الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
301/ 4/ 58 - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (جَعَلَ -وفي لفظ: قضى- النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم. فإذا وقعت الحدود، وَصُرِّفَتِ الطرق فلا شفعة)(1).
الكلام عليه من وجوه:
الأول: هذا الحديث أخرجه البخاري من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر بهذين اللفظين:"جعل الشفعة" إلى آخره. و "قضى بالشفعة" إلى آخره، ذكره هنا بلفظ:"قضى" إلى آخره، وذكره في كتاب الشركة كذلك، وترجم عليه باب (2): إذا قسم الشركاء الدور أو غيرها، فليس لهم رجوع.
وذكره في البيوع (3) أيضًا باللفظ المذكور، وترجم عليه بيع الأرض والدور والعروض مشاعًا غير مقسوم. وفي لفظ: له في هذا
(1) البخاري أطرافه (2213)، ومسلم (1608)، ومالك (2/ 713)، وسنن البيهقي (6/ 13)، ومعرفة السنن (8/ 11986)، وأبو داود (3514)، والترمذي (1370)، وابن ماجه (2497).
(2)
الفتح (5/ 134)، ح (2496).
(3)
الفتح (4/ 408)، ح (2214).
الباب في "كل ما لم يقسم". وذكره باللفظ الأول قبل هذا الباب، لكنه قال:"في كل مال لم يقسم" بدل "في كل ما لم يقسم" وترجم عليه بيع الشريك من شريكه (1). وكذا ذكره بهذا اللفظ الشيخ تقي الدين (2): "في شرحه".
وذكره البخاري في الشركة (3) بلفظ ثالث: "إنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم -الشفعة" لفظ المصنف سواء.
وأخرجه مسلم (4) من حديث أبي الزُّبير، عن جابر بألفاظ أقربها إلى رواية المصنف:"قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط، لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، وان شاء ترك. فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به".
وله في لفظ آخر: "الشفعة في كل شرك في أرض أو ربع أو حائط"، والثاني بنحوه.
واعلم أن ابن الجوزي لما أخرج الحديث في "تحقيقه"(5): من طريق أبي سلمة، عن جابر قال: انفرد بإخراجه البخاري. ولما
(1) الفتح (4/ 407)، ح (2213).
(2)
انظر: حديث الباب.
(3)
الفتح (5/ 133، 134)، ح (2495). فات المؤلف -رحمنا الله وإياه- في تبويب البخاري ما يأتي:
1 -
في كتاب الشفعة. باب: الشفعة فيما لم يقسم ح (2257).
2 -
في كتاب الحيل. باب: الهبة في الشفعة ح (6976).
(4)
انظر: حديث الباب.
(5)
التحقيق في أحاديث الخلاف (2/ 214، 215).
أخرجه من طريق أبي الزبير عن جابر، وقال: انفرد [به](1) مسلم. وهذا هو التحقيق في العزو، وكان المصنف أراد: أن أصله في الصحيحين من حديث جابر، وإن اختلفت الطريق إليه، فيتنبه لذلك.
الثاني: الشفعة: بضم الشين وإسكان الفاء، والفقهاء يضمون الفاء، وهو خلاف الصواب، كما نبه عليه صاحب "تثقيف اللسان"(2).
واختلف في اشتقاقها في اللغة: هل هي من الضم، أو الزيادة، أو التقوية، أو الإعانة، أو الشفاعة على (3) أقوال.
وهي في الشرع: حق تملك قهري، يثبت للشريك القديم على الشريك الحادث بسبب الشركة بالعوض، الذي يملك به لدفع الضرر (4). -وهو ضرر مؤونة القسمة واستحداث المرافق وغيرها
(1) في التحقيق بإخراجه وما أثبت من الأصل.
(2)
هو أبو حفص عمر بن خلف بن مكي الصقلي النحوي اللغوي المتوفي سنة (501)، تثقيف اللسان (218).
(3)
تقول شفعت الشيء: ضممته، سميت شفعة، لأن الشفيع يضم ما يتملكه بهذا الحق إلى نصيبه أو ملكه، فيزيده عليه، ويتقوى به، فقد كان الشفيع منفردًا في ملكه، فبالشفعة ضم المبيع إلى ملكه، فصار شفعًا ضد الوتر.
(4)
وعرفها الأحناف: بأنها حق تملك العقار المبيع جبرًا عن المشتري، بما قام عليه، من ثمن وتكاليف، أي:(النفقات التي أنفقها) لدفع ضرر الشريك الدخيل أو الجوار وهذا عند الحنفية، لأن الشفعة تثبت عندهم للشريك والجار. =
لا ضرر سوى المشاركة على الأصح.
الثالث: هذا الحديث أصل في ثبوت الشفعة، وقد تضمن أحكامًا:
الأول: ثبوتها للشريك في العقار ما لم يقسم، وهو إجماع، ويعني بالعقار الأرض والضياع والنخل على ما فسره أهل اللغة وخصت بالعقار: لأنه أكثر الأنواع ضررًا.
وشذ بعضهم فأثبتها في العروض، وهي رواية عن عطاء، قال: يثبت في كل شيء حتى في الثوب. حكى ذلك عنه ابن المنذر (1).
= أما عند الجمهور: وهو في التعريف الذي ساقه المصنف فالشفعة تثبت للشريك دون الجار. وهذا خاص في العقار على المذاهب الأربعة. أما الظاهرية: فقد أجازوها في المنقول كالحيوان وغيره. اهـ.
(1)
قال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (21/ 308)، وقد شذت طائفة، فأوجبت الشفعة في كل شيء وردت روايات في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
منها ما ذكره عبد الرزاق -بإسناده- عن ابن أبي ملكية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشريك شفيع في كل شيء".
وساق بإسناده عنه. قال قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شيء في الأرض، والدار، والدابة، والجارية.
قال عطاء: إنما الشفعة في الأرض والدار.
فقال له ابن أبي مليكة: سمعتني -لا أم لك-، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول هذا. قال أبو عمر: هذا حديث مرسل، وليس له إسناد غير هذا فيما أعلم، ومن قال بمراسيل الثقات لزمه قبوله. اهـ. =
وعن أحمد رواية أنها تثبت في الحيوان والبناء المنفرد.
وحكى الصعبي في "شرحه" عن مالك ثلاث روايات:
الأول: ثبوتها في كل منقول.
ثانيها: في السفن خاصة (1).
= وإلى هذا رجع عطاء، وهو قول فقهاء أهل مكة.
وسأل عبد الله البجلي، عطاء عن الشفعة في الثوب؟ فقال: له شفعة، وسأله عن الحيوان؟ فقال: له شفعة، وسأله عن العبد؟ فقال له شفعة. وهذا عن عطاء وابن أبي ملكية، بأصح إسناد عنهما.
ورواية لحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: من كان له شريك في ربعة أو نخل فليس له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن رضي أخذ وإن كره ترك.
وروى إسقاط الشفعة فيما عدا الأرض، عن ابن عباس، وشريح، وابن المسيب، ويقول ابن حزم: ولا يصح عنهم.
وعن عطاء، وقد ذكرنا أنه رجع عن ذلك، وعن إبراهيم، والشعبي والحسن، وقتادة، وحماد بن أبي سليمان، وربيعة، ويقول ابن حزم قد صح عنهم -أي: القول بالشفعة.
قال ابن عبد البر: ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر قال قلت: لأيوب أتعلم أحدًا كان يجعل في الحيوان شفعة؟ قال: لا.
قال معمر: ولا أعلم أحدًا جعل في الحيوان شفعة.
وساق بإسناده عن ابن المسيب قال: ليس في الحيوان شفعة. اهـ. من الاستذكار (21/ 309).
(1)
ونقل الكاساني في البدائع (5/ 12)، عن الإِمام مالك: أنه يرى الشفعة في السفن، لأن السفينة أحد المسكنين، فتجب فيها الشفعة، كما تجب في المسكن الآخر، وهو العقار. لكن هذا لم يصح كما ذكره التنوخي في =
ثالثها: إن بيعت وحدها فلا شفعة، وإن بيعت مع الأرض ففيها الشفعة، لئلا تتفرق على المشتري (1).
قلت: حديث ابن عباس: "الشفعة في كل شيء"(2) ضعَّف الترمذي والبيهقي وصله.
وقيل: إن أبا حمزة السكري وهم فيه. قال الترمذي: هو ثقة، يمكن أن يكون الخطأ منه.
قلت: فيه نظر، لأنه من رجال الصحيحين، ومن يقول بالمرسل يلزمه القول به.
= شرحه لرسالة القيرواني (2/ 193)، عن ابن عبد السلام قال: ما نقله بعض الحنفية عن مالك في السفينة لا يصح. اهـ. وبهذا تتفق المذاهب الأربعة على عدم الشفعة في السفينة.
(1)
وأجاز المالكية الشفعة في البناء والشجر إذا بيع أحدهما مستقلًا عن الأرض، لأن كلًا منهما عندهم عقار، والعقار: هو الأرض وما اتصل بها من بناء وشجر، فلا شفعة في حيوان أو عرض تجاري إلَّا إذا بيع تبعًا للأرض.
مثاله: الشجر أو البناء موقوفة "محبسة" أو معارة، بأن اقتضت المصلحة إجارة الأرض الموقوفة، سنين، ثم بني فيها المستأجر أو غرس بإذن ناظرها، على أن ذلك له فإذا كان المستأجر متعددًا، وباع أحدهم، فللآخر الشفعة.
وأجاز المالكية الشفعة في الثمار والخضروات ونحوها مما له أصل تجني ثمرته، ويبقى في الأرض وقتًا ما، فإذا باع أحد الشريكين نصيبه منها، ولو مفردًا عن أصله، فللآخر أخذه بالشفعة.
(2)
قال ابن حجر في الفنح (4/ 436)، رجاله ثقات إلَّا أنه أعل بالإرسال. اهـ.
وروى الطحاوي عن محمَّد بن خزيمة بسند صحيح إلى جابر: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شيء"(1)، لكن محمَّد هذا إن لم يكن ابن خزيمة الإِمام فلا أعرفه.
وأما ابن المنذر فقال: ليس في هذا الباب حديث صحيح يجب القول به.
وأعلم أن صدر هذا الحديث يدل على من يقول بثبوتها في المنقولات، لكن آخره وسياقه يشعر بأن المراد به العقار، وبما فيه الحدود وصرف الطرق (2).
الثاني: سقوطها بمجرد الجوار (3)، لأنه بعد القسمة جار، وهو مذهب مالك، والشافعي، وأحمد، والجمهور؛ وقال من الصحابة عمر، وعثمان؛ ومن التابعين سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، ويحيى الأنصاري، وأبو الزناد، ومن غيرهم ربيعة، والأوزاعي، والمغيرة بن عبد الرحمن،
(1) وقال أيضًا له شاهد من حديث جابر بإسناد لا بأس برواته. اهـ.
(2)
وقال أيضًا: وقد تضمن هذا الحديث ثبوت الشفعة في المشاع، يشعر ثبوتها في المنقولات، وسياقه يشعر باختصاصها بالعقار وبما فيه العقار. وقد أخذ بعمومها في كل شيء مالك في رواية، وهو قول عطاء، وعن أحمد تثبت في الحيوانات دون غيرها من المنقولات. اهـ.
(3)
قال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (21/ 265)، في حديث ابن شهاب -يعني حديث الباب- ما ينفي الشفعة في الجوار فإذا لم تجب الشفعة للشريك إذا قسم وضرب الحدود كان الجار الملاصق لم يقسم ولا ضرب الحدود أبعد من أن يجب ذلك. اهـ.
وإسحاق، وأبي ثور (1).
وقال أبو حنيفة والثوري: تثبت بالجوار (2).
قال القرطبي (3): وقدم أبو حنيفة أولًا الشريك في الملك، ثم الشريك في الطريق، ثم الجار الملاصق، ولا حق للجار الذي بينهما الطريق.
(1) انظر: السنة للبغوي، ح (2172).
(2)
أوجب أبو حنيفة والثوري الشفعة للحجار لحديث أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الجار أحق بسقبه" وحديث ابن شهاب يعارضه وهو أصح إسنادًا. اهـ. من الاستذكار باختصار وقد توسط ابن القيم -رحمنا الله وإياه- بين الرأيين، فقرر ثبوت الشفعة للجار إذا كان شريكًا مع جاره في حق من حقوق الارتفاق الخاصة، مثل الطريق أو الشرب وإلَّا فلا شفعة له، انظر: إعلام الموقعين (2/ 123، 132)، تح عبد الحميد. وهذا الرأي أخذ به الشوكاني ورجحه في نيل الأوطار (5/ 333)، عملًا بحديث جابر وإذا كان طريقهما واحدًا.
وهو اختيار شيخ الإِسلام ابن تيمية -رحمنا الله وإياه- انظر: الفتاوى (30/ 383)، والاختيارات للبعلى (289).
(3)
المفهم (4/ 527)، انظر: الاستذكار (21/ 266)، وحجتهم في اعتبار الشركة في الطريق حديث عبد الملك بن أبي سليمان العزرمي عن عطاء عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الجار أحق بشفعته ينتظر بها إذا كان غائبًا، إذا كانت طريقهما واحدة" -سيأتي تخريجه- وهذا حديث انفرد به عبد الملك وهو ثقة، وأنكره عليه شعبة وقال: لو جاء عبد الملك بحديث آخر مثل هذا لأسقطت حديثه، وما حدثت عنه بشيء.
وقال الثوري: عبد الملك أعدل من الميزان. اهـ. من الاستذكار.
وعن ابن سريج قول للشافعي أنها تثبت للجار الملاصق دون المقابل، واختاره الروياني قال: ورأيت بعض أصحابنا يفتي به.
وفي بعض تعاليق ابن الصلاح: أن صاحب "التقريب" خرجه.
وفي "النهاية" عن صاحب "التقريب": أنه حكى عن ابن سريج الميل إليه.
وحكى بعضهم عن الحسن بن حيّ: أن الشفعة لكل جار.
وعن أبي قلابة والحسن: كذلك غير أن أبا قلابة قيد بأربعين دارًا والحسن قيَّده كذلك من كل جانب (1).
وكتب عمر إلى شريح: أقضى بالشفعة للجار، والملاصق (2).
وجاءت أحاديث تدل ظاهرًا على ثبوت الشفعة للجار.
أحدها: حديث جابر، وفيه:(الجار اْحق بشفعته ينتظر بها إن كان غائبًا، إذا كانت طريقهما واحدًا). رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة، وقال الترمذي: حديث غريب (3).
(1) المحلى (10/ 33)، والمجموع (14/ 299، 309)، ونيل الأوطار (5/ 375، 378)، وفتح الباري (4/ 437)، والمغني (5/ 308، 311).
(2)
المحلى (9/ 100)، وأخبار القضاة لوكيع (3/ 192)، والاستذكار (21/ 268).
(3)
أبو داود في البيوع (3518)، والترمذي (1369)، والنسائي في الكبرى، وابن ماجه (2494)، ومعرفة السنن والآثار (12019)، وأحمد (3/ 203).
قلت: في سنده عبد الملك بن أبي سليمان (1)، وقد تكلم فيه شعبة من أجل هذا الحديث.
وقال أحمد (2) في حديثه: هذا حديث منكر.
وقال يحيى: لم يروه غير عبد الملك. وقد أنكروه عليه. أما الترمذي فقال: إنه ثقة مأمون، لا نعلم أحدًا تكلم فيه غير شعبة، من أجل هذا الحديث.
الحديث الثاني: حديث أبي رافع، رفعه:"الجار أحق بصقبه". رواه البخاري (3)، وهو من أفرادهم، ووهم ابن الجوزي فعزاه في "تحقيقه"(4) إلى مسلم أيضًا.
والسقب: بالسين والصاد القرب، وأوَّلَ أصحابنا هذا الحديث على أنه أحق بالإحسان والبر، أو على أن المراد الجار الشريك المخالط (5). قال الأعشى:
(1) ترجمته في تاريخ ابن معين (2/ 371)، والثقات لابن حبان (7/ 97)، والتهذيب (6/ 396)، والتاريخ الكبير للبخاري (3/ 1/ 417)، وتاريخ الثقات للعجلي (309)، والضعفاء الكبير (3/ 31). انظر: ت (3) ص 418.
(2)
انظر: الميزان (2/ 656)، والضعفاء الكبير (3/ 31).
(3)
البخاري أطرافه (2258)، وأبو داود (3516)، والنسائي (7/ 320)، وابن ماجه (2495).
(4)
التحقيق في أحاديث الخلاف (2/ 215).
(5)
قال البغوي -رحمنا الله وإياه- في شرح السنة (2172)، والسقب: بالسين والصاد: في الأصل القرب، يريد بما يليه، وبما يقرب منه، يقال: سبقت الدار وأسبقت: أي: قربت، وليس في هذا الحديث ذكر =
أجارتنا، بيني، فإنكِ طالقة (1)
فسمى الزوج: جاره لمخالطتها له.
وقال الشافعي (2): يحتمل معنيين لا ثالث لهما:
أن يكون أراد الشفعة لكل جار أو أراد بعض الجيران. قال: وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا شفعة إلا فيما قسم"، فدل على أن الشفعة للجار الذي لم يقاسم دون الجار المقاسم.
وذكر البيهقي (3): أن المراد بالحديث أنه أحق بأن يعرض عليه
= الشفعة، فيحتمل أن يكون المراد منه الشفعة، ويحتمل أنه أحق بالبر والمعونة، والأول أقوى. اهـ.
(1)
والشطر الثاني: كذاكِ أمور الناس تغدو طارقه.
وفي اللسان "طلق" بدل "طالقة" و"غاد" بدل "تغدو". انظر: ديوان الأعشى ص (313)، وفي المحبر (309):
أيا جارتنا بيني، فإنك طالقه
…
كذاك أمور الناس غادٍ وطارقه
(2)
انظر: معرفة السنن والآثار (8/ 313) وبقية الكلام.
قال: فيقع اسم الجوار على الشريك؟
قلت: نعم، وعلى الملاصق، وغير الملاصق: أنت تزعم أن الجوار أربعون دارًا من كل جانب؟
قال: أفتوجدني ما يدلّ على أن اسم الجوار يقع على الشريك؟
قلت: زوجتك التي هي في بيتك يقع عليها اسم جوار.
قال حمل ابن مالك بن النابغة: كنت بين جارتين لي، يعني ضُرتين.
وقال الأعشى: وساق البيت المذكور. اهـ. وانظر: السنن الكبرى (6/ 106).
(3)
السنن الكبرى (6/ 105، 106).
قبل البيع، واستأنس بأن أبا رافع طلب من سعد أن يبتاع منه بيتين، فقال: له والله لا أزيدك على أربعمائة دينار: إما مقطعة وإما منجمة. فقال أبو رافع: سبحان الله! والله لقد منعتها من خمسمائة نقدًا، فلولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"الجار أحق بصقبه، ما بعتك"، وهذا يضعّف قول الأصحاب الحديث على البر والإحسان.
الحديث الثالث: حديث الحسن عن سمرة مرفوعًا: (جار الدار أحق بالدار)(1) رواه أبو داود والنسائي والترمذي، وصححه وأعله
(1) الترمذي (1368)، وأبو داود (3/ 286)، وأحمد (4/ 308)، (5/ 8، 12، 13، 18)، والبيهقي (6/ 106)، والطبراني (7/ 236، 237، 238)، والطحاوي معاني الآثار (4/ 123)، والطيالسي (904)، وابن الجارود (644)، والعلل للترمذي (1/ 568).
قال الترمذي في العلل: حديث سمرة صحيح، وروى عيسى بن يونس، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، وروي عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فسألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: الصحيح حديث الحسن عن سمرة، وحديث قتادة عن أنس غير محفوظ ولم يعرف أن أحدًا رواه عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، عن عيسى بن يونس.
وقال في السنن: حدثنا علي بن حجر، حدثنا إسماعيل بن علية، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "جار الدار أحق بالدار".
قال: وفي الباب عن الشريد، وأبي رافع، وأنس، قال: حديث سمرة حديث صحيح، وروى عيسى بن يونس، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. . . . =
غيره بأن الحسن لم يسمع من سمرة، وبأنه روى مرفوعًا عن الحسن.
الحديث الرابع: عن أنس (1) مثله. رواه الترمذي، وقال: لا نعرفه إلا من حديث عيسى بن يونس، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عنه. ورواه النسائي أيضًا وصححه ابن حبان.
وروى النسائي (2) بإسناد صحيح من حديث جابر: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة بالجوار)، وقد يحمل على أن المراد الشريك أو أن الأحاديث محمولة على الندب، أو أن الأحاديث الأول أصح وأشهر.
وقال الشيخ تقي الدين (3): استدل بحديث الكتاب على سقوط الشفعة للجار من وجهين.
= وروى عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والصحيح عند أهل العلم حديث الحسن، عن سمرة، ولا نعرف حديث قتادة، عن أنس إلَّا من حديث عيسى بن يونس وحديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب وهو حديث حسن.
وروى إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد، عن أبي رافع، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سمعت محمدًا يقول: "كلا الحديثين عندي صحيح". اهـ.
(1)
معاني الآثار للطحاوي (4/ 122)، وابن حبان (5182)، وابن أبي حاتم في العلل (1/ 480)، وانظر: التعليق السابق.
(2)
النسائي (7/ 321)، قال السيوطي قوله:"الجوار"، أي: ومراعاة الجوار وهذا لا دليل فيه لا للمثبت ولا للنافي والله تعالى هو الكافي وهو أعلم بما هو الحق الوافي. اهـ.
(3)
إحكام الأحكام (4/ 129).
أحدهما: المفهوم، فإن قوله:"جعل الشفعة في كل ما لم يقسم" يقتضي أن لا شفعة فيما قسم. وقد ورد في بعض الروايات: "إنما الشفعة" وهو أقوى في الدلالة. لاسيما إذا جعلنا: "إنما" دالة على الحصر بالوضع، دون المفهوم.
الثاني: قوله: "فإذا وقعت الحدود" إلى آخره، وهو يقتضي ترتب الحكم على مجموع أمرين: وقوع الحدود، وصرف الطرق. وقد يقول من يثبتها للجار -إن المرتب على أمرين لا يلزم منه ترتبه على أحدهما. وتبقى دلالة المفهوم الأول مطلقة-، وهو قوله:"إنما الشفعة في ما لم يقسم"، فمن قال بعدم ثبوتها تمسك بها، ومن خالفها يحتاج إلى إضمار قيد آخر، يقتضي اشتراط أمر زائد، وهو صرف الطرق مثلًا، وهذا الحديث يستدل به، ويجعل مفهومه مخالفة الحكم عند انتفاء الأمرين معًا [أعني](1) وقوع الحدود وصرف الطرق.
وقال القاضي (2) عياض: لو اقتصر على القطعة الأولى من الحديث، وهي ما إذا وقعت الحدود لكان فيه حجة على عدم شفعة الجوار، لأن الجار بينه وبين جاره حدود، ولكنه لما أضاف إليه و"صرفت الطرق" تضمن أنها تنتفي بشرطين: ضرب الحدود، وصرف الطرق، التي كانت قبل القسمة، ولمن أثبتها أن يقول المراد به صرف الطرق التي يشترك فيها الجاران.
(1) زيادة من إحكام الأحكام.
(2)
ذكره في إكمال إكمال المعلم (4/ 308).
الوجه الثالث: عدم ثبوتها فيما لا يقبل القسمة، لاسيما رواية البخاري السالفة الدالة على الحصر فيما يقسم، وهذا هو الأصح من قولي الشافعي، ووجه استنباط ذلك من الحديث، أن هذه الصيغة في النفي تشعر بالقبول، فيقال للبصير: لم يبصر كذا. ويقال للأكمه: لا يبصر كذا (1)، وإن استعمل أحد الأمرين في الآخر، فذلك للاحتمال. فعلى هذا: يكون في قوله: "فيما لم يقسم" إشعار بأنه قابل للقسمة. وإذا دخلت "إنما" المقتضية للحصر: اقتضت انحصار الشفعة في القابل. كذا قرره الشيخ تقي الدين.
واعترض الفاكهي: فقال قولهم إن المستحيل لا ينفى "بلم"، وإنما ينفى "بلا"، وإنما ينفى "بلم" الممكن دون المستحيل فيه نظر، والذي يظهر لي أنه غير مطرد، فإنه قد جاء نفي المستحيل عقلًا وشرعًا "بلم" في أفصح كلام. قال تعالى:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} (2).
الرابع: ثبوت الشفعة بشرطها لكل أحد من مسلم وذمي ومقيم
(1) قال الصنعاني -رحمنا الله وإياه- في الحاشية (4/ 130)، قوله:"لم يبصر كذا"، أي: مع قبوله للإبصار والإدراك بالحاسة، وللأكمة وهو الذي ولد أعمى ويقال له ممسوح العين كما في الكشاف لا يبصر كذا، أي: لعدم قبوله الإبصار لفقد حاسته، فهذا وجه التفرقة بين لم، ولا، ومنه قوله تعالى:{لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} ، إلَّا أنه كما قال المحقق قد يستعمل أحد الأمرين، أي: العبارتين في الآخر فيؤتى بلم في الثاني، وبلا في الأول ومنه قوله تعالى:{لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} ، مع إمكانه في نفسه. اهـ.
(2)
سورة الصمد: آية 3، 4.
وحضري وغائب وبدوي، ووجه ذلك إطلاق الحديث وعدم بيان من ينسب له.
وانفرد الشعبي والحسن وأحمد (1)، فقالوا: لا شفعة لذمي على مسلم لحديث أنس رفعه: "لا شفعة لنصراني".
قال أبو حاتم (2): حديث باطل.
وقال الخطيب (3): الصحيح وقفه على الحسن.
(1) تثبت الشفعة عند المالكية والشافعية والظاهرية للذمي الكافر على المسلم كما قال الحنفية، انظر: الكافي في فقه أهل المدينة (2/ 856).
أما عند الحنابلة فلا يثبتون للكافر شفعة في بيع عقار لمسلم لحديث "لا شفعة لنصراني" حديث رواه ابن عدي في الكامل (7/ 2520)، والبيهقي (6/ 108)، والطبراني في الصغير (1/ 206)، وتاريخ بغداد (13/ 435)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 109)، وابن حاتم في العلل (1/ 477)، وقال: هو باطل وذكره في مجمع الزوائد (4/ 159)، وابن الجوزي في التحقيق في أحاديث الخلاف (2/ 217)، فهو يخصص عموم ما احتجوا به، ولأن الأخذ بالشفعة يختص به العقار، فأشبه الاستعلاء في البنيان، والكافر ممنوع من ذلك بالنسبة للمسلم، ولأن في شركته ضررًا بالمسلم، وانظر: كلام الإِمام أحمد في مسائل أبي داود (203)، وابنه عبد الله (298)، وإسحاق بن هاني (2/ 26)، واختيار شيخ الإِسلام ابن تيمية، الاختيارات (290)، وابن القيم في أحكام أهل الذمة (1/ 291، 299)، حيث أطال النفس فيه، وحاشية الروض لابن قاسم (5/ 442)، وانظر: معجم فقه السلف (6/ 133).
(2)
انظر: التعليق السابق.
(3)
انظر: التعليق السابق.
وقال الدارقطني والبيهقي (1): إنه الصواب. لا جرم قاله باقي الأئمة الأربعة بثبوت الشفعة له كعكسه.
وانفرد الشعبي (2) أيضًا بقوله: لا شفعة لمن لا يسكن المصر.
(1) انظر: ت (1)، ص 426.
(2)
المحلى (9/ 94)، والمغني (7/ 526).