المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الثالث عشر - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٧

[ابن الملقن]

الفصل: ‌الحديث الثالث عشر

‌الحديث الثالث عشر

310/ 13/ 58 - عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ظلم قِيدَ شبر من الأرض: طُوّقَهُ [. .] (1) من سبع أرضين) (2).

الكلام عليه من وجوه:

الأول: في ألفاظه: "الظلم"[لغة](3) وضع الشيء في غير موضعه.

(وقيد): بكسر القاف وإسكان الياء، أي قدر شبر يقال: قيد، وقاد وقيس، وقاس، بمعنى واحد.

[وقيده](4) بالشبر للمبالغة والتنبيه على ما زاد عليه فإنه أولى

(1) في الأصل زيادة (الله).

(2)

البخاري (2453)، ومسلم في كتاب المساقاة باب تحريم الظلم وغصب الأرض (4/ 11/ 50 - النووي)، والبيهقي في السنن (6/ 98، 99)، وأحمد (6/ 64، 79، 252).

(3)

في ن هـ ساقطة.

(4)

في ن هـ ساقطة.

ص: 507

منه، ونظيره قوله عليه الصلاة والسلام في حديث آخر:"وإن كان قضيبًا من أراك".

وفي معنى: "طوقه"، قولان:

أحدهما: جعل له الطوق في عنقه كالغل كما قال تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ} (1) وبه جزم الشيخ تقي الدين (2) وصححه البغوي (3).

الثاني: أنه يطوق إثم ذلك، ويلزمه كلزوم الطوق في العنق، وفيه قول ثالث: أنه يحمل مثله في سبع أرضين، قال تعالى:{وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (4) ويكلف إطاقة ذلك، ويطول الله عنقه كما جاء في غلظ جلد الكافر وعظم ضرسه (5).

وفيه قول رابع: أن يخسف به في مثل الطوق بها، ويؤيده رواية البخاري (6) من حديث ابن عمر: "خسف به يوم القيامة إلى

(1) سورة آل عمران: آية 180.

(2)

إحكام الأحكام (4/ 149).

(3)

شرح السنة (8/ 229).

(4)

سورة آل عمران: آية 161.

(5)

من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلاث" مسلم (2851)، في صفة الجنة، والترمذي (2582)، وأحمد (2/ 328)، والبغوي (15/ 250).

(6)

البخاري أطرافه (2454)، والفتح (5/ 103).

ص: 508

سبع أرضين".

وفيه قول خامس: أنه يجمع كل ذلك عليه.

قال القرطبي (1): وقد دل على ذلك ما رواه [الطبراني](2) في هذا الحديث [وقال](3) كلفه [الله](4) حمله حتى يبلغ سبع أرضين ثم يطوقه يوم القيامة حتى يقضي بين [. .](5) الناس".

و"الأرضون": بفتح الراء والإِسكان قليل شاذ حكاه

(1) المفهم (5/ 2914).

(2)

في النسخ (الطبري)، وما أثبت حسب مصدر الحديث فلعله خطأ من النساخ. الحديث في معجم الطبراني الكبير بألفاظ.

منها: عن يعلى بن مرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أيما رجل ظلم شبرًا من الأرض، كلفه الله أن يحضره حتى يبلغ سبع أرضين، ثم يطوقه يوم القيامة حتى يفصل بين الناس"، والطبراني (22/ 692)، والمسند (4/ 7173 وابن حبان (5164).

ومنها: "من أخذ أرضًا بغير حقها كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر"، وابن أبي شيبة (6/ 665)، وابن حبان في الثقات (4/ 48)، والطبراني (22/ 691).

* "من ظلم من الأرض شبرًا فما فوقه، كلف أن يحمله يوم القيامة حتى يبلغ الماء، ثم يحمله إلى المحشر"، الطبراني (22/ 695).

* "من سرق شبرًا من الأرض أو أنملة جاء يحمله يوم القيامة إلى أسفل الأرضين"، الطبراني (22/ 693).

(3)

في المفهم: قد.

(4)

زيادة من ن هـ والمفهم.

(5)

في المفهم وهـ زيادة (الله).

ص: 509

الجوهري (1) وغيره وجمعت بالواو والنون وإن فقدت الشروط جبرًا لها لما نقصها من ظهور علامة التأنيث إذ لم يقولوا أرضه كما جمعوا سنين بالواو والنون عوضًا من حذف لامها.

الثاني: هذا الحديث مصرح بأن الأرضين [سبع](2) طباق وهو موافق لقوله تعالى: {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} (3). وأما تأويل المثلية على الهيئة والشكل فخلاف الظاهر، وكذا قول من قال المراد بالحديث سبع أراضين من سبع أقاليم لا إن الأرضين سبع طباق، وهو بعيد كما ذكرته في شرح الخطبة.

وأبطلوه بأنه لو كان كذلك لم يطوق الظالم الشبر من هذا الأقليم شيئًا من أقليم آخر، أي لأن الأصل في العقوبات المساواة بخلاف طبقات الأرض، فإنها تابعة لهذا الشبر في الملك، فمن ملك شيئًا من هذه الأرض ملكه وما تحته من الطباق نعم عندنا خلاف في أن المعدن الباطن وهو ما لا يخرج إلَّا بعلاج كذهب وفضة: هل يملك بالحفر والعمل في الموات بقصد التملك والأظهر من قولي الشافعي المنع.

والثاني: تملك إلى القرار ولا خلاف عندنا أنه لو أحيا مواتًا فظهر فيه معدن ملكه لأنه من أجزاء الأرض بخلاف الركاز، فإنه مودع فيها.

(1) مختار الصحاح (13).

(2)

زيادة من ن هـ.

(3)

سورة الطلاق: آية 22.

ص: 510

قال القاضي عياض: وقد جاء في غلظ الأرضين وطباقهن وما بينهن حديث ليس بثابت.

الثالث: في أحكامه:

الأول: تحريم الظلم والغصب وتغليظ عقوبته.

الثاني: إمكان غصب الأرض وهو مذهب الشافعي والجمهور.

وقال أبو حنيفة: لا يتصور غصبها.

الثالث: أن بعض العقوبات يكون من جنس المعاصي في الصورة أو أزيد للتنفير عن المعصية ولا يخفى أن هذه العقوبة مقيدة بعدم التوبة من هذه المعصية فأما من تاب منها بشروطها فلا تطوق عليه.

الرابع: فيه أيضًا التنبيه على أن من ملك أرضًا ملكها إلى قرارها كما يملك الهواء تبعًا للملك وقد أسلفنا ذلك [. .](1)، والخلاف ثابت عند المالكية أيضًا فيما إذا ملك أرضًا هل يملك ما فيها من معدن أو كنز حكاه القرطبي (2).

فقيل: نعم.

وقيل: هو للمسلمين.

الخامس: استدل بهذا الحديث الداودي على أن السبع

(1) في هـ زيادة (لك).

(2)

المفهم (5/ 2915).

ص: 511

الأراضين لم يفتق بعضها من بعض قال: لأنه لو فتق بعضها من بعض لم يطوق منه ما ينتفع به غيره (1). وفيما ذكره نظر، لأن لفظ السبع عدد وهو مقتضي الانفصال المعدود بعضه من بعض.

(1) انظر: المرجع السابق.

ص: 512