظهر فيما دون الثلاث غالباً لاحتمال إحالة النقصان على اختلاف العلف كما سبق، أو تأذى الحيوان أو غيرهما.

وصحح الثاني: جماعة كثيرة منهم اتباعاً للنص وهو الحق، وقد نص [على](1) الشافعي في "الإِملاء" كما أفاده الروياني. وفي "اختلاف العراقيين" كما أفاده القاضي أبو الطيب.

قال الشيخ تقي الدين: وهو الصواب لوجهين:

أحدهما: تقديمه على القياس.

ثانيهما. أنه خولف القياس في أصل الحكم، لأجل النص. فيطرد ذلك، ويتبع في جميع موارده.

تنبيه: "الواو" في قوله: "أو صاعاً من تمر" يجوز أن تكون عاطفة للصاع على الضمير في ردها،

(1) في ن هـ ساقطة، وهي لا تستقيم إلَاّ بزيادة (ذلك). وتكون العبارة (رد على ذلك)

إلخ.

ص: 58

ويجوز أن تكون "واو""مع" قاله الفاكهي وبنى على أن الأول لا يقتضي فورية الصالح مع الرد بخلاف الثاني.

السابع (1): يقتضي الحديث رد شيء معها عندما يختار ردها، وهو صاع، -وقد تقدم بيانه في كتاب الزكاة- وفي كلام بعض المالكية: ما يدل على خلافه، من حيث أن الخراج بـ "الضمان"، ومعناه: أن الغلة لمن استوفاها بعقد أو شبهته، تكون له بضمانه، فاللبن المحلوب إذا فات غَلّةِ. فلتكن للمشتري. ولا يرد له بدلاً.

والصواب: الرد، للحديث إذ هو خاص لمعنى أن اللبن يعطى المبيع وليس من الغلة الحاصلة، في يد المشتري، بل كان موجوداً عند البائع وفي حال العقد ووقع العقد عليه وعلى الشاة جميعاً، فهما مبيعان بثمن واحد، وتعذر رد اللبن لاختلاطه بما حدث في ملك المشتري فوجب رد عوضه، ثم لو سلم أن اللبن غلة لكان الخراج بالضمان عاماً والخاص يقضي عليه.

الثامن (2): الحديث يقتضي رد الصاع مع الشاة بصريحه. ويلزم منه عدم رد اللبن. سواء كان باقياً أو تالفاً، والشافعية قالوا: إن كان اللبن باقياً ولم يتغير فأراد رده على البائع هل يلزمه قبوله؟

وجهان:

أحدهما: نعم؛ لأنه أقرب إلى مستحقه.

وأصحها: لا؛ لذهاب طراوته، واتباع الحديث أولى في تعيين

(1) ذكر هذه المسألة في إحكام الأحكام.

(2)

ذكر هذه المسألة في إحكام الأحكام.

ص: 59

الرد [فيما](1) نص عليه. وزادت المالكية على هذا فقالوا: لو رضى البائع باللبن هل يجوز له ذلك؟ فيه قولان.

ووجهوا المنع: بأنه بيع للطعام قبل قبضه من حيث أنه وجب له الصاع بمقتضى الحديث، وكأنه باعه باللبن قبل قبضه وهو ممتنع. ووجهوا الجواز: بأنه بدل ليس بيعاً بناء على عادتهم في اتباع المعاني، دون اعتبار الألفاظ.

[التاسع](2): الحديث يقتضي تعيين جنس المردود في الثمن فمنهم من ذهب إلى ذلك وهو الصواب للنص عليه، وقد قال عليه الصلاة والسلام أيضاً:"وصاعاً من تمر لا سمراء" وهي البر. رواه مسلم (3).

ومنهم من عداه: إلى غالب قوت البلد والحديث راد عليهم خصوصاً إن كانت السمراء غالب قوت أهل المدينة.

وأغرب من هذا أن بعض الشافعية قال: لا يتعين القوت بل يقوم غيره مقامه حتى لو عدل إلى مثل اللبن أو قيمته عند إعواز المثل [اجبر](4) البائع على قبوله كسائر المتلفات.

فرع: حلب غير المصراة ثم اطلع على عيب بها فمنصوص الشافعي رضي الله عنه جواز الرد مجاناً لأنه قليل غير معتنى بجمعه بخلاف المصراة.

(1) في ن هـ ساقطة.

(2)

في الأصل (الثالثة)، وما أثبت من ن هـ.

(3)

مسلم (1524).

(4)

زيادة من ن هـ.

ص: 60

[وقيل: يرد بدل اللبن، كالمصراة](1)، قال ابن الرفعة. وهو أظهر.

قال الماوردي (2): قيمته.

وقال البغوي (3): يرد صاعاً من تمر، وجزم ابن أبي عصرون (4) بأنه لا يردها لتلف بعض المبيع، والمسألة مبسوطة في الفروع.

واختلفت المالكية فيما إذا رضى بعيب التصرية ثم رد بعيب آخر غيرها.

فقال محمد: لا يرد عوض [ما حلب](5) ورأى [قصر](6) الحديث على ما ورد، وذكر عن أشهب: أنه يرد الصاع، ومال إليه بعض المتأخرين منهم.

[العاشرة](7): الحديث دال على تعيين المقدار في الصاع

(1) زيادة من ن هـ، وفتح الباري (4/ 368)، وانظر: جامع الأصول (1/ 502).

(2)

هو أبو الحسن علي بن محمد. انظر: الحاوي الكبير (5/ 243).

(3)

السنة للبغوي (8/ 125)، وفتح الباري نقلاً عنه (4/ 368).

(4)

هو عبد الله بن محمد بن هبة الله بن أبي عصرون مولده في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة وتوفي في شهر رمضان سنة خمس وثمانين وخمسمائة. انظر: السير (21/ 125، 129)، ووفيات الأعيان (3/ 53، 57)، وطبقات ابن الصلاح (512).

(5)

زيادة من ن هـ.

(6)

في ن هـ ساقطة.

(7)

في الأصل (الرابعة)، وما أثبت من ن هـ.

ص: 61

مطلقاً سواء قل اللبن أو كثر ، وهو الأصح عند الشافعي.

ومنهم من قال: إنه [يتقدر](1) بقدر اللبن اتباعاً لقياس الغرامات وهو ضعيف، وحديث أبي داود (2)"مثله أو مثليّ لبنها قمحاً" ليس إسناده [بذلك](3)، وإن لم يضعفه هو.

واختلف المالكية: إذا كانت الغنم التي صرت كثيرة هل يرد بجميعها صاعاً واحداً أو لكل شاة صاعاً.

قال المازري (4): [والأصوب](5) أن يكون حكم الكثير منها غير الواحد إذ من المستبشع في القول أن يغرم متلف [لبن](6) ألف شاة كما يغرم متلف لبن شاة واحدة.

فإن احتج بأنه عليه الصلاة والسلام ساوى بين لبن الشاة و [لبن](7) الناقة مع أن الناقة أكثر.

قلنا: قد قال بعض أهل العلم إنما ذلك لأنه عليه الصلاة والسلام أراد أن يكون ذلك حدّاً يرجع إليه ليرتفع الخصام، واعترض

(1) في ن هـ ساقطة.

(2)

سبق تخريجه والحكم عليه.

(3)

في هـ (بذاك).

(4)

المعلم بفوائد مسلم (2/ 250).

(5)

في الأصل بياض، وفي هـ (الأصول) ، وما أثبت من المعلم.

(6)

زيادة يقتضيها السياق وهي ساقطة من الأصل ون هـ ومثبتة في المعلم، وفتح الباري (4/ 369).

(7)

زيادة من ن هـ.

ص: 62

الفاكهي: بأنه لم لا يكون جودة لبن الشاة وإن قل مقابلاً لكثرة لبن الناقة فيكونان كالمتساويين من حيث المعنى.

وأجاب: بأنه يعارضه اختلاف الإِبل أنفسها بكثرة الحلب وقلته.

الحادية عشرة: لم يقل أبو حنيفة بهذا الحديث وروى عن مالك قول أيضاً بعدم القول به، والذي أوجب ذلك: أن قيل إنه حديث مخالف لقياس الأصول المعلومة. وما كان كذلك لم يلزم العمل به.

أما الأول: وهو أنه مخالف لقياس الأصول المعلومة فمن وجوه:

الأول: أن المعلوم من الأصول: أن ضمان [المثليات](1) بالمثل. وضمان المتَقَوَّمات بالقيمة من النقدين. وههنا إن كان اللبن مثلياً كان ينبغي ضمانه بمثله لبناً، وإن كان متقوماً ضمن بمثله من النقدين، وقد وقع ههنا مضموناً بالتمر. فهو خارج عن [الأصليين](2) جميعاً.

الثاني: أن القواعد الكلية تقتضي تقدير ضمان المضمون بقدر التالف.

والمضمون هنا مختلف بقدر الضمان بمقدار واحد. وهو

(1) في ن هـ (المتلفات).

(2)

في الأصل (الأصوليين)، ما أثبت من ن هـ، وإحكام الأحكام (4/ 51).

ص: 63

الصاع مطلقاً. فخرج عن القياس الكلي من اختلاف ضمان المتلفات باختلاف قدرها وصفتها.

الثالث: أن اللبن التالف إن كان موجوداً عند العقد فقد ذهب جزء من المعقود عليه من أصل الخلقة، وذلك مانع من الرد، كما لو ذهب بعض أعضاء المبيع، ثم ظهر على عيب، فإنه يمتنع الرد، وإن كان حادثاً بعد الشراء فقد حدث على ملك المشتري. فلا يضمنه، وإن كان مختلطاً بما كان منه موجوداً عند العقد منع الرد، وما كان حادثاً بعده لم يجب [ضمانه](1).

الرابع: إثبات الخيار ثلاثاً من غير شرط مخالف للأصول فإن الخيار الثابت بأصل الشرع لا يتقدر بالثلاث، كخيار العيب، وخيار الرؤية عند من يثبته، وخيار المجلس عند من يقول به.

الخامس: يلزم من القول بظاهره الجمع بين الثمن والمثمن للبائع في بعض الصور، وهو ما إذا كانت قيمة الشاة صاعاً من تمر، فإنها ترجع إليه مع الصاع الذي هو مقدار ثمنها.

السادس: أنه مخالف لقاعدة الربا في بعض الصور، [و](2) هو ما إذا اشترى شاة بصاع فإذا استرد معها صاع تمر، فقد استرجع الصاع الذي هو الثمن، [فيكون قد باع شاة مع صاع بصاع](3) وذلك خلاف قاعدة الربا عندكم [فإنكم](4) تمنعون مثل ذلك.

(1) في ن هـ الضمان.

(2)

زيادة من ن هـ، وإحكام الأحكام (4/ 52).

(3)

عبارة إحكام الأحكام (4/ 52)، فيكون قد باع صاعاً وشاة بصاع.

(4)

في هـ (فإنهم).

ص: 64

السابع: إذا كان اللبن باقياً لم يكلف رده عندكم فإذا أمسكه فالحكم كما لو تلف فيرد الصاع، وفي ذلك ضمان الأعيان مع بقائها والأعيان لا تضمن بالبدل إلَاّ مع فواتها كالمغصوب وسائر المضمونات.

الثامن: قال بعضهم: إنه أثبت الرد من غير عيب ولا شرط. فإن نقصان اللبن لو كان عيباً لثبت به الرد من غير تَصْرِية، ولا يثبت الرد في الشرع إلَاّ بعيب أو شرط.

وأما المقام الثاني: -وهو أن ما كان من أخبار الآحاد مخالفاً لقياس الأصول المعلومة: لم يجب العمل به- فلأن الأصول المعلومة مقطوع بها من الشرع، وخبر الواحد مظنون، والمظنون لا يعارض المعلوم.

أجاب القائلون: بظاهر الحديث: بالطعن في المقامين جميعاً، أعني أنه مخالف للأصول، وأنه إذا خالف الأصول لم يجب العمل به.

أما [(1)] الأول: -وهو أنه مخالف للأصول- فقد فرق بعضهم بين مخالفة الأصول، ومخالفة قياس الأصول. وخص الرد بخبر الواحد بالمخالفة في الأصول، لا بمخالفة قياس الأصول. وهذا الخبر إنما يخالف قياس الأصول (2). وفي هذا نظر. وسلك

(1) في إحكام الأحكام (4/ 53) زيادة (المقام).

(2)

قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (4/ 251) -بعد ما ذكر هذا بدليل أن الأصول-: الكتاب والسنّة والإِجماع القياس. والكتاب والسنّة =

ص: 65

آخرون [تخريج](1) جميع هذه الاعتراضات والجواب عنها.

أما الاعتراض الأول: فلا نسلم أن جميع الأصول تقتضي الضمان بأحد الأمرين على ما ذكرتموه فإن الحر يضمن بالإِبل، وليست بمثل له ولا قيمة، والجنين يضمن بالغُرّة وليست بمثل له ولا قيمة، وأيضاً فقد يضمن المثل بالقيمة إذا تعذرت [المماثلة](2) وهنا تعذرت.

أما الأول: فمن أتلف شاة لبوناً كان عليه قيمتها مع اللبن. ولا يجعل بإزاء لبنها لبناً آخر، لتعذر المماثلة.

وأما الثاني: -وهو أنه تعذرت المماثلة ههنا- فلأن ما يرده مع اللبن عوضاً عن اللبن التالف لا تتحقق مماثلته له في المقدار لجواز أن يكون حال رده وعند العقد أكثر من اللبن الموجود أو أقل.

وأما الاعتراض الثاني فقيل في جوابه: أن بعض الأصول لا تتقدر بما ذكرتموه، كالموضحة فإن أرْشها مقدر، مع اختلافها

= في الحقيقة هما الأصل. والآخران مردودان إليهما. فالسنّة أصل القياس. فكيف يرد الأصل والفرع؟ بل الحديث الصحيح أصل بنفسه. فكيف يقال: إن الأصل يخالف القياس؟ إلى أن قال: وقال ابن السمعاني: متى ثبت الخبر صار أصلاً من الأصول. ولا يحتاج إلى عرضه على أصل آخر. لأنه إن وافقه فذاك. وإن خالفه فلا يجوز رد أحدهما. لأنه رد للخبر بالقياس. وهو مردود باتفاق. فإن السنّة مقدمة على القياس بلا خلاف. اهـ.

(1)

في إحكام الأحكام (4/ 53)(تجريح).

(2)

في ن ب (هل المهايأة)، وما أثبت من ن هـ وإحكام الأحكام.

ص: 66

بالكبر والصغر، والجنين مقدر أرشه ولا يختلف بالذكورة والأنوثة واختلاف الصفات، والحرُّ ديته مقدرة وإن اختلف في الكبر والصغر وسائر الصفات، والحكمة فيه أن ما يقع فيه التنازع والتشاجر بقصد قطع النزاع فيه بتقدير شيء معين. وتُقدّم هذه المصلحة في مثل هذا المكان على تلك القاعدة.

وأما الاعتراض الثالث، فجوابه أن يقال: متى يمتنع الرد بالنقص؟ إذا كان لاستعلام العيب؛ [و](1) إذا لم يكن الأول ممنوع، والثاني مسلم. وهذا النقص لاستعلام العيب، فلا يمنع الرد.

وأما الاعتراض الرابع: فإنما يكون الشيء مخالفاً لغيره إذا كان مماثلاً له وخولف في حكمه.

وهذه الصورة هنا انفردت عن غيرها، [لأن](2) الغالب أن هذه المدة [هي التي يتبين بها أن اللبن المجتمع بأصل الخلقة جبلة](3) واللبن المجتمع بالتدليس. [فهي](4) مدة يتوقف [علم](5) العيب عليها غالباً، بخلاف خيار الرؤية والعيب فإنه يحصل المقصود من غير هذه المدة فيها، وخيار المجلس ليس [للاستعلام](6).

(1) في إحكام الأحكام (4/ 55)(أو).

(2)

في الأصل ون هـ (بأن)، وما أثبت من إحكام الأحكام.

(3)

عبارة إحكام الأحكام (هي التي يتبين بها لبن الخلقة المجتمع بأصل الخلقة، واللبن).

(4)

في المخطوطة (فهو)، وما أثبت من إحكام الأحكام.

(5)

زيادة من إحكام الأحكام.

(6)

في إحكام الأحكام (لاستعلام العيب).

ص: 67

وأما الخامس فقد قيل فيه: أن الخبر وارد على العادة، والعادة أن لا تباع شاة بصاع. وفيه ضعف.

وقيل: إن صاع التمر بدل عن اللبن لا عن الشاة: فلا يلزم الجمع بين العوض والمعوض.

وأما السادس فقد قيل في الجواب عنه: إن الربا إنما يعتبر في العقود لا في الفسوخ بدليل أنهما لو تبايعا ذهباً بفضة لم يجز أن يفترقا قبل القبض ولو تقابلا في هذا العقد لجاز أن يفترقا قبل القبض.

وأما السابع فقيل في جوابه: أن اللبن الذي كان في الضرع حال العقد يتعذر رده لاختلاطه باللبن الحادث بعد العقد، وأحدهما للبائع، والآخر للمشتري.

وتعذر الرد لا يمنع من الضمان مع بقاء العين كما لو غصب عبداً فأبق، فإنه يضمن قيمته مع بقاء عينه، لتعذر الرد.

وأما الثامن فقيل فيه: إن الخيار يثبت بالتدليس كما لو باع رحاً دائرة بماء قد جمعه لها ولم يعلم به المشتري بل قد يقال أن ها هنا شرطاً معنوياً وهو أن المشتري رأى ضرعاً مملوءاً فظن أن ذلك عادتها فكانه اشترط له ذلك من حيث المعنى فجاء الأمر بخلافه فوجب الرد لفقدان الشرط المعنوي فإنه كاللفظ.

وأما المقام الثاني: -وهو النزاع في تقديم قياس الأصول على خبر الواحد- فقيل فيه: إن خبر الواحد أصل بنفسه، يجب اعتباره لأن الذي أوجب اعتبار الأصول نص صاحب الشرع عليها، وهو

ص: 68

موجود في خبر الواحد، فيجب اعتباره. وأما تقديم القياس على الأصول باعتبار القطع، وكون خبر الواحد مظنوناً، فتناول الأصل لمحل خبر الواحد غير [المقطوع](1) به، لجواز استثناء محل الخبر [عن](2) ذلك الأصل.

قال الشيخ تقي الدين (3): وعندي أن التمسك بهذا الكلام أقوى من التمسك بالاعتذارت، ومن الناس من سلك طريقة أخرى في الاعتذار عن هذا الحديث، وهي ادعاء النسخ وأنه يجوز أن يكون ذلك حيث كانت العقوبة بالمال جائزة (4)، وهو ضعيف، فإنه إثبات نسخ بالاحتمال والتقدير، وهو غير سائغ.

(1) في إحكام الأحكام (مقطوع).

(2)

في إحكام الأحكام (من).

(3)

إحكام الأحكام (4/ 57).

(4)

قال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (21/ 92): وقالت طائفة، منهم أبو حنيفة وأصحابه: لا يجوز القول بحديث المصراة، وادعوا أنه منسوخ بالحديث الوارد في أن الخراج بالضمان، والغلة بالضمان وقال أيضاً (21/ 93) وقالوا: وهذا كله يبين أن الحديث منسوخ كما نسخت العقوبات في غرامة مثليّ الشيء، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حريسة الجبل التي لا قطع فيها غرامة مثليها، وجلدات نكال نسخه قول الله عز وجل:{فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وكذلك قوله: صاعاً من تمر منسوخ أيضاً بتحريم الربا، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الطعام بالطعام ربا، إلَاّ هاء وهاء، وجعل فيمن استهلك طعاماً طعاماً مثله، قال: فإن فات، فقيمته ذهباً، أو ورقاً. قالوا، وهذا كله يدل على أن الحديث منسوخ.

ص: 69

ومنهم من قال: يحمل الحديث على ما إذا اشترى شاة بشرط أنها تحلب خمسة أرطال مثلاً وشرط الخيار، فالشرط فاسد، فإن اتفقا على إسقاطه في مدة الخيار صح العقد، وإلَاّ بطل وأما رد الصاع، فلأنه كان قيمة اللبن في ذلك الوقت.

وأجيب عنه: بأن الحديث يقتضي تعليق الحكم بالتصرية، وما ذكر يقتضى تعليقه بفساد الشرط، سواء [وجدت](1) التصرية أم لا.

ثم اعلم بعد ذلك أن الصحيح الذي قال به فقهاء المحدثين العمل بالحديث وهو الموافق للسنة وممن قال به الشافعي والليث وابن أبي ليلى وأبو ثور وأبو يوسف صاحب أبي حنيفة والسنة إذا وردت لا يعترض عليها بالمعقول. ومن الحكايات الصحيحة (2) في هذا الباب ما أنبأنا به عن أبي الفضل أحمد بن عساكر عن أبي المظفر عبد الرحيم السمعاني عن والده الحافظ عبد الكريم عن أبي المعمر المبارك الأزجي عن أبي القاسم [يوسف](3) بن علي الزنجاني عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، قال سمعت القاضي أبي الطيب الطبري قال: كنا في حلقة الذكر بجامع المنصور فجاء شاب خراساني فسأل عن مسألة المصراة فطالب بالدليل فاحتج المستدل بحدبث أبي هريرة الوارد فيها، فقال الشاب: وكان حنفياً أبو هريرة غير مقبول الحديث، قال القاضي: فما إن استتم كلامه حتى سقطت عليه حية عظيمة من سقف الجامع فوثب الناس من

(1) في إحكام الأحكام (أحدث).

(2)

انظر: القبس (852)، وفتح الباري (4/ 364، 365) قال الذهبي: إسناده ثقات.

(3)

ساقطة من ن هـ.

ص: 70

أجلها وهرب الشاب من يديها وهي تتبعه فقيل له تب تب، فقال: تبت فغابت الحية فلم ير لها أثراً وهذا إسناد جليل صحيح رواته كلهم ثقات.

الوجه الثامن: من الكلام على الحديث يستنبط منه تحريم التدليس وأنه موجب للخيار، وإن كان بتحسين المبيع الذي يؤدي إلى الخدع والغرر وإقامة الفعل مقام النطق في مثل هذا كما إذا سوّد شعر الجارية [الشابة](1) أو جعّد شعر السبطة ونحو ذلك.

والأصح عند الشافعية أنه إذا لطخ ثوب العبد بالمداد ليخيل به كتابته أنه لا خيار به لتقصير المشتري بعدم الامتحان والسؤال.

وقيل: نعم للتلبيس والتدليس، وهو محكى عن المالكية.

الوجه التاسع: في أحكام الحديث ملخصة.

الأول: تحريم تلقي الركبان وقد سلف شرطه.

الثاني: تحريم البيع على بيع أخيه وقد سلف شرطه أيضاً.

الثالث: تحريم النجش.

الرابع: تحريم (2) الحاضر للبادي وقد تقدم شرطه أيضاً.

الخامس: تحريم التصرية.

السادس: ثبوت الخيار بها.

السابع: ثبوت الرد بها بعد حلبها إن اختاره المشتري.

(1) في الأصل (الشايب)، وما أثبت من ن هـ.

(2)

لعل فيه زيادة (بيع).

ص: 71

الثامن: أن البدل عن اللبن مقدر من الشرع بصاع تمر مطلقاً كما سلف.

التاسع: امتداد خيار الرد بالتصرية ثلاثة أيام وقد سلف ما فيه.

العاشر: رواية الخيار ثلاثاً جعلها أبو حنيفة والشافعي أصلاً في ضرب أجل الخيار وأنه لا زيادة فيه على هذه المدة.

وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد بن الحسن: قليل الخيار وكثيره جائز.

ومالك لا يرى للخيار أصلاً محدود لا يتعدى بل قدر ما يتخير فيه المشتري؛ ويختلف ذلك باختلافه؛ فليس اختيار الثوب كاختيار العبد وسكنى الدار.

وبيع الخيار عند المالكية [جائز](1) ضرب له أجلاً أم لا، ويضرب الحاكم للبيع من الأجل قدر ما يتخير فيه مثلاً، خلافاً لأبي حنيفة والشافعي في إبطاله إذا لم يضرب له أجل وهو رخصة خارجة عن الأصل للضرورة الداعية للبحث عن المشتري ويقضي معرفته وأخذ رأي من [يريد](2) مشورته فيه.

الحادي عشر: فيه أيضاً أن العقد المنهى عنه المحرم إذا كان لأجل الآدمي لم يدل على الفساد ولا يفسخ العقد ألا ترى أن التصرية غش محرم ثم إنه عليه الصلاة والسلام لم يفسخ العقد ولكن جعل الخيار للمشتري.

(1) زيادة من ن هـ.

(2)

زيادة من ن هـ.

ص: 72

الثاني عشر: فيه أيضاً أن بيع الخيار موضوع لتمام البيع واستقراره لا للفسخ، وهو أحد القولين، [عند المالكية](1).

وقيل: إنه موضوع للفسخ.

قال القرطبي في "مفهمه"(2): والأول أولى لقوله عليه الصلاة والسلام: "إن رضيها أمسكها"، والإِمساك: إنما هو استدامة التمسك لما قد ثبت وجوده كما قال عليه الصلاة والسلام لغيلان: "أمسك أربعاً وفارق سائرهن"(3) أي [استدم](4) حكم العقود السابقة.

(1) زيادة من ن هـ.

(2)

المفهم (2684).

(3)

الموطأ (586)، والشافعي في الأم (5/ 163)، والترمذي (1128)، وابن ماجه (1953)، وابن حبان (4157).

(4)

في الأصل (استلزم)، وما أثبت من ن هـ والمفهم.

ص: 73