الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَعَ ذَلِكَ، فَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَتْ حَالَةُ عِلْمِهِ بِجُلُوسِ عَمْرٍو هِيَ حَالَةُ عِلْمِهِ بِقِيَامِ زَيْدٍ. قَالَ: وَكَذَلِكَ ضَرَبْتُ عَمْرًا مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى بَعْضِهِ. قُلْت: وَقَدْ اسْتَدْرَكَ بِهَذَا الْمَرْكَبِ الصَّعْبِ إلَى أُمُورٍ قَبِيحَةٍ تَنَزَّهَ اللَّهُ عَنْهَا.
[مَسْأَلَةٌ الْمَجَازُ فِي الْقُرْآنِ]
ِ] وَوَقَعَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى الْأَصَحِّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77]{لَمَّا طَغَى الْمَاءُ} [الحاقة: 11] وَقَدْ صَنَّفَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كِتَابًا حَافِلًا فِي ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى:{إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46] هَذَا مِنْ مَجَازِ اللُّغَةِ، يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: سَنُجْرِي عَلَيْك رِزْقَك. إنَّا نَشْتَغِلُ بِك. وَمَنَعَهُ آخَرُونَ، وَنَسَبَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ " إلَى الْحَشْوِيَّةِ.
قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: وَحُكِيَ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَيْضًا، وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: وَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ إذَا أَنْكَرَ الْمَجَازَ فِي اللُّغَةِ، فَلَأَنْ يُنْكِرَهُ فِي الْقُرْآنِ مِنْ طَرِيقٍ أَوْلَى، لِأَنَّ الْقُرْآنَ إنَّمَا نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ. قُلْت: وَكَذَا حَكَاهُ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " شَرْحِ الْإِرْشَادِ " عَنْ الْأُسْتَاذِ وَابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ الْقَاصِّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِيمَا حَكَاهُ الْعَبَّادِيُّ فِي الطَّبَقَاتِ، وَحَكَوْهُ عَنْ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ وَابْنِهِ، وَحَكَاهُ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ الْبَلُّوطِيُّ فِي " أَحْكَامِ الْقُرْآنِ ". وَحَكَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي كِتَابِهِ فِي الْأُصُولِ عَنْ أَبِي مُسْلِمِ بْنِ يَحْيَى الْأَصْفَهَانِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى مِنْ الْحَنَابِلَةِ عَنْ أَبِي الْفَضْلِ التَّمِيمِيِّ: إنَّهُ حَكَاهُ فِي كِتَابِهِ " الْأُصُولِ " عَنْ أَصْحَابِهِمْ، وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو حَامِدٍ فِي أُصُولِهِ " لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَجَازٌ، لَكِنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْ أَحْمَدَ خِلَافُهُ. وَقِيلَ: إنَّمَا أَنْكَرَتْ الظَّاهِرِيَّةُ مَجَازَ الِاسْتِعَارَةِ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ " الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ " عَنْ أَبِي الْفَتْحِ الْمَرَاغِيّ.
وَشُبْهَتُهُمْ: أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَعْدِلُ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ إلَّا إذَا ضَاقَتْ بِهِ الْحَقِيقَةُ فَيَسْتَعِيرُ، وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى، وَهَذَا بَاطِلٌ، وَلَوْ وَجَبَ خُلُوُّ الْقُرْآنِ مِنْ الْمَجَازِ لَوَجَبَ خُلُوُّهُ مِنْ التَّوْكِيدِ وَتَثْنِيَةِ الْقَصَصِ وَالْإِشَارَاتِ إلَى الشَّيْءِ دُونَ النَّصِّ، وَلَوْ سَقَطَ الْمَجَازُ مِنْ الْقُرْآنِ ذَهَبَ شَطْرُ الْحُسْنِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْمَجَازَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ مَمْنُوعٌ، بَلْ قَدْ يُرَادُ بِهِ امْتِحَانُ الْعُلَمَاءِ وَإِتْعَابُ خَوَاطِرِهِمْ وَحَدُّ فِكْرِهِمْ بِاسْتِخْرَاجِهِ، وَطَلَبِ مَعَانِيهِ لِرَفْعِ دَرَجَاتِهِمْ وَإِكْرَامِ مَنَازِلِهِمْ كَمَا فِي الْخِطَابِ بِالْمُجْمَلِ وَالْمُشْتَرَكِ وَالْمُتَشَابِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي فِيهَا أَمَارَةُ الْحُكْمِ عَلَى وَجْهٍ خَفِيٍّ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي " مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ ": يَلْزَمُ مِنْ إثْبَاتِ الْمَجَازِ فِي اللُّغَةِ إثْبَاتُهُ فِي الْقُرْآنِ وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ فُورَكٍ: مَنْ أَنْكَرَ الْمَجَازَ فِي الْقُرْآنِ، فَقَدْ قَالَ: إنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلِسَانٍ غَيْرِ عَرَبِيٍّ؛ لِأَنَّ فِي اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ مَجَازًا وَحَقِيقَةً، وَالْقُرْآنُ نَزَلَ عَلَى لُغَتِهِمْ، وَمَنْ نَازَعَ فِي إعْطَاءِ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهُ مَجَازٌ وَاسْتِعَارَةٌ، فَقَدْ نَازَعَ فِي اللَّفْظِ مَعَ تَسْلِيمِ الْمَعْنَى الْمَطْلُوبِ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: وَاسْتَدَلَّ ابْنُ سُرَيْجٍ عَلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ دَاوُد بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} [الحج: 40] فَقَالَ: الصَّلَوَاتُ لَا تُهْدَمُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَوَاضِعَ الصَّلَوَاتِ، وَعَبَّرَ بِالصَّلَوَاتِ عَنْهَا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ فَحَذَفَ الْمُضَافَ، وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ، قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَنْهُ جَوَابٌ. قُلْت: ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ " الْأَمْوَالِ " أَنَّ الصَّلَوَاتِ بُيُوتٌ تُبْنَى فِي الْبَرَارِيِ لِلنَّصَارَى يُصَلُّونَ فِيهَا فِي أَسْفَارِهِمْ تُسَمَّى صلوتا، فَعُرِّبَتْ
صَلَوَاتٍ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} [الحج: 40] إنَّمَا أَرَادَ هَذِهِ الْبُيُوتَ عَلَى مَا يُرْوَى فِي التَّفْسِيرِ. هَذَا كَلَامُهُ، وَهُوَ غَرِيبٌ، وَعَلَيْهِ فَلَا حُجَّةَ عَلَى دَاوُد إذْ لَا مَجَازَ حِينَئِذٍ. وَالْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْقُرْآنِ نَفْسُ الْكَلَامِ الْقَدِيمِ فَلَا مَجَازَ فِيهِ، أَوْ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَيْهِ، فَلَا شَكَّ فِي اشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي إثْبَاتِ الْقِيَاسِ: الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ قَدْ يُرَادُ بِهَا الْحَقُّ، وَهُوَ مَا بِهِ الشَّيْءُ حَقُّ فِي نَفْسِهِ وَيُقَابِلُهُ الْمَجَازُ، وَيَكُونُ تَقَابُلُهُمَا تَقَابُلَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَجِبُ الْقَطْعُ بِنَفْيِ الْمَجَازِ عَنْهُ، وَقَدْ يُرَادُ بِالْحَقِيقَةِ اللَّفْظُ الْعَرَبِيُّ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ، وَبِالْمَجَازِ مَا اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ، وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ قَطْعًا.
وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: الْمُخَالِفُ فِي وُقُوعِهِ فِي اللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُخَالِفَ فِي أَنَّ مَا فِيهِمَا لَا يُسَمَّى مَجَازًا أَوْ فِي أَنَّ مَا فِيهَا مَا هُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ رَجَعَ الْخِلَافُ إلَى اللَّفْظِ؛ لِأَنَّا لَا نَدَّعِي أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ وَضَعُوا لَفْظَ الْمَجَازِ لِمَا اسْتَعْمَلُوهُ فِيمَا لَمْ يُوضَعْ لِإِفَادَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْضُوعٌ فِي لُغَتِهِمْ لِلْمَمَرِّ وَالطَّرِيقِ، وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِي هَذَا الْمَعْنَى اصْطِلَاحًا مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي تَحَقَّقَ الْخِلَافُ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ غَرَضَنَا بِإِثْبَاتِ الْمَجَازِ يَرْجِعُ إلَى كَيْفِيَّةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَأَنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ الْكَلَامُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ فَيَدُلُّ عَلَيْهِمْ وُجُودُهُ فِي لُغَتِهِمْ بِمَا لَا تُنْكِرُهُ الْأَكَابِرُ.