الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ بِنَاءُ مَنْ بَنَى عَلَيْهِ صَلَاةَ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ أَحَدِهِمَا هَلْ يُعِيدُ؟ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ الْكَبِيرِ ": إنْ أَرَادَ عَبْدُ الْجَبَّارِ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَرِدَ أَمْرٌ بَعْدَهُ بِمِثْلِهِ فَمُسَلَّمٌ، وَمَرْجِعُ النِّزَاعِ فِي تَسْمِيَتِهِ قَضَاءً، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِهِ فَسَاقِطٌ. وَقَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ: الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَتَحَقَّقُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ لُزُومَ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ التَّكْرَارِ، وَالْأَوَّلُ يُجْزِئُ عَنْ الْآخَرِ لَكِنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْ، وَإِنْ كَانَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ فَهُوَ غَيْرُ مُجْزِئٍ بِالِاتِّفَاقِ، وَقَالَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَقْلُوبَةٌ بِالْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى، وَهِيَ كَوْنُ النَّهْيِ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ.
[مَسْأَلَةٌ تَعْلِيقُ الْأَمْرِ بِمُعَيَّنٍ]
ٍ] الْأَمْرُ إنْ تَعَلَّقَ بِمُعَيَّنٍ لَمْ يَخْرُجْ الْمُكَلَّفُ عَنْ عُهْدَتِهِ إلَّا بِالْإِتْيَانِ بِهِ قَطْعًا وَإِنْ تَعَلَّقَ بِمُطْلَقٍ وَهُوَ الْمُتَنَاوِلُ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ فَاخْتَلَفُوا فِي الْمَطْلُوبِ بِهِ هَلْ هُوَ الْمَاهِيَّةُ الْكُلِّيَّةُ أَوْ جُزْءٌ مِنْ جُزْئِيَّاتِهَا؟ قَالَ الْآمِدِيُّ: هُوَ أَمْرٌ يُجْزِئُ مُعَيَّنٌ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْمَاهِيَّةِ لَا بِالْكُلِّيِّ الْمُشْتَرَكِ، وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ: هُوَ أَمْرٌ بِالْكُلِّيِّ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْأَفْرَادِ لَا بِجُزْءٍ مُعَيَّنٍ وَلَا بِجَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ، لِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ، فَإِذَا قَالَ فِي الدَّارِ جِسْمٌ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَيَوَانٌ؛ لِأَنَّ الْجِسْمَ أَعَمُّ، وَهَذَا مَا حَكَاهُ أَبُو الْمَنَاقِبِ الزَّنْجَانِيّ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَأَنَّ الْأَوَّلَ مَذْهَبُ
أَبِي حَنِيفَةَ، وَاخْتَارَ الثَّانِيَ أَيْضًا الْقَرَافِيُّ وَالْأَصْفَهَانِيُّ شَارِحَا الْمَحْصُولِ " وَالصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ هِيَ هِيَ، وَلَا لَازِمَةً لَهَا فَلَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا لَا مُطَابَقَةً وَلَا الْتِزَامًا، فَعَلَى هَذَا، الْأَمْرُ بِالْجِنْسِ لَا يَكُونُ أَمْرًا بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ أَلْبَتَّةَ، وَذَلِكَ كَالْمَأْمُورِ بِالْبَيْعِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَحَيْثُ حُمِلَ عَلَى مُعَيَّنٍ كَالْأَمْرِ مِنْ الْمُوَكِّلِ لِلْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الشَّيْءِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، فَإِنَّمَا هُوَ لِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ، وَحَيْثُ لَمْ يُوجَدْ دَلِيلٌ مُنْفَصِلٌ يُخَيَّرُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَاهِيَّةِ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا فِي ضِمْنِ جُزْئِيٍّ.
وَلَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فَيَتَعَيَّنُ التَّخْيِيرُ. وَتَوَسَّطَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ فَقَالَ: الْمَطْلُوبُ الْمَاهِيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ، لَا بِقَيْدِ الْجُزْئِيَّةِ وَلَا بِقَيْدِ الْكُلِّيَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ أَحَدِهَا اعْتِبَارُ الْآخَرِ، وَأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ، بَلْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي ضِمْنِ الْجُزْئِيَّاتِ. قَالَ: وَيُوَضِّحُ هَذَا كَلَامُهُمْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ بِشَرْطِ شَيْءٍ وَبِشَرْطِ لَا شَيْءٍ وَلَا بِشَرْطٍ. وَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَسْتَدْعِي تَجْدِيدَ الْعَهْدِ بِمَسْأَلَةٍ مَنْطِقِيَّةٍ وَهِيَ أَنَّ الْكُلِّيَّ إمَّا مَنْطِقِيٌّ أَوْ طَبِيعِيٌّ أَوْ عَقْلِيٌّ، لِأَنَّا إذَا قُلْنَا: الْبَيْعُ كُلِّيٌّ، فَهُنَاكَ أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: مَاهِيَّةُ الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ، وَهُوَ الطَّبِيعِيُّ الثَّانِي: قَيَّدَ كَوْنَهُ كُلِّيًّا أَيْ: يَشْتَرِكُ فِي مَفْهُومِهِ كَثِيرُونَ، وَهِيَ الْمَنْطِقِيُّ.
وَالثَّالِثُ: تِلْكَ الْمَاهِيَّةُ بِقَيْدِ كَوْنِهَا كُلِّيَّةً، وَهُوَ الْعَقْلِيُّ. فَأَمَّا الطَّبِيعِيُّ: فَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ مَوْجُودٌ، وَجُزْءُ هَذَا الْبَيْعِ نَفْسُ الْبَيْعِ بِالضَّرُورَةِ، وَجُزْءُ الْمَوْجُودِ مَوْجُودٌ. وَأَمَّا الْمَنْطِقِيُّ وَالْعَقْلِيُّ: فَفِي وُجُودِهِمَا فِي الْخَارِجِ خِلَافٌ يَتَفَرَّعُ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْأُمُورَ النِّسْبِيَّةَ هَلْ لَهَا وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ أَمْ لَا؟ وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُقَلَاءِ. قَالَ: وَبِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَتَبَيَّنُ ضَعْفُ كَلَامِ الْآمِدِيَّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْبِيَاعَاتِ هُوَ الْكُلِّيُّ الطَّبِيعِيُّ، وَلَا شَكَّ فِي وُجُودِهِ فِي الْأَعْيَانِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْكُلِّيَّيْنِ الْآخَرَيْنِ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ عَدَمُ تَصَوُّرِهِ فِي نَفْسِ الطَّلَبِ وَلُزُومِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُطْلَقِ غَيْرُ الْقَيْدِ فِي اللَّفْظِ بِقَيْدٍ أَوْ وَصْفِهِ، بَلْ أَطْلَقَ إنْ طُلِبَ فِعْلٌ مِنْ الْأَفْعَالِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا لَا يُطْلَبُ إيقَاعُهُ فِي الْأَعْيَانِ لَا يَكُونُ كُلِّيًّا؛ لِأَنَّ الْكُلِّيَّ لَيْسَ فِي الْخَارِجِ وَلَا يَقْبَلُهُ الْخَارِجُ، وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَيَكُونُ الْمَطْلُوبُ جُزْئِيًّا.
قُلْنَا: وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جُزْئِيًّا مُعَيَّنًا عِنْدَ الْمُكَلَّفِ تَقَعُ فِيهِ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ قَطْعًا فَإِذَنْ يَكُونُ الْمَطْلُوبُ جُزْئِيًّا غَيْرَ مُعَيَّنٍ مِثْلَ النَّكِرَاتِ كُلِّهَا كَمَا تَقُولُ: إذَا لَقِيت رَجُلًا فَأَكْرِمْهُ، فَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِي يَلْقَاهُ هُوَ جُزْئِيٌّ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ وَيُفَسِّرُ اللِّقَاءُ بِمُعَيَّنٍ، وَالْقَائِلُ الْآخَرُ يَقُولُ: الْمَطْلُوبُ الْمَاهِيَّةُ الْكُلِّيَّةُ وَيَتَفَسَّرُ بِجُزْءٍ مِنْهَا أَوْ جُزْئِيَّاتٍ.