الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَسْأَلَةٌ عَنْ إنْكَار وُقُوعِ الْمَجَازِ]
مَسْأَلَةٌ [عَنْ ابْنِ دَاوُد إنْكَارُ وُقُوعِ الْمَجَازِ] حَكَى الْإِمَامُ الرَّازِيَّ عَنْ ابْنِ دَاوُد إنْكَارَ وُقُوعِهِ فِي الْحَدِيثِ أَيْضًا وَاسْتَنْكَرَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ. قُلْت: هُوَ لَازِمٌ مِنْ إنْكَارِهِ فِي اللُّغَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ مَجَازٍ إلَّا بَعْدَ وُرُودِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم. وَالْحَاصِلُ: خَمْسَةُ مَذَاهِبَ: الْمَنْعُ مُطْلَقًا. الْمَنْعُ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ. الْمَنْعُ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ دُونَ مَا عَدَاهُمَا. الْوُقُوعُ مُطْلَقًا. وَالْخَامِسُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا فِيهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ وَسَيَأْتِي. وَالدَّلِيلُ عَلَى وُقُوعِهِ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا تَبِيعُوا الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ» وَأَرَادَ بِالصَّاعِ مَا فِيهِ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ، وَقَوْلُهُ:«أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَقَوْلُهُ: وَقَدْ رَكِبَ فَرَسَ أَبِي طَلْحَةَ: «إنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا» وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ: أَمَّا بَيَانُ الْمَجَازِ مِنْ
التَّحْقِيقِ مِثْلَ «قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلْفَرَسِ: وَجَدْتُهُ بَحْرًا» . وَاَلَّذِي يَجُوزُ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ وَالْحَقِيقَةِ أَنَّ مَشْيَهُ حَسَنٌ، كَقَوْلِك: عِلْمُ اللَّهِ مَعَنَا وَفِينَا. وَقَدْ صَنَّفَ الشَّرِيفُ الرَّضِيُّ مُجَلَّدًا فِي مَجَازَاتِ الْآثَارِ كَمَا صَنَّفَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي مَجَازِ الْقُرْآنِ.
تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ كَذَا فَرَضُوا الْخِلَافَ فِي الْوُقُوعِ وَهُوَ مُقْتَضَى الْجَزْمِ بِالْجَوَازِ، لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ فِي " كِتَابِهِ ": وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَاطِبَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِالْمَجَازِ، وَأَنَّهُ يَكُونُ كَذِبًا، وَتَمَحَّلُوا لِلْمَجَازَاتِ فِي الْقُرْآنِ حَقَائِقَ بِوَجْهِ تَعَبُّدٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالُوهُ: إنَّهُ كَذِبٌ، أَنَّهُمْ إمَّا أَنْ يُرِيدُوا بِهِ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ فِي مَوْضُوعِ اللُّغَةِ، وَالثَّانِي بَاطِلٌ لِلِاسْتِقْرَاءِ بِوُجُودِهِ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ بِالْعُمُومِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَاطَبَنَا بِهِ، وَهُوَ يُرِيدُ الْخُصُوصَ فِيهِ.
الثَّانِي مُرَادُنَا بِوُقُوعِهِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى نَحْوِ أَسَالِيبِ الْعَرَبِ الْمُسْتَعْذَبَةِ، لَا الْمَجَازِ الْبَعِيدِ الْمُسْتَكْرَهِ. وَقَدْ تَوَسَّعَ فِيهِ قَوْمٌ فَضَلُّوا. قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ: مِنْ هَذَا الْأَصْلِ الْعَظِيمِ أَعْنِي الْمَجَازَ فِي الْقُرْآنِ ضَلَّ أَكْثَرُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالضَّلَالَاتِ فِي تَأْوِيلِ أَكْثَرِ الْآيَاتِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ مِنْ جِهَةِ وُجُودِ الْمَجَازِ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ غَلِطَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فِي تَأْوِيلِ كَثِيرٍ مِنْهُ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: إنَّ الْقَدَرِيَّةَ قَدْ رَكِبُوا هَذَا فَحَمَلُوا آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ هِيَ حَقَائِقُ عَلَى الْمَجَازَاتِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] قَالُوا: لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ سُرْعَةِ إيجَادِهِ لِأَفْعَالِهِ، وَقَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى:{قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11] إنَّ هَذَا مَجَازٌ نَحْوَ امْتَلَأَ الْحَوْضُ، وَقَالَ: قُطْنِيٌّ، وَأَنْكَرُوا أَيْضًا قَوْلَ جَهَنَّمَ:{هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30] وقَوْله تَعَالَى فِيهَا: {تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى} [المعارج: 17] وَزَعَمُوا أَنَّ مَعْنَاهُ مَصِيرُ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى إلَيْهَا، وَهَذِهِ تَأْوِيلَاتٌ اسْتَنْبَطُوهَا عَلَى قَوَاعِدِهِمْ الْفَاسِدَةِ، وَلَيْسَ فِي وُجُودِ الْمَجَازِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مَا يُوجِبُ تَأْوِيلَ الْحَقَائِقِ عَلَى الْمَجَازِ. وَقَوْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا حَقِيقَةٌ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ الْحَقِيقَةِ فَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ: الْحَيَاةُ شَرْطٌ فِي النُّطْقِ يَخْلُقُ اللَّهُ فِيهَا الْحَيَاةَ فِي وَقْتِ نُطْقِهَا، فَ {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11] . وَالْقَلَانِسِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْحَيَاةَ فِي الْكَلَامِ وَأَجَازَ وُجُودَ الْكَلَامِ فِي الْجَمَادَاتِ بِأَنْ يُخْلَقَ فِيهَا الْكَلَامُ وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَقَالَ صَاحِبُ " الْمَصَادِرِ " يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي الْخِطَابِ بِالْمَجَازِ وَجْهٌ زَائِدٌ عَلَى مَا ثَبَتَ بِالْحَقِيقَةِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَتَسَاوَى الْحَقِيقَةُ
وَالْمَجَازِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ عِنْدَ الْحَكِيمِ، ثُمَّ يَعْدِلُ عَنْ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ بِالْمَجَازِ عَادِلٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ الْمَوْضُوعَةِ، وَيَقْصِدُ إلَى مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ، وَذَلِكَ لَا يَفْعَلُهُ الْحَكِيمُ إلَّا لِغَرَضٍ زَائِدٍ. وَمِنْ فَوَائِدِهِ التَّعْرِيضُ بِزِيَادَةِ الثَّوَابِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَدْعِي فِكْرًا وَنَظَرًا كَمَا يَقُولُ فِي الْخِطَابِ بِالْمُتَشَابِهِ، وَمِنْهَا كَوْنُ الْكَلَامِ أَدْخَلَ فِي الْفَصَاحَةِ وَأَبْلَغَ وَأَوْجَزَ.
فَائِدَةٌ فِي تَحْرِيرِ النَّقْلِ عَنْ الظَّاهِرِيَّةِ فِي نَفْيِ الْمَجَازِ. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّاوُدِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمَوْسُومِ بِ " أُصُولِ الْفَتْوَى "، وَهَذَا الْكِتَابُ عُمْدَةُ الظَّاهِرِيَّةِ فِيمَا صَحَّ عَنْ دَاوُد وَابْنِهِ، فَقَالَ مَا نَصُّهُ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمَجَازَاتِ وَالِاسْتِعَارَاتِ، فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: فِي الْقُرْآنِ مَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْحَقِيقَةِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَجَازِ وَالتَّوَسُّعِ، وَمَا كَانَ مِنْهُ مِنْ الْمَجَازِ وَالتَّوَسُّعِ فَهُوَ مَرْدُودٌ إلَيْهِمَا دُونَ رَدِّهِ إلَى الظَّاهِرِ وَالْحَقِيقَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَجَازٌ أَلْبَتَّةَ وَالِاسْتِعَارَةُ بِوَجْهٍ، وَجَمِيعُهُ عَلَى مَا هُوَ بِهِ، وَرُوِيَ عَنْ دَاوُد بْنِ عَلِيٍّ قَرِيبٌ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهَا، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ مِنْ مُوَافِقِيهِ إلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ ابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد فِي آخَرِينَ، وَكَانَ يَقُولُ: الْمُسْتَعِيرُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْآخِذُ مَا لَيْسَ لَهُ، فَإِذَا سَمَّى الرَّجُلُ لَفْظَةً فِي الْقُرْآنِ مُسْتَعَارَةً، فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهَا قَدْ وُضِعَتْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا. قَالَ: وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ قَائِلِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلِمَةَ الْأَصْلِيَّةَ الَّتِي جَعَلَتْ الْأُخْرَى مُسْتَعَارَةً مِنْهَا لَنْ تَخْلُوَ أَنْ تَكُونَ إنَّمَا صَارَتْ أَصْلِيَّةً لِخَاصِّيَّةٍ فِيهَا مَوْجُودَةٍ فِي عَيْنِهَا، أَوْ لِأَنَّ اللُّغَةَ جَاءَتْ بِهَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَمَا تِلْكَ الْعِلَّةُ الَّتِي أَوْجَبَتْ ذَلِكَ الِاسْمَ لَهَا، وَلَمْ يَجِدْ مُدَّعٍ إلَى تَصْحِيحِهَا سَبِيلًا؟ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا صَارَتْ أَصْلِيَّةً؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ
تَكَلَّمَتْ بِهَا، فَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْكَلِمَةِ الَّتِي سَمَّتْهَا مُسْتَعَارَةً، فَيَجِبُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَلَّا يُزَالَ اسْمُ الِاسْتِعَارَةِ عَنْهَا، فَتَصِيرَ أَصْلِيَّةً قَائِمَةً بِهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} [هود: 102] ؟ وَقَوْلُهُ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] ؟ قِيلَ: لِهَذِهِ وُجُوهٌ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ اللُّغَةِ زَعَمَ أَنَّ اسْمَ الْقَرْيَةِ يَقَعُ عَلَى جَمَاعَةِ الرِّجَالِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} [الكهف: 59] وَإِلَّا لَقَالَ: أَهْلَكْنَاهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْأَلْ الْقَرْيَةَ وَالْبِنَاءَ يُخْبِرَاك عَنْ صِدْقِنَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ مُعْجِزَةً فِي أَمْرِ يَعْقُوبَ وَوَلَدِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَمَا ادَّعَاهُ خُصُومُنَا مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ " أَيْ أَهْلَهَا، وَأَنَّ قَرْيَةً اسْمٌ لِلْبُنْيَانِ وَالْأَرْضِ، وَأَنْ تَكُونَ اسْتِحَالَةُ سُؤَالِ الْأَرْضِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ سُؤَالَ النَّاسِ، وَيَكُونُ هَذِهِ حَقِيقَةً فِي مَعْنَاهَا لَا اسْتِعَارَةً. اهـ. مُلَخَّصًا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ " الْإِحْكَامِ ": اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمَجَازِ فَقَوْمٌ أَجَازُوهُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَقَوْمٌ مَنَعُوا مِنْهُ، وَاَلَّذِي نَقُولُ: أَنَّ الِاسْمَ إذَا تَيَقَّنَّا بِدَلِيلِ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ طَبِيعَةٍ أَنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ مَوْضُوعِهِ فِي اللُّغَةِ إلَى مَعْنًى آخَرَ وَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31] وَلَهُ أَنْ يُسَمِّيَ مَا شَاءَ، فَإِنْ لَمْ نَجِدْ دَلِيلًا عَلَى نَقْلِ الِاسْمِ عَنْ مَوْضُوعِهِ فِي اللُّغَةِ إلَى مَعْنًى آخَرَ فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ مَنْقُولٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] فَكُلُّ خِطَابٍ خَاطَبَنَا اللَّهُ بِهِ أَوْ رَسُولُهُ، فَهُوَ عَلَى مَوْضُوعِهِ فِي اللُّغَةِ إلَى مَعْنًى، فَإِذَا وَجَدْنَا ذَلِكَ نَقَلْنَاهُ إلَيْهِ. قَالَ: وَهَذَا الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ، فَكُلُّ كَلِمَةٍ نَقَلَهَا اللَّهُ مِنْ مَوْضُوعِهَا
فِي اللُّغَةِ إلَى مَعْنًى آخَرَ، فَإِنْ تَعَبَّدْنَا بِهَا قَوْلًا وَعَمَلًا كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا مَجَازًا بَلْ حَقِيقَةً، وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ فِي اللُّغَةِ إلَى مَعْنًى قَدْ تَعَبَّدْنَا بِهِ دُونَ أَنْ نُسَمِّيَهُ بِذَلِكَ الِاسْمِ فَهَذَا هُوَ الْمَجَازُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: 24] فَإِنَّمَا تَعَبَّدَنَا - تَعَالَى - بِأَنْ نَذِلَّ لِلْأَبَوَيْنِ وَنَرْحَمَهُمَا، وَلَنْ يُلْزِمَنَا اللَّهُ - تَعَالَى - قَطُّ أَنْ نَنْطِقَ، وَلَا يَدِينَنَا بِأَنَّ لِلذُّلِّ جَنَاحًا، وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ افْتَرَضَ عَلَيْنَا تَسْمِيَتَهَا هَذِهِ بِأَعْيَانِهَا. قَالَ: وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ الْمَجَازَ بِأَنَّهُ كَذِبٌ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ يَبْعُدَانِ عَنْهُ، قَالَ: فَيُقَالُ لَهُ: صَدَقْت، وَلَيْسَ نَقْلُ اللَّهِ - تَعَالَى - الِاسْمَ عَمَّا كَانَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَّقَهُ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ مَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ كَذِبًا، بَلْ الْكَذِبُ مَا لَمْ يَنْقُلْهُ تَعَالَى، بَلْ مَا نَقَلَهُ هُوَ الْحَقُّ نَفْسُهُ. وَقَالَ فِي كَلَامِهِ عَلَى قَوْله تَعَالَى:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] وَقَدْ ذَكَرَ رَجُلٌ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يُعْرَفُ بِابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ أَنَّ لِلْحِجَارَةِ عَقْلًا، وَلَعَلَّ تَمْيِيزَهُ يَقْرُبُ مِنْ تَمْيِيزِهَا، فَقَدْ شَبَّهَ اللَّهُ قَوْمًا زَاغُوا عَنْ الْحَقِّ بِالْأَنْعَامِ، وَصَدَقَ - سُبْحَانَهُ - أَنَّهُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا. قَالَ هَذَا الْجَاهِلُ: مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ لِلْحِجَارَةِ تَعَقُّلًا قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ} [البقرة: 74] الْآيَةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَهَا عَقْلًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمِنْ الْعَجَبِ اسْتِدْلَالُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْشَى اللَّهَ إلَّا ذُو عَقْلٍ وَكَيْفَ يَكُونُ لَهَا تَمْيِيزٌ وَعَقْلٌ، وَاَللَّهُ شَبَّهَ قُلُوبَ الْكُفَّارِ بِالْحِجَارَةِ فِي أَنَّهَا لَا تَعْقِلُ الْحَقَّ وَلَا تُذْعِنُ لَهُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا. قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي " الْمَنْخُولِ ": كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْأَحْكَامِ لَا