الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَبَاحِثُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ]
قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الْحَقِيقَةُ مِنْ قَوْلِنَا: حَقَّ الشَّيْءُ إذَا وَجَبَ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الشَّيْءِ الْمُحَقِّ وَهُوَ الْمُحْكَمُ. تَقُولُ: ثَوْبٌ مُحَقَّقُ النَّسْجِ، أَيْ: مُحْكَمٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: اشْتِقَاقُهَا مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ لَا مِنْ الْحَقِّ، وَإِلَّا لَكَانَ الْمَجَازُ بَاطِلًا. وَتُطْلَقُ الْحَقِيقَةُ وَيُرَادُ بِهَا ذَاتُ الشَّيْءِ وَمَاهِيَّتُهُ، كَمَا يُقَالُ حَقِيقَةُ الْعَالِمِ: مَنْ قَامَ بِهِ الْعِلْمُ وَحَقِيقَةُ الْجَوْهَرِ: الْمُتَمَيِّزُ، وَهَذَا مَحَلُّ نَظَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ. تُطْلَقُ بِمَعْنَى الْيَقِينِ، وَفِي الْحَدِيثِ:«لَا يَبْلُغُ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ» وَلَيْسَ غَرَضَنَا هُنَا. وَتُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا الْمُسْتَعْمَلُ فِي أَصْلِ مَا وُضِعَتْ لَهُ فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ مُرَادُنَا، وَقَدْ مَنَعَ قَوْمٌ أَنْ يَكُونَ قَوْلُنَا: حَقِيقَةً يَنْطَبِقُ عَلَى مَا عَدَا هَذَا،
لِأَنَّ مَعْنَى الْحَقِيقَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا فِيمَا يَصِحُّ فِيهِ الْمَجَازُ، حَكَاهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَزَيَّفَهُ بِأَنَّ اللُّغَةَ لَا تَمْنَعُ، وَقَدْ بَيَّنَّا لِلْحَقِيقَةِ فِيهَا اسْتِعْمَالَاتٍ، وَلِأَنَّ مِنْ الْكَلَامِ مَا هُوَ حَقِيقَةٌ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ الْمَجَازُ فِيهِ. فَقَوْلُنَا: الْمُسْتَعْمَلُ خَرَجَ بِهِ اللَّفْظُ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ، فَلَيْسَ بِحَقِيقَةٍ وَلَا مَجَازٍ وَقَوْلُنَا: مَا وُضِعَ لَهُ أَخْرَجَ الْمَجَازَ إنْ قُلْنَا: إنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ، فَإِنْ قُلْنَا: مَوْضُوعٌ قُلْنَا: وُضِعَ أَوَّلًا. وَهَلْ إطْلَاقُهَا بِهَذَا الِاصْطِلَاحِ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَذَهَبَ الْإِمَامُ وَأَتْبَاعُهُ إلَى أَنَّهُ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ " فَعِيلَةٌ " مِنْ الْحَقِّ إمَّا بِمَعْنَى الْفَاعِلِ أَيْ: الثَّابِتِ، وَلِهَذَا دَخَلَتْ التَّاءُ، وَإِمَّا بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ أَيْ: الْمُثْبَتِ، وَعَلَى هَذَا فَدُخُولُ التَّاءِ فِيهَا لِنَقْلِ الِاسْمِ مِنْ الْوَصْفِيَّةِ إلَى الِاسْمِيَّةِ الْمَحْضَةِ. وَالْحَقُّ: أَنَّهَا إنْ كَانَتْ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ فَهِيَ عَلَى بَابِهَا لِلتَّأْنِيثِ، وَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا لِلتَّأْنِيثِ وَالتَّاءُ لِنَقْلِ الِاسْمِيَّةِ. وَقَالَ السَّكَّاكِيُّ: هِيَ عِنْدِي لِلتَّأْنِيثِ فِي الْوَجْهَيْنِ لِتَقْدِيرِ لَفْظِ الْحَقِيقَةِ قَبْلَ الِاسْمِيَّةِ صِفَةَ مُؤَنَّثٍ غَيْرَ مُجْرَاةٍ عَلَى الْمَوْصُوفِ وَهُوَ الْكَلِمَةُ، ثُمَّ نُقِلَتْ إلَى الِاعْتِقَادِ الْمُطَابِقِ، ثُمَّ مِنْ الِاعْتِقَادِ إلَى اللَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ تَحْقِيقًا لِذَلِكَ الْوَضْعِ، فَظَهَرَ أَنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ الْحَقِيقَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الْمَعْرُوفِ لَيْسَ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً، بَلْ مَجَازًا وَاقِعًا فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ. وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ أَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ