الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِتَصِحَّ الْمَعِيَّةُ وَكَمَالُ مَعْنَى الْمَعِيَّةِ فِي الْأَمْرِ الَّذِي بِهِ الِاشْتِرَاكُ فِي زَمَانِ ذَلِكَ الِاشْتِرَاكِ. وَتُسْتَعْمَلُ أَيْضًا لِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ الَّذِي بِهِ الِاشْتِرَاكُ، وَالِاجْتِمَاعُ دُونَ زَمَانِ ذَلِكَ. فَالْأَوَّلُ: فِي أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ وَالْعِلَاجِ نَحْوَ دَخَلْت مَعَ زَيْدٍ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى:{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} [يوسف: 36] وَقَوْلُهُ: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا} [يوسف: 12]{لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ} [يوسف: 66] وَالثَّانِي: يَكْثُرُ فِي الْأَفْعَالِ الْمَعْنَوِيَّةِ نَحْوَ آمَنْت مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَتُبْت مَعَ التَّائِبِينَ وَفَهِمَتْ الْمَسْأَلَةَ مَعَ مَنْ فَهِمَهَا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى:{وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43]{وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم: 10]{إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46]{إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62] أَيْ بِالْعِنَايَةِ وَالْحِفْظِ {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [التحريم: 8] يَعْنِي الَّذِينَ شَارَكُوهُ فِي الْإِيمَانِ، وَاَلَّذِي وَقَعَ بِهِ الِاجْتِمَاعُ وَالِاشْتِرَاكُ فِي الْأَحْوَالِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الِاحْتِمَالَاتِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ} [الأعراف: 157] فَقِيلَ: إنَّهُ مِنْ بَابِ الْمَعِيَّةِ.
[مِنْ أَدَوَات الْمَعَانِي بَلْ]
بَلْ: حَرْفُ إضْرَابٍ عَنْ الْأَوَّلِ وَإِثْبَاتٌ لِلثَّانِي وَتُسْتَعْمَلُ بَعْدَ النَّفْيِ وَالْإِيجَابِ، وَيَأْتِي بَعْدَهَا الْمَنْفِيُّ كَمَا يَأْتِي الْمُوجَبُ.
قَالُوا: وَهِيَ أَعَمُّ فِي الِاسْتِدْرَاكِ بِهَا مِنْ " لَكِنْ " تَقُولُ فِي الْمُوجَبِ: قَامَ زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو، وَفِي الْمَنْفِيِّ: مَا قَامَ زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو، وَقَالَ تَعَالَى:{إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} [الواقعة: 66]{بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} [الواقعة: 67]{وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ - بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ} [المؤمنون: 62 - 63] وَمِثَالُ الْمَنْفِيِّ بَعْدَهَا {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ} [الطور: 33]{قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الصافات: 29] . وَقِيلَ: هِيَ لِلْإِعْرَاضِ عَمَّا قَبْلَهَا أَيْ جَعْلُهُ فِي حُكْمِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَإِذَا انْضَمَّ إلَيْهَا " لَا " صَارَ نَصًّا فِي نَفْيِ الْأَوَّلِ نَحْوَ جَاءَ زَيْدٌ لَا بَلْ عَمْرٌو. ثُمَّ إنْ تَلَاهَا جُمْلَةٌ كَانَتْ بِمَعْنَى الْإِضْرَابِ إمَّا الْإِبْطَالِيُّ نَحْوُ {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26] أَيْ: بَلْ هُمْ، وَإِمَّا الِانْتِقَالِيُّ أَيْ: الِانْتِقَالُ بِهَا مِنْ غَرَضٍ إلَى غَرَضٍ آخَرَ. وَزَعَمَ صَاحِبُ الْبَسِيطِ " وَابْنُ مَالِكٍ أَنَّهَا لَا تَقَعُ فِي التَّنْزِيلِ إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى:{وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء: 166] فَاسْتَدْرَكَ بِبَيَانِ عُدْوَانِهِ وَخَرَجَ مِنْ قِصَّةٍ إلَى أُخْرَى، وَهِيَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ حَرْفُ ابْتِدَاءٍ لَا عَاطِفَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَقَالَ ابْنُ الْخَشَّابِ: إذَا قُلْت جَاءَ زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو لَمْ يَجُزْ لَك أَنْ تُقَدِّرَ " لَكِنْ " حَرْفًا عَاطِفًا جُمْلَةً عَلَى جُمْلَةٍ، وَإِنْ شِئْت اعْتَقَدْتهَا حَرْفَ ابْتِدَاءٍ يُسْتَأْنَفُ عِنْدَهَا الْكَلَامُ، وَهَكَذَا إذَا جَاءَتْ فِي الْقُرْآنِ فَإِنْ اعْتَقَدْتهَا عَاطِفَةً فَلَا وَقْفَ عَلَى مَا قَبْلَهَا دُونَهَا؛ إذْ لَا تَقِفُ عَلَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَتَبْتَدِئُ بِالْمَعْطُوفِ، وَإِنْ اعْتَقَدْتهَا حَرْفَ ابْتِدَاءٍ فَلَكَ الْخِيَارُ فِي الْوَقْفِ عَلَى مَا قَبْلَهَا وَوَصْلِهِ. انْتَهَى.