الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هُوَ بِمَثَابَةِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ تَقَعُ طَلْقَةٌ قَطْعًا؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ.
[مَسْأَلَةٌ تَصْرِيحُ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ]
َ] الْأَمْرُ إنْ صَرَّحَ الْآمِرُ فِيهِ بِالْفِعْلِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ، أَوْ قَالَ: لَك التَّأْخِيرُ، فَهُوَ لِلتَّرَاخِي بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ صَرَّحَ بِهِ لِلتَّعْجِيلِ فَهُوَ لِلْفَوْرِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا أَيْ: مُجَرَّدًا عَنْ دَلَالَةِ التَّعْجِيلِ أَوْ التَّأْخِيرِ وَجَبَ الْعَزْمُ عَلَى الْفَوْرِ عَلَى الْفِعْلِ قَطْعًا. قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ. وَهَلْ يَقْتَضِي الْفِعْلَ عَلَى الْفَوْرِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ الْمُبَادَرَةُ عَقِبَهُ إلَى الْإِتْيَانِ بِالْأُمُورِ بِهِ أَوْ التَّرَاخِي أَمَّا الْقَائِلُونَ بِاقْتِضَائِهِ التَّكْرَارَ فَالْفَوْرُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ.
وَأَمَّا الْمَانِعُونَ فَاخْتَلَفُوا عَلَى مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَقْتَضِي الْفَوْرَ، وَبِهِ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَجُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ وَالظَّاهِرِيَّةُ، وَاخْتَارَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَرُوذِيُّ وَالدَّقَّاقُ، كَمَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ. وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي بَابِ الْحَجِّ مِنْ تَعْلِيقِهِ ": إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا قَالَ: وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا تَأْخِيرَ الْحَجِّ بِدَلِيلٍ مِنْ خَارِجٍ. وَحَكَى فِي كِتَابِهِ الْأَسْرَارِ " عَنْ الْقَفَّالِ الْجَزْمَ بِهِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي
اعْتِقَادًا بِالْقَلْبِ، وَمُبَاشَرَةً بِالْبَدَنِ، ثُمَّ الِاعْتِقَادُ عَلَى الْفَوْرِ فَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ أَوَامِرَ الْعِبَادِ حُمِلَتْ عَلَى الْفَوْرِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي فِي بَابِ الزَّكَاةِ مِنْ التَّتِمَّةِ " وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ " عَنْ الْمُزَنِيّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَدَاوُد، وَحَكَاهُ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَنَصَرَهُ أَبُو زَيْدٍ الرَّازِيَّ، وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: عَلَيْهِ تَدُلُّ أُصُولُ أَصْحَابِنَا: وَقَالَ: إنَّهُ الَّذِي يَنْصُرُهُ أَصْحَابُنَا وَيَذْكُرُونَ أَنَّهُ قَضِيَّةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ الْحَنْبَلِيُّ فِي التَّمْهِيدِ " إنَّهُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِمْ. وَالْقَائِلُونَ بِالْفَوْرِيَّةِ اخْتَلَفُوا كَمَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ وَابْنُ فُورَكٍ وَصَاحِبُ الْمَصَادِرِ " إذَا لَمْ يَفْعَلْهُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، فَقِيلَ: يَجِبُ بِظَاهِرِهِ أَنْ يَفْعَلَ فِي الثَّانِي، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ إلَّا بِأَمْرٍ ثَانٍ، وَلَا يَقْتَضِي إلَّا إيقَاعَ الْفِعْلِ عَقِبَهُ فَقَطْ وَسَيَأْتِي: قَالَ ابْنُ فُورَكٍ: وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ اقْتِضَاؤُهُ الْفَوْرَ مِنْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ أَيْ: بِاللُّغَةِ أَوْ بِالْعَقْلِ؟ وَزَيَّفَ الثَّانِي، وَقَالَ: إنَّمَا النِّزَاعُ فِي مُقْتَضَاهُ فِي اللِّسَانِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْوَاجِبَ إمَّا الْفَوْرُ أَوْ الْعَزْمُ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ " عَنْ أَبِي عَلِيٍّ وَأَبِي هَاشِمٍ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ الْقَاضِي قِيلَ وَبَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْمُوَسَّعِ لَكِنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي التَّقْرِيبِ " لِلْقَاضِي اخْتِيَارَ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي، وَبُطْلَانَ الْقَوْلِ بِالْوَقْفِ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي مُخْتَصَرِهِ ": وَهُوَ الْأَصَحُّ إذْ الْمَصِيرُ إلَيْهِ يُؤَدِّي إلَى خَرْقِ الْإِجْمَاعِ أَوْ يَلْزَمُهُ ضَرْبٌ مِنْ التَّنَاقُضِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْفَوْرَ، وَلَهُ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَمُوتَ حَتَّى يَفْعَلَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِنَا، كَمَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْحَجِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَشْعَرِيَّةِ وَسَائِرُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ لَمَّا ذَكَرَهُ فِي تَأْخِيرِ الْحَجِّ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى التَّرَاخِي عَلَى حَسَبِ مَا قَالَهُ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ: عَزَوْهُ إلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ اللَّائِقُ بِتَفْرِيعَاتِهِ بِالْفِقْهِ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِي مَجْمُوعَاتِهِ فِي الْأُصُولِ. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْوَجِيزِ ": لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَلَا أَبِي حَنِيفَةَ نَقْلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّمَا فُرُوعُهُمَا تَدُلُّ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهُمَا.
قَالَ: وَهَذَا خَطَأٌ فِي نَقْلِ الْمَذَاهِبِ، إذْ الْفُرُوعُ تُبْنَى عَلَى الْأُصُولِ لَا الْعَكْسُ، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالِ وَأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ صَاحِبِ الْإِفْصَاحِ " وَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْأَوْسَطِ " عَنْ الْقَاضِي، وَزَادَ أَبَا عَلِيٍّ وَأَبَا هَاشِمٍ الْجُبَّائِيَّيْنِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُمَا صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ " أَيْضًا: قَالَ: وَجَوَّزُوا تَأْخِيرَ الْمَأْمُورِ بِهِ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِ الْإِمْكَانِ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْإِمَامُ وَالْهِنْدِيُّ وَأَتْبَاعُهُمْ. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ ": ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَصْرِيُّ إلَى مَا اُشْتُهِرَ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ حَمْلِ الصِّيغَةِ عَلَى اتِّبَاعِ الِامْتِثَالِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى وَقْتٍ مُقَدَّمٍ
أَوْ مُؤَخَّرٍ، وَهَذَا يَدْفَعُ مِنْ قِيَاسِ مَذْهَبِهِ مَعَ اسْتِمْسَاكِهِ بِالْوَقْفِ وَتَجْهِيلِهِ مَنْ لَا يَرَاهُ. وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ يَقْتَضِي التَّرَاخِيَ، كَذَا أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَابْنُ بَرْهَانٍ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُمْ، وَحَكَوْهُ عَمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ ": إنَّهُ الْوَجْهُ عِنْدَهُ، وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِنَا: إنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى التَّعْجِيلِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ عَنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْفِعْلِ.
قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ إنَّ قَوْلَهُ: " افْعَلْ " لَيْسَ فِيهِ عِنْدَنَا دَلِيلٌ إلَّا عَلَى طَلَبِ الْفِعْلِ فَحَسْبُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْوَقْتِ. انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا فَهُوَ الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ الَّذِي يَصِحُّ عِنْدِي مِنْ مَذْهَبِ عُلَمَائِنَا: أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَى الْفَوْرِ بِمُطْلَقِ الْأَمْرِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ "، فَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرًا لَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ أَيَّ شَهْرٍ شَاءَ، وَكَانَ الْكَرْخِيُّ يَقُولُ: إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَكَذَا حَكَاهُ صَاحِبُ اللُّبَابِ " عَنْ الْبَزْدَوِيِّ، فَقَالَ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْيُسْرِ الْبَزْدَوِيِّ: لَا خِلَافَ عِنْدَنَا أَنَّ الْوُجُوبَ مُطْلَقٌ عَلَى حَسَبِ إطْلَاقِ الْأَمْرِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَفُوتَ الْأَدَاءُ قَبْلَ الْمَوْتِ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا بَلْ مُطْلَقُ الْأَمْرِ عَنْ الْوَقْتِ الْمُبَادَرَةُ، وَإِنَّمَا يُبَيَّنُ هَذَا فِي بَابِ الزَّكَاةِ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ هَلْ يَصِيرُ مُكَلَّفًا بِالْأَدَاءِ لِلْحَالِ؟ فَعِنْدَنَا لَا يَصِيرُ مُكَلَّفًا بَلْ الْأَدَاءُ مُوَسَّعٌ لَهُ فِي عُمُرِهِ، وَعِنْدَهُمْ يَتَحَتَّمُ الْأَدَاءُ فِي الْحَالِ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي التَّقْرِيبِ ": الْوَجْهُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي دُونَ الْفَوْرِ وَالْوَقْتِ، انْتَهَى. وَهَذَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَنْهُ. وَالْخَامِسُ: الْوَقْفُ إمَّا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِمَدْلُولِهِ أَوْ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَصَحَّحَهُ الْأَصْفَهَانِيِّ فِي قَوَاعِدِهِ "، وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ " عَنْ الشَّرِيفِ الْمُرْتَضَى. فَقَالَ: وَذَهَبَ إلَى الْوَقْفِ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ عُرْفُ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ عَلَى الْفَوْرِ، ثُمَّ افْتَرَقَتْ الْوَاقِفِيَّةُ، فَقِيلَ: إذَا أَتَى بِالْمَأْمُورِ بِهِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ كَانَ مُمْتَثِلًا قَطْعًا وَإِنْ أَخَّرَ عَنْ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ لَانْقَطَعَ بِخُرُوجِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ " وَفِي كَلَامِ الْآمِدِيَّ خَلَلٌ عَنْهُ، وَقِيلَ: إنَّهُ، وَإِنْ بَادَرَ إلَى فِعْلِهِ فِي الْوَقْتِ لَا يُقْطَعُ بِكَوْنِهِ مُمْتَثِلًا، وَخُرُوجُهُ عَنْ الْعُهْدَةِ لِجَوَازِ إرَادَةِ التَّرَاخِي. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْعُدَّةِ ": وَقَائِلُ هَذَا لَا يُجَوِّزُ فِعْلَهُ عَلَى الْفَوْرِ لَكِنَّهُ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ قَبْلَهُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ مَذْهَبٌ مَنْسُوبٌ إلَى خَرْقِ الْإِجْمَاعِ. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى ثُبُوتِ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمَنْ لَا يَعْتَرِفُ بِهِ فَلَا كَلَامَ مَعَهُ، قَالَهُ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ.
الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ اُشْتُهِرَ حِكَايَةُ قَوْلِ التَّرَاخِي، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ وَغَيْرُهُمْ: إنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ مَدْخُولٌ؛ إذْ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الصِّيغَةَ الْمُطْلَقَةَ تَقْتَضِي التَّرَاخِي، حَتَّى لَوْ فُرِضَ الِامْتِثَالُ عَلَى الْبِدَارِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، وَهَذَا لَمْ يَصِرْ إلَيْهِ أَحَدٌ، فَالْأَحْسَنُ فِي الْعِبَارَةِ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يُقَالَ: الْأَمْرُ يَقْتَضِي الِامْتِثَالَ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ بِوَقْتٍ. انْتَهَى. وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: إنَّ الْعِبَارَةَ الصَّحِيحَةَ أَنْ يُقَالَ: لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَالتَّعْجِيلَ، قَالَ: وَمَعْنَى أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ، لَا أَنَّهُ يَجِبُ تَأْخِيرُهُ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يَقُولُ ذَلِكَ. انْتَهَى لَفْظُهُ. وَقَدْ سَبَقَ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ حِكَايَةُ قَوْلِ: إنَّ الْمُبَادَرَةَ لَا يُعْتَدُّ بِهَا، وَحَكَى الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى " الْخِلَافَ أَيْضًا فِي الْمُبَادِرِ هَلْ هُوَ مُمْتَثِلٌ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: أَمَّا الْمُبَادِرُ فَمُمْتَثِلٌ مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ غَلَا، فَقَالَ: يُتَوَقَّفُ فِي الْمُبَادِرِ.
وَحَكَى الْإِبْيَارِيُّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ " أَنَّ بَعْضَ الْأُصُولِيِّينَ ذَهَبَ إلَى أَنَّ مَنْ أَخَّرَ لَا يُعْتَدُّ مِنْهُ بِمَا فَعَلَ مُؤَخَّرًا قَالَ: وَعَلَى هَذَا فَالتَّرْجَمَةُ لَا مُؤَاخَذَةَ عَلَيْهَا وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فَالتَّعْبِيرُ بِالْفَوْرِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمُؤَخِّرَ لَيْسَ بِمُمْتَثِلٍ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ: إنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ. الثَّالِثُ: قِيلَ: الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْوَاجِبِ دُونَ النَّدْبِ. وَقِيلَ: يَكُونُ فِيهِمَا، قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تُتَصَوَّرُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ: الْأَمْرُ لِلدَّوَامِ
وَالتَّكْرَارِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ اسْتَغْرَقَ الْأَوْقَاتَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْفَوْرِيَّةُ، هَلْ يَجِبُ تَعَلُّقُ الْأَمْرِ الْمُدَّعَى ذَلِكَ فِيهِ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ أَوْ بِجُمْلَةِ أَفْعَالٍ؟ فَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِالْفِعْلِ الْوَاحِدِ، وَقِيلَ: يَعُمُّهَا، وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي وَاحِدًا إذَا تَرَكَ الْمُكَلَّفُ إيقَاعَهُ عَقِبَ الْأَمْرِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلٌ مِثْلُهُ، أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ بِنَفْسِ الْأَمْرِ بِهِ أَوْ لَا يَجِبُ إلَّا بِأَمْرٍ مُسْتَأْنَفٍ؟ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالتَّرَاخِي هَلْ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَى غَايَةٍ مَحْدُودَةٍ أَوْ لَا؟ فَقِيلَ: يَجُوزُ إلَى غَايَةٍ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ مَاتَ آثِمًا، وَقِيلَ: لَا إثْمَ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ فَوَاتُهُ إنْ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ، وَفَصَّلَ آخَرُونَ، فَقَالُوا: قَدْ يَكُونُ إلَى غَايَةٍ، وَهِيَ أَنْ لَا يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَمُوتُ فَإِنْ مَاتَ كَانَ مَعْذُورًا غَيْرَ آثِمٍ، وَقَدْ يَكُونُ إلَى غَايَةٍ مُحَدَّدَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الِاخْتِرَامُ عِنْدَ حُصُولِهَا، فَحِينَئِذٍ يَتَعَجَّلُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. انْتَهَى.
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ: حَيْثُ قُلْنَا: لَا يُفِيدُ الْفَوْرَ فَلَهُ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَمُوتَ حَتَّى يَفْعَلَهُ، فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا أَخَّرَ لَمْ يَأْثَمْ فَلِمَ أَثَّمْتُمُوهُ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ قُلْنَا: إنَّمَا جَوَّزْنَا لَهُ التَّأْخِيرَ عَلَى وَصْفٍ، فَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يَفْعَلْهُ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّأْخِيرُ. قَالَ: وَنَظِيرُهُ رَامِي الْغَرَضِ يَرْمِي عَلَى غَرَرٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يُصِيبَ وَأَنْ لَا يُصِيبَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْكَفَّارَةِ فَإِنْ قِيلَ: مَتَى يَكُونُ عَاصِيًا؟ قِيلَ: مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: يَكُونُ فِي جَمِيعِ السِّنِينَ عَاصِيًا، كَمَا يَقُولُ فِي السُّكْرِ: إنَّهُ لَمْ يَقَعْ بِالْقَدَحِ الْأَخِيرِ دُونَ مَا تَقَدَّمَهُ مِنْ الْأَقْدَاحِ كَذَلِكَ هَذَا، وَكَانَ أَبُو حَفْصٍ يَقُولُ: إذَا مَضَتْ عَلَيْهِ سَنَةٌ فَأَمْكَنَهُ أَنْ يَحُجَّ فَلَمْ يَفْعَلْ وَمَاتَ قَبْلَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عُلِمَ أَنَّ حَجَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ فَكَانَ عَاصِيًا، فَإِذَا بَقِيَ إلَى السَّنَةِ الْأُخْرَى فَأَخَّرَ عَنْهَا وَمَاتَ، عُلِمَ أَنَّ حَجَّهُ كَانَ لَهُ وَمَاتَ فَكَانَ عَاصِيًا بِهِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى.