الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْحَقُّ: أَنَّهُ كَالْأَفْعَالِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ نَقْلَ مُتَعَلِّقِ مَعَانِي الْحُرُوفِ مِنْ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ إلَى الشَّرْعِيَّةِ مُسْتَلْزِمٌ لِنَقْلِهَا أَيْضًا، وَفِي " نَعَمْ " بَحْثٌ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ السُّؤَالَ هَلْ هُوَ كَالْمُعَادِ فِي الْجَوَابِ؟ وَأَمَّا الْأَفْعَالُ فَلَمْ يُوجَدْ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَيُوجَدُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِمَصَادِرِهَا، فَإِنْ كَانَ الْمَصْدَرُ شَرْعِيًّا كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ كَانَ الْفِعْلُ الدَّالُّ عَلَيْهِ شَرْعًا كَصَلَّى وَزَكَّى، وَإِنْ كَانَ لُغَوِيًّا كَانَ الْفِعْلُ أَيْضًا لُغَوِيًّا كَأَكْثَرِ الْأَفْعَالِ.
[أَقْسَامُ الْفِعْلِ]
[أَقْسَامُ الْفِعْلِ] وَالْفِعْلُ يَنْقَسِمُ إلَى مَاضٍ وَأَمْرٍ وَمُضَارِعٍ. فَأَمَّا الْمُضَارِعُ: فَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي الشَّرْعِ فِي شَيْءٍ أَصْلًا إلَّا فِي لَفْظَةِ " أَشْهَدُ " فِي الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهَا تَعَيَّنَتْ وَلَمْ يَقُمْ غَيْرُهَا مَقَامَهَا، وَكَذَلِكَ فِي اللِّعَانِ سَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّهُ يَمِينٌ أَوْ شَهَادَةٌ، أَوْ فِيهِ شَائِبَةٌ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَيَجُوزُ فِي الْيَمِينِ: أُقْسِمُ بِاَللَّهِ وَأَشْهَدُ، وَلَا يَتَعَيَّنُ. وَأَمَّا الْمَاضِي: فَيُعْمَلُ بِهِ فِي الْإِنْشَاءَاتِ كَالْعُقُودِ وَالطَّلَاقِ.
وَأَمَّا فِعْلُ الْأَمْرِ: فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِيجَابِ وَالِاسْتِيجَابِ فِي الْعُقُودِ وَالطَّلَاقِ، فَكَذَا يُعْمَلُ بِهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُعْمَلُ بِالْمَاضِي عَلَى الصَّحِيحِ. الثَّالِثُ: صِيَغُ الْعُقُودِ كَبِعْتُ وَطَلَّقْت لَا شَكَّ فِي كَوْنِهَا وُضِعَتْ فِي اللُّغَةِ لِلْإِخْبَارِ عَنْ أَمْرٍ مَاضٍ، وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَقَدْ يُسْتَعْمَلُ كَذَلِكَ كَمَا إذَا صَدَرَ عَنْ إنْسَانٍ بَيْعٌ أَوْ طَلَاقٌ أَوْ غَيْرُهُمَا، ثُمَّ قَالَ: بِعْتُ أَوْ طَلَّقْتُ وَمُرَادُهُ
الْإِخْبَارُ عَمَّا نَصَّ. وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ لِاسْتِحْدَاثِ أَحْكَامٍ لَمْ تَكُنْ قَبْلُ، فَهَلْ هِيَ إخْبَارَاتٌ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بَاقِيَةٌ عَلَى الْأَوْضَاعِ اللُّغَوِيَّةِ، أَوْ إنْشَاءَاتٌ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّارِعَ نَقَلَهَا إلَى الْإِنْشَاءَاتِ الْمَخْصُوصَةِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ. وَالْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الرَّازِيَّ وَأَتْبَاعُهُ عَلَى الثَّانِي وَنُسِبَ الْأَوَّلُ لِلْحَنَفِيَّةِ، وَأَنْكَرَهُ الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ السُّرُوجِيُّ فِي " الْغَايَةِ "، وَقَالَ: الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا إنْشَاءَاتٌ.
قُلْت: وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ " الْبَدِيعِ ": إنَّهُ الْحَقُّ حِينَئِذٍ، فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَلِهَذَا أَجْمَعُوا عَلَى ثُبُوتِ أَحْكَامِهَا عِنْدَ التَّلَفُّظِ بِهَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ يَثْبُتُ مَعَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِهَا أَوْ عَقِبَهُ، وَنَسَبَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي " شَرْحِ الْمَحْصُولِ " الْقَوْلَ بِأَنَّهَا إخْبَارَاتٌ لِاخْتِبَارِ أَئِمَّةِ النَّظَرِ مِنْ الْخِلَافِيِّينَ. قَالُوا: وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالنَّقْلِ الشَّرْعِيِّ إمَّا مُطْلَقًا كَقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ أَوْ إلَى مَجَازَاتِهَا اللُّغَوِيَّةِ، وَلَا يَتَأَتَّى عَلَى رَأْيِ الْقَاضِي، وَتَحْرِيرُ الْقَوْلِ بِالْإِخْبَارِ: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِك: بِعْت، الْإِخْبَارُ عَمَّا فِي قَلْبِك، فَإِنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ هُوَ التَّرَاضِي، وَوُضِعَتْ لَفْظَةُ بِعْت لِلدَّلَالَةِ عَلَى الرِّضَى، فَكَأَنَّهُ أَخْبَرَ بِهَا عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ بِتَقْدِيرِ وُجُودِهَا قُبَيْلَ اللَّفْظِ لِلضَّرُورَةِ، وَغَايَةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ. وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهَا إنْشَاءٌ قَالُوا: لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا نُقِلَتْ عَنْ مَعْنَى الْإِخْبَارِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَوُضِعَتْ لِإِيقَاعِ هَذِهِ الْأُمُورِ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهَا صِيَغٌ يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ مَدْلُولَاتِهَا اللُّغَوِيَّةِ عَلَى ثُبُوتِ هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ جِهَةِ الْمُتَكَلِّمِ، فَاعْتَبَرَ الشَّرْعُ