الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إحْدَاهَا: أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ مُرِيدًا لِإِيجَادِ الصِّيغَةِ حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ مُرِيدًا لَهَا بِأَنْ يَكُونَ سَاهِيًا أَوْ ذَاهِلًا أَوْ نَائِمًا لَا تَكُونُ الصِّيغَةُ الصَّادِرَةُ مِنْهُ أَمْرًا. وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مُرِيدًا لِصَرْفِ صِيغَةِ الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْأَمْرِ إلَى جِهَةِ الْأَمْرِ. فَإِنَّ الْأَمْرَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى جِهَاتٍ كَالتَّعْجِيزِ وَالتَّكْوِينِ وَالْوَعِيدِ وَالزَّجْرِ وَغَيْرِهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُرِيدًا لِصَرْفِ الصِّيغَةِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَاتِ إلَى جِهَةِ الْأَمْرِ وَعَبَّرَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ هَذَا فَقَالَ: فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُرِيدًا بِالصِّيغَةِ مَا هُوَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ. وَالثَّالِثَةُ: هِيَ إرَادَةُ فِعْلِ الْمَأْمُورِ وَالِامْتِثَالِ، فَأَمَّا الْأُولَى، وَهِيَ إرَادَةُ إيجَادِ الصِّيغَةِ فَلَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِهَا
[الثَّانِيَةُ إرَادَةُ صَرْفِ الصِّيغَةِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْأَمْرِ إلَى جِهَةِ الْأَمْرِ]
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ، وَهِيَ إرَادَةُ صَرْفِ الصِّيغَةِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْأَمْرِ إلَى جِهَةِ الْأَمْرِ فَاخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا، فَذَهَبَ الْمُتَكَلِّمُونَ إلَى اعْتِبَارِهَا، وَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ مِنْهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ، لَكِنْ إذَا وَرَدَتْ الصِّيغَةُ مُجَرَّدَةً عَنْ الْقَرَائِنِ حُمِلَتْ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ: فَهِيَ مَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ، وَاتَّفَقَ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى اعْتِبَارِهَا. قَالَ: وَهُوَ يَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ كَبِيرٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَهُوَ أَنَّ الْكَائِنَاتِ بِأَسْرِهَا وَحَيِّزِهَا لَا تَجْرِي عِنْدَنَا إلَّا بِإِرَادَةِ اللَّهِ. وَأَمَّا الْمَازِرِيُّ فَنَقَلَ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ اشْتِرَاطَ الْإِرَادَاتِ الثَّلَاثِ إلَّا الْكَعْبِيَّ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ الْأُولَى. قَالَ الْمُقْتَرَحُ ": فَمَذْهَبُ الْكَعْبِيِّ مُتَهَافِتٌ فَإِنَّهُ نَفْيٌ لِلْإِرَادَةِ عَنْ الْقَدِيمِ تَعَالَى، وَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ الْبَارِي - تَعَالَى - آمِرًا. وَفِيهِ رَفْضُ الشَّرَائِعِ عَنْ آخِرِهَا، وَلَمَّا قِيلَ لَهُ: إنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ طَافِحٌ بِنِسْبَةِ الْإِرَادَةِ إلَيْهِ تَعَالَى، فَكَيْفَ جَوَابُك؟ قَالَ: إنْ أُرِيدَ بِأَنَّهُ مُرِيدٌ لِأَفْعَالِهِ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ خَالِقُهَا وَمُنْشِئُهَا، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ مُرِيدٌ لِأَفْعَالِ عِبَادِهِ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا، وَهَذَا
الْكَلَامُ ظَاهِرُ التَّنَاقُضِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ الْإِرَادَةُ، ثُمَّ يُجْعَلُ إطْلَاقُ الْإِرَادَةِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى الْآمِرِ. وَلِمَنْ يَنْتَصِرُ لِلْكَعْبِيِّ أَنْ يَقُولَ: هُوَ لَمْ يَنْفِهَا غَايَتُهُ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ النَّفْيُ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ عِنْدَنَا غَيْرُ الْإِرَادَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَقُومُ بِالنَّفْسِ عِنْدَ الطَّلَبِ مَعْنًى غَيْرُ إرَادَةِ الْفِعْلِ فَإِنَّا نَجِدُ الْآمِرَ يَأْمُرُ بِمَا لَا يُرِيدُ، وَهُوَ آمِرٌ، وَإِلَّا لَمَا عُدَّ تَارِكُهُ مُخَالِفًا. وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: هُوَ إرَادَةُ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَيَلْزَمُهُمْ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ تَكُونَ الْمَعَاصِي الْوَاقِعَةُ مَأْمُورًا بِهَا؛ لِأَنَّهَا مُرَادَةٌ، أَوْ لَا يَكُونُ وُقُوعُهَا بِإِرَادَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُحَالٌ. وَلِلتَّخَلُّصِ مِنْ هَذِهِ الْوَرْطَةِ صَارَ أَصْحَابُنَا إلَى التَّغَايُرِ بَيْنَهُمَا، لَكِنْ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَمْرَ بِمَا لَا يُرِيدُهُ حَقِيقَةٌ، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ صِيغَتَهُ صِيغَةُ الْأَمْرِ، وَقَدْ يُمْنَعُ بِمَا سَبَقَ فَإِنَّهُ يُعَدُّ تَارِكُهُ مُخَالِفًا. وَعِنْدِي: أَنَّ الْخِلَافَ لَمْ يَتَوَارَدْ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَإِنَّا نُرِيدُ بِالْإِرَادَةِ الطَّلَبَ النَّفْسِيَّ الَّذِي لَا يَتَخَلَّفُ، وَالْمُعْتَزِلَةُ لَا يُرِيدُونَ ذَلِكَ لِإِنْكَارِهِمْ كَلَامَ النَّفْسِ، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ: إنَّ الْوَاضِعَ وَضَعَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لِلطَّلَبِ الَّذِي يَعْرِفُهُ كُلُّ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ هُوَ الْإِرَادَةُ، فَعَلِمْنَا أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ مَوْضُوعَةٌ لِلْإِرَادَةِ.
وَقَالُوا: الطَّلَبُ الَّذِي يُغَايِرُ الْإِرَادَةَ لَوْ صَحَّ الْقَوْلُ بِهِ لَكَانَ أَمْرًا خَفِيًّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا الْخَوَاصُّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوضَعَ اللَّفْظُ لِمَعْنًى خَفِيٍّ. وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِعِ ": ثُمَّ هُوَ أَمْرٌ بِصِيغَتِهِ وَلَيْسَ بِأَمْرٍ. بِالْإِرَادَةِ، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ هُوَ أَمْرٌ بِإِرَادَةِ الْآمِرِ الْمَأْمُورَ بِهِ، وَهِيَ تَنْبَنِي عَلَى مَسْأَلَةٍ كَلَامِيَّةٍ فَإِنَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ بِالشَّيْءِ وَلَا يُرِيدَهُ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - إبْلِيسَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْجُدَ، وَنَهَى آدَمَ عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ، وَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ، وَأَمَرَ إبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ ابْنِهِ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يُذْبَحَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا