الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَهْزِمَهُمْ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ.
فَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ أَدْخُلَ تِلْكَ - بِالنَّصْبِ - كَانَ بِمَعْنَى " حَتَّى ". وَمَا يُقَالُ مِنْ أَنَّ تَقْدِيرَ الْعَطْفِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ مَنْفِيٌّ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ؛ إذْ لَا امْتِنَاعَ فِي الْعَطْفِ الْمُثْبَتِ عَلَى الْمَنْفِيِّ وَبِالْعَكْسِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ " أَوْ " فِي قَوْله تَعَالَى:{لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] عَاطِفَةٌ مُقَيِّدَةٌ لِلْعُمُومِ أَيْ: عَدَمُ الْجُنَاحِ مُقَيَّدٌ بِانْتِفَاءِ الْأَمْرَيْنِ. أَعْنِي الْمُجَامَعَةَ وَتَقْرِيرَ الْمَهْرِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا كَانَ الْجُنَاحُ. أَيْ: وَجَبَ الْمَهْرُ، فَيَكُونُ {تَفْرِضُوا} مَجْزُومًا عَطْفًا عَلَى {تَمَسُّوهُنَّ} . وَلَا حَاجَةَ إلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْكَشَّافِ مِنْ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ " أَنْ " عَلَى مَعْنَى إلَى أَنْ تَفْرِضُوا، أَوْ حَتَّى تَفْرِضُوا. أَيْ: إذَا لَمْ تُوجَدْ الْمُجَامَعَةُ فَعَدَمُ الْجُنَاحِ يَمْتَدُّ إلَى تَقْرِيرِ الْمَهْرِ.
[لَوْ حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعٍ مِنْ أَدَوَات الْمَعَانِي]
[لَوْ] لَوْ حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعٍ. هَذِهِ عِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهَا عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ غَيْرَهُ أَنَّهُ امْتَنَعَ الثَّانِي لِامْتِنَاعِ الْأَوَّلِ، نَحْوُ لَوْ جِئْتنِي لَأَكْرَمْتُك انْتَفَى الْإِكْرَامُ لِانْتِفَاءِ الْمَجِيءِ فَلَا يَكُونُ فِيهَا تَعَرُّضٌ لِلْوُقُوعِ إلَّا بِالْمَفْهُومِ.
وَالثَّانِي: عَكْسُهُ. أَيْ: أَنَّهُ امْتَنَعَ الْأَوَّلُ لِامْتِنَاعِ الثَّانِي، وَهُوَ مَا صَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُهُ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ فِي " الْبُرْهَانِ "؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ سَبَبٌ لِلثَّانِي، وَانْتِفَاءُ السَّبَبِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْمُسَبَّبِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَخْلُفَهُ سَبَبٌ آخَرُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْمُسَبَّبُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسَبَّبِ سَبَبٌ سِوَاهُ، وَيَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ الْمُسَبَّبِ انْتِفَاءُ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ حُكْمٍ بِدُونِ سَبَبٍ، فَصَحَّ أَنْ يُقَالَ: امْتَنَعَ الْأَوَّلُ لِامْتِنَاعِ الثَّانِي أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] كَيْفَ سِيقَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى انْتِفَاءِ التَّعَدُّدِ لِانْتِقَاءِ الْفَسَادِ لَا؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْفَسَادِ لِامْتِنَاعِ التَّعَدُّدِ؟ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْمَفْهُومَ. وَلِأَنَّ نَفْيَ الْآلِهَةِ غَيْرِ اللَّهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ فَسَادُ الْعَالَمِ.
قِيلَ: وَقَدْ خَرَقَ إجْمَاعَ النَّحْوِيِّينَ وَبَنَاهُ عَلَى رَأْيِهِ أَنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ أَسْبَابٌ، وَالسَّبَبُ يَقْتَضِي الْمُسَبَّبَ لِذَاتِهِ، فَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ السَّبَبِ عَدَمُ الْمُسَبَّبِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ ذَلِكَ، فَقَدْ يَتَخَلَّفُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ، وَعَدَمُ مَانِعٍ، وَعَدَمُ سَبَبٍ آخَرَ شَرْطٌ فِي انْتِفَاءِ الْمُسَبَّبِ لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ، لَكِنَّ السَّبَبَ الْآخَرَ مَوْجُودٌ. ثُمَّ كَيْفَ يُصْنَعُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال: 23] ؟ فَإِنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ السَّمَاعِ وَعَدَمُ الْخَيْرِ فِيهِ لَا الْعَكْسُ، وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ لَكِنْ بِاعْتِبَارَيْنِ: بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ وَالتَّعْلِيلِ، وَبِاعْتِبَارِ الْعِلْمِ وَالِاسْتِدْلَالِ. فَتَقُولُ: لَمَّا كَانَ الْمَجِيءُ عِلَّةً لِلْإِكْرَامِ بِحَسَبِ الْوُجُودِ فَانْتِفَاءُ الْإِكْرَامِ لِانْتِفَاءِ الْمَجِيءِ انْتِفَاءُ الْمَعْلُولِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ، وَأَيْضًا لَمَّا لَمْ يُعْلَمْ انْتِفَاءُ الْإِكْرَامِ فَقَدْ يُسْتَدَلُّ مِنْهُ عَلَى انْتِفَاءِ الْمَجِيءِ اسْتِدْلَالًا بِانْتِفَاءِ اللَّازِمِ عَلَى انْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ، وَكَذَا فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ تَقُولُ فِي مَقَامِ التَّعْلِيلِ: انْتِفَاءُ الْفَسَادِ لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ.
أَيْ: التَّعَدُّدُ فِي مَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ يُعْلَمُ مِنْ انْتِفَاءِ التَّعَدُّدِ انْتِفَاءُ الْفَسَادِ، فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ نَظَرَ إلَى اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ، وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي نَظَرَ إلَى الِاعْتِبَارِ الثَّانِي.
وَعَلَى عِبَارَةِ الْأَكْثَرِينَ فَالْجُمْلَتَانِ بَعْدَهَا لَهُمَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ: إمَّا أَنْ تَكُونَا مُوجِبَتَيْنِ نَحْوُ لَوْ زُرْتنِي لَأَكْرَمْتُك فَيَقْتَضِي امْتِنَاعَهُمَا، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَا مَنْفِيَّتَيْنِ نَحْوُ لَوْ لَمْ تَزُرْنِي لَمْ أُكْرِمْك فَيَقْتَضِي وُجُودَهَا، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ " لَوْ " لَمَّا كَانَ مَعْنَاهَا الِامْتِنَاعَ لِامْتِنَاعٍ، وَقَدْ دَخَلَ الِامْتِنَاعُ عَلَى النَّفْيِ فِيهِمَا فَامْتَنَعَ النَّفْيُ، وَإِذَا امْتَنَعَ النَّفْيُ صَارَ إثْبَاتًا، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا مُوجَبَةً وَالْأُخْرَى مَنْفِيَّةٌ وَتَحْتَهُ صُورَتَانِ يُعْلَمُ حُكْمُهُمَا مِنْ الَّتِي قَبْلَهُمَا. وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَى ذَلِكَ مَوَاضِعَ ظَنَّ أَنَّ جَوَابَهَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام: 111]، {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ} [لقمان: 27] وَقَوْلُ عُمَرَ: " نِعْمَ الْعَبْدُ صُهَيْبٌ لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ " وَغَيْرُ ذَلِكَ. أَمَّا لَوْ جَرَيْنَا عَلَى ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ لَلَزِمَ مِنْهُ عَكْسُ الْمُرَادِ.
ثُمَّ تَفَرَّقَ الْمُعْتَرِضُونَ الَّذِينَ رَأَوْا لُزُومَ هَذَا السُّؤَالِ، فَمِنْهُمْ مَنْ صَارَ إلَى أَنَّهَا لَا تُفِيدُ الِامْتِنَاعَ بِوَجْهٍ بَلْ لِمُجَرَّدِ الرَّبْطِ وَالتَّعَلُّقِ فِي الْمَاضِي كَمَا دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْمُتَعَلِّقَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّلَوْبِينَ وَابْنِ هِشَامٍ الْخَضْرَاوِيِّ وَابْنِ عُصْفُورٍ وَغَيْرِهِمْ، وَتَابَعَهُمْ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا} [الأنفال: 23]
قَالَ: فَلَوْ أَفَادَتْ انْتِفَاءَ الشَّيْءِ لِانْتِفَاءِ غَيْرِهِ لَزِمَ التَّنَاقُضُ؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَقْتَضِي أَنَّهُ مَا عَلِمَ فِيهِمْ خَيْرًا وَمَا أَسْمَعَهُمْ، وَالثَّانِيَةَ أَنَّهُ تَعَالَى مَا أَسْمَعَهُمْ وَلَا تَوَلَّوْا لَكِنْ عَدَمُ التَّوَلِّي خَيْرٌ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ فِيهِمْ خَيْرًا وَمَا عَلِمَ فِيهِمْ خَيْرًا. قَالَ: فَعَلِمْنَا أَنَّ كَلِمَةَ " لَوْ " لَا تُفِيدُ إلَّا الرَّبْطَ وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَسَّطَ بَيْنَ الْمَقَالَيْنِ، وَقَالَ: إنَّهَا تُفِيدُ امْتِنَاعَ الشَّرْطِ خَاصَّةً وَلَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى امْتِنَاعِ الْجَوَابِ وَلَا عَلَى ثُبُوتِهِ إلَّا أَنَّ الْأَكْثَرَ عَدَمُهُ، وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ مَالِكٍ.
وَسَلَكَ الْقَرَافِيُّ طَرِيقًا عَجِيبًا فَقَالَ: " لَوْ " كَمَا تَأْتِي لِلرَّبْطِ تَأْتِي لِقَطْعِ الرَّبْطِ فَتَكُونُ جَوَابًا لِسُؤَالٍ مُحَقَّقٍ أَوْ مُتَوَهَّمٍ وَقَعَ فِيهِ قَطْعُ الرَّبْطِ فَتَقْطَعُهُ أَنْتَ لِاعْتِقَادِك بُطْلَانَ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ قَالَ الْقَائِلُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا زَوْجًا لَمْ يَرِثْ، فَتَقُولُ أَنْتَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ زَوْجًا لَمْ يَحْرُمْ الْإِرْثُ أَيْ لِكَوْنِهِ ابْنَ عَمٍّ، وَادَّعَى أَنَّ هَذَا يُتَخَلَّصُ بِهِ عَنْ الْإِشْكَالِ، وَأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ ادِّعَاءِ أَنَّ " لَوْ " بِمَعْنَى " أَنْ " لِسَلَامَتِهِ مِنْ ادِّعَاءِ النَّقْلِ وَمِنْ حَذْفِ الْجَوَابِ. وَلَيْسَ كَمَا قَالَ: فَإِنَّ كَوْنَ " لَوْ " مُسْتَعْمَلًا لِقَطْعِ الرَّبْطِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَصِرْ إلَيْهِ أَحَدٌ مَعَ مُخَالَفَتِهِ الْأَصْلَ. بِخِلَافِ ادِّعَاءِ أَنَّهَا بِمَعْنَى " أَنَّ " أَوْ " أَنْ " وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ، فَقَدْ صَارَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ. وَالظَّاهِرُ: عِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ لِمُوَافَقَتِهَا غَالِبَ الِاسْتِعْمَالَاتِ. وَأَمَّا الْمَوَاضِعُ الَّتِي نَقَضُوا بِهَا عَلَيْهِمْ فَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهَا وَرُجُوعُهَا إلَى قَاعِدَتِهِمْ. أَمَّا الْآيَةُ الْأُولَى:
فَالْمَعْنَى مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِهَذِهِ الْأُمُورِ، وَامْتِنَاعُ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ صَادِقٌ بِعَدَمِ وِجْدَانِ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ إذْ الْمُرَادُ لَامْتَنَعَ إيجَابُهُمْ لِهَذَا التَّقْدِيرِ.
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَقَوْلُهُمْ يَلْزَمُ نَفَادُ الْكَلِمَاتِ عِنْدَ انْتِفَاءِ كَوْنِ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامًا، وَهُوَ الْوَاقِعُ فَيَلْزَمُ النَّفَادُ، وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ النَّفَادَ إنَّمَا يَلْزَمُ انْتِفَاؤُهُ لَوْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ فِي الْعَقْلِ أَنَّهُ مُقْتَضٍ لِلِانْتِفَاءِ. أَمَّا إذَا كَانَ مِمَّا يَتَصَوَّرُهُ الْعَقْلُ مُقْتَضِيًا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ عِنْدَ انْتِفَائِهِ أَوْلَى وَأَحْرَى، فَمَعْنَى " لَوْ " فِي الْآيَةِ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ الْمُقْتَضَى لَمَا وُجِدَ الْحُكْمُ لَكِنْ لَمْ يُوجَدْ فَكَيْفَ يُوجَدُ؟ وَلَيْسَ الْمَعْنَى: لَكِنْ لَمْ يُوجَدْ فَوُجِدَ لِامْتِنَاعِ وُجُودِ الْحُكْمِ بِلَا مُقْتَضٍ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَاسْتَقَرَّ فِي الْعِبَادِ وَلَمْ يَحْصُلْ النَّفَادُ لَكِنَّهُ لَمْ يَمْتَنِعْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ مَا اعْتَمَدُوا الْبِحَارَ لِعَدَمِ وُجُودِهَا. وَأَمَّا الْأَثَرُ فَلِمَا سَبَقَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ عَارَضَ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ، وَبِأَنَّ الْمَنْفِيَّ وَهُوَ مَعْصِيَتُهُ لَا يَنْشَأُ عَنْ خَوْفٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْعِصْيَانِ لَهُ سَبَبَانِ الْخَوْفُ وَالْإِجْلَالُ؟ وَقَدْ اجْتَمَعَا فِي صُهَيْبٍ فَلَوْ قُدِّرَ فِيهِ عَدَمُ الْخَوْفِ لَمْ يَعْصِهِ، فَكَيْفَ وَعِنْدَهُ مَانِعٌ آخَرُ وَهُوَ الْإِجْلَالُ فَالْقَصْدُ نَفْيُ الْمَعْصِيَةِ بِكُلِّ حَالٍ، كَمَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ فُلَانٌ جَاهِلًا لَمْ يَقُلْ هَذَا، فَكَيْفَ وَهُوَ عَالِمٌ؟ أَوْ يُقَالُ: لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ، فَكَيْفَ يَعْصِي اللَّهَ وَهُوَ يَخَافُهُ؟ وَإِذَا لَمْ يَعْصِهِ مَعَ عَدَمِ الْخَوْفِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَعْصِيَهُ مَعَ وُجُودِهِ. وَيُحْكَى أَنَّ الشَّلَوْبِينَ سُئِلَ عَنْ مَعْنَاهُ فَأَنْشَدَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
فَلَوْ أَصْبَحَتْ لَيْلَى تَدِبُّ عَلَى الْعَصَا
…
لَكَانَ هَوَى لَيْلَى جَدِيدًا أَوَائِلُهْ
يُرِيدُ أَنَّ حُبَّهَا مَطْبُوعٌ فِي جِبِلَّتِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ كَتَغَيُّرِ الْمُحِبِّينَ، فَكَذَلِكَ جِبِلَّةُ صُهَيْبٍ مَطْبُوعَةٌ عَلَى الْخَيْرِ فَلَوْ لَمْ يَخَفْ لَمْ يَعْصِ لِجِبِلَّتِهِ الْفَاضِلَةِ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْك بَعْدَ هَذَا اسْتِعْمَالُ مِثْلِ هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ فِي بَقِيَّةِ الْمَوَاضِعِ الْمُعْتَرَضِ بِهَا.
وَالضَّابِطُ: أَنْ تَقُولَ: يُؤْتَى بِهَا لِثُبُوتِ الْحُكْمِ عَلَى تَقْدِيرٍ لَا يُنَاسِبُ الْحُكْمَ لِتُفِيدَ ثُبُوتَ الْحُكْمِ عَلَى خِلَافِهِ الَّذِي يُنَاسِبُهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى فَيَلْزَمُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ مُطْلَقًا. ثُمَّ يُرَدُّ عَلَى الْقَائِلِ بِالرَّبْطِ وَأَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعٍ أَلْبَتَّةَ غَالِبُ، الِاسْتِعْمَالَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة: 13] فَإِنَّ الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي فَلَمْ أَشَأْ أَوْ لَمْ أَشَأْ حَقَّ الْقَوْلِ وقَوْله تَعَالَى: {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ} [الأنفال: 43] أَيْ: فَلَمْ يُرِكَهُمْ لِذَلِكَ {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ} [الأعراف: 176]{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ} [البقرة: 251]{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} [البقرة: 253]{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ - وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ} [المائدة: 48 - 81]{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا} [الأعراف: 96]{وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ} [الأنفال: 42]{لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال: 63]{لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا} [التوبة: 42] وَغَيْرِهَا مِنْ الْآيَاتِ، وَمِنْ الْحَدِيثِ: «لَوْ كُنْت مُتَّخِذًا خَلِيلًا