الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَى الصَّاحِبَيْنِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ بِهَذَا قَوْلُهُمْ: هَذَا أَسَدٌ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ، لِمَا تَحَقَّقَ أَنَّ الْهَيْكَلَ الْمَخْصُوصَ فِي حَقِّ الْإِنْسَانِ مُحَالٌ، وَقَدْ أَطْبَقَ عَلَى صِحَّتِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ نَظِيرَ مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: هَذَا أَسَدٌ لَيْسَ مُسْتَعَارًا بِجُمْلَتِهِ، بَلْ أَسَدٌ مُسْتَعَارٌ، وَهَذَا اسْتِعَارَةٌ لَهُ، وَأَمَّا هَاهُنَا فَهَذَا ابْنِي بِجُمْلَتِهِ مُسْتَعَارٌ فِي حَقِّ إثْبَاتِ الْحُرِّيَّةِ.
[مَسْأَلَةٌ الْعِبْرَةُ بِالْحَقِيقَةِ]
ِ] إذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُسْتَعْمَلَةً، وَالْمَجَازُ غَيْرَ مُسْتَعْمَلٍ، أَوْ كَانَا مُسْتَعْمَلَيْنِ، وَالْحَقِيقَةُ أَغْلَبُ اسْتِعْمَالًا فَالْعِبْرَةُ بِالْحَقِيقَةِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُعَارِضُهُ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ، وَإِنْ كَانَا فِي الِاسْتِعْمَالَيْنِ سَوَاءً، فَالْعِبْرَةُ بِالْحَقِيقَةِ أَيْضًا، وَمِنْهُمْ مَنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ: بَلْ حَكَى الْخِلَافَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو يُوسُفَ فِي " الْوَاضِحِ "، فَقَالَ: وَأَمَّا إذَا كَانَ يُفِيدُ مَجَازًا مُتَعَارَفًا وَحَقِيقَةً مُتَعَاَرَفَةً، فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، فَقَالَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ: يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَقِيلَ: بَلْ يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا. وَقَالَ صَاحِبُ " الْمَصَادِرِ ": الْقَوْلُ إذَا كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ مُتَعَارَفَةٌ فِيهِ وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ، كَقَوْلِهِ: لَا أَشْرَبُ مِنْ هَذَا النَّهْرِ، فَحَقِيقَتُهُ الْعُرْفِيَّةُ الْكَرْعُ، وَمَجَازُهُ أَنْ يَغْتَرِفَ مِنْهُ فَيَشْرَبَ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى وُجُوبِ حَمْلِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِقُوَّتِهَا وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ.
قَالَ: وَاَلَّذِي أَقُولُهُ: أَنَّ حُكْمَ هَذَا الْقَوْلِ حُكْمُ الْحَقَائِقِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ بِحُكْمِ الْوَضْعِ، وَحَقِيقَةٌ فِي الْمَعْنَى الثَّانِي بِحُكْمِ الْعُرْفِ الطَّارِئِ وَكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ وَالْعُرْفِ وَتَسْمِيَتُهُ مَجَازًا خَطَأٌ. اهـ.
وَكَذَلِكَ حَكَى الْخِلَافَ أَيْضًا الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي " الْمُلَخَّصِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمَحْصُولِ " فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِعَةِ مِنْ الْبَابِ التَّاسِعِ بِالْمُسَاوَاةِ، وَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِهِ ": إنَّهُ الْحَقُّ. وَإِنْ هُجِرَتْ الْحَقِيقَةُ بِالْكُلِّيَّةِ بِحَيْثُ لَا تُرَادُ فِي الْعُرْفِ، فَالْعِبْرَةُ بِالْمَجَازِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِثَمَرِهَا لَا بِخَشَبِهَا، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْحَقِيقَةَ؛ لِأَنَّهَا قَدْ أُمِيتَتْ بِحَيْثُ لَا تُرَادُ فِي الْعُرْفِ أَلْبَتَّةَ، وَأَمَّا إذَا غَلَبَ الْمَجَازُ فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَالْحَقِيقَةُ تُتَعَاهَدُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْحَقِيقَةُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا رَاجِحَةٌ بِحَسَبِ الْأَصْلِ وَكَوْنُهَا مَرْجُوحَةً أَمْرٌ عَارِضٌ لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَقَالَ صَاحِبَاهُ: الْمَجَازُ أَوْلَى لِكَوْنِهِ رَاجِحًا فِي الْحَالِ ظَاهِرًا فِيهِ. قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي " شَرْحِ التَّنْقِيحِ ": وَهُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ الظُّهُورَ هُوَ الْمُكَلَّفُ بِهِ، وَاخْتَارَ الْإِمَامُ فِي " الْمَعَالِمِ " وَالْبَيْضَاوِيُّ فِي " الْمِنْهَاجِ " اسْتِوَاءَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ رَاجِحٌ عَلَى الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ، فَالْحَقِيقَةُ بِالْأَصْلِ وَالْمَجَازُ بِالْغَلَبَةِ
فَيَتَعَادَلَانِ وَلَا يُحْمَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَهَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ تَعَادُلِ الْمُرَجِّحَيْنِ، وَقَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ: وَعُزِيَ ذَلِكَ إلَى الشَّافِعِيِّ.
قُلْت: وَيَشْهَدُ لَهُ الْمِثَالُ، فَإِنَّهُمْ مَثَّلُوا الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْفُرَاتِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا يَحْنَثُ بِالْكَرْعِ مِنْهُ، وَلَا يَحْنَثُ بِالشُّرْبِ مِنْ الْأَوَانِي الْمَمْلُوءَةِ مِنْهُ، وَعِنْدَنَا يَحْنَثُ بِالِاغْتِرَافِ مِنْهُ كَمَا يَحْنَثُ بِالْكَرْعِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عِنْدَنَا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ أَلْفَاظِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. قَالُوا: وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَرْجِعُ إلَى الْأَصْلِ السَّابِقِ وَهُوَ أَنَّ الْمَجَازَ هَلْ هُوَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ فِي الْحُكْمِ؟ فَإِنْ كَانَ الْمَجَازُ خَلَفًا فِي حَقِّ الْمُتَكَلِّمِ لَا تَثْبُتُ الْمُزَاحَمَةُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ، فَيُجْعَلُ اللَّفْظُ عَامِلًا فِي حَقِيقَتِهِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ. هَذَا تَحْرِيرُ التَّصْوِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالنَّقْلِ وَالتَّمْثِيلِ، فَاعْتَمِدْهُ وَاطْرَحْ مَا عَدَاهُ. وَجَعَلَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي " شَرْحِ الْمَحْصُولِ " مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا صَدَرَ ذَلِكَ مِمَّنْ لَا عُرْفَ لَهُ وَلَا قَرِينَةَ، فَإِنْ صَدَرَ ذَلِكَ مِنْ الشَّارِعِ حُمِلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ قَطْعًا أَوْ مِنْ أَهْلِ الْعُرْفِ حُمِلَ عَلَيْهَا. وَالْحَقُّ: أَنَّ الْمَجَازَ إنْ تَرَجَّحَ عَلَى الْحَقِيقَةِ بِحَيْثُ يَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ عِنْدَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ كَالْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ الْعُرْفِيَّةِ الْعَامَّةِ أَوْ الْخَاصَّةِ يُحْمَلُ عَلَى الشَّرْعِيَّةِ إنْ صَدَرَ مِنْ الشَّرْعِ، وَعَلَى الْعُرْفِيَّةِ إنْ صَدَرَ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَرَجَّحَ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَلَكِنْ لَمْ يَنْتَهِ إلَى حَدِّ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ الْعُرْفِيَّةِ أَوْ انْتَهَى إلَيْهِ وَلَكِنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْ أَهْلِ الشَّرْعِ أَوْ الْعُرْفِ فَيَكُونُ اللَّفْظُ مُجْمَلًا، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى أَحَدِهِمَا إلَّا بِالْقَرِينَةِ أَوْ النِّيَّةِ.
وَهَاهُنَا أُمُورٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْآمِدِيَّ ذَكَرَ فِي بَابِ الْمُجْمَلِ أَنَّ مَا لَهُ مَوْضُوعٌ شَرْعِيٌّ وَلُغَوِيٌّ قِيلَ: هُوَ مُجْمَلٌ، وَأَنَّهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُحْمَلُ عَلَى الشَّرْعِيَّةِ. وَفَرَّقَ الْغَزَالِيُّ بَيْنَ حَالَةِ الْإِثْبَاتِ فَكَذَلِكَ، أَوْ النَّفْيِ فَمُجْمَلٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْ الْمَجَازِ الرَّاجِحِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى، لَكِنَّ كَلَامَ الْأَصْفَهَانِيِّ السَّابِقَ يَأْبَاهُ. وَقَالَ صَاحِبُ " الْمَصَادِرِ " بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ: وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَى الْمُتَعَارَفِ، وَلَكِنْ لَا أُسَمِّيهِ مَجَازًا، بَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ كَالْغَائِطِ، وَرَأَيْت فِي " شَرْحِ الْوَسِيطِ " لِلشَّيْخِ نَجْمِ الدِّينِ بْنِ الرِّفْعَةِ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ، وَقَدْ تَعَرَّضَ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ: مَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ، وَأَمَّا فِي جَانِبِ النَّفْيِ فَيُعْمَلُ بِالْمَجَازِ الرَّاجِحِ جَزْمًا؛ لِأَنَّا إنْ نَظَرْنَا إلَى الْمَجَازِ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ نَظَرْنَا إلَى الْحَقِيقَةِ فَسَلْبُهَا يَقْتَضِي سَلْبَ سَائِرِ الْأَفْرَادِ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَا يُرَجَّحُ فِي الِاسْتِعْمَالِ. قَالَ: وَلِهَذَا جَزَمَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ لَفْظَيْ الْجِمَاعِ وَالْإِيلَاءِ صَرِيحَانِ وَإِنْ حَكَوْا الْقَوْلَيْنِ فِي قَوْلِهِ: لَا أُبَاشِرَنَّك وَلَا أَقْرَبَنَّك لِمُلَاحَظَةِ أَصْلِ الْحَقِيقَةِ، وَالرُّجْحَانُ فِي لَا أُجَامِعُك دُونَهُمَا. اهـ.
وَفِيهِ بُعْدٌ عَنْ كَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ. الثَّانِي: مَثَّلَ فِي " الْمَعَالِمِ " هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى الْعِتْقَ، هَلْ يَكُونُ كِنَايَةً فَتُعْتَقُ بِهِ؟ ؛ لِأَنَّ مَادَّةَ " ط ل ق " حَقِيقَتُهَا فِي الْخَلِيَّةِ وَحِلِّ الْقَيْدِ سَوَاءٌ مِنْ النِّكَاحِ وَالرِّقِّ فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِي عِتْقِهَا
بِالْوَضْعِ، لَكِنَّهَا مَرْجُوحَةٌ لِاشْتِهَارِهَا فِي الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ حِلُّ قَيْدِ النِّكَاحِ، وَهُوَ مَجَازٌ رَاجِحٌ ثُمَّ أَوْرَدَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يُصْرَفَ إلَى الْمَجَازِ الرَّاجِحِ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، طَلُقَتْ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ. وَأَجَابَ بِأَنَّ هَذَا غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ لِمَنْكُوحَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ عَنَى بِهَذَا اللَّفْظِ الْحَقِيقَةَ الْمَرْجُوحَةَ وَهُوَ إزَالَةُ مُطْلَقِ الْقَيْدِ وَجَبَ أَنْ يَزُولَ مُسَمَّى الْقَيْدِ، وَإِذَا زَالَ هَذَا الْمُسَمَّى فَقَدْ زَالَ الْقَيْدُ الْمَخْصُوصُ، وَإِنْ عَنَى بِهِ الْمَجَازَ الرَّاجِحَ فَقَدْ زَالَ قَيْدُ النِّكَاحِ، فَلَمَّا كَانَ يُفِيدُ الزَّوَالَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ اسْتَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ.
قَالَ ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ وَالسُّؤَالُ لَازِمٌ؛ إذْ الْكَلَامُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا ذَكَرَهُ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الطَّلَاقِ، فَقَوْلُهُ: إنْ نَوَى حُمِلَ عَلَى السُّؤَالِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ " الْمَعَالِمِ " لَا يَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ مِمَّا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ، بَلْ هُوَ مُبَايِنٌ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: لَا يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ، وَهَذَا مَبْحَثٌ فِي أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ أَوَّلًا وَهُوَ بَحْثٌ صَحِيحٌ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِاسْتِوَاءِ الْحَقِيقَةِ الْمَرْجُوحَةِ وَالْمَجَازِ الرَّاجِحِ إلَّا إنْ قِيلَ: إنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ نَقَلَهُ إلَى حِلِّ قَيْدِ النِّكَاحِ، وَصَارَ فِيهِ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً أَوْ عُرْفِيَّةً، وَارْتَفَعَ عَنْ هَذَا الْمَجَازِ الرَّاجِحِ بِذَلِكَ كَسَائِرِ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ. وَمَسْأَلَةُ التَّعَارُضِ فِيمَا إذَا لَمْ يَصِلْ الْمَجَازُ إلَى هَذَا الْحَدِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مَمَاتُهُ، وَالْحَقِيقَةُ هُنَا لَمْ تَمُتْ، لَكِنَّ سِيَاقَ كَلَامِ صَاحِبِ الْمَعَالِمِ " أَنَّهُ يَنْوِي الْحَقِيقَةَ، وَهُوَ مُطْلَقُ الْقَيْدِ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ إنَّمَا قَالُوا يَنْوِي الْعِتْقَ، وَهُوَ
إزَالَةُ قَيْدٍ خَاصٍّ وَهُوَ مِلْكُ الْيَمِينِ، وَهُوَ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ. فَخَرَجَ عَنْ مَعْنَى الْحَقِيقَةِ الْمَرْجُوحَةِ وَالْمَجَازِ الرَّاجِحِ، فَيَبْطُلُ الْيَمِينُ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ. وَلَا نَدْرِي مَا يَقُولُ الْأَصْحَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا نَوَى بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْأَمَةِ إزَالَةَ مُطْلَقِ الْقَيْدِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْعِتْقِ بِخُصُوصِهِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: تُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ إزَالَةِ الْأَعَمِّ إزَالَةُ الْأَخَصِّ. وَبَعْدُ فَلَا يَسْتَقِيمُ التَّمْثِيلُ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً أَوْ عُرْفِيَّةً فِي حِلِّ قَيْدِ النِّكَاحِ، وَهُمَا مُقَدَّمَتَانِ عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ قَطْعًا.
مَسْأَلَةٌ [قِلَّةُ اسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةِ فَلَا يُفْهَمُ مَعْنَاهَا إلَّا بِقَرِينَةٍ] قَدْ يَقِلُّ اسْتِعْمَالُ الْحَقِيقَةِ فِي مَعْنَاهَا فَتَصِيرُ بِحَيْثُ إذَا أُطْلِقَتْ لَا يُفْهَمُ الْمَعْنَى الَّذِي كَانَتْ حَقِيقَةً فِيهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ، فَتُلْحَقُ بِالْمَجَازِ كَالْغَائِطِ لِلْمَكَانِ الْمُطْمَئِنِّ، فَإِنَّهُ حَقِيقَةٌ ثُمَّ هُجِرَ، وَيَكْثُرُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ مَجَازًا فِيهِ فَيَصِيرُ بِحَيْثُ إذَا أُطْلِقَ فُهِمَ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ فَيُلْتَحَقُ بِالْحَقَائِقِ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي مَعَانِيهَا تَابِعٌ لِاخْتِيَارِ الْوَاضِعِ وَالْمُسْتَعْمِلِ، لَا لِأَنْفُسِهَا. وَحَكَى الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ قَوْمٍ مَنَعُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ أَنْ تُغَيَّرَ الْحَقِيقَةُ عَنْ دَلَالَتِهَا لَا بِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي مَجَازِهَا، وَلَا بِقِلَّتِهِ فِيهَا وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَذَا مَنَعُوا أَنْ يَتَغَيَّرَ الْمَجَازُ عَنْ دَلَالَتِهِ بِأَنْ يَصِيرَ يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ بِلَا قَرِينَةٍ. قَالُوا:؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ قَلْبَ دَلَالَةِ الِاسْمِ وَمَعْنَاهُ، وَالْأَدِلَّةُ لَا تَنْقَلِبُ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ.