الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّانِي: فِي مَدْلُولِ نِسْبَةِ الْأَفْعَالِ إلَى فَاعِلِهَا، فَنَقُولُ: الْفِعْلُ تَارَةً يُرَادُ بِهِ وُقُوعُهُ مِنْ فَاعِلِهِ حَقِيقَةً، أَوْ قُدْرَةُ الْفَاعِلِ، كَقَوْلِنَا: خَلَقَ اللَّهُ زَيْدًا، وَكَذَلِكَ كُلُّ فِعْلٍ نُسِبَ إلَى اللَّهِ، وَتَارَةً يُرَادُ بِهِ وُقُوعُهُ مِنْ فَاعِلِهِ حُكْمًا كَقَوْلِنَا: قَامَ زَيْدٌ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - هُوَ الْفَاعِلُ، وَلَكِنَّ الْقِيَامَ مَنْسُوبٌ فِعْلُهُ لِزَيْدٍ حُكْمًا، وَتَارَةً يُرَادُ بِمُجَرَّدِ اتِّصَافِهِ بِهِ كَقَوْلِنَا: مَرِضَ زَيْدٌ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا تَسَبُّبَ فِيهِ، كَبَرْدِ الْمَاءِ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْإِسْنَادُ فِيهَا حَقِيقِيٌّ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ وَضَعَتْ لَهَا، وَلَمْ تَقْتَصِرْ عَلَى الْإِسْنَادِ إلَى الْمُوجِدِ، وَالْإِسْنَادُ لِغَيْرِ الْمُوجِدِ لَا يُنَافِي الْحَقِيقَةَ؛ إذْ لَا مَعْنَى لِلْحَقِيقَةِ إلَّا مَا وَضَعَتْ الْعَرَبُ بِإِزَائِهِ، وَالْعَرَبُ تَقْصِدُ النِّسْبَةَ لِهَذِهِ الْأُمُورِ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ تَبَادُرِ الذِّهْنِ إلَى الْإِسْنَادِ مِنْ غَيْرِ الْمُوجِدِ، إنَّمَا الْمَجَازُ التَّرْكِيبِيُّ النِّسْبَةُ لِغَيْرِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ، وَمَعْنَى نِسْبَةِ الشَّيْءِ لِغَيْرِ فَاعِلِهِ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، وَلَا بِمَعْنَى اتِّصَافِهِ بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ كَأَنْبَتَ الرَّبِيعُ الْبَقْلَ، فَإِنَّ الرَّبِيعَ لَيْسَ بِمُنْبِتٍ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، وَلَا مُتَّصِفٍ بِذَلِكَ فِي وَضْعِ الْعَرَبُ، إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ: إنْ فَرَّعْنَا عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ الْمُرَكَّبَاتِ مَوْضُوعَةٌ فَالْمَجَازُ فِي التَّرْكِيبِ لُغَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُ إسْنَادٌ لِغَيْرِ مَوْضُوعِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَتْ مَوْضُوعَةً فَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ عَقْلِيٌّ لَا مَدْخَلَ لِلُّغَةِ فِيهِ، فَمِنْ هُنَا جَاءَ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمَجَازَ التَّرْكِيبِيَّ عَقْلِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ.
[مَسْأَلَةٌ الْمَجَازُ قَدْ يَكُونُ بِالْأَصَالَةِ أَوْ التَّبَعِيَّةِ]
ِ] الْمَجَازُ الْوَاقِعُ فِي الْكَلَامِ قَدْ يَكُونُ بِالْأَصَالَةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالتَّبَعِيَّةِ، وَالْأَوَّلُ لَا يَدْخُلُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ:
الْحُرُوفُ] أَحَدُهَا: الْحَرْفُ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَهُ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ، قَالَ الْإِمَامُ فَإِنْ ضُمَّ إلَى مَا يَنْبَغِي ضَمُّهُ إلَيْهِ كَانَ حَقِيقَةً، وَإِلَّا فَهُوَ مَجَازٌ فِي التَّرْكِيبِ لَا فِي الْمُفْرَدِ، وَخَالَفَهُ النَّقْشَوَانِيُّ مُدَّعِيًا أَنَّ الْحُرُوفَ لَهَا مُسَمًّى فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي مَوْضُوعِهِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً سَوَاءٌ كَانَ الِاسْتِعْمَالُ عِنْدَ ضَمِّهِ إلَى غَيْرِهِ أَوْ عِنْدَ عَدَمِ الضَّمِّ، فَإِذَا اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ لِعَلَاقَةٍ كَانَ مَجَازًا مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ، وَمِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى:{وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] فَإِنَّ الصَّلْبَ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَوْضُوعِهِ الْأَصْلِيِّ، وَكَذَلِكَ جُذُوعُ النَّخْلِ، وَلَمْ يَقَعْ الْمَجَازُ إلَّا فِي حَرْفِ " فِي " فَإِنَّهَا لِلظَّرْفِيَّةِ فِي الْأَصْلِ، وَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ هُنَا لِغَيْرِ الظَّرْفِيَّةِ قَالَ: لَوْ لَمْ يَدْخُلْ الْمَجَازُ فِي الْحَرْفِ بِالذَّاتِ لَمَا دَخَلَتْ فِيهِ الْحَقِيقَةُ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ أَطْلَقَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي كِتَابِ " الْمَجَازِ " دُخُولَهُ فِي الْحُرُوفِ. وَمَذْهَبُ نُحَاةِ الْكُوفَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ نِيَابَةُ بَعْضِ الْحُرُوفِ عَنْ بَعْضٍ، وَخَالَفَهُمْ الْبَصْرِيُّونَ، وَجَعَلُوا ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ التَّضْمِينِ، وَهُوَ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَجَازِ.
[الْأَفْعَالُ وَالْمُشْتَقَّاتُ] الثَّانِي: الْأَفْعَالُ وَالْمُشْتَقَّاتُ؛ لِأَنَّهُمَا يَتْبَعَانِ أُصُولَهُمَا وَأَصْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا الْمَصْدَرُ، فَإِنْ كَانَا حَقِيقَةً كَانَا كَذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا، قَالَهُ الْإِمَامُ، وَنَاقَشَهُ النَّقْشَوَانِيُّ أَيْضًا.
فَقَالَ: قَوْلُكُمْ هُنَا: لَا يَدْخُلُ الْمَجَازُ فِي الْفِعْلِ إلَّا بِوَاسِطَةِ دُخُولِهِ فِي الْمَصْدَرِ يُنَاقِضُ قَوْلَكُمْ: اسْتِعْمَالُ الْمُشْتَقِّ بَعْدَ زَوَالِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ مَجَازٌ. وَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: كَوْنُ الْمَجَازِ لَا يَدْخُلُ فِي الْفِعْلِ إلَّا بِوَاسِطَةِ دُخُولِهِ فِي الْمَصْدَرِ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِنَا: الْفِعْلُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمَصْدَرِ. قَالَ: وَقَدْ يَدْخُلُ الْمَجَازُ فِي الْأَفْعَالِ فَإِنَّ الْمَاضِيَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: 1] وَعَكْسُهُ نَحْوُ إنْ قَامَ عَمْرٌو، وَهَذَا مَجَازٌ فِي الْمَاضِي مَعَ عَدَمِ دُخُولِهِ فِي الْمَصْدَرِ. قُلْت: وَكَذَا اسْتِعْمَالُ ظَنَّ بِمَعْنَى تَيَقَّنَ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة: 20] وَعَلِمَ بِمَعْنَى ظَنَّ فِي قَوْلِهِ: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10] وَمِنْ مِثْلِهِ قَوْلٌ لِأَبِي الطَّيِّبِ.
إنَّ الْكَرِيمَ إذَا أَقَامَ بِبَلْدَةٍ
…
سَالَ النِّضَارُ بِهَا وَسَالَ الْمَاءُ
وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ: أَيْ سَالَ الذَّهَبُ إلَى أَنْ مَلَأَ الْبِطَاحَ وَالْبَرَارِيَ وَالْأَوْدِيَةَ إلَى أَنْ مَلَأَ الْأَنْهُرَ فَمَنَعَ الْمَاءَ مِنْ أَنْ يَسْتَقِرَّ. وَيَنْبَنِي عَلَى تَصَوُّرِ الْمَجَازِ فِي الْأَفْعَالِ أَنَّا لَوْ جَمَعْنَا اسْمَيْنِ بِفِعْلٍ نَحْوِ ضَرَبَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو، هَلْ يَجُوزُ مَعَ إرَادَةِ " يَضْرِبُ " الْإِيلَامُ وَالسَّفَرُ أَمْ لَا؟
[الْأَسْمَاءُ الْعَامَّةُ] الثَّالِثُ: الْأَسْمَاءُ الْعَامَّةُ الَّتِي تَسْتَغْرِقُ كُلَّ مُسَمًّى بِأَصْلِ الْوَضْعِ نَحْوُ
الْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ وَالْمَعْلُولِ وَالْمَدْلُولِ، فَإِنَّهُ فِي أَيِّ شَيْءٍ اُسْتُعْمِلَ كَانَ حَقِيقَةً فِيهِ، وَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا فَلَا يَقْبَلُ الْمَجَازَ؛ إذْ جَمِيعُ الْمُسَمَّيَاتِ دَلَّتْ عَلَيْهَا حَقِيقَةً، فَكَيْفَ يُتَجَوَّزُ بِهَا إلَى غَيْرِ مَدْلُولِهَا الْأَصْلِيِّ؟ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ فُورَكٍ وَغَيْرُهُمَا.
[الْعَلَمُ] الرَّابِعُ: الْعَلَمُ؛ لِأَنَّ الْأَعْلَامَ لَمْ تُنْقَلْ لِعَلَاقَةٍ. كَذَا أَطْلَقَهُ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ وَالْإِمَامُ فِي " الْمَحْصُولِ ". وَتَحْقِيقُهُ: أَنَّ الْمَجَازَ يَدْخُلُ فِي كُلِّ اسْمٍ أَفَادَ مَعْنًى فِي الْمَنْقُولِ إلَيْهِ غَيْرُ الْمَعْنَى الَّذِي أَفَادَهُ فِي الِاسْمِ الْمَنْقُولِ مِنْهُ، وَذَلِكَ كَقَوْلِنَا: الْبَحْرُ حَقِيقَةٌ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ ثُمَّ نَقَلْنَاهُ إلَى الْعَالَمِ لِكَثْرَةِ عِلْمِهِ، فَأَفَادَنَا فِي حَقِيقَتِهِ كَثْرَةَ الْمَاءِ، وَفِي مَجَازِهِ كَثْرَةَ الْعِلْمِ، وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ، فَأَمَّا زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَنَحْوُهُمَا مِنْ الْأَعْلَامِ، فَإِنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْأَعْيَانِ وَالْأَجْسَامِ وَذَلِكَ حَقِيقَةٌ، فَلَوْ اسْتَعْمَلْنَا اسْمَ زَيْدٍ فِي غَيْرِهِ مِمَّا لَا يُسَمَّى زَيْدًا لَمْ يُفِدْنَا ذَلِكَ غَيْرَ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي أَفَادَهُ فِي حَقِيقَتِهِ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَجْسَامِ وَالْأَعْيَانِ فَلَمْ يُتَصَوَّرْ دُخُولُ الْمَجَازِ فِيهَا، وَقَيَّدَهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ فِي " النِّهَايَةِ " بِالْأَعْلَامِ الْمَنْقُولَةِ، وَكَذَا قَالَ الْجَارْبُرْدِيُّ: الَّذِي يَدُورُ فِي خَلَدِي أَنَّ الْمُرَادَ الْأَعْلَامُ الْمَنْقُولَةُ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَنْقُولَةِ وَالْمُرْتَجَلَةِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّ الْأَعْلَامَ الْمَوْضُوعَةَ بِوَضْعِ
أَهْلِ اللُّغَةِ حَقَائِقُ لُغَوِيَّةٌ كَأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ، وَقَدْ قَالَ غَيْرُهُمَا: سَوَاءٌ كَانَ الْعَلَمُ مُرْتَجَلًا أَوْ مَنْقُولًا لِغَيْرِ عَلَاقَةٍ، فَإِنْ نُقِلَ لِعَلَاقَةٍ كَمَنْ سَمَّى وَلَدَهُ بِالْمُبَارَكِ لِمَا ظَنَّهُ فِيهِ مِنْ الْبَرَكَةِ فَكَذَلِكَ بِدَلِيلِ صِدْقِهِ عَلَيْهِ مَعَ زَوَالِهَا، وَصَارَ ابْنُ فُورَكٍ إلَى أَنَّهَا حَقَائِقُ عُرْفِيَّةٌ فَقَالَ فِي " كِتَابِهِ ": وَجُمْلَةُ أَسْمَاءِ الْأَلْقَابِ مَنْقُولَةٌ عَنْ أُصُولِهَا وَمَوْضُوعِهَا إلَى غَيْرِهِمَا عَلَى طَرِيقِ الِاصْطِلَاحِ لِيَجْعَلُوهَا بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ أَخَصَّ بِهَا وَأَشْهَرَ مِنْ غَيْرِهَا حَتَّى إذَا ذُكِرَ بِهِ لَمْ يَدُلَّ إلَّا عَلَيْهِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ سِيبَوَيْهِ: إنَّ قَوْلَهُمْ: زَيْدٌ الِاسْمُ الْجَامِعُ لِلْأَوْصَافِ لِمَا كَانَ قُصِدَ بِهِ أَنْ يَكُونَ الْعَلَمُ الْخَاصُّ لَهُ مِنْ سَائِرِ مُسَمَّيَاتِ جِنْسِهِ. اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، فَقَدْ حَكَى الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي " الْمُلَخَّصِ " الْخِلَافَ فِي دُخُولِ الْمَجَازِ فِي الْأَعْلَامِ، وَكَذَلِكَ صَاحِبُ " الْمِيزَانِ " مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، فَقَالَ: الْأَعْلَامُ هَلْ يَدْخُلُهَا الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ؟ قَالَ: وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الدُّخُولِ، وَكَذَا قَالَهُ ابْنُ لُقْمَانَ الْكُرْدِيُّ فِي كِتَابِهِ " الْفُصُولِ " ذَهَبَ عَامَّتُهُمْ إلَى أَنَّ الْأَعْلَامَ يَدْخُلُ فِيهَا الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ، وَمِنْ هُنَا قَالَ ابْنُ السَّاعَاتِيِّ: إنَّ كُلَّ كَلَامٍ عَرَبِيٍّ مُسْتَعْمَلٍ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، إذْ الْأَعْلَامُ عَرَبِيَّةٌ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَالْغَزَالِيُّ فِي " الْمُسْتَصْفَى "، وَهُوَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْأَعْلَامِ الَّتِي لَمْ تُوضَعْ إلَّا لِلْفَرْقِ بَيْنَ الذَّوَاتِ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو، فَلَا يَدْخُلُهَا الْمَجَازُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُوضَعْ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الصِّفَاتِ وَبَيْنَ الْأَعْلَامِ الْمَوْضُوعَةِ لِلصِّفَةِ كَالْأَسْوَدِ وَنَحْوِهِ؛ إذْ لَا يُرَادُ بِهِ الدَّلَالَةُ عَلَى الصِّفَةِ مَعَ أَنَّهُ وُضِعَ لَهَا فَيَكُونُ [مَجَازًا] وَعَلَى هَذَا جَرَى ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ " فَقَالَ: الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ لَا يَدْخُلَانِ فِي أَسْمَاءِ الْأَلْقَابِ وَيَدْخُلَانِ فِي أَسْمَاءِ الِاشْتِقَاقِ.
قَالَ بَعْضُ شَارِحِي " الْمَحْصُولِ ": إنَّمَا قَالَ الْغَزَالِيُّ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ فِي عَدَمِ اعْتِبَارِ الْعَلَاقَةِ فِي الْمَجَازِ، فَإِنَّ الْمَجَازَ عِنْدَهُ مَا اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ، فَمَا ذَكَرَهُ مُسْتَقِيمٌ عَلَى مَذْهَبِهِ لَا غَيْرُ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَأْخَذُهُ فِي هَذَا عَدَمَ اعْتِبَارِ الْعَلَاقَةِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَيْنَ الْأَسْوَدِ وَالْحَارِثِ، بَلْ جَعَلَ الْكُلَّ مَجَازًا؛ إذْ يَصْدُقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَنَّهُ اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. وَقَالَ بَعْضُ نُفَاةِ الْمَجَازِ: تَصَوُّرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُحَالٌ؛ إذْ يَسْتَحِيلُ وَضْعُ سَابِقٍ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ ثُمَّ يَطْرَأُ الِاسْتِعْمَالُ فَصَارَ بِاعْتِبَارِهِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا، وَلَا يُعْرَفُ تَجَرُّدُ اللَّفْظِ عَنْ الِاسْتِعْمَالِ، وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ، وَإِنَّ تَجَرُّدَهُ عَنْ الِاسْتِعْمَالِ كَتَجَرُّدِ الْحَرَكَةِ عَنْ الْمُتَحَرِّكِ. نَعَمْ إنَّمَا يَتَجَرَّدُ، وَهِيَ حِينَئِذٍ لَيْسَتْ لَفْظًا وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى تَقْدِيرِ أَلْفَاظٍ لَا حُكْمَ لَهَا، وَثُبُوتُهَا فِي الرَّسْمِ مَسْبُوقٌ بِالنُّطْقِ بِهَا، فَإِنَّ الْخَطَّ يَسْتَلْزِمُ اللَّفْظَ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ. قَالُوا: وَيَسْتَلْزِمُ أَمْرًا فَاسِدًا، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا تَجَرَّدَ الْوَضْعُ عَنْ الِاسْتِعْمَالِ جَازَ أَنْ يُوضَعَ لِلْمَعْنَى الثَّانِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي مَعْنَاهُ الْأَوَّلِ فَيَكُونَ مَجَازًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ. وَأَوْرَدَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْقَائِلِينَ: إنَّ الْأَعْلَامَ لَا يَدْخُلُهَا الْمَجَازُ نَحْوُ قَوْلِنَا: أَبُو يُوسُفَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزَيْدٌ زُهَيْرٌ شِعْرًا، وَهَذَا لَا يَرِدُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْآنَ فِي أَنَّ الْعَلَمَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَدْلُولِهِ لَيْسَ بِمَجَازٍ، وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ الْعَلَمَ فِي غَيْرِ مَدْلُولِهِ كَاسْتِعْمَالِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَبِي يُوسُفَ وَاسْتِعْمَالِ زُهَيْرٍ فِي زَيْدٍ، وَكَذَلِكَ اشْتَرَيْت سِيبَوَيْهِ وَتُرِيدُ كِتَابَهُ، فَقَدْ يُقَالُ: كَيْفَ يَجُوزُ ذَلِكَ وَالْمَجَازُ فِيهِ غَيْرُ الْعَلَمِ؟ وَالْعَلَمُ إذَا لَمْ يَكُنْ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا فَكَيْفَ يُجْعَلُ الْمَجَازُ نَاشِئًا عَنْهُ؟ وَأَجَابَ التَّبْرِيزِيُّ فِي كَلَامِهِ عَلَى " الْمَحْصُولِ " بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ خَرَجَتْ عَنْ الْعَلَمِيَّةِ