الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّانِي: أَنَّهُ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ. وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَصَرَّحَ بِهِ النُّحَاةُ: أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ أَبُو يُوسُفَ مِثْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَزَيْدٌ مِثْلُ زُهَيْرٍ، وَاشْتَرَيْت كِتَابَ سِيبَوَيْهِ، وَقَدْ تَحَصَّلْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَذَاهِبَ، وَيَجِبُ تَخْصِيصُ مَحَلِّ الْخِلَافِ بِالْأَعْلَامِ الْمُجَدَّدَةِ دُونَ الْمَوْضُوعَةِ بِوَضْعِ أَهْلِ اللُّغَةِ، فَإِنَّهَا حَقَائِقُ لُغَوِيَّةٌ.
[مَسْأَلَةٌ الْحَقِيقَةُ لَا تَسْتَلْزِمُ الْمَجَازَ]
َ] قَالُوا: لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْحَقِيقَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ الْمَجَازَ؛ إذْ الْوَضْعُ لَا يَسْتَلْزِمُ الثَّانِي، وَالْأَصْلُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْفَرْعَ، وَلَيْسَ كُلُّ الْحَقِيقَةِ تَكُونُ فِي غَيْرِهَا عَلَاقَةً فِيهَا مُسَوِّغَةً لِلتَّجَوُّزِ، بَلْ الْحَقِيقَةُ يَكُونُ لَهَا مَجَازٌ كَالْبَحْرِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ كَالْفَرَسِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: وَمِنْ حُكْمِ هَذَا أَنَّهُ إذَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ فَهَلْ هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَلَا يُعْدَلُ بِهِ عَنْهَا إلَى الْمَجَازِ إلَّا بِدَلِيلٍ؟ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِيءَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مِنْ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْأَوَّلَ هَلْ يَسْتَلْزِمُ ثَانِيًا كَمَا فَرَّعَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ؟ إذْ الْحَقِيقَةُ فِيهَا قَيْدُ الْأَوَّلِيَّةِ. ثُمَّ رَأَيْت الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ فِي كِتَابِ " التَّقْرِيبِ " حَكَى عَنْ بَعْضِ الْقَدَرِيَّةِ أَنَّ كُلَّ حَقِيقَةٍ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مَجَازٍ، وَمَا لَا مَجَازَ لَهُ فَلَا يُقَالُ: إنَّ لَهُ حَقِيقَةً، وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى حِكَايَتِهِمْ الْإِجْمَاعَ فِيمَا سَبَقَ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَجَازِ هَلْ يَسْتَلْزِمُ الْحَقِيقَةَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ أَنْ تَكُونَ الْحَقِيقَةُ قَدْ وُجِدَتْ وَاسْتُعْمِلَتْ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى أَوْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: نَعَمْ وَبِهِ جَزَمَ الشَّيْخُ فِي " اللُّمَعِ " وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ فُورَكٍ. قَالَ: كَمَا أَنَّ لِكُلِّ فَرْعٍ أَصْلًا، وَابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ " وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ " وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ فِي " الْمُعْتَمَدِ "، وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي " الْمُلَخَّصِ "، وَالْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ وَالْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَالْإِبْيَارِيُّ فِي " شَرْحِ الْبُرْهَانِ " وَغَيْرُهُمْ، فَكُلُّ مَجَازٍ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقِيقَةٌ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهَا، وَالْفَرْعُ يَسْتَلْزِمُ الْأَصْلَ، وَلِأَنَّ الثَّانِيَ يَسْتَدْعِي أَوَّلًا. وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْآمِدِيَّ وَابْنِ الْحَاجِبِ: الْمَنْعُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ السَّاعَاتِيِّ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ وَاخْتَارَهُ الْبَيْضَاوِيُّ فِي " الْمِرْصَادِ "؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ فَفَائِدَةُ الْوَضْعِ التَّهَيُّؤُ لِلِاسْتِعْمَالِ، وَلِأَنَّ اللَّفْظَ بَعْدَ وَضْعِهِ وَقَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ لَا حَقِيقَةٌ وَلَا مَجَازٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى بِهِ حِينَئِذٍ غَيْرُهُ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ مَجَازًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ. وَالْحَقُّ: أَنَّ الْمَجَازَ يَفْتَقِرُ إلَى سَبْقِ وَضْعٍ أَوَّلَ، لَا إلَى سَبْقِ حَقِيقَةٍ، وَكَذَا قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: الْحَقُّ أَنَّ الْمَجَازَ يَسْتَلْزِمُ اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ، بِإِزَاءِ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي، وَالْحَقِيقَةُ لَيْسَتْ اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ بَلْ الْمُسْتَعْمَلَ فِيمَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ، وَاخْتَلَفَ كَلَامُ الرَّازِيَّ فِي مُنْتَخَبِهِ " وَأَوَّلَهُ ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ بِأَنَّهُ حَيْثُ قَالَ: لَا يَسْتَلْزِمُ، أَرَادَ بِهِ الْجَوَازَ الْعَقْلِيَّ، وَحَيْثُ يُقَالُ: يَسْتَلْزِمُهُ، أَرَادَ بِهِ الْوَضْعَ، فَإِنَّا لَمْ نَعْرِفْ أَنَّ الْأَلْفَاظَ مَوْضُوعَةٌ بِإِزَاءِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ إلَّا بِالِاسْتِعْمَالِ، وَلَا نَعْرِفُ عَيْنَ الْوَاضِعِ مِنْ تَوَقُّفٍ أَوْ مُصْطَلَحٍ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُفْرَدِ لَا الْمُرَكَّبِ.