الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَذَا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ " قَالَ: وَالنَّظَرُ فِيهَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَحْثِ عَنْ مُتَعَلَّقِ التَّكْلِيفِ.
[مَسْأَلَةٌ الْمُكَلَّفُ بِهِ فِي النَّهْيِ]
ِ] لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ فِي الْأَمْرِ الْفِعْلُ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمُكَلَّفِ بِهِ فِي النَّهْيِ هَلْ الْمُكَلَّفُ بِهِ ضِدُّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، أَوْ عَدَمُ الْفِعْلِ؟ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا، وَمَعْنَى " لَا تَزْنِ " عِنْدَهُمْ تَلَبُّسُ ضِدٍّ مِنْ أَضْدَادِ الزِّنَى أَيْ: افْعَلْ فِعْلًا غَيْرَهُ مُبَاحًا أَيَّ فِعْلٍ كَانَ. وَقَالَ أَبُو هَاشِمٍ: مَعْنَاهُ لَا تَفْعَلْ الزِّنَى مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلضِّدِّ حَتَّى لَوْ خَلَا عَنْ الْمَأْمُورِ وَعَنْ كُلِّ تَرْكٍ لَهُ اسْتَحَقَّ الذَّمَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَمَّا بَاحَ بِهَذَا خَالَفَهُ أَصْحَابُنَا مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَقَالُوا: مَا زِلْت مُنْكِرًا عَلَى الْجَبْرِيَّةِ إثْبَاتَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَى مَا لَيْسَ بِخَلْقٍ لَهُمْ وَلَيْسَ بِفِعْلٍ لَهُمْ عَلَى التَّحْقِيقِ، ثُمَّ صِرْت إلَى ثُبُوتِ الذَّمِّ مِنْ غَيْرِ إقْدَامٍ عَلَى فِعْلٍ. وَسُمِّيَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَبُو هَاشِمٍ الذِّمِّيُّ حَيْثُ إنَّهُ عَلَّقَ بِالذَّمِّ الْمَعْدُومَ، وَهَذَا يَهْدِمُ جُمْلَةَ قَوَاعِدِهِ فِي التَّعْدِيلِ وَالتَّجْوِيزِ. وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ النَّظَرَ هَلْ هُوَ إلَى صُورَةِ اللَّفْظِ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الْعَدَمُ؟ فَإِذَا قَالَ: لَا تَتَحَرَّكْ، فَعَدَمُ الْحَرَكَةِ هُوَ مُتَعَلَّقُ النَّهْيِ، أَوْ يُلَاحَظُ أَنَّ الطَّلَبَ إنَّمَا وُضِعَ لِمَا هُوَ مَقْدُورٌ مِمَّا لَيْسَ بِمَقْدُورٍ، وَلَا يُطْلَبُ عَدَمُهُ، وَالْعَدَمُ نَفْيٌ صِرْفٌ، فَلَا يَكُونُ مَقْدُورًا، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ طَلَبٌ، فَتَعَيَّنَ تَعَلُّقُ الطَّلَبِ بِالضِّدِّ.
فَالْجُمْهُورُ لَحَظُوا الْمَعْنَى وَأَبُو هَاشِمٍ لَحَظَ اللَّفْظَ، وَالْمَعْنَى أَتَمُّ فِي الِاعْتِبَارِ مِنْ صُورَةِ اللَّفْظِ. وَنَقَلَ التَّبْرِيزِيُّ عَنْ الْغَزَالِيِّ مُوَافَقَةَ أَبِي هَاشِمٍ، وَهُوَ مَعْذُورٌ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمَنْخُولِ " قُبَيْلَ بَابِ الْعُمُومِ: وَأَمَّا التُّرُوكُ فَعِبَارَةٌ عَنْ أَضْدَادِ الْوَاجِبَاتِ، كَالْقُعُودِ عِنْدَ الْأَمْرِ بِالْقِيَامِ، ثُمَّ بَعْضُ تَرْكِ الْقِيَامِ لَا بِالْقُعُودِ، وَوَافَقَنَا عَلَيْهِ أَبُو هَاشِمٍ الذِّمِّيُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَلَّقَ الذَّمَّ بِالْمَعْدُومِ. انْتَهَى. وَهَذَا النَّقْلُ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ مَرْدُودٌ، فَإِنَّ مَنْ أُمِرَ بِالْقِيَامِ فَلَمْ يَمْتَثِلْ، عَصَى عِنْدَهُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَفْعَلْ الْقِيَامَ لَا لِكَوْنِهِ فَعَلَ التَّرْكَ، وَكَوْنُهُ لَمْ يَفْعَلْ نَفْيٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَعَلَيْهِ يُذَمُّ، وَلِهَذَا سُمِّيَ الذِّمِّيُّ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَصْفَى " فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ التَّرْكِ الْمُجَرَّدِ الْمَقْصُودِ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ مَعَهُ ضِدَّهُ بِالْمُكَلَّفِ فِيهِ بِالْفِعْلِ كَالصَّوْمِ، فَالْكَفُّ مِنْهُ مَقْصُودٌ، وَلِهَذَا وَجَبَ فِيهِ النِّيَّةُ وَبَيْنَ التَّرْكِ الْمَقْصُودِ مِنْ جِهَةِ إيقَاعِ ضِدِّهِ كَالزِّنَا وَالشُّرْبِ فَالْمُكَلَّفُ فِيهِ بِالضِّدِّ. وَتَبِعَهُ الْعَبْدَرِيُّ فِي شَرْحِهِ.
قَالَ: وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ التَّرْكُ مَقْدُورٌ لِلْعَبْدِ فَيَصِحُّ التَّكْلِيفُ كَالْفِعْلِ أَمْ لَا؟ قَالَ: وَهِيَ حِينَئِذٍ كَلَامِيَّةٌ فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْبَحْثِ فِي أَنَّهُ مَقْدُورٌ أَمْ لَا عَلَى هَذِهِ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا إلَّا لِكَيْفِيَّةِ وُقُوعِهِ فِي الشَّرْعِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: التَّحْرِيرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ: الْمَطْلُوبُ فِي النَّهْيِ الِانْتِهَاءُ وَيَلْزَمُ مِنْ الِانْتِهَاءِ فِعْلُ ضِدِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَلَا يُعْكَسُ، فَقَالَ: الْمَطْلُوبُ ضِدُّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ الِانْتِهَاءُ؛ لِأَنَّ الِانْتِهَاءَ مُتَقَدِّمٌ فِي الرُّتْبَةِ فِي الْفِعْلِ عَلَى فِعْلِ الضِّدِّ فَكَانَ مَعَهُ كَالسَّبَبِ مَعَ الْمُسَبَّبِ، فَالِانْتِهَاءُ وَفِعْلُ الضِّدِّ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، لَكِنَّ الِانْتِهَاءَ مُتَقَدِّمٌ بِالرُّتْبَةِ تَقَدُّمَ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ حَتَّى لَوْ
فُرِضَ أَنَّ الِانْتِهَاءَ يَحْصُلُ بِدُونِ فِعْلِ الضِّدِّ حَصَلَ الْمَطْلُوبُ بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ إلَى فِعْلِ الضِّدِّ لَكِنَّ ذَلِكَ فَرْضٌ غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَالْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ إنَّمَا هُوَ الِانْتِهَاءُ، وَأَمَّا فِعْلُ الضِّدِّ فَلَا يُقْصَدُ إلَّا بِالِالْتِزَامِ بَلْ قَدْ لَا يُقْصَدُ أَصْلًا، وَلَا يَسْتَحْضِرُ الْمُتَكَلِّمُ، وَمَتَى قَصَدَ فِعْلَ الضِّدِّ وَطَلَبَهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَانَ أَمْرًا؛ لَا نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ. وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي حَمْلُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي هَاشِمٍ: إنَّ الْمَطْلُوبَ نَفْسُ " لَا تَفْعَلْ " فَهُوَ وَإِنْ تَبَادَرَ إلَى الذِّهْنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ حَرْفَ النَّهْيِ وَرَدَ عَلَى الْفِعْلِ، فَقَدْ طَلَبَ مِنْهُ عَدَمَهُ لَكِنَّ نَفْسَ أَنْ " لَا تَفْعَلَ " عَدَمٌ مَحْضٌ فَلَا يُكَلَّفُ بِهِ وَلَا يُطْلَبُ، وَإِنَّمَا يُطْلَبُ، مِنْ الْمُكَلَّفِ مَا لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى تَحْصِيلِهِ، فَلَعَلَّ مُرَادَ أَبِي هَاشِمٍ الَّذِي هُوَ مِنْ الِانْتِهَاءِ، وَالِانْتِهَاءُ فِعْلٌ، فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ تَقَارَبَ الْمَذْهَبَانِ، وَيَكُونُ الْجُمْهُورُ نَظَرُوا إلَى حَقِيقَةِ مَا هُوَ مُكَلَّفٌ بِهِ، وَأَبُو هَاشِمٍ نَظَّرَ إلَى الْمَقْصُودِ بِهِ، وَهُوَ إعْدَامُ دُخُولِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي الْوُجُودِ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ أَبُو هَاشِمٍ ذَلِكَ وَأَرَادَ أَنَّ الْعَدَمَ الصِّرْفَ الَّذِي لَا صُنْعَ لِلْمُكَلَّفِ فِي تَحْصِيلِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ. تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ:[الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ] سَأَلُوا الْفَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَنَا: الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ هُوَ مَعْنَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِعْلُ الضِّدِّ، وَمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ أَمْرًا بِضِدِّهِ هُوَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ انْتِفَاءُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، فَالْمَسْأَلَتَانِ وَاحِدَةٌ. وَأَجَابَ الْأَصْفَهَانِيُّ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بَحْثٌ لَفْظِيٌّ، وَفِي هَذِهِ مَعْنَوِيٌّ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْأَمْرَ لَفْظًا أَنَّ الْمَطْلُوبَ الْمَعْنَوِيَّ مَأْمُورٌ بِهِ عَلَى مَا قَالَهُ فَيَحْصُلُ الِاشْتِبَاهُ.
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَنَا: النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ بَحْثٌ فِي الْمُتَعَلِّقَاتِ - بِكَسْرِ اللَّامِ - فَإِنَّ النَّهْيَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَالْأَمْرُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَأْمُورِ، وَقَوْلُنَا: الْمَطْلُوبُ فِي النَّهْيِ فِعْلُ الضِّدِّ بَحْثٌ فِي الْمُتَعَلَّقَاتِ - بِفَتْحِ اللَّامِ -. وَرُدَّ بِأَنَّهُمَا وَإِنْ تَغَايَرَا لَكِنَّهُ تَغَايُرٌ صُورِيٌّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ تَدَاخُلِ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْأُخْرَى. الثَّانِي: أَنَّ الْبَحْثَ فِي تِلْكَ مِنْ جِهَةِ دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ أَيْ: أَنَّهُ مَنْ نَهَى عَنْ الشَّيْءِ مُطَابَقَةً دَلَّ عَلَى طَلَبِ ضِدِّهِ الْتِزَامًا، وَالْبَحْثُ فِي هَذِهِ مِنْ جِهَةِ دَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ فَمَا مَدْلُولُهُمَا الْمُطَابِقُ هَلْ هُوَ الْعَدَمُ أَوْ ضِدُّهُ؟ . قِيلَ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الِالْتِزَامِ لَا الْمُطَابَقَةِ عَلَى مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ. وَوَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّ قَوْلَهُمْ: الْمَطْلُوبُ بِالنَّهْيِ فِعْلُ الضِّدِّ مُرَادُهُمْ بِهِ الضِّدُّ الْعَامُّ، وَهُوَ الِانْتِهَاءُ الْحَاصِلُ بِوَاحِدٍ مِنْ الْأَضْدَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ: النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ قَدْ بَيَّنُوا أَنَّهُ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ مُرَادٌ بِهِ الضِّدُّ الْخَاصُّ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَضْدَادِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الِانْتِهَاءُ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ أَرَادُوا الضِّدَّ الْعَامَّ لَزِمَ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى لَكِنْ لَا يَكُونُ تَكْرَارًا بَلْ هُمَا مَسْأَلَتَانِ، وَإِنْ لَزِمَ مِنْ مَعْرِفَةِ إحْدَاهُمَا حُكْمُ الْأُخْرَى فَلَا يَضُرُّ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ السُّؤَالُ لَوْ كَانُوا وَضَعُوا مَسْأَلَةَ " النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ " أَوْ لَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْمَحْصُولِ " بَلْ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَتَكَلَّمَ غَيْرُهُ فِي أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ هَلْ هُوَ أَمْرٌ بِضِدِّهِ؟ التَّنْبِيهُ الثَّانِي: عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ فَرْضُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ ضِدٌّ وُجُودِيٌّ يُفْهَمُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يُنْهَى عَنْ شَيْءٍ لَا يُفْهَمُ غَيْرُ تَرْكِ ذَلِكَ