الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الْقَاضِي. وَهَذَا بَاطِلٌ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ وَضْعَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَيْسَ عَنْ عِلَّةٍ عَقْلِيَّةٍ أَوْ دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ، وَإِنَّمَا حَصَلَ الِاتِّفَاقُ بِالْمُوَاطَأَةِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اُتُّفِقَ عَلَى تَسْمِيَةِ كُلِّ مُسَمًّى بِغَيْرِ اسْمِهِ لَدُلَّ عَلَيْهِ، كَدَلَالَةِ الْيَوْمِ عَلَى مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ يُوجِبُ قَلْبَ الْأَدِلَّةِ فَذَلِكَ فِي الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ أَمَّا مَا ثَبَتَ بِالْمُوَاطَأَةِ وَالْمُوَاضَعَةِ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ. وَقَالَ صَاحِبُ " الْمَصَادِرِ ": مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ صَيْرُورَةِ الْمَجَازِ حَقِيقَةً، وَالْحَقِيقَةِ مَجَازًا إنَّمَا نُجَوِّزُهُ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَاسْتِقْرَارِ حُكْمِهِ، فَأَمَّا بَعْدَ نُزُولِهِ فَلَا، وَإِلَّا لَانْسَدَّ عَلَيْنَا طَرِيقُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ بِمُرَادِ خِطَابِهِ، وَيَتَطَرَّقُ الْوَهْمُ إلَى الْحَقَائِقِ. اهـ.
وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا.
[تَعَدُّدُ وُجُوهِ الْمَجَازِ]
مَسْأَلَةٌ [تَعَدُّدُ وُجُوهِ الْمَجَازِ] إذَا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ وَتَعَدَّدَتْ وُجُوهُ الْمَجَازِ، وَكَانَ بَعْضُهَا أَقْرَبَ إلَى الْحَقِيقَةِ تَعَيَّنَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقٍ فِي " شَرْحِ الْإِلْمَامِ ": هَذِهِ إذَا كَانَتْ الْمَجَازَاتُ بَيْنَهَا تَنَافٍ فِي الْحَمْلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَمَنَعَ مِنْ الْحَمْلِ عَلَيْهَا مَانِعٌ، وَأَحَدُهَا أَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ تَعَيَّنَ الْحَمْلُ عَلَى الْأَقْرَبِ مِنْهُمَا، أَوْ يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا لِتَنَاوُلِ ذَلِكَ الْوَجْهِ الْعَامِّ لَهَا، وَعَدَمُ الْمُنَافِي يُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأَقْرَبِ إلَى الْحَقِيقَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْأَقْرَبِ مَحْذُورَ التَّخْصِيصِ مَعَ إمْكَانِ التَّعْمِيمِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَعَدَّدَتْ وُجُوهُ الْمَجَازِ، وَوَقَعَ التَّنَافِي فِي الْحَمْلِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ هَذَا الْمَحْذُورُ. وَمِثَالُ مَا إذَا تَعَذَّرَ الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَتَعَدَّدَتْ وُجُوهُ الْمَجَازِ مَعَ التَّنَافِي: مَا إذَا دَخَلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَتَعَذَّرَ الْحَمْلُ عَلَيْهَا، كَمَا فِي لَا عَمَلَ إلَّا بِنِيَّةٍ
مَثَلًا، فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ مُتَعَذِّرَةٌ، وَاحْتُمِلَ أَنْ يُقَدَّرَ: لَا صِحَّةَ عَمَلٍ، وَاحْتُمِلَ أَنْ يُقَدَّرَ لَا كَمَالَ عَمَلٍ فَهَذَانِ وَجْهَانِ مِنْ الْمَجَازِ، وَفِي الْحَمْلِ عَلَى أَحَدِهِمَا مُنَافَاةٌ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّا إذَا قُلْنَا: لَا صِحَّةَ لَزِمَ انْتِفَاءُ الْكَمَالِ، وَإِذَا قُلْنَا: لَا كَمَالَ لَمْ يَلْزَمْ انْتِفَاءُ الصِّحَّةِ، وَالْحَمْلُ عَلَى الصِّحَّةِ أَقْرَبُ إلَى انْتِفَاءِ الْحَقِيقَةِ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْكَمَالِ. قُلْت: وَمِنْ الْمُرَجِّحَاتِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ وَتَعَدُّدِ الْمَجَازِ فِيهَا مَا تَحَقَّقَتْ عَلَاقَتُهُ، فَهُوَ أَوْلَى مِمَّا لَمْ تَتَحَقَّقْ عَلَاقَتُهُ: مِثَالُهُ: قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» . فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ حَمَلُوهُ عَلَى الْمُتَسَاوِيَيْنِ، وَأَطْلَقَ عَلَيْهِمَا بَائِعَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَالشَّافِعِيَّةُ حَمَلُوهُ عَلَى مَنْ صَدَرَ مِنْهُمَا الْبَيْعُ بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَجَازٌ، لَكِنَّ مَجَازَ الشَّافِعِيَّةِ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَلَاقَةَ مُتَحَقِّقَةٌ بِخِلَافِ إطْلَاقِ الْفِعْلِ، وَإِرَادَةِ الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَتَحَقَّقُ صُدُورُ الْبَيْعِ. الثَّانِي: الِاتِّفَاقُ عَلَى مَجَازِيَّتِهِ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَمْ لَا؟ فَكَانَ رَاجِحًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.